تابعنا على

جور نار

التربية نجمتُنا… المدرسة خيمتُنا

نشرت

في

بعد أيام يلتحق رُبع الشعب التونسي تقريبا بالمدارس والكليات ومراكز التكوين، وإن الناظر إلى مشهد الاستعداد لهذه العودة يستطيع تبيّن نزعتين كبيرتين تخترقان مُهجة التونسيين :

منصف الخميري Moncef Khemiri
منصف الخميري

نزعة تعتبر أن العودة المدرسية بمثابة عقوبة مسلّطة خاصة على المدرّسين فترى بعضهم يقول “ذكّركم بالعودة ونكّد عليهم” أو “أكثروا من النوم قبل العشرة الأواخر” أو كذلك “ستكون عودة مثل أخواتها لا جديد فيها سوى إهانة المعلّمين وتبخيس الأساتذة والمدرّسين ” في استباق كارثي لمجريات السنة الدراسية الجديدة، وأخرى تنمّ عن نوع من الاحتفاء بالمدرسة والعودة إلى مقاعدها ومباهجها، فترى الأولياء يسارعون إلى “تجهيز” أبنائهم وبناتهم بما تيسّر من إمكانيات رغم شحّة الموارد والغلاء المتزايد في أسعار الأدوات والأزياء.

(أقول هنا بصفة عابرة أن الجامعيين يعيشون اقتراب مواعيد العودة الجامعية بتوتر أقل مقارنة بزملائهم المعلمين والأساتذة في الثانوي، لكونهم بصورة عامة متحررين بشكل لافت من كل أنواع القيود ومراقبة جودة الأداء).

أنا شخصيا من معتنقي النزعة التنسيبيّة التي تقول انه بمستطاعنا أن نؤلّف مُتونا ومجلّدات حول مُكبّلات مدرستنا التونسية وما يتهدّدها من أخطار وإخلالات مرصّعة، تحول دون انبعاث مدرسة جديدة تُرسمل المكتسبات وتستفيد من كل الأزمات الحادة التي عاشتها في سبيل تحقيق انتعاشة تربوية حقيقية، توهّل الأجيال وترسخ القيم وتشقّ طرقا سيارة عبر صحاري الأميّة وأدغال الخرافة وأحراش البقاء على قارعة العلم والمعرفة… لكن التشخيص لا فائدة منه إلا متى وُضع على طاولة من يريدون إجراء إصلاحات بشكل جدي، وإن لعْن معوّقات تطور مدرستنا بشكل مستمر لن يزيدنا إلا إحباطا وإصرارا على استبعاد أي أمل في الإصلاح والتجاوز وإعادة البناء.

وعليه، ليس أمام التونسيين سوى المحافظة على هذا المصعد المعطوب حتى وإن تدنّى أداؤه وتعالى أزيزه وفاقت الحمولة مستوى تحمّلهُ.

نتمسّك بمدرستنا وندافع عنها ونعتبرها مكسبا استراتيجيا لن نفرّط فيه :

لكوننا شعبا “زوّالي” بالنسبة إلى أغلبيته الساحقة يظل بحاجة متأكدة إلى تفعيل محرّكات التكاتف والتضامن فيه من خلال وجود دولة تسهر على توفير مرافق ميسّرة مثل الإدارة والمدرسة والأمن والحافلة والمستشفى والطريق والماء والكهرباء والتي كلّما تراجعت، بقيت شرائح واسعة بلا كفيل ولا بديل. وحيثما حافظت على بعض مناطق الضوء فيها، تسنّى إنقاذ الكثيرين من التّيه والموت والجهل وضنك الحياة.

يُغريني في هذا المجال تقديم ملاحظة تتمثل في كون سامي إطارات الدولة التونسية بصورة عامة (أتحدث عن الأسوياء وغير الضّالعين في استجلاب الأموال على غير الصيغ الشرعية) غالبا ما تكون زوجاتهم موظفات عاديّات أو معتنيات بشؤون منازلهنّ وأبنائهنّ، وعادة ما يأكلون أو يلبسون مثلما يأكل أو يلبس سائر التونسيين … كأننا كتلة متجانسة بنسبة عالية جدا يجمعها اللبلابي والأكلات الشعبية ومقاعد المدرسة العمومية.

ونذود عن مدرستنا ونسعى بكل ما أوتينا من قوة اقتراح وشديد نُباح  إلى تطوير أدائها لأنها هي من لاذ إليها شبابنا المتخرّج عندما انحسرت آفاق التشغيل في ربوعنا، وضاق صدر مؤسساتنا الاقتصادية والمالية والصناعية الرثّة بكفاءاتنا النيّرة التي راحت تتلقّفها كبرى الشركات والمنصّات عبر العالم.

ومازلنا نزرع الأمل في مستقبل مدرستنا رغم هوانها، باعتبارها مازالت تتوفّر على كل مقوّمات التميّز والتفوّق من بنية تحتيّة متّسعة وموارد بشريّة أثبتت جدارتها، وبرامج قُدّت في مجملها بما ينسجم مع روح العصر والتوجّهات الحديثة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والمعارف الانسانية.

وسنظل نرفض سيناريوهات الخراب القائلة بأن مدرستنا آيلة للسقوط أو ان تعليمنا في حالة موت سريري أو كذلك ان المال والجاه والنفوذ والرفاه قد غيّرت العنوان لتصبح في ضفة مسالك الأرباح السهلة مثل التجارة الموازية وتهريب العملة وشتى أنواع الحبوب وعرض المفاتن والمفاتل على شاشات التيك توك والانستغرام.

ونشدّ بنواجدنا على ما تبقّى لنا (كما يفعل كل المقاومين المؤمنين بعدالة قضاياهم عبر العالم وعبر التاريخ) من مدرسة شيّدها أجدادنا بعرق جباههم وجدّاتنا بمصوغ صدورهنّ الطاهرة، لتُقبل أجيال بأكملها على فكّ رموز الحرف والشّرب من عيون مائية عذبة كانت محجوبة عنها لأن الغازي الأجنبي ومعاونيه المحليين كانوا يعتبرون أن التمدرس من شيم الأكابر والشرب من الغدران والبِرك كفيل بإبقائنا رهن إرادتهم السّمجة.

وعلى هذا النحو تكون المحافظة على هذا الإرث والارتقاء به أمانة تاريخية ومكسبا ندين به لمن عبّدوا أمامنا الطريق وأصبح لنا اسم وعلم ومدرسة نباهي بها بين الأمم والشعوب.

نُفاخر بمدرستنا التونسية أينما حللنا نحن أبناءها في مختلف مواقع العمل والإنتاج والبرمجة والتطوير والتدريس والتأطير إفريقيّا وعربيا وكونيّا وفي الندوات والملتقيات الدولية رغم أنه تنقصنا أحيانا بعض “المهارات” أو “القدرات الاتصالية” لكننا لسنا كُسّح أو من ذوي العاهات المُشلّة للقدرة على منافسة نظرائنا في بلدان أخرى… وكم من قامة تونسية تكوّنت وتدرّبت وتمرّست على أياد تونسية وتحت أسقف تونسية، راحت تُنازع كبار المختصين في ساحات أجنبية سواء في لغاتهم وبلغاتهم أو في التاريخ أو في الطب أو كذلك حديثا في أدق العلوم وأحدثها.

ونظل مؤمنين بأنه لا خيار لنا سوى الاحتماء بمدرستنا (والتي حان الوقت لكي تحتمي بنا حتى لا تصدأ مفاعلاتها تماما) لأن مستقبل العالم كما تؤكد ذلك كل الدراسات الاستشرافية سيكون مبنيّا على مُخرجات المدرسة (بمفهومها الواسع) أي ما سيراكمه أبناؤنا وبناتنا من معارف واقتدارات واستعدادات داخل الفصول وليس خارجها. ويصحّ هذا الاستقراء تماما خاصة عندما نقدر على فسخ الفكرة القائلة بأن المدرسة جُعلت لتكوين الأدباء والرياضيين والأطباء والمهندسين (قياسا على خارطة الشُعب المدرسية المتهالكة التي مازلنا متمكسين بها رغم اهتزاز أركانها) بل هي لاكتساب مفاتيح التواصل وأصول المعارف وأسس العلوم والتكنولوجيا في حدودها الدنيا، قبل ولوج ساحات العالم وباحاته بحِرَفها ومهنها واختصاصاتها وصنائعها ومجالات الفعل والنشاط الانسانيين المتعددة والمتنوعة… خاصة إذا علمنا أن المدرسة اليوم تُكوّن من أجل مهن ليست موجودة بعدُ (85 بالمائة من مهن 2030 غير معروفة اليوم سنة 2023 كما تقول بعض الدراسات).

من أجل كل ذلك،

سنبقى معتزّين بمدرستنا وما تحرزه من نجاحات مشوبة بعديد النقائص والهِنات ولكننا في ذات الوقت سنواصل إعلاء أصواتنا قصد دفع دولتنا والضغط عليها من أجل بناء مدرسة جديدة تولد من رحم هذه وتكون قادرة على تحقيق خمسة أهداف كبرى على الأقل :

1. تجريم الانقطاع وتحميل مسؤولية هذا الجرم للعائلة والدولة في آن واحد، والنزول بعدد المغادرين دون أدنى تأهيل إلى أسفل درجاته وهو هدف سهل المنال لو يتوفر صدق الإرادة والسيادة.

2. توقيف مهنة التدريس في كل مستوياتها وجعلها حِكرا (نعم حِكرا استثنائيا) على من هم جديرون بذلك وفقا لتقييمات صارمة وتكوين حقيقي لا يجامل أحدا… ولو كلّف ذلك المجموعة الوطنية عبئا إضافيا إذا بقي البعض زائدا عن النصاب.

3. استثمار كل الامكانيات وتوظيف مجمل ذكائنا الوطني في صهر التعليم التكنولوجي (دعْنا من تسمية التكوين المهني التي ارتبطت تونسيا بالفشل الدراسي) ضمن المنظومة الوطنية لتكوين الكفاءات، وجعلها معبرا عاديّا مثله مثل الشُعب المدرسية الأخرى.

4. إعادة الاعتبار لمكانة اللغات والتواصل الشفوي في منظومتنا أمام المدّ الضارب لخطاب التفاهة الذي أجّجته تلفزات الإثارة ومواقع صيد المُتابعين بالكركارة.

5. الانكباب فوريا على إجراء إصلاحات موضعية حتى وإن كانت موجعة بما يُنعش مخرجات المدرسة التونسية، بدلا من التكريمات المتواصلة والتصريحات المُخاتلة وموجات الصمت القاتلة.

وسنة دراسية موفّقة للجميع.

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

فلاش باك 3 والأخيرة …

نشرت

في

K libre - حصري الصحفية شهرزاد عكاشة هي من قامت بتسريب... | Facebook

ما استعرضته في الحلقتين الاوليين من فلاش باك هو للامانة توطئة لهذه الحلقة الاخيرة .. للتذكير تحدثت آنفا عن شخصيتين غيّرتا مجرى الاحداث في العشر سنوات الاخيرة .. السيسي عربيا وبوتين دُوليّا …

عبد الكريم قطاطة
عبد الكريم قطاطة

وتغيير مجرى الاحداث وهنا مربض الفرس هو من بديهيات الحياة .. فالله وعد بذلك بقوله (وتلك الايام نداولها بين الناس) .. واحداث انقراض الوجود الاسلامي في اسبانيا جسّدها في رثائه ابو البقاء الرندي بقوله _(هي الامور كما شاهدتها دولُُ ..من سرّه زمن ساءته ازمان) … وجاء من بعده المفكر الكبير جان جاك روسو ليؤكّد هذه البديهية بقوله (LE PLUS FORT N’EST JAMAIS ASSEZ FORT POUR ETRE TOUJOURS LE MAITRE) اي الاقوى ليس قويّا بما فيه الكفاية ليكون دائما السيّد … _ هذه البديهيات نعلمها جميعا ولكن هل نحن ممتلؤون بها بما فيه الكفاية ؟؟

دعوني اطرح بعض الامثلة لبعض البديهيات .. الموت مثلا .. كحقيقة بديهية يكاد يكون عليها اجماع تام سواء كان الواحد منّا يمينيا او يساريا ..مؤمنا او كافرا ..غنيا او فقيرا ..ومع اجماعنا على انها نهاية حتمية لكلّ مخلوقات الله فانّ تعاملنا معها من حيث الصدمة والهلع يختلف من شخص لآخر … المؤمن بها بعمق وحده من يتعامل بردود فعل لا تتجاوز الم الفراق ..آخرون قد تخلّف لهم ازمات ونكبات متعدّدة .. في تقديري الفارق بين الفئتين هو مدى ايماننا بحتمية البديهيات ..

وما نقوله عن الموت نقوله عن كلّ مكوّنات الحياة .. الحرب والسلم .. الليل والنهار .. الملائكة والشياطين .. الجنة وجهنّم .. الصيف والشتاء .. وكما ترون وفي حكمة لا يعرف سرّها الا الخالق، كلّ ما في الكون ومنذ الخلق مبنيّ على هذه الاضداد ..ولولا هذه الاضداد لما كان لكليهما معنى ..اذ ما قيمة وما معنى للحرب دون سلام والعكس صحيح .. وليس معنى هذا ان نتعامل مع هذه الاضداد بشكل سلبي او انهزامي بل ونحن من وهبنا الله عقلا حرّا في كلّ امورنا بما في ذلك الايمان والتديّن (لا اكراه في الدين) علينا ان نختار في صفّ من نكون، في صفّ الظالم او المظلوم ؟ في صفّ الخيّر ام الشرّير ؟ في صفّ قابيل ام هابيل ؟؟

هذا في تقديري مدخل اردته لمعرفة ما يحدث فينا وفي علاقتنا بالآخرين وطنيا واقليميا ودوليّا .. التاريخ علّمنا في ما علّمنا انّ هنالك حركة حتمية تمرّ بها كلّ الدول والامبراطوريات .. البناء الاوّلي .. الازدهار بمفهوميه الايجابي منه والسلبي حين يتحوّل الى تسلّط واستعمار .. ثمّ وهذه بديهيّة اخرى، انهيار وزوال تلك الدول والامبراطوريات …في تاريخنا الحديث وكمثال على ما اوردته كانت بريطانيا من اكبر الدول الاستعمارية الغاشمة حتى الحرب العالمية الثانية … ومنذ 1950 اخذت عنها المشعل الولايات المتحدة ..وكلّ المؤشرات وبعد ظهور نجم بوتين تدلّ على قرب زوال هيمنة الامريكان وظهور قوة جديدة متمثلة في التحالف المرعب بين روسيا والتنين الصيني … والسؤال هنا من يضمن انّ هذه القوة الجديدة عالميا ليست كمن سبقها في بشاعتها ومواصلة استعمارنا .؟..

التاريخ علّمنا كذلك انّ ما يسمّى بالبلدان المستضعفة محتّم عليها ان تساند محورا دون آخر ..خاصة اذا كانت ذات موقع جيو استراتيجي كتونس مثلا يستحيل ان يتركها الاقوياء حرّة في تقرير مصيرها، وذلك سرّ تعاقب كلّ من تودّد اليها او اخضعها للتحالف معه منذ الحقبة القبصية حتّى يوم الناس هذا …. ومن (يفخفخ) علينا بالحياد هو امّا واهم او جاهل بموقع بلده .. اذن مالعمل والله وهبنا موقعا استراتيجيا هاما يربط بين اوروبا وافريقيا ؟؟ في السياسة وفي تقديري وجب التعامل مع الشياطين بمنطق التحالف مع اقلّ الشياطين خبثا .. اي شياطين يلعبون في القسم الخامس هواة …لأنّ الاخرين جنون علينا ..

وحتى يكون موقفنا فيه تقدير للعقل التونسي للتخلّص من عديد الاضرار داخليا وخارجيا، علينا ان نقوم بدراسة بعض النماذج الناجحة سياسيا واجتماعيا تضمن رفاهة العيش وكرامة الفرد ..دراسة انموذج البلدان الاسكندينافية .. دراسة الانموذج الرواندي .. الانموذج الجنوب افريقي .. هذه نماذج حققت ما تصبو اليه المجتمعات من رفاهة وديموقراطية حقيقية، لا تلك المزيّفة التي يتبجّح بها عديد البلدان الغربية واذيالهم وهي كذب ونفاق وسياسة مكيالين …اعود للنماذج التي تحدثت عنها …. ومحاولة دراستها واخضاعها طبعا لخصوصية البلاد وشعبها … لآتي الان الى نقطة مفصلية في شأن دراسة هذه التجارب .. هذا الامر موكول الى اناس مختصين ومشهود لهم بالكفاءة والوطنية .. (دمادم بالحقّ) وليس شان هواة السياسة والاقتصاد والاعلام والتعليم … لانّ ما نقرأه ونسمعه ونراه في جلّ الاحداث الوطنية والدولية لا يتجاوز مرحلة نغنغنة المنغنغين ولغو المراهقين …

ولأنّي من فصيل الاعلام انا على قناعة تامة بانّ ما ندوّنه لا يمكن ان يتجاوز سقف الملاحظات والانطباعات فيعلو صوتنا احيانا ويخبو احيانا اخرى .. فمن غير المنطقي بل من الاجحاف ان تعطونا اكثر مما نستحقّ … نحن مجرّد حروف بسيطة امام قواميس ومجلّدات المختصين اي امام الدمادم في السياسة والاقتصاد وعلم الاجتماع … فلا تنبهروا بنا .. ولا تاخذوا مواقفنا على انهّا زبدة الزبدة .. قد نكون صادقين في آهاتنا وزفراتنا ولكنّ البناء ايّ بناء يحتّم وجود المهندس و”السّطا”.. في ميدانه لا تلك الفئة التي تضخّم عندها الانا واصبحت من قافلة منّي تڨرع ..

وهاكم اخر مثال على ذلك ما قامت به اخيرا بنت عكاشة … يعطي للصحافة عزاء وقت نشوفو خرم وعفن ومافيات ما استمعنا اليه وقللك شنوة شنوة صحافة استقصائية … يا شهرزاد احكي يا شهرزاد سجيليلو كلامو وطويليلو ليلو لطلوع النهار امّا اذا أذّن الديك وصاح لا تصمتي عن الكلام في المباح وغير المباح .. فقط نحب نسألك سؤال وحيد فريد . هاشهرزاد كيفاش عاملة في هاكي البلاد ؟؟ . يخخي شكون يصرف عليك في تركيا .. نحكي على ماكلتك واقامتك واكلة شاربة ؟ شايخة ؟ والا الامور ولّات بايخة ؟؟ …سؤالي بريء كبراءة بنت عكاشة مع ولد الونيسي

أكمل القراءة

جور نار

الغابون … لمن تدقّ أجراس الانقلاب؟

نشرت

في

القى الجنرال اوليغي نغيما (Olighi Nguima) مساء أمس أمام حضور كبير خطابا هاما يرسم الخطوات القادمة إثر الانقلاب الذي قام به صحبة فرقة من الجيش الغابوني بخلع الرئيس السابق علي بنغو الوريث للحكم بعد والده وهي الأسرة التي تولت الحكم الأطول منذ استقلال الغابون سنة 1961.

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari
محمد الزمزاري

في تلك السنة حصلت الغابون على استقلال منقوص تبعا لتجذر الحضور الاستعماري الفرنسي وحتى البرتغالي و سيطرته على خيرات البلاد الهامة جدا من النفط و الغاز والمعادن المختلفة ..وفي حين كونت الشركات الفرنسية خاصة ثروات هائلة جراء استغلال تلك الموارد، بقي الغابون من الدول الأفريقية الاقل نموا وشعبه من بين الأكثر تخلفا.. لقد طرح الجنرال اوليغي قائد الفرقة العسكرية التي تولت الحكم اليوم خطوطا عريضة واضحة خاصة على المستوى الداخلي الغابوني، فيما تبقى هذه الخطوط في حاجة إلى بعض الأجوبة في ما يخص العلاقة بفرنسا ..

لقد صرح الجنرال اوليغي بانه سينظم استفتاء شعبيا لتحرير او تغيير الدستور كما سيراجع قطاع القضاء و يعفو عن كل مساجين الرأي والسياسة و سيسمح لكل اللاجئين بالعودة الآمنة إلى وطنهم … كما وعد با،÷ سيعيد المنح الدراسية لتلاميذ التعليم الثانوي بعد حذفها من لدن ال بنغو و سيتواصل التزامات الدولة التي قطعتها مع الخارج كما سيراجع مسألة إسناد الجنسية الغابونية و سيزيد الاهتمام بالمتقاعدين و سيتواصل الدولة حضورها بالمؤسسات الأفريقية و الدولية …

ولعل اهم ما جاء في خطاب الجنرال هو إعادة الانتخابات الرئاسية في إطار الشفافية و النزاهة وتسليم الحكم للمدنيين بعد تثبيت الأوضاع في أقرب اجال ممكنة . كما تحدث عن الحريات العامة والفردية و دعم النهضة الاقتصادية المحلية (وقد تكون تلميحا خفيا لمراجعة شروط التعاون مع البلدان الأجنبية مثل فرنسا).

واضح أن خطاب أوليغي يغازل العواطف الشعبوية و لكنه يبعث برسالة طمأنة لفرنسا المستغل الأكبر للنفط و الغاز الغابونيين عبر التأكيد على مواصلة التزامات الدولة مع شركائها … لكنه في نفس الوقت يلوح بمراجعة ودعم المؤسسات الاقتصادية المحلية على المستوى السياسي … وقد طرح بقوة ضرورة مراجعة او ابدال الدستور و المجلة الجنائية و القضاء و عودة السياسيين المهجرين واللاجئين و العفو عن كل سجناء الرأي و السياسة و إعادة انتخابات نزيهة و الإسراع بوضع حكومة مدنية ….

فهل يتم تنفيذ جميع هذه الوعود، أم هي من باب المسكنات حتى يستتب الوضع للسلطة الجديدة؟ وإلى أي حد ستحصل القطيعة مع أوليغارشيا “أل بونغو” الحاكمة منذ أكثر من نصف قرن، ودحض شكوك المعارضة حول تواطؤ محتمل بين الانقلابيين والرئيس علي بونغو؟ وهل يأتي هذا الانقلاب بـ “انقلاب” على القوى الاستعمارية كما حصل في النيجر ومالي، أم هو مجرد ذر رماد على العيون؟

أكمل القراءة

جور نار

كيف تُصبح طبيبا اختصاص عين الحسود بملاحظة مُشرّف جدّا … مهما كان مجموع نقاطك * ؟!

نشرت

في

مفارقة عجيبة تخترق مجتمعنا وربما سائر المجتمعات العربية مفادها عموما أنه بقدر ما يتطوّر العالم وتُجنى ثمار الذكاء البشري في كل مجالات الحياة مثل تحسين جودة النوم وجبر العِظام وتيسير الولادة ودحر الأمراض والأوبئة واختصار المسافات وإتاحة المعرفة المجانية للجميع وتوفير الفرصة أمام الأمهات لتتفقّدن بناتهن أو أبنائهن لحظة بلحظة وبالصورة والصوت والقُبل الحيّة على بعد عشرات آلاف الأميال…

منصف الخميري Moncef Khemiri
منصف الخميري

بقدر ما يجني العالم هذه الثمار ويتصاعد نسق توظيف العلم والتكنولوجيات الجديدة في تنمية رفاه الناس وتحسين ظروف عيشهم، بقدر ما نستثمر نحن بكل ما أوتينا من مخزون وجداني في إشاعة الخُرافة وتأصيل التخلف ورجم العقل وزرع الوهم المقدّس في صفوف المعوزين والمحتاجين ذهنيا وماديا. (تذكّروا جيدا آلاف الضحايا الذين أطاح بهم الجنّ العاشق على يد المشعوذ بلقاسم وصاحب البرّاد كمال المغربي، الحاصل على رخصة عمل رسمية كحكيم روحاني من وزارة الداخلية !). 

كأننا اليوم أمام مظاهر جديدة للتوجيه الجامعي الموازي نحو مراكز عالمية متخصصة في تخريج أطباء نبويّين في علاج جميع الأسحار واضطرابات الأداء الجنسي وعلاج الربط بين الزوجين، أو نحو أكاديميات مشبوهة تدّعي الخِبرة في تكوين المدرّبين والكوتشات بكفاءات عالية في اختصاصات نادرة مثل تصنيع السعادة وتوليد الأمان وتحرير الانسان.

أطباء في علاج السّحر والمسّ من أكاديمية الطب الإسلامي العالمية (فرع تونس)… في انتظار الحصول على معادلة الشهائد من التعليم العالي !

لاحظوا أولا الدقة المدروسة بعناية في اختيار الاسم المسند إلى هذه المؤسسة، فهي أكاديمية وليست مجرد مؤسسة عادية، وليست متخصصة في العلاجات التقليدية العامة أو التمريض أو مرافقة المرضى بل مُتجرّئة على ادّعاء التخصّص في الطب كأحد أرقى العلوم وأدقّها وأكثرها تمتّعا بصورة إيجابية جدا في سلّم المهن في كل المجتمعات، ثم يُزجّ بالإسلام في التسمية لدغدغة إيمان الناس ومغازلة حسّهم الديني وإضفاء نوع من القداسة على مشروعهم… قبل أن يُضاف إلى كل ذلك صفة “العالمية“من أجل الإيهام بالعظمة والكونيّة واتساع رقعة الإشعاع. ثم يُشار ثانيا إلى أن هذه المؤسسة تُسند صفة الطالب إلى مرتاديها وتُمكّنهم من شهائد تخرّج مختومة وممضاة من قِبل المدرّب الشيخ ومدير الفرع بتونس …شهائد غير منقوصة إلا من عرضها على إدارة المعادلات بوزارة التعليم العالي لنيْل المعادلة العلميّة، كما يحصل مع خرّيجي مؤسسات التعليم العالي الخاص والجامعات الأجنبية.

شعوذة بثوب ديني أحيانا أو  برداء التنمية البشرية أحيانا أخرى

هؤلاء لم يبنوا للأسف على تاريخنا المشرق في مجال الطب والعلوم بصفة عامة بل لجؤوا إلى السهولة والشعوذة وما يشبه النّصب والاحتيال في أحيان كثيرة.

وحتى يكون الجواب حائزا على أكبر قدر من الموضوعية، سألت تطبيقة “محايدة” ( تشات جي بي تي) عن أبرز أسماء الأطباء العرب والمسلمين الذي أسهموا بشكل كبير في تطوير الطب الكوني والعلوم القريبة منه (والذين تأثروا بدورهم بما كُتب في لغات أخرى مثل الفارسية واليونانية والصينية…) فأمدّتني مشكورة بقائمة طويلة من الأطباء العرب والمسلمين اكتفيت منها بالأسماء التالية :

ابن سينا الذي ظل مرجعا ثابتا في العلوم الطبية لمدة قرون بفضل تأليفه للموسوعة الطبية  “القانون في الطب”،

ابن النفيس الذي اكتشف الدورة الدموية الصغيرة قبل ويليام هارفي في أوروبا.

أبو بكر الرازي الذي تميّز خاصة في مجال الصيدلة والعقاقير.

أبو القاسم الزهراوي الذي يعتبر أبا الجراحة الحديثة، صاحب كتاب “التصريف لمن عجز عن التأليف” وهو مؤلَّفٌ في الطب والممارسة الطبية يُعدُّ مرجعا في اختصاص الجراحة.

ابن الهيثم الذي نبغ في علم البصريات وطوّره تطويرا جذريا.

ابن زهر الأندلسي صاحب “كتاب التيسير في المداواة والتدبير”، ومما اشتهر به جراحة البلعوم ومعالجة أمراض الرئتين.

ابن رشد صاحب كتاب “الكليات في الطب” المترجم إلى اللاتينية تحت اسم  Colliget الخ…

(غريب أمر اللاتينيين الذين يحوّلون كليّات إلى كوليجات وابن رشد إلى أفيرواس وابن زهر إلى آفنزوار…)

وعلى هذا الإرث العظيم الذي أبهر العالم وأغناه بل وأحياه، أسّسنا طبّا وهميا أشبه ما يكون بـــ “الدڨازة وقراءة الكفّ” أهم عناوينه الرّقية والرُّقاة والعين والحسد وعالم الجن والسحر والمس والصرع والحجامة النبوية (التي تعتبر ممارسة علاجية قديمة جدا استخدمها الصينيون والمصريون قديما واليوناني أبوقراط دون الحاجة إلى إكسابها طابعا نبويّا أو امبراطوريا).

أقول ببساطة إن الطب علمٌ إنسانيّ لا دين له، وأن الدّين ليس بحاجة إلى الطب ليكون دينا، لذلك ترى على سبيل المثال أطباء تونسيين يندمجون بشكل سريع جدا في أية بيئة طبية أجنبية تضعهم فيها، وأطباء صينيين يعملون في بعض مستشفياتنا التونسية دون صعوبات تذكر رغم عائق اللغة وتباين الثقافات، ومخابر طبية عالمية تعمل فيها باقتدار عالي كفاءات علمية من كل جنسيات العالم.

دكاكين التنمية البشرية عبارة عن مركّبات جامعيّة متعدّدة الاختصاصات

من نكد حظنا أن نرى اليوم أباطرة التنمية البشرية يدْعون الشباب إلى عدم إجهاد نفسه والبحث في مسالك التعليم الأكاديمي لبناء مستقبله إذ يكفيه دفع معاليم حضور دورات تدريبية سريعة (ويصل سعر الساعة التدريبية إلى حوالي ألف دولار في بعض بلداننا العربية) يشرف عليها مُدرّبون لا شهائد عليا لهم ولا بحوث علمية أنجزوها ولا إسهامات معترف بها في الدوريّات المُحكّمة (أكبرهم حاصل على شهادة شكر من وزارة الأوقاف كما في الحالة  المصرية !!!) ولكن أغلبهم يتميّز بقدرة كبيرة على سلب عقول الحاضرين بواسطة التنويم والتنغيم وبث خطاب “ما يطلبه المستمعون” من قبيل”أنت عظيم ابحث عن الكنز الذي بداخلك” ! .

ومن أخطر ما عثرت عليه في هذا الباب وأنا أجوب صفحات التنمية البشرية على الويب، التحريض على الاستسلام ومعاداة بذل الجهد وبالتالي تبخيس العلم والمعرفة وثني الشباب عن إجهاد النفس في سبيل تحقيق مشاريعهم في الحياة. يقول أحد “المدرّبين” من مركز تونس الدولي للتنمية البشرية بتاريخ 15 سبتمبر 2020 :

إن أجمل مراحل الوعي هي السّلام.  فالحياة معركة تدور بين أناس قرروا أن يحاربوا بكل ما أوتوا من قوة لتحقيق سعادتهم، وفي النهاية لا أحد من المحاربين ينتصر، بل يكون النصر للذين لم يحاربوا من الأصل. استسلم، لا ترهق نفسك في التفكير، لا تقاوم ما يحدث لك، لا تعترض عليه، لا تنتقده، دع كل شيء يسير كما أراده الله وستفاجأ بالدنيا تأتيك وهي راغبة“.

والغريب أن كلاما مهزوما ومنكسرا مثل هذا يجد له جمهورا يُنصت إليه وينخرط بحماسة في انهزاميته ويدفع من أجله الأموال الكثيرة.   

هذه الدكاكين المزدهرة تعلّم شبابنا أنه بدلا من متابعة دراسات جامعية مُؤَهّلة أكاديميا ومشهود بصدقيّتها عالميا في علم النفس على سبيل المثال، بإمكان أي كان أن يصبح مدرّبا (كوتش أفضل لأنها معصرنة ومُغرية أكثر ) في فوائد الضحك، ولماذا يكذب الرجال وتبكي النساء وكسر العادات السيئة وكيف تصبح انسانا شجاعا لا يمكن إيقافه أو مقاومته في كل مجالات حياتك، وفن الإغواء واكتشاف القوة السحرية لتصبح ثريا (هذه كلها عناوين كتب حقيقية في التنمية البشرية مبيعاتها بملايين النسخ).

وبدلا من دراسة الطب لمدة تفوق عشر سنوات قبل إدراك درجة التخصّص الأوّلي، بإمكانك دراسة “سرّ الشفاء بالطاقة الحيوية“. .. إذ يكفي “ترديد لقد شفيتَ.. لقد شفيتَ! والسّرّ هو.. أن تقولها بيقين!”.

يتبيّن كذلك أنه لا فائدة من دراسة علوم التصرف وإدارة الأعمال في المدارس العليا للتصرف والتجارة، لأن التنمية البشرية تُغنيك عن ذلك فهي تُعنى بالقدرة على “تحليل الأمور والابتكار في حل المشاكل وعلاجها والقدرة على تحمل أعباء العمل الميداني والمهارات القيادية”.

والصحافة وعلوم الاتصال يُعوضها “تعلّم أصول الفصاحة والبلاغة والقدرة على الخطابة والعمل في وكالات الأنباء …” كما يدّعي شيوخ التمنيات البشرية (والّي يتمنّى خير ملّي يستنّى).  

أما شعبة التربية والتعليم، فالدعوة تكاد تكون صريحة لحجبها من عروض التكوين في التعليم العالي مادام مدرّبو التنمية الأشاوس يعلّمونك كيف “يتمّ استخدام أنماط تعلّم مختلفة : نمط التركيز، والنمط المنتشر… وكيف يجزّئ الدماغ المعلومات والتعرف على تقنيات الذاكرة ووهم الكفاءة والتعامل مع التسويف والتأجيل…”.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* عنوان هذا النص اقتراحٌ من الصديق العزيز سامي بالحبيب.

أكمل القراءة

صن نار