جور نار
النيجر ـ فرنسا … منعرج التحرر، أم شبح الانتكاسة؟
نشرت
قبل 23 دقيقةفي

أول أمس تأكدت حلقة الاستعداد للمواجهات العسكرية بين تكتل لبعض البلدان الإفريقية الجارة للنيجر وبين البعض الاخر المساند للانقلاب العسكري الذي تميز هذه المرة بدعم شعبي كبير وبهدف شرعي اكبر ...

الهدف هذه المرة هو التوق الى،التخلص نهائيا من الاستعمار الفرنسي و حتى الأمريكي والاحتماء بالرفاق الروس الذين لم يبتزوا، او يستعمروا او يغرسوا جماعات الإرهاب كـ”بوكو حرام” و “داعش” و”قاعدة الغرب الإسلامي” … لاستعمال هذه الجماعات ذريعة لاستمرار الهيمنة على الخيرات من يورانيوم و ذهب و غاز. واستغلال اليد العاملة الرخيصة ابشع استغلال، بل يمكن القول انه بمثابة فصل جديد من تاريخ العبودية .. وفي حين ان بعض البلدان الأفريقية ترزح تحت الفقر و البؤس و الأمراض كان المستعمر الفرنسي يتلذذ بامتلاك احتياطي ذهب من أعلى مخزونات العالم، رغم انعدام اي منجم ببلاده !
لقد صنفت فرنسا كرابع دولة لها اكبر مخزون ذهب بالبنك المركزي نتاجا لحصيلة سنوات من الاستعمار، للبلدان الأفريقية ..أما بخصوص اليورانيوم فإن حاجيات فرنسا من هذه المادة المسروقة من النيجر فقط تصل إلى اكثر من خمسة وثلاثين بالمائة ..وهي نسبة تجعلها اليوم في ورطة وأزمة ستنكشف عن معالمها قريبا عبر استعمال الطاقة و أسلحة الدمار الشامل …
قلنا أمضت أول أمس سلطة النيجر ترخيصا للجيشين (بوركينا فاسو و مالي) بدخول النيجر والمشاركة في صد اي عدوان … و رغم تردد بعض الدول الأفريقية التي كانت تنادي بالتدخل في النيجر و إعادة المخلوع للحكم فإنه يمكن التأكيد ان بقية المتشبثين بالتدخل العسكري تدفعهم بعض الأسباب المحددة:
= اولا: الولاء للمستعمر الفرنسي الذي غرسهم و شحنهم لخدمته
ثانيا = الرعب من ان تطالهم عدوى الانقلابات او الثورات الشعبية التي بدأت بعض اشاراتها خاصة بالسينيغال و نيجيريا و حتى ساحل العاج …
وفي اعتقادنا فانه رغم تشبث البعض من هذه الدول بالتدخل العسكري (مع اعتراض منظمة “سيدياو” ضمنيا في اجتماعها الاخير على أي تدخل) فإن هذه التحركات على حدود النيجر بدعم فرنسي و تحريك جحافل الإرهابيين خلال نفس الايام، لن تتجاوز مجرد التهديد والمناورة ضد حكومة نيامي .. في اعتقادنا أيضا انه ينتظر ان تتدخل فرنسا مباشرة عن طريق محاولة القيام بضربة عسكرية محدودة بهدف القضاء على مجموعة السلطة الجديدة بالنيجر، على شاكلة ما تم سابقا ضد سانكارا سنة 1987 .
لكن الأمس لم يعد اليوم واي تدخل محسوب على المستعمر،الفرنسي سيؤدي الى توسيع دائرة كرهها وحلقات طردها من القارة السمراء … وربما ستبين لنا الأسابيع القادمة ما تنتظره (وما يُنتظر من) هذه القارة البائسة المتمردة.
تصفح أيضا
تذكير … ما اكتبه عموما وخاصة في الشأن السياسي داخليا او دوليا هو من منطلق ما طالعته ودرسته وعرفته، من احداث التاريخ الذي هو في ظاهره اخبار وفي باطنه نظر وتحقيق كما علّمنا ابن خلدون ..ومن منطلق معاينة ومعايشة بعض الاحداث الهامة داخليا ودوليا ايضا ..

تدويناتي اذن لا تعدو ان تكون الا كتابات في خانة ابداء بعض الملاحظات والخواطر والتساؤلات لا غير ..لست خبيرا في السياسة ولست عرّيفا ..انا مجرّد ملاحظ .. في المقال فلاش 1 الاسبوع الماضي كتبت عن الجماعات الاسلامية عبر تاريخها وخاصة في مصر الشقيقة منذ عشرينات القرن الماضي مع البنّا وسيّد قطب وحتى وصول الجماعة الى الحكم في عهد مرسي ولم اقل بقيادته لانّ مرسي كان ظاهر الصورة فقط بينما من كان يحكم فعليا هو مكتب الارشاد ..وجاء السيسي واحدث زلزالا هزّ كيان الجماعة في مصر وفي عديد البلدان التي كانت الجماعات الاسلامية وبتشجيع من الولايات المتحدة تتطلّع لنفس تجربة مرسي والاخوان في مصر ..
هذه الجماعات ارتكبت هي ايضا نفس اخطاء مرسي وجماعته من عناد وكبر واعتبارهم الوحيدين الذين يفهمون الاسلام الفهم الحقيقي لهذا الدين ولا يتصورون غيرهم قادرين على رفع راية الاسلام .. بل ليس من حقّ ايّة جماعة اخرى تلتحف بلحاف الدين ان يقوموا بنفس الدور لذلك هم يكفرون بعضهم بعضا ويغتالون بعضهم بعضا ويصنفون بعضهم بعضا الى درجة انّ احد مناصرهم في زمن ما (وجدي غنيم) اتوا به يوما ما لبلدنا الحبيب فاذا به وبكلّ شراسة ووقاحة وبجاحة يتوجّه لمن يخالفه وحلفاؤه فكريا بالقول “موتوا بغيظكم” والقطعان تهلل وتكبّر “الله اكبر” …هذا الغنيم اصبح اليوم يتوسّل ويستجدي الجماعة للتوسط له في تركيا للحصول على الاقامة !
نعم هم هكذا .. وقحون لانهم يعتبرون انفسهم مركز الثقل في شؤون الدنيا والدين والاخرون اما كفارا او مرتدّين او بلهاء …الم يقل احدهم في تونس بكلّ كبر واستهزاء بالآخرين:(بالله اتخيّلوا تونس من غير نهضة!) …هذا رغم انحسار انصارهم الذين استفاقوا من حميّة جانفي 2011 دينيا ومن طلع البدر علينا … استفاقوا من الحلم الذي تحوّل الى كابوس وارقام تقهقر الانصار هي وحدها الكفيلة باقامة الحجة حيث كان عددهم سنة 2012 مليونا ونصفا واصبح في سنة 2014 مليونا وانتهى بهم الامر سنة 2019 الى ما يقارب الـ 500 الف ..هل هنالك اصدق من هذه الارقام ؟؟ لذلك اعتبرت ومازلت اعتبر السيسي من الذين كان لهم دور بارز في تغيير معادلة ما اسموه الربيع العربي ..
الرجل الثاني الذي كان له دور في تغيير معادلة خارطة العالم في التاريخ المعاصر هو حتما بوتين ومن يكون غيره؟ …الحديث عن روسيا ذو شجون … تاريخ روسيا كقوة عظمى يٌقرأ لها الف حساب وحساب بدأ منذ انتصار لينين والبلشفيين على حكومة وقتية تاسست على انقاض روسيا القيصرية ..ولم تدم اكثر من ستة اشهر سنة 1917 ..واخذ البلشفيون الحكم وتوالت الاسماء على ادارة روسيا التي كانت تسمّى انذاك الاتحاد السوفياتي ..جاء ستالين بعد لينين واوقع الغول الالماني في شباكه وفي شباك ثلج سبيريا وكان احد اسباب هزيمة هتلر في الحرب العالمية الثانية …
واصبح للاتحاد السوفياتي شأن كبير في كلّ ما يدور في العالم واصبح العالم منقسما الى كتلتين كتلة النظام الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفياتي وكتلة النظام اللبيرالي بزعامة الولايات المتحدة …بل وعاش العالم فترة ما يسمّى بالحرب الباردة من 1945 حتى 1991 ..لعلّ اشهر احداثها انذاك ما قام به الرئيس السوفياتي نيكيتا خروتشوف في منتظم الامم المتحدة سنة 1960 عندما واحتجاجا على تدخّل رئيس الوفد الفليبني تجاه بلده .. نزع خروتشوف حذاءه وضرب به على الطاولة التي امامه رافضا ومندّدا بتدخل الفيلبين في شؤون الاتحاد السوفياتي ..لكن الحدث الثاني الذي ارعب العالم ولمدة 13 يوما كانت احداث اكتشاف امريكا لصواريخ نووية مقتربة من سواحل كوبا التي تبعد 90 ميلا عن سواحل فلوريدا الامريكية ..
نعم كان الطرفان السوفياتي والامريكي على قاب قوسين من حرب نووية وانتهت الازمة بسلام وباتفاق دولي بين جميع الدول المالكة للاسلحة النووية يقضي بمنع استعمال هذه الاسلحة الاّ اذا هاجم بلد ما اراضيها ..ووقتها من حقها ان تستعمل السلاح النووي ولكن بشكل تكتيكي . وهو ما سُمّي انذاك بمعاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية في 5 اوت 1963 .وهذا يعني لدى خبراء الحرب والسياسة قنبلة واحدة لردع البلد المعتدي …
هنا اسمحوا لي ان اعلّق على هذا الاتفاق بطرح بعض الاسئلة ..لو جاء رئيس مثل الامريكي ترومان في الحرب العالمية الثانية الذي كان يكفي ان يقوم بالقاء قنبلة هيروشيما ولكنّه اردفها بثانية في ناغازاكي ..هل سنتحدّث وقتها عن سلاح نووي تكتيكي ؟؟… ثمّ سؤال ثان .. ما قيمة ايّ اتفاق دولي اذا كانت مصانع كلّ الدول النووية تواصل تصنيع هذه الاسلحة في تسابق جنوني ؟ هل للاكتفاء بذكر الارقام؟ … التاريخ علّمنا و في كلّ مراحله انّ الاسلحة تُصنّع للحروب وليس لوضعها في المتاحف ..اليس الخطر الرهيب قادم ؟؟…
اعود للملفّ الروسي ولبوتين .. سنة 1991 انتهى الاتحاد السوفياتي بتفككه …حالة الضعف بدات منذ عهد غورباتشوف والانهيار للاتحاد تمّ في عهد يلتسين …وكان للغرب عموما وللولايات المتحدة خاصة دور في تفتيت هذا الاتحاد وتحويله الى دويلات ومن ضمنها اوكرانيا… الى ان حلّ ركب بوتين ..وهذا وحده يستحقّ لوحده تدوينات … شطّبنا في انتظار فلاش باك 3 ..الاسبوع المقبل …
جور نار
هل انتهى اللاعبون الأفذاذ … باندثار الأسماء المستعارة؟!
فاصل رياضي … وانقراضي
نشرت
قبل 5 أيامفي
22 أغسطس 2023صادف أمس الإثنين، ذكرى رحيل أسطورة رياضية لطالما انشدّت لها الأعين من مختلف الملل والنحل، وجنت تصفيق الخصوم قبل الأنصار، وحفرت صورتها في القلوب والذاكرات إلى زمن غير معلوم … ومن أعني غير حمادي العقربي، رحمه الله؟ …

أنا وضعت معه صفة الأسطورة، ويمكنك أن تستعرض أيضا طائفة من الألقاب التي التصقت بصاحب القميص رقم 8 الأشهر في تاريخ منتخبنا … الفنان، ساحر الجيلين، المبدع، المايسترو، في حين أنه في صفاقس إذا تحدثت عن الكرة وقلت “حمادي” فالمفهوم أنك تقصد واحدا بعينه ولو كان هناك المئات ممن يحملون هذا الاسم الرائج في تلك المدينة من بين كل المدن … وليس غريبا أن ينفرد العقربي بكل هذا، فهو ليس فقط من أمهر من رأيناهم من مداعبي الكرة، بل يقيني أنه وصل إلى ابتكار حركات معينة ومراوغات لم يسيقه إليها غيره حتى خارج حدودنا … هكذا من دون تفكير أو تخطيط أو درس، فقط الموهبة الصافية تكفلت بكل شيء …
تحدثت عن ألقاب لاعبنا الكبير الفقيد، ونسيت أنه حتى اسم شهرته هو بدوره لقب أو كنية في حد ذاته … وطوال سنوات عديدة، وحدها بلدية صفاقس وملفات إجازات جامعة كرة القدم تعرفان حصرا أنه لا وجود لمواطن تونسي يلعب الكرة ويقود ناديه ويبهر الجميع وطنيا ودوليا، يحمل اسم ولقب حمادي العقربي … لا، فعندهم من تنطبق عليه هذه الأوصاف يدعى في دفاتر الحالة المدنية محمد بن رحيم … العب ياله ! … ولكننا حتى بعد أن عرفنا هذه المعلومة، واصلنا استعمال الاسم الذي تعوّدناه، وسخرنا طولا وعرضا من تقعّر بعض المعلّقين الذين يكررون في كل دقيقة تقريبا تذكيرنا بالاسم الحقيقي وكانهم اكتشفوا قارة جديدة، تماما كما يفعلون مع اسم عبقري آخر، فيكسرون رؤوسنا بعبارة “الصادق ساسي شُهِر عتوقة” … إنهم لا يتكلمون عن بطل من وجداننا الشعبي، بل عن متهم ممسوك في قضية تهريب !
وأنّى لهؤلاء الموظفين الصغار ذلك، أنّى لهم … فقد مضى الزمن الذي كان فيه اللاعب والصحفي ينشآن معا من نفس البيئة الفقيرة والحومة والبطحاء ويمارسان كافة الألعاب والمعارك حتى يرسو كلاهما على المهنة التي يختارها … فلا يتكلف الطاهر مبارك أو محمد بوغنيم أو إبراهيم المحواشي أو مختار بكور أو إسماعيل التريكي ولا يكلفون أنفسهم عناء تغيير قشرتهم وقشرة ابن حيهم ولو صار وصاروا من نجوم البلاد … منذ صغرك أعرفك ويعرفك أبناء حومتنا باسم “ديوة” جنّا أرقط في المراوغة والسرعة والتسجيل من كل الزوايا … فلماذ حين تكبر وأكبر نلبس قفازات ونتصافح بدل أن نتعانق ضاحكين، وما بك تناديني باحترام مصطنع “أهلا سي محمد” فأجيبك منافقا “مرحبا بالسيد نور الدين بن يحمد” ؟! ماهذا القرف …
والواقع أن لكل زمن رجالا … كنية اللاعب في السابق كانت تطلق عليه من أول لمسة موهوبة للكرة، من أول “فانت” تلوي ظهر أحد المدافعين، من أول تصويبة رصاصية على بعد 30 مترا تطير أحجار المرمى (بدل الأخشاب) شظايا … هذا في حومتنا كنا نسمّيه “بزّوكة” ويبقى ذلك الاسم معه حتى وهو بأحفاده … نفس الشيء للآخر الذي يقتنص الكرة من رؤوس اللاعبين وأرجلهم ويصطادها بكلتا يديه مهما كانت عالية أو قوية أو في انفراد (راس راس) … لذلك سمّيناه “كمّاشة” وقد عاد مؤخرا من الحرمين واستقبله الأهل والجيران بشاحنة صغيرة مكتوب على جنبها بالدهن “حجك مبرور وذنبك مغفور كمشون الغالي” …
يعجبني المطرب المتمرّد صلاح مصباح حين يقول: “عهد الفنانين كان ذهبيا عندما كان الفن حراما” وقصده أنه في القديم وحين كانت العائلات تمنع أبناءها من احتراف الغناء، لم يكن يجرؤ على هذه المهنة إلا الموهوبون جدا والمغرمون حقا، إلى درجة أنهم كانوا مستعدّين لتحمّل أقصى العقوبات الأبوية في سبيل ذلك … ولتأجيل القصاص أكثر ما يمكن، كان الفنان (أو الفنانة) من هؤلاء، عادة ما يتخفّى وراء كنية أو اسم فني أو اسم مستعار … وبقدر حجم الموهبة، يرسخ الاسم في العقول والألسن، ويبقى على الدهر حتى بعد افتضاح صاحبه (ته) وصدور عفو تشريعي عائلي في شأنه أو شأنها …
نفس الكلام يقال عن ممتهني الرياضة وكرة القدم خاصة … فقد كانوا عموما إمّا يمارسون هوايتهم تحت سيف المخاطرة واللعب اليومي بالنار، أو كانوا أيتاما مستريحين من رقابة الأب الجلاّد ولكن تلاحقهم لعنات كبار المجتمع، أو كانوا مدمنين على اللعبة إدمان غيرهم على آفات أقل براءة وأكثر ضررا … وربما على الآفتين معا كما في بعض الحالات … وفي معظم الأحيان كان الفقر والموهبة توأمان يرافقان الفتى في حله وترحاله … ومعهما اسم مستعار يلتصق بأخينا حتى وهو يرتدي قميصنا الرسمي ويعزف له النشيد ويستقبله وزراء ورؤساء …
من تلك الفترة نبغ عندنا “ديوة” و”عتوڨة” و”الفرزيط” و”وزّة” و “بَلَدية” و”ڨطوس” و”باڨندة” و”اللص” و”حاج علي” و”عجل” و”علقة” و”عبيثة” و”الأعوج” و”كعونّة” و “الترد” وغيرهم كثير ممن لا أستحضره … وتلاشت الظاهرة تدريجيا باستثناء حالات نادرة فيما بعد … مثل “الڨوشي” و”الشاف” و”التران” و”برڨو” و”بيشة” من السبعينات حتى التسعينات، وانتهى الأمر … والذين لم تكن لهم كُنًى (جمع كنية) كانوا معروفين في أحيائهم والأحياء المجاورة بأسمائهم الأولى التي جرت هكذا على ألسنة المذيعين … طارق، تميم، كمال، بكار، توفيق، عبد الرحمن، الكامل، حسن، عبد الله، غازي، إلخ … ولو علق عليهم مذيعو هذه الأيام بطريقتهم الإدارية لسمعنا تسميات من نوع: ذياب، الحزامي، الشبلي، بن ميلاد، بن عثمان، الرحموني، بن عبد العزيز، بعيو، الطرابلسي، الإمام … أي ألقابهم العائلية بكل جفاف وجفاء …
ربما بسبب تحنّط التعليق الإذاعي وغرق صحافتنا الرياضية في المكاتب بدل متابعة الملاعب… وربما أيضا بسبب التغيير الذي طرأ على ولادة الطاقات وبيئة التكوين، عندنا وفي العالم أيضا … فمن البطحاء التي انقرضت بالغزو العمراني، إلى النهج أو “الكيّاس” الذي صار أكثر خطورة بتكاثر السيارات ومجانينها … وأصبح المجال الوحيد اليوم هو أكاديميات الأندية وحدائق تمارينها، حيث يتنقل الطفل على متن سيارة (Papa) و(Maman) وفي حمايتهما ويفرضانه فرضا بضغطهما ومعارفهما … حتى لو كانت ساقه لا تفرق بين الكرة وعصا الركنية، حتى لو كانت موهبته لا تتجاوز مفاتيح لعبة البلاي ستايشن 5 الباهظة الثمن …
لذلك لا أمل لي ولا لك، في أن يولد لدينا عڨربي جديد، ولا عتوڨة ولا طارق ولا مجدة ولا موحة سدر اللوحة … أكثر مما يتحسر البرازيليون اليوم على ذهاب مجدهم مع أسماء “تنكرية” راحت وانقضت … بيليه، غارينشا، زيكو، روماريو، و”الظاهرة” رونالدو …
،
جور نار
بعض القول في الباكالوريا التونسية
“الباكالوريا هي أولى عناوين التميّز وأولى المكافآت وأولى الميداليات” (فيكتور هوغو)
نشرت
قبل 6 أيامفي
21 أغسطس 2023من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiri
تنبع الأهمية القصوى التي يوليها أغلب التونسيين للباكالوريا حسب اعتقادي من كونهم أصبحوا مُدركين تماما أن مفاتيح التغيير لم تعد بأيديهم وأن جميع ثرواتهم التي أطعمتهم من جوع على امتداد عقود، باتت مجرد “بلّوط” بالكاد تكفي لتأمين أجور وجرايات نهاية الشهر.

كما أدركوا أن حُكّامهم اليوم “على مراد الله” لم يتفوّقوا على سلفهم الطالح إلا بالإمعان في مزيد استبلاههم وإلهائهم وإيهامهم بأن الشعار أهم من محتواه ومجرد إعلانه أكثر إقناعا من العمل على إنفاذه. وعلى هذا الإدراك العفوي بنوْا منوالا جديدا لأنفسهم أهم ما يميزه تطليق الشأن العام والتوغّل في الاعتناء بالشأن الخاص من أجل ضمان البقاء على قيد الحياة بعدما كانوا ينشدون مزيدا من العيش الكريم وقدرا أكبر من الرفاه الاجتماعي… ويميّزه كذلك وضع كل الآمال والطموحات والمُدّخرات في دراسة الأبناء والحرص على تأمين أفضل مستقبل أمامهم. لذلك أصبحنا في تونس نعيش ما يشبه الحمّى والغليان الشعبي بمناسبة العودة المدرسية والجامعية واجتياز امتحان الباكالوريا ومحاولة التسجيل في أفضل المؤسسات وتخيّر أفضل المدرّسين وتلقّي بطاقات الأعداد واختيار أفضل المقاولات في مجال الدروس الخصوصية …
لذلك كانت الباكالوريا عنوانا مركزيا كبيرا في حياة العائلات التونسية ومنعرجا حاسما تُصرف في سبيله الأموال الطائلة وتشدّ فيه الأعصاب ويختزل فيه التطلّع إلى غد يتغلب على منغّصات الراهن وسياطه اللاذعة.
تحدوني الأمل من خلال هذه الورقة في تقديم بعض العناصر التقييمية الأوليّة للباكالوريا التونسية ـ خاصة أننا نعيش خلال هذه الأيام ملخّص مآلاتها المتصلة بما تُتيحه هذه العتبة المدرسية المحورية من آفاق دراسية في التعليم العالي- قصد الوقوف المتأمّل على هِناتها ومراكز قوّتها، باتجاه تعديل قد يأتي يوما…متمنّين أن لا يأتي على نحو لا ينتظره أحد ممّن ستقوم عليهم هذه التعديلات أو المراجعات المنتظرة، أي ما يسمّى في قاموس بالمحلّلين بالفاعلين التربويين كبُناة للإصلاح ومساهمين فيه وليس كمستهلكين له ومُتفرّجين عليه.
ما لاحظته شخصيا في علاقة بالظواهر الساطعة التي لا يمكن أن تكون محل تنازع يجدر تلخيصه في العناصر التالية :
أوّلا : الباكالوريا أو الاستفاقة المتأخّرة
من غير المقبول والمعقول أن يظل التلميذ التونسي يدرس إلى سنّ 19 سنة دون أن تعترضه أية محطة تقييمية رسمية وإجبارية في كامل المسار الدراسي إبتدائيا وإعداديا وثانويا، بما لا يُتيح أية فرصة أمام التلميذ وعائلته أولا حتى تُراجع طرق العمل ويتمّ التنبّه إلى الاختلالات البارزة في التكوين الأساسي أو عناصر القوّة التي يتعيّن تدعيمها ومزيد شحذها وتطويرها… وأمام المنظومة برُمّتها ثانيا حتى تُعدَّل المسارات في ضوء النتائج المحقّقة وعدم إكراه حشود بأكملها على متابعة دراسات طويلة، تتطلب صلابة في نواة التكوين الأولى وطول نفس ومشروع دراسي متبصّر يستبق مستقبل الدراسة بعد الباكالوريا.
ثانيا : لا مستقبل لباكالوريا تقوم على خارطة مُعوجّة ومتهالكة للمسالك والشُعَب في التعليم الثانوي
لم يتأكد من ذي قبل كما يتأكد اليوم ضرورة مراجعة الخارطة الحالية للشُعب والمسالك التي أضحت بالية ومتقادمة بل ومُدمّرة لأحلام أجيال بكاملها. وهو مشهد مختلّ تتورّم فيه شعب وتنتفخ فيه أخرى مقابل شعب تضمر وتنكمش وأخرى تمارس إبهارا كاذبا (مثل شعبة الإعلامية والعلوم التجريبية) لأنها تدّعي آفاقا لا توفّرها وتروم معانقة مستقبل لا تُتيح سبل الوصول إليه.
ثالثا : رُبع الناجحين في الباكالوريا هذه السنة (حوالي 15000) تقدموا هذه السنة بمطالب إعادة توجيه
أقدّر شخصيا بعشرات الآلاف عدد الذين تحصلوا على شعب دراسية في التعليم العالي لن يلتحقوا بها ولن يدرسوا فيها، إما لأن باكالوريتهم لا تمتّ بأية صلة للشعبة التي نالوها وقد نصص عليها مُكرها في استمارة التوجيه، أو فُرضت عليه بشكل جزافي لعدم توفر الشغور خارجها.
أو نظرا إلى بعد المسافات بين الموطن الأصلي والجهات التي تحتضن مؤسسات جامعية تظل تتوفر بها بعض الشغورات … أو لتأكد معاناة خريجي شعب معينة من خلال ما يتداوله الطلبة القدامى (مثل مهن التراث والعلوم الانسانية وبعض اختصاصات الاقتصاد والتصرف… )
ولو أحصينا في هذا المجال عدد الملتحقين بالتعليم العالي الخاص ومسالك مؤهل التقني السامي في التكوين المهني والمتصلين بمكاتب الوساطة للدراسة بالخارج والمشاركين في دورة إعادة التوجيه (أوت 2023 ومارس 2024 مستقبلا)، لحصلت لدينا فكرة دقيقة حول حجم الهدر الحاصل نتيجة باكالوريا رثّة في جزء كبير منها.
رابعا : منظومة وطنية للتربية والتكوين مفكّكة الأضلاع لن تقدر على الإقلاع
إن غياب المقاربة المنظومية التي تجعل من الالتحاق باختصاصات مؤهل تقني سام في التكوين المهني بعد الباكالوريا أفقا حقيقيا وواعدا أمام حاملي الباكالوريا، خاصة في مسالك التعليم الثانوي المتضمنة لبعض الأبعاد التطبيقية (وهنا أغلب المواطنين من الذين تحدثت إليهم لا يمكن إقناعهم مهما فعلت بأن هذه الشهادة تُعادل شهادة الإجازة الوطنية في التعليم العالي لا فقط من حيث فاعلية التكوين بل كذلك من حيث القيمة التنظيرية على المستوى القانوني) أضرّ كثيرا بمردودية نظامنا التعليمي وأعاق تطوّره في اتجاه نظام تتوازن فيه الأبعاد التكوينية ويسمح بالعبور لأوسع فئة ممكنة من اليافعين، مهما كانت أصولهم الاجتماعية ومستوى مكتسباتهم الأساسية نحو مجالات مهنية تحفظ كرامة روّادها.
خامسا : أزمة الباكالوريا مُضاعفة في الجهات الداخلية
لقد أصبحت لامبالاة الدولة وتقصيرها أمرا فادحا وفاضحا في حق الجهات الداخلية (والأحياء والمعتمديات الداخلية في الجهات الكبرى) التي تتدنّى فيها نتائج الباكالوريا بشكل مرعب وتتراجع فيها أعداد الملتحقين بمسالك دراسية واعدة نسبيا على نحو يبعث على الانشغال الحقيقي. وهنا يُدهشني جدا أن لا أرى وزارة أو مندوبيات أو مسؤولين يقيّمون عمق الشروخ التي أفرزتها الباكالوريا ويحاولون تفكيك ما حدث وإجراء قراءات جريئة في هذه النتائج من أجل استباق انطلاق السنة الدراسية الجديدة واجتراح بعض الحلول لمعالجة بعض التصدعات (وليس كلها) وإنقاد بعض ما يمكن إنقاذه… صادف أن تحدّثتُ إلى بعضهم : هم غير منزعجين ولا منشغلين لأنهم يعلّقون ببراعة كل الإخلالات على شمّاعة “تهميش مناطقهم المتوارث” و “ضرورة انتظار الإصلاح التربوي الوشيك” و “الطابع المركّب للأزمة”، الخ…
سادسا : أبعثوا شعبًا ذات تشغيلية عالية في الجهات الداخلية وستتغيّر المعادلة
لقد حان وقت إصلاح الوهن الذي أصاب الخارطة الجامعية التونسية والذي توارثناه منذ عقود عن توازنات سياسوية وقَبَليّة متخلفة والذي أعطى مؤسسات مرتجلة باختصاصات باهتة وبيئة جامعية ضحلة في معظم الجهات الداخلية، بما أثّر بشكل سلبي على جاذبية “الأقطاب الجامعية الجديدة” ومستوى الإقبال عليها.
لا أرى شخصيا ما الذي يمنع من بناء شراكات مُثمرة بين هذه المؤسسات الجامعية الناشئة وكبرى الجامعات العالمية، خاصة في علوم الكمبيوتر والسلامة المعلوماتية والديمومة البيئية والروبوتيك والتحوّل الرقمي والمهن الصحيّة الخ… كأحد الحلول التي من الممكن اعتمادها في سبيل إعادة الاعتبار لهذه المؤسسات المنسيّة وتجاوز واقع العزلة الجامعية والأكاديمية الذي فُرض عليها.
سابعا : منظومة التوجيه الجامعي تعمّق أزمة الباكالوريا بدلا من تذليلها
إن عدم الاطلاع على خصوصيات التكوين في التعليم الثانوي في مختلف الاختصاصات (نتيجة عدم وجود أي نوع من أنواع التنسيق بين متفقدي المواد ورؤساء اللجان القطاعية في التعليم العالي) وعدم توزيع الناجحين في الباكالوريا على عروض التكوين الجامعي بشكل أكثر نجاعة وموضوعية ومحدودية طاقة الاستيعاب في الشعب الجامعية الواعدة، والمبالغة في اعتماد المقاييس الكميّة على حساب شروط الدافعيّة والاهتمام والطموح لدى الطلبة الجدد… هي أهم سمات القصور في منظومة التوجيه القائمة حاليا حسب اعتقادي..

النيجر ـ فرنسا … منعرج التحرر، أم شبح الانتكاسة؟

أمل بن عون … مدرب جديد، وهذا موعد بداية التحضيرات

الولد البرتغالي … واجتياح قارّة

دعوة للتّسجيل برياض الأطفال العموميّة الدّامجة

نابل … نواب الجهة يقاطعون الوالية
استطلاع

صن نار
- رياضياقبل 19 ساعة
أمل بن عون … مدرب جديد، وهذا موعد بداية التحضيرات
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
الولد البرتغالي … واجتياح قارّة
- اجتماعياقبل يومين
دعوة للتّسجيل برياض الأطفال العموميّة الدّامجة
- تونسيّاقبل يومين
نابل … نواب الجهة يقاطعون الوالية
- اقتصادياقبل يومين
رغم العجز التجاري … زيادة في استيراد السيارات !
- من يوميات دوجة و مجيدةقبل يومين
راجل عيادة طاح من البغلة
- رياضياقبل يومين
نادي بئر الحفي… رفيق المرزوقي مدربا للفريق
- ثقافياقبل يومين
مقرن… الدورة الرابعة للمهرجان الصيفي