جور نار
القائد الناجع ليس من يثق بنفسه فحسب… بل يثق بمن حوله كذلك
حكاية من الواقع، قابلة للتعميم
نشرت
قبل 4 ساعاتفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiri
لديّ صديق عزيز يعمل منذ أمد بعيد مع مستثمرين إيطاليين يشتغلون في مجال صنع أسلاك السيارات وتركيبها لفائدة كبرى الشركات العالمية والتي اكتسبت فيها بلادنا سمعة دولية واسعة جديرة بالتنويه والعناية، خاصة أنه مجال يوفّر طاقة تشغيلية كبيرة وجزء هام من تكوين العاملين فيه يتمّ ميدانيا داخل وحدات الانتاج… حتى أن بلادنا أصبحت من العشرة مزودين الأساسيين الأوائل للاتحاد الأوروبي من الأسلاك الكهربائية والمكوّنات الإلكترونية التي يطلبها قطاع تصنيع السيارات والعربات بأصنافها عبر القارات الخمس.

صديقنا هذا اكتسب تجربة فنية عالية لا في المجال التقني الصّرف فحسب وإنما أيضا على المستوى العلائقي وما يسمى بالتصرف في الموارد البشرية، حتى انه هو من يُكلَّف بالتفاوض مع الحرفاء الألمان أو الأوروبيين بصفة عامة كلما جدّت بعض الاضطرابات في التزويد أو كلما دُعي إلى الإجابة عن السؤال الراسمالي الاستفزازي الحديث “برّروا لنا من خلال قرائن ملموسة لِم يتعيّن علينا نحن كحرفاء مواصلة التعامل معكم أنتم بالذات والحال أن العالم يعجّ بالشركات التي تُشبهكم” (نعم هذا نوع من الأسئلة التي تُلقى على المُصنّعين في ظل المنافسة المعولمة).
ذات يوم، زار المعمل الذي يشرف صديقنا على تسيير عمليات الانتاج فيه، أحد كبار الحرفاء الألمان للاطلاع على مسارات التصنيع وأساليب التغليف والتركيب وقواعد السلامة والجودة المتّبعة ومدى استجابة تركيبة السلع المصنّعة للمعايير البيئية المعمول بها عالميا تجنبا للخطايا والعقوبات التي قد تنجر عن الإخلال بها، الخ… وكان الزائر الألماني الرقيب مرفوقا بصاحب المعمل الإيطالي وصديقنا التونسي في جولته بين صفوف النساء العاملات ومختلف فضاءات وزوايا هذه الوحدة الصناعية.
كانت أنظار الزائر المتفقد مشدودة إلى نسق العمل ووشوشات الفتيات وهمساتهنّ المتسائلة عن سرّ قدوم هذا الغريب المتأهّب لرصد أي نتوء يحصل هنا أو هناك، ولكنه كان مشدودا أكثر إلى المسؤولين عن الجودة والإنتاج والمراقبة والتغليف واللوجيستيك…الذين كانوا يعترضون صديقنا التونسي بشكل مسترسل ليعرضوا عليه صعوبة مَا أو خللا طارئا أو إشكالا معيّنا وكيف يجب التعامل معه… ليستمر نسق الانتاج بشكل طبيعي والتقدم في تحقيق العتبات المستوجبة من تعبئة الحاويات الضخمة بالنسبة إلى استحقاقات إيصال الطلبيات إلى الميناء في إبّانها.
احتفظ الألماني بكل تفاصيل ذلك المشهد وانتهز فرصة التئام الجلسة التقييميّة بعد الغداء بين الألمان (الشركة الحريفة) والطليان (الشركة المُزوّدة)، للثناء على مهارة اليد العاملة التونسية ونقاوة المناخ العلائقي داخل المعمل ثم بادر بطرح السؤال التالي على المدير الإيطالي :
“كيف تفسّر أن ذلك المسؤول التونسي الذي رافقنا خلال كامل زيارتنا الصباحية كان يلتجئ له الجميع من عملة وأعوان ومسؤولين فنيين من أجل استشارته في كل كبيرة وصغيرة، وكأن كل المشاكل في معملكم تُحلّ عن طريقه هو بالذّات؟”
أجاب المدير الإيطالي بنبرة تشي بفخر كاذب “نعم هذا صحيح تماما، إنه العمود الفقري هنا، لا يمكن الاستغناء عنه، وهو على درجة عالية من التجربة والكفاءة، وميزته أيضا أنه يعرف جيدا كيف يتعامل مع العاملات ومختلف القائمين على وحدات المصنع المتعددة. ويعود ذلك إلى كونه ظل يرافقنا منذ أولى بداياتنا في تونس… وقد لاحظتم ربما أنه يُتقن جيدا اللغة الإيطالية”.
ردّ عليه الألماني مبتسما ولكن بشكل حاسم غير منتظر : “ومن أجل ذلك تحديدا سأقترح على مجلس الإدارة حال عودتي إلى برلين مذكرة أعرض فيها إيقاف التعامل معكم مستقبلا بالرغم من أنه ليست لديّ مبدئيا أية مؤاخذات على جودة منتوجكم وكفاءة اليد العاملة هنا واحترام تعهّداتكم تجاه الحرفاء… والسبب بسيط : وحدات إنتاج بأكملها لا حق لها في يوم تأخير واحد قائمة على حضور شخص واحد مهما كانت مهارته وقدراته التواصلية، لا يمكن أن تكون بمنأى عن الانهيار وتراجع الأداء طال الزمن أم قصر !!!”
أصغيتُ إلى صديقي هذا بكل انتباه لأنه كان يروي بشغف مجريات أحداث عاشها بنفسه وكان مقتنعا بأن المقاربة الألمانية – بالرغم من الحدّية المبالغ فيها التي تؤثثها- فيها جانب كبير من الصحة باعتبار أن مجهود الأفراد مهما كان متميزا ليس مهما وحاسما إلا بقدر تضافره مع مردود كامل أعضاء المجموعة في عزف سمفوني جماعي لكل فيه دور وإضافة مؤكدة.
أحالتني شخصيا هذه الحكاية على ما يحدث صلب مؤسسات دولتنا التي يتموقع فيها الأفراد مثل آلهة لم تنجب البلاد أناسا في مستوى كفاءتهم ونبوغهم وربوبيتهم لا قبلهم ولا بعدهم. يبدعون في “صنع الفراغ من حولهم” لأنهم مقتنعون في أذهانهم المغلقة بأن الله “حباهم بخصال حجبها عن سواهم” وأن الآخرين من حولهم لا يُؤتمن جانبهم وقد يتخاذلون أو يخذلون أو يتكاسلون.
فحتى ربّ العائلة في ربوعنا لديه شيء من هذه العقلية المُحقّرة لحضور الآخرين كثيرا ما يردّد : “كان آنا ما نعملش هاكة الحاجة ما يعملها حتى حدّ في الدار هاذي” !
هم بصفة عامة إما مصابون بجنون العظمة لديهم حذر مرَضيّ من كل المحيطين بهم، أو نرجسيّون يكونون في حالة بحث دائم عن إعجاب الآخرين ولا يتأزّمون كثيرا (عكس ما قد يدّعون) أمام معاناة الناس وما يعبّرون عنه من أحاسيس. ولكونهم متمركزين بشكل حادّ حول ذواتهم المزهوّة بنفسها، أو هم كذلك غارقون في “ألوهيتهم” لا يكون الخطأ في صفّهم أبدا، وإن حدثت أزمات فهي إما ابتلاء سماوي أو مؤامرات خبيثة حيكت تحت جنح الظلام لن يطول الزمن قبل الإطاحة بمرتكبيها.
القبول بالعمل الجماعي وضمن فريق، ثقافةٌ لم نتربّ عليها نحن العرب للأسف لأننا أبناء ثقافة الزعيم الملهم والقائد المخلص ومن “راسي تڨرع” و “هازز الخدمة الكل على اكتافي” … ولأن أول إنجاز يقوم به المسؤول لدينا هو الفسخ الممنهج لكل ما تم بناؤه قبل مجيئه، والتباهي بأنه سيغير أساليب العمل وسيُحدث تطويرات مجدّدة. فينسفون الماضي ولا يكسبون المستقبل،
ولنا مثال حيّ في التجديدات الطارئة هذه السنة على منظومة التوجيه الجامعي التي خلّفت آلاف الضحايا والتي سنعود إليها في ورقة لاحقة.

يكثر النعيب في أوساطنا الحقوقية خاصة عن غياب للديمقراطية وانقلاب عليها منذ سنتين … ومع الأوساط الحقوقية مجاميع أخرى من ساسة الخمس نجوم، يعاضدونها في نفس التشكّي ونفس الحسرة على النعيم الذي فات …

لن ندخل في تفاصيل علاقة المذكورين بداية بحقوق الإنسان فعلا لا بهبرة، ولا عن علاقة الثانين بالسياسة التي تضعهم في نفس اختصاص روزفلت وغاندي وماو ونيلسون مانديلا ومهاتير محمد و”لي كوان يو” مؤسس سنغافورة … شاء هؤلاء أم أبوا أم لم يكترثوا أصلا … كما لن ندافع عما يحدث في البلاد منذ صائفة 2021 فلذلك ناسه ومتحمسوه سواء محبة فيه أو نكاية في الذين جاؤوا قبله … كما أخيرا لن نعود بالتاريخ إلى ماقبل 2011 فتلك الصفحات تبتعد بسرعة وصارت بعد من أنظار المؤرخين لا الصحفيين .. ولكن الذي يهمنا هو: هل عرفت تونس حقا نظاما ديمقراطيا منذ رحيل طائرة جدة؟
هنا لا بد من الاتفاق حول مفهوم الديمقراطية … بالمعنى الواقعي المنظور الملموس بالحواس الخمس، لا بمعنى كتب الإغريق أو فلاسفة القرن الثامن عشر … الديمقراطية التي نقصدها ونحتكم الآن إلى مفهومها هي ما يصل منها إلى المواطن في المدينة في الريف في الصحراء في الجبل في قناعات صيادي أعلي البحار … ديمقراطية تعطي حق المخرج والمؤلف والممثلين والتقنيين وعملة المسرح وخاصة الجمهور الكبير داخل الصالة وخارجها وحتى مارة شارع بورقيبة … وليست ديمقراطية الديكور والأفيشات والعناوين الجذابة ومقالات النقاد من الغد على أعمدة الصحف الورقية والإلكترونية …
إن كان على الشكليات، فلا فرق في مظاهر كثيرة بين تونس مثلا وكندا … عندهم وزارات، عندنا وزارات … عندهم علم يعلقونه فوق الإدارات، عندنا علم نعلقه فوق الإدارات … عندهم نشيد رسمي، عندنا حماة الحمى … عندهم مستشفيات ومدارس، وعندنا ما يشبه المستشفيات وما يومئ للمدارس … عندهم شركات مياه وكهرباء واتصالات، عندنا نحن أيضا شركات انقطاعات وانقطاعات وانقطاعات … سهل جدا أن نستمر في هذه اللعبة منذ أن أنشئت منظمة الأمم المتحدة وفروعها وبرامجها الكثيرة في الثقافة والزراعة والصحة والشغل ألخ … بل زدنا عليها مرافق عيقرية مباركة مثل شركات الغراسات والبستنة …
ديمقراطية الديمقراطيين ليست في أنك تعيش مع 216 حزبا تشارك في الانتخابات بدل حزب واحد، وليست فقط في أن يفوز أحدها بنسبة 51 بالمائة فقط بدل 99، وليست في أن يفوز ذلك برلمانا متعددا يتجاور فيه الدكتور مع راعي الأغنام، وليست في أن يقوم أي واحد ليشتم الكبير والصغير دون أن يخشى محاسبة … تصوروا … حتى في تلك الفترة لم تصنّفنا مراصد الحريات في العالم إلا في مراتب متأخرة عن بلاد كثيرة … ومع ذلك يتبجّح بعضنا بأننا كنا الأوائل عربيا … أي كمن يصنّف عمشاء أنجب النجباء في قسم من أقسام معهد النور ببن عروس …
ديمقراطية الديمقراطيين أن تكون لك خدمات عمومية راقية تحترم حقك في جودتها مهما كنت وأينما كنت، وتعتذر بشدّة عند أبسط خلل … وأن يتم صرف المال العام في مكانه ويحرص المؤتمنون على ذلك بالمليم و الدينار ويقدم استقالته فورا من يسمع تشكيكا، مجرد تشكيك، في ذمته المالية أو حسن تصرفه … وأن يتفقد المسؤول كل جزئية تخص عمله وتحفى ساقاه في مراقبة الأشغال التي كلف بها أعوانا أقل منه … وأن يتم نغيير كل مصباح إنارة في يومه أو من الغد على أقصى تقدير لا أن تبقى شوارع بأكملها في الظلام الدامس أشهرا وسنوات … وأن يتم استقبال المواطن التونسي بتربية عالية في أي موقع (مستشفى، بنك، قباضة، مركز بريد، نزل سياحي …) و كأنه من أعيان البلاد، وكأنه متفقد مركزي، وكأنه ضيف أجنبي…
ديمقراطية الديمقراطيين أن يتم إنصافك عند كل تظلّم، بصفة عاجلة وبكل الجهد الممكن والحق المعاد إلى أصحابه … ويقع الاستماع إليك وأخذ حقك مهما كنت وكان الطرف المقابل … حتى لو كنت عامل بناء وكان خصمك أكبر مقاول مليونير في برّ تونس … حتى لو كنت مواطنا “إيكس” وكان ضدّك وزير أو رئيس أكبر حزب أو رئبس حكومة أو رئيس جمهورية … بالعكس، فقضاء البلدان الديمقراطية بحق وعدل، هو الذي ينصر الضعيف على القوي، والبائس على الغني، ورجل الشارع على صاحب السلطة … بل رأيناهم حتى عندما يخطئ الفقراء قليلو الحيلة، يجدون لهم أحيانا ظروف تخفيف وعقوبات هينة حتى لو لم يكن لهم محام يطلب ذلك …
ديمقراطية الديمقراطيين أن يتساوى الجميع أمام الواجب الضريبي … والمساواة هنا بمعناها الشامل أولا، فلا أحد مستثنى بالنص أو بالتطبيق … وثانيا بمعناها العادل أي الذي يملك أكثر يدفع أكثر، والذي يملك أقل يدفع أقل … و ياويل الذي يصرّح زورا أو يتلاعب مع ورقة الجباية و مأموريها … العقوبات مشددة لا إفلات منها ولو كنت نجما عالميا … كما أن حقوق الدولة لا تقاس حسب الأمزجة وهذا معنا اليوم والآخر أصبح غدا من الجماعة الآخرين … فنترك الحبل على الغارب لمقربي السلطة ومحمييها، وحين يسقط أحد هؤلاء من حساب السلطة تنزل عليه الطامة والعامة، بحلالك وحرامك … فالدولة وأجهزتها قوة عدل وليست أداة انتقام …
وقد نبقى يوما ويومين وجمعة ـ كما تقول الأغنية ـ ونحن نعدد الأمثلة والمجالات عن الديمقراطية كما يعيشها ويمارسها الديمقراطيون … والذين زاروا تلك البلدان يرجعون فيقولون لنا هذا وغيره، ولكنك ببراءة تسألهم: ولماذا لا يوجد ذلك عندنا؟ هل هم أبناء 9 أشهر ونحن لا قدر الله أبناء مومس؟
ونسأل أخيرا أخيرا … وهل عشنا ولو نزرا قليلا من ذلك بعد 14 جانفي أو 23 أكتوبر أو 26 أكتوبر أو 25 جويلية أو 17 ديسمبر … أوالتواريخ القريبة منها والمتصاهرة معها؟؟؟؟؟
جور نار
خالتي الشعلاء وسيارة عمّ الكوني… وغياب المواد الأساسية
نشرت
قبل يومينفي
16 سبتمبر 2023من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrashكنت مارا أمام مقهى من المقاهي الشعبية حين حوّل وجهتي أحد صعاليك الزمن الجميل إلى طاولة فقد نصف خشبها لونه من فرط الاتكاء عليه احباطا ويأسا من العاطلين والمعطلين عن العمل...

جلست قبالة صعلوك الزمن المتهم بأبشع التهم حتى اشعار آخر، صعلوك لم يجد صعوبة في الكشف عن نواياه من تحويل وجهتي…فقال “ماذا ستكتب هذا الأسبوع يا هذا؟” قلت أفكّر في الكتابة عن المواد الأساسية والضرورية المفقودة من السوق ومعاناة الشعب واكتفاء الدولة بتحويل وجهته إلى أمور لا أرى ضرورة للحديث عنها أصلا من غير أهل الاختصاص…نظر إلي الصعلوك الوطني وقال: “ما تحمدوش ربّي…ما عمركم حمدتوا ربّي…تي احمدوا ربّي نهار في حياتكم” … قلت: “وما دخل الله في المواد المفقودة؟ كنت حقّا أريد الكتابة عن هذا الأمر لكن الآن خذلني قلمي بعد سماعك وخذلتني أنت وأمثالك بما قلت ويقولون…ولأول مرّة صراحة يخذلني قلمي في الكتابة عن الشأن العام …بعد أن مُنع قلمي وحوصر عديد المرّات ليس من الدولة فالدولة (يرحم والديها ووالدين والديها وهذي بوسة من عندي اممممممواه!) وأمد الله في أنفاسها وأنفاس أهلها وناسها وما لها وما عليها…
وواصلت: “بل من رئيس التحرير خوفا من تبعات ما أكتب في زمن طأطأت اغلب الأقلام رؤوسها وجلست القرفصاء تصفّق وتسعد بما تجود به علينا منابر الحقد التلفزي ونشرات الأنباء، من أخبار لا تهمّ المواطن في شيء غير رفع نسبة الحقد والكراهية والاكتئاب…ولأني أخاف غضب صديقي الصعلوك الديمقراطي جدّا والحقوقي جدا والإنساني جدا فإني سأحمد الله دائما وابدا أخذا بخاطره…سأحمد الله إن لم اجد خبزا فكم من رغيف أكلت منذ ولادتي مما “يشبّع عرش”…وسأحمده إن لم اجد حليبا فكم من علبة حليب من أيام العلبة التي كانت على هيئة أهرام أم الدنيا مصر…وسأحمده إن لم أجد زيتا فالزيت كان لا يفارقني فأمي رحمها الله كانت “تمرّخني” وتغرقني زيتا حين تداهمني نوبة من السعال الديكي أو الديك الرومي، علما بأني لم أذق طعم لحم الديك الرومي إلا بعد ان تزوجت ولم أكن افرّق بينه وبين لحم الخنزير وكنت أحمد الربّ أني لم اذق طعمه خوفا من حرامه، وحين علمت أنه “حلال” اصابتني نوبة من البكاء صاحبتني كلما رأيت فخذ ديك رومي معلقا بمحل لبيع الدواجن واصهارها أندم على ما فاتني…
“وسأحمده إن لم أجد سكّرا فالسكر مضر أولا بالصحة واظنّ أيضا ان حلاوة الدنيا ليست فقط في “حلاوة” السكر، بل في حلاوة قرارات الحكومة…والقائمين على شؤون الحكومة…فلا حلاوة تضاهي خطابات دولتنا ألم يحفظ أغلبنا هذه الخطب وما تعنيه؟…دامت حلاوة دولتنا والقائمين عليها فحلاوة السكر لا تضاهي ابدا حلاوة قول دولتنا، حفظ الله لسانها من كل سوء…وسأحمده إن لم أجد غدا وقودا لسيارتي التي أفكّر في شرائها إن نجحت في جمع ثمنها من الأموال التي كانت مرصودة للمواد الضرورية والاساسية المفقودة…ففقدان هذه المواد سيكون حافزا لي على ادخار ثمن سيارة تليق بمقامي…وسأحمد الله غدا إن لم أجد لحما فثمنه سيزيد من حجم ادخاري…وسأحمد الله إن لم أجد غازا فثمن القارورة سيكون دعما لمخزوني…وسأحمد الله إن لم أجد اسمنتا لإنهاء اشغال بناء منزلي فكل ذلك سيكون في صالح مدخراتي…وسأحمد الربّ إن ألغيت زيارتي إلى العاصمة بسبب عطب بالحافلة وغياب قطع الغيار لانخفاض مخزون العملة الصعبة المخصّص لتوريد هذه القطع، وقد استفيد مما خصصته من مال للزيارة لدعم ما ادخرته ثمنا لسيارتي القادمة…
“وسأحمد الربّ إن نجح الاسكافي في إصلاح حذائي الذي أصبح لا يليق بطرقاتنا المعبّدة بالخرسانة الاسفلتية ذات المخالب الحجرية، فسيوفر لي بذلك ثمن حذاء جديد بمخالب حديدية كتلك التي نجدها أسفل احذية لاعبي كرة القدم أو الرقبي أضيفه إلى مدخرات سيارتي…وسأحمد الربّ إن ألغى أحد المهرجانات عروضه فبثمن تذاكر دخوله سأنفخ في حجم مدخراتي…وسأحمد الربّ على غياب العديد من المواد الاستهلاكية الضرورية والاساسية فبثمنها سأنجح في توفير ثمن سيارتي الفاخرة الفاقع لونها والمنتفخة أوداجها كالرانج روفر التي عند عمّ الكوني…وسأحمد الربّ إن نجح خليفة ابن عمّي في الفوز بمقعد في الانتخابات المحليّة فحينها سيعينني في الحصول على قرض دون ضمان كامل من بنك يطالبني اليوم حتى بمعلوم مجرّد السؤال عن الملاليم التي بحسابي البنكي… ابن عمّي هذا له علاقة “شكبّة ونوفي” مع مدير الفرع البنكي كيف لا وهو رفيقه في مقهى الحي القريب من المصبّ المحلّي للفضلات المنزلية…
“وسأحمد الربّ إن تواصل هذا الاستقرار والديمقراطية والانفتاح السياسي في البلاد فمن دونه قد يقع توفير كل المواد المفقودة وقد لا تسمح لي كل تلك المصاريف بادخار ثمن سيارة احلامي…وسأحمد الربّ إن تواصل وضع عمّ الكوني بذلك السوء فهو لن يبيعني سيارته إن تحسن وضعه المادي ودفع ما عليه من ديون لزوجته السابقة “عمّتي الشعلاء”…وسأحمد الربّ إن فقدت العديد من الأدوية من الصيدليات فبثمنها سأزيد من فرص شراء سيارة عمّي الكوني وسأكتفي بالمداواة بالنباتات الطبية، وقد يكلفني الأمر صعودا إلى بعض الجبال لجلب الشيح والزعتر والاكليل والتڨوفت وغيرها من الأعشاب التي ستغنيني عن الادوية المفقودة بالصيدليات”…
هكذا قلت لصديقي الصعلوك فضحك…وقال “بارك الله فيك كنت على يقين انك وطني حتى الموت جوعا وبلا أدوية”…قلت “لابأس لابأس…لن نموت جوعا في هذا البلد ولن نموت دون جرعة دواء…” فجأة ودون سابق إعلام رنّ جرس هاتفي الاعرج وكان عمّ الكوني على الخطّ فصرخ في وجهي وقال: (ابشر يا ولد أختي لقد وافق البنك على القرض ولن أبيع سيارتي لخلاص ديون خالتك “الشعلاء”..) سقط الهاتف من يدي…فقال الصعلوك ما الأمر؟ قلت: عليّ أن ابحث عن الحليب والخبز وبعض المواد الأخرى فقد نفد مخزون البيت من كل الأساسيات الغذائية…نظر إلي وصرخ “ألم تكن تحمد الربّ على فقدانها يا هذا…قلت في خاطري “اللي يشوفك ويشوف أمثالك ينسى يحمد ربّي…”

هواة السينما عامة وافلام الخيال العلمي خاصّة يتذكّرون جيّدا شخصية “دراكولا” في افلام الرعب كشخصية سادية هوايتها امتصاص دماء البشر …وعلى عكس ما يعتقد البعض فانّ شخصيّة دراكولا ليست شخصيّة من وحي الخيال السينمائي بل هي وُجدت كحقيقة …

بعض المؤرخين يؤكدون انّ برام ستوكر مؤلّف قصّة دراكولا استلهم الشخصية من انسان حقيقي متعطّش للدماء وهو “فلاد الثالث” امير امارة والشيا (جزء من المجر حاليا، حكمها سنة 1431) … ودراكولا في اللغة الرومانية القديمة تعني ابن التنّين او الشيطان وهو الذي نكّل بالعثمانيين واشتهر خاصة بشغفه باراقة الدماء و تعذيب الاسرى قبل قتلهم …وهنا تعود ذاكرتي الى المسلسل التلفزيوني (الحجاج بن يوسف) داركولا عصره والذي تجاوز عدد من قتلهم الـ100 الف في كلّ حروبه …
في حلقة من حلقات المسلسل وبعد ان قام الحجاج بغزو مكة ورميها بالمنجنيق و بعد قتله عبدالله بن الزبير وتعليق جثّته على اسوار الكعبة، حمل في جرابه رأس عبدالله مقطوعا من جثّته الى وليّ امره عبد الملك بن مروان … ما شدّني في المشهد ..نظرات “دراكولا” بن مروان الى رأس خصمه بكلّ سعادة مصّاص الدماء … وربّما كان يُمنّي نفسه بهديّة افضل من الحجاج ..ربّما كان يكون اكثر غبطة وسعادة لو حمل الحجاج الثقفي كوبا من دم ابن الزبير حتى يثمل به على نخب الانتصار عليه …
يااااااااه هذا جزء من تاريخنا العربي الاسلامي الذي لم يسلم في معظم فتراته من مصاصي الدماء …ويكفي ان نراجع كلّ حقباتنا ومنذ بداية ازمة السقيفة بعد موت الرسول الكريم الى يوم الناس هذا لنفهم انّ النزاع على السلطة بالقوّة لا يمكن الا ان يبشّر بدراكولا جديد ..ولئن لم يقتصر امور السلطة ومصاصي الدماء على العرب والمسلمين ولكم في هولاكو وتيمورلنك وستالين وهتلر وبوش الاب والابن وشارون … فانّ ما يحزّ في انفسنا كمسلمين انّ ديننا السمح الجميل امتطاه زورا وبهتانا آلاف مصاصي الدماء …
دعوني اترك قائمة الاغتيالات بين افراد الاسرة الواحدة في تاريخنا العربي والاسلامي قديما وحديثا من اجل الحكم … واعرّج فقط على قائمة علماء الفكر الذين امّا كفّروهم او اغتالوهم ..وهؤلاء فطاحل في العلم ..عيبهم الوحيد انهم اعملوا العقل لا النقل … ابن حيان .. الفارابي ..ابن سينا …الكندي …ابن رشد …ابن الهيثم …ابن الراوندي … الرازي .. ابن المقفّع ..هذا الاخير قطعوا اجزاء من اطرافه واجبروه على اكلها مشويّة .. هل هنالك كلمة ابلغ من بشاعة ..؟؟…
هم يتذرّعون بالدين كحجة لافعالهم الشنيعة ودائما من اجل السلطة . ان لم تكن سلطة الحكم فهي السلطة الفقهية ….وهنا تكون المعضلة … المنطقي والشرعي والانساني ان يسعى الفرد للسلطة … بل لا معنى لمجتمع دون سلطة وهنا اعني الحزم والعدل وحسن التسيير من اجل الصالح العام ..ولكن فصيلة دراكولا لا تفرّق بين السلطة والتسلّط … والانكى انّ هذه الفئة تعتبر نفسها سفراء او قناصل في دولة الإله ….نعم لم يفهموا يوما انّ الرسول الكريم هو آخر الانبياء وان لا سفير ولا قنصل بعده .. ولم يفهموا امام تسلّطهم وطغيانهم انّ نفس الرسول قال فيه الله عزّ وجلّ (وما محمّد الاّ بشر مثلكم) ..
هذه الفئة وفي زمن ما شككت حتى في فهم الرسول وصحابته للقرآن ليفسّروه بل ليحرّفوه كما يشتهون وتشتهي مصالحهم …اعتبروا انفسهم سفراء فوق العادة في فهم القرآن (هنا اعني الخوارج)… البعض من هذه الفصيلة في هذا الزمن الاعرج ليس فقط يبيح الارهاب بل يعتبره امرا إلهيا مستندين في ذلك على تفسير الآيات (واعدّوا لهم ما استعطتم من قوة ومن رباط الخيل تُرهبون به عدوّ الله وعدوّكم)…
نعم يعتبرون في كلمة تُرهبون دعوة صريحة وشفافة للارهاب … بل ويفتون للقتل …وينحرون من لا يدخل ملّتهم كنحر الخرفان … البغدادي وجماعته ودواعشه هنا وهنالك … ويغتالون خصومهم في وضح النهار .. بلعيد والابراهمي ..ويذبحون الجنود وهم يتناولون وجبة افطارهم في رمضان … اليسوا هؤلاء هم احفاد دراكولا .. ؟؟…

نسبة امتلاء السدود التونسية ضعيفة … قبل موسم المطر

القائد الناجع ليس من يثق بنفسه فحسب… بل يثق بمن حوله كذلك

ليبيا … صراع الذئاب على خيرات بلد مريض

رحيل الصحفي والناقد محمد بن رجب

اتفاقية دفاع مشترك بين النيجر ومالي وبوركينا
استطلاع

صن نار
- اقتصادياقبل 21 دقيقة
نسبة امتلاء السدود التونسية ضعيفة … قبل موسم المطر
- فُرن نارقبل 4 ساعات
ليبيا … صراع الذئاب على خيرات بلد مريض
- تونسيّاقبل 14 ساعة
رحيل الصحفي والناقد محمد بن رجب
- صن نارقبل 23 ساعة
اتفاقية دفاع مشترك بين النيجر ومالي وبوركينا
- جور نارقبل 24 ساعة
قبل 25 وبعد 25… هل كنا نعيش في ديمقراطية؟
- اجتماعياقبل يومين
خط حافلات جديد … مواز لقطار “تي جي ام”
- رياضياقبل يومين
رياض محرز يتم نقله إلى المستشفى
- صن نارقبل يومين
الاحتلال يقتحم شويكة (طولكرم) ويستولي على كاميرات مراقبة
نجاح
18 سبتمبر 2023 في 11:42
لله درك لك قدرة على السّرد والتعليق وأهمّ شيء التّفرّد فأنت دوما تنأى بنفسك عن المتداولدالممجوج