وهْجُ نار
ثلاث سنوات من عمر “جلنار” … ولم تفطم بعد !
نشرت
قبل 11 دقيقةفي

حين هاتفني الصديق الزميل عبد القادر المقري ثم محمد الهادي البديري وسالم حمزة قبل ثلاث سنوات ويزيد وفاتحوني في أمر جريدة الكترونية تجمع قدماء الأيام ومن جاورها من صحف ذلك الجيل الذي كان ذهبيا بكل ما تعنيه الكلمة، أقول حين هاتفوني عارضين علي أن أرافقهم في بناء هذا المشروع الجديد، قلت هل يمكن النجاح لجيلنا وسط هذا الحشد من الأصوات التي تحترف الصراخ والعويل منذ 14 جانفي 2011؟

هل يمكن أن نعيش بأقلامنا وحرفيتنا ومهنيتنا وصدقنا ومثابرتنا التي عشنا بها وتألقنا وتميزنا في زمن كان الأصعب من زماننا هذا على مستوى حرية الراي والتعبير مع أصوات تسبب الغثيان، فالأقلام لم يعد لها وجود في زماننا هذا؟ قلت، هل يمكن ان نزاحم وننافس منشطي “طشطرق طربق” والراقصين على أنغام “حوماني” في إدارة رقاب القارئين والمتابعين نحو مشروع جاد لا يحترف البصاق على المشاهدين والقراء؟ قلت، وبماذا يمكن ان نتميّز وسط هذا الحشد من “المتزلفين” (لا أقصد الجميع طبعا) الهاتكين لجميع الاعراض والبائعين للذمم بأبخس الاثمان والمتلونين كالحرباء والكافرين بالنعم؟ قلت، كيف سننجح واليوم الغلبة لمن يشتم الآخر أكثر…ولمن يفضح الآخر أكثر…ولمن يختلق الروايات والأكاذيب عن الآخر أكثر…ولمن يدمن سماع اغنية الشادلي الحاجي “ميحي مع الارياح وين تميحي…”…
كيف سننجح واليوم الغلبة لمن يتلوّن أكثر…ولمن يبيع ذمّته أكثر…ولمن يتماهى مع مزاج الشارع السياسي والثقافي فيقبل ما لا يقبل ويرفض ما لا يرفض ويكتفي برقصة البطن مع كل مزاج أغلبي في البلاد، فاليوم يعشق لحية الغنوشي ويقبّل رأسه ويقسم به على زوجته إن أخطأت يوما في أمر ما، ويحسبه من الصالحين والانبياء…وغدا يكفر بالغنوشي ولحية الغنوشي ويقسم انه منه براء ويعود ليقسم برأس لينين ويقرر الحجّ إلى قبر ستالين وويل لكل من ينعتهم بالسفاحين…إلى حين… فنحن اليوم نعيش على أنغام جيل مراهق من الصحافيين اغلبهم لم يكتب سطرا واحدا في يومية او أسبوعية، جيل يباع ويشترى دون حاجة إلى سمسرة أو مزاد علني ( طبعا لا اقصد الجميع)، جيل وجد ضالته في مواقع التواصل الاجتماعي دون رقيب ولا حسيب، جيل أكل من كل الصحون…وبصق فيها ولم يحمد الربّ …
قلت كل ذلك…وأنا الذي أتعامل مع بعض الصحف العربية وغيرها بمقال اسبوعي وقد لا اجد الوقت الكافي لأكتب شيئا يليق بمقام ذلك الجيل الذي لا يزال بعض الذين فاق عمرهم الخمسين يذكرونه جيدا ويذكرون الكثير من الأسماء التي اثثت مؤسساته الإعلامية وبنت مجده ويذكرون حتى أركانه… ووافقت…نعم وافقت على أن أكون أحد الذين يرفعون بناء “جلنار” إلى أن تبلغ سنّ الفطام… وسنّ الفطام تعني بالنسبة لي أكثر من مائة الف متابع وقارئ جاد…
وكان مقالي الأول بأكثر من مائة سطر ليبلغ عدد المقالات (افتتاحيات ومقالات) طيلة الثلاث سنوات الأولى من عمر “جلنار” الـــ272 مقالا أقصرها بمائة سطر دون هذا الذي تقرؤون مما يجعل مجموع الاسطر التي كتبت في ثلاث سنوات بحساب المائة سطر فقط لكل مقال يناهز الـــ27200 سطرا لو وضعناها في كتاب من حجم أ4 وببنط 16 لأصبحت كتابا من 777 صفحة لم أجامل فيها أحدا…ولم اهتك فيها عرض أي ممن كتبت عنهم وذكرتهم في مقالاتي، لكن أيضا لم أعاد أي من الذين يؤثثون مشهدنا العام سياسيا وثقافيا واجتماعيا…رغم ما قد يذهب إلى ظنّ البعض من مجرّد قراءة العناوين …
من عناوين ما كتبت خلال السنوات الثلاث من عمر “جلنار”: “لا تصدّقوا الرئيس…و لا تصدّقوا الحكومة” و “هل قيس يسكن قرطاج…أم الحجاج…؟؟” و “كم نحن في حاجة إلى لفافة زطلة”!” و”نظامنا متّهم بانتحال صفة… (ديمقراطي) …” و”اتركوهم … إنهم يعيشون ورطة الحكم!” و”حرب القصور تصيب مفاصل الدولة بالقصور…” و“الرئيس يريد إسقاط النظام! …” و “رسالة من عاطل مؤبد إلى أمير المؤمنين وغيرهم … قيس بن المنصف بن محمد سعيّد” و” لا تتركوا قابيل يقتل هابيل … مرّة أخرى!” و”حدثني ابليس قال…” و “يا ساكن قرطاج لا تقل قول أبي العباس: (استعدّوا فأنا السفاح الهائج، والثائر المبيد!)” و “هشتكنا وبشتكنا يا ريّس … ده انت رئيس والنعمة كويّس!” و “منذ متى كان هولاكو ديمقراطيا؟” و “هل أصبح المشيشي خطرا على تونس؟؟”…وهنا نصل إلى السؤال الذي قد يسأله العديد من القراء والمتابعين للمشهد الإعلامي منذ الاستقلال لماذا يتميّزون علينا إعلاميا وصحفيا في الشرق العربي وبالذات في مصر؟
الأمر في غاية البساطة أولا ليس كل بلاد الشرق العربي من تتميّز علينا إعلاميا وصحفيا، هي فقط مصر ولبنان وربما سوريا سابقا وبعض الأسماء من بعض الدول العربية الأخرى، ففي مصر لهم تقاليد منذ بداية القرن الماضي وقبله في صناعة الكتاب فكل صحفي يصبح كاتبا بعد سنة او أكثر صحافة، فنسبة كبيرة من الكتب الصادرة في مصر خلال القرن الماضي هي لأقلام وأسماء كبيرة بدأت حياتها المهنية في الإعلام والصحافة سواء كان ذلك في مصر أو في بقية البلدان التي ذكرت…
هذه الأسماء الكبيرة عادة ما تكون أو كانت قريبة من السلطة، فعلي أمين ومصطفى امين هما أبناء ابنة أخت سعد زغلول وعاشا في بيت سعد وصفية أم المصريين…أما محمد التابعي أستاذ علي ومصطفى أمين وأستاذ محمد حسنين هيكل وغيره من كبار الأسماء الصحفية فقد بدأ حياته صحفيا باسم مستعار في الأهرام ثم كتب في روز اليوسف دون توقيع لأنه كان حينها موظفا في البرلمان المصري، نجح التابعي بمقالاته السياسية في احداث عديد الازمات بين الدستوريين والسعديين، وكان ذلك وراء زيادة توزيع المجلة واستقالته من الوظيفة للعمل بروز اليوسف كمحرر قار، وفي سنة 1937 وبعد أن أسس مجلة آخر ساعة وساهم في تأسيس جريدة المصري اختاره الملك فاروق ليكون الصحفي المصري الوحيد الذي يرافق العائلة الملكية في رحلة طويلة إلى أوروبا ومن هناك انطلق محمد التابعي في مسيرة صحفية جعلت منه أكبر صحفي عصره قبل الثورة وبعدها…
وهنا أسأل هل سمحت لبعضنا الظروف لنكون مثل هؤلاء في تونس؟ هل من يؤثثون منابر الصراخ اليوم يرتقون لمراتب محمد التابعي أو ناصر الدين النشاشيبي وهو صحفي فلسطيني اشتهر كثيرا حين عيّن رئيسا لتحرير جريدة الجمهورية المصرية؟ هل يمكن اعتبارهم من الصحفيين والمحررين الكبار أو من كتاب الافتتاحيات أومن المحللين الاستراتيجيين، أليس من المعيب لتونس أن نأتي ببعض هواة الصراخ من “لاعقي الأحذية” لبعض الساسة (لا اقصد كل من نراهم طبعا) ونصنع منهم جهابذة في التحليل واستشراف المشهد السياسي سواء كان ذلك بتونس او بالعالم؟…أليس من المخجل أن نسمع بعضهم ولن أذكر الأسماء يتحدثون عما يقع اليوم بغزّة وهم لا يفقهون ما يقولون وإن أعدت عليهم كلامهم سيسالونك ما هذا لم نفهم شيئا؟؟ لذلك لا تجوز المقارنة بين صحفيين عاشروا كبار الساسة في بعض الدول العربية ومكنتهم الدولة من محاورة كبار ساسة العالم، وبين اختيار مجموعة من الأسماء التي لم تكتب يوما سطرا واحدا في جريدة لتقف أمام مئات الآلاف من المشاهدين تصرخ في وجوههم وتقلب الحقائق وتزيف الأحداث لصالح مشغّلها ومن اختارها لذلك المكان…أيخدم هذا الأمر إعلامنا وصحافتنا؟ أيخدم هذا الأمر ساستنا ودولتنا؟ لا…
لنعد إلى مصر مثلا فمحمد حسنين هيكل الذي كان تلميذا لمحمد التابعي وعلي أمين وحتى مصطفى أمين كان قريبا من عبد الناصر ومن حكومات الثورة كما كان فكري أباظة قبلها…وكان شريكا في العديد من القرارات التي قررها عبد الناصر…وكما كان وراء العديد من القرارات الصائبة كان أيضا سببا في النكسة التي كان هو من اسماها كذلك…كما كان وراء سجن مصطفى أمين…وحين طلب منه أنور السادات بعد موت عبد الناصر ان يتعاون معه كما سبق وتعاون مع عبد الناصر كان ردّه كما رواه صديقه ناصر الدين النشاشيبي: حاضر … انا مستعد … ولكن على نفس الشروط والاسس التي كنت اتعاون من خلالها مع جمال عبد الناصر! وسأله السادات: ما هي هذه الشروط يا هيكل؟ واجاب هيكل: (مشاركة في الحكم وفي المسؤولية وفي السلطات وفي الحقوق!) وهنا يضرب انور السادات كفا على كف ويصيح: انت مجنون؟ انت بتقول ايه يا هيكل انا رئيس جمهورية وعايزني اتنازل عن سلطاتي علشان اشركك في الحكم؟!
وافترق الرجلان الصديقان القديمان اللدودان…واحد ذهب لكي يوقع اتفاقية كامب دايفيد..وواحد ذهب لكي يدق على ابواب دور النشر العالمية ويصبح اشهر كاتب ومؤلف سياسي وصحافي في الشرق الاوسط كان يكتب العربية بأسلوب الف ليلة وليلة ويكتب الانكليزية … اأو يكتب له الكاتب الانكليزي (تيدي هوتشكين) الذي كان كاتبا في مجلة “ايفنتس” وصاحبها سليم اللوزي في السبعينات… هكذا تحدث ناصر الدين النشاشيبي الذي اكتوى أيضا بنار محمد حسنين هيكل وحلمي سلام وغيرهما ويضيف النشاشيبي: “دخل هيكل السجن بأمر من انور السادات وخرج من السجن بطلا مصريا وتحداه مصطفى امين ثم موسى صبري شنودة ثم جماعات السادات بألف مقال والف تهديد والف منشور والف كتاب ضده وضد زعيمه عبد الناصر واستطاع ان يصمد امامها كلها وأن يرد عليها كلها وأن يجد وقتا كافيا يقضي فيه اجازة أيام الجمعة وعطلة الصيف في الاسكندرية وفي العزبة وزيارات متكررة الى ايران ولبنان والمجيء الى الاردن للبحث في موضوع زواج احد اقربائه من فتاة اردنية فلسطينية تعيش في عمان”…
هل عاش بعضنا في تونس سواء كان مع بورقيبة أو مع بن علي او مع من تداولوا على حكم البلاد بعد من يسمونها “ثورة” هذا الذي يعيشه كبار الصحفيين في مصر وفي لبنان وسوريا؟ لا…لو أتيحت له هذه الفرصة لكان وضع الإعلام أفضل بكثير مما هو عليه اليوم… فنصف السياسة صحافة… وكل الصحافة سياسة…كبار الساسة يصنعون كبار الإعلاميين والصحفيين…وكبار الصحفيين يكتبون مجد كبار الساسة…
لا غرابة إن نجح الساسة بما يقترحه وينصحهم به رؤساء تحرير بعض الصحف الكبرى…هذا يمكن أن يكون في مصر وفي لبنان …لكن هل لنا في تونس اليوم صحف كبرى…فالكاتب الكبير يولد من عنوان أكبر…والعنوان الكبير يكبر بمن يكتب فيه؟ لا، في تونس اليوم نعيش آخر أيام عمر ما بقي لنا من الجرائد الورقية …كل الحكومات التي تداولت على حكم البلاد بعد من يسمونها “الثورة” ساهمت في الدمار الذي طال الصحافة الورقية المكتوبة في تونس…في فرنسا مثلا تساهم الدولة سنويا بــ 130 مليون يورو لمساعدة الصحف اليومية الكبرى وحتى الصغرى في مجابهة مصاريف الطباعة وخلاص أجور من يكتب فيها…وفي تونس اليوم تُلوَى ذراع بعض الصحف لتنصاع إلى سياساتنا وإن لم تفعل تُحرم من نصيبها من الإشهار الحكومي…لو حافظت حكوماتنا على ما كان عندنا من عناوين وأسماء لكان حالنا السياسي والإعلامي والصحفي أفضل بكثير مما نحن عليه اليوم…ففي تونس هناك الكثير من الأقلام التي تقاعدت دون أن تأخذ حظها كاملا من الظهور في المشهد الإعلامي رغم قدراتها وكفاءاتها…جميعهم احيلوا على التقاعد وكان يمكن أن يكونوا من الذين شهدوا على العصر في العديد من الأحداث …فبعضهم كان قريبا من السلطة وعلى دراية ببعض كواليس الحكم…وكان يمكن أن يساهموا في كتابة العديد من السيناريوهات لأحداث عاشتها البلاد ولا يعلمها العامة…
أعود لما جاء على لسان وقلم ناصر الدين النشاشيبي الذي يقول:
” ليس همي أن أعود إلى الوراء وأكتب عن الأقلام المصرية “المعروفة” التي تطاولت على كل مسؤول عربي في خارج مصر، وجرحت أعراض عائلات عربية كثيرة في بغداد وبيروت ودمشق وعمان إرضاء للاستخبارات المصرية بالذات. ان كل همي أن أترك للقارئ العربي معرفة السر الذي أطاح بالصحافة المصرية وأصابها بالعفن وأدخل السوس والجراثيم إلى هيكلها وروحها! لقد استيقظ المشير عبد الحكيم عامر ذات صباح، وقرر ان يعثر لنفسه على صحافي مصري معروف يوظفه لحسابه ويحارب به عبد الناصر! واذا كان “هيكل” هو سلاح عبد الناصر في “الأهرام”، فلماذا لا يصبح “حلمي سلام” ـ الصحافي القادم من مجلة «الفن والاذاعة والتلفزيون» ـ هو سلاح المشير عامر في جريدة “الجمهورية”! وفعلاً، اصبح حلمي سلام رئيساً لدار التحرير، ولجريدة “الجمهورية” لسان حال الثورة المصرية..!! وشطب أسماء جميع رؤساء التحرير من “الترويسة” المنشورة على الصفحة الأولى، ووضع مكانها اسمه الغالي بالحرف البارز! يعني شطب أسماء طه حسين والشناوي وكاتب هذه السطور، واستبدلها باسم واحد ووحيد واستدعى معظم زملائه في مجلة “الاذاعة والتلفزيون” وأغدق عليهم المرتبات والسيارات وعينهم في دار “الجمهورية”.
وأدرك الناس ان عبد الحكيم عامر قرر ان يحارب رئيسه عبد الناصر، بأسلوب الصحافة والاعلام بالرغم من سوء الاختيار…
وكان ذلك في نهاية عام 1965 وبداية عام 1966. وعندما ذهب حلمي سلام وعرض اسماء الصحافيين المطلوب التخلص منهم من دار “الجمهورية”، أراد المشير أن يعالج الأمر بالدبلوماسية وقال لحلمي سلام:
ـ أنا موافق على هذه الاسماء ولكن لا بد من عرضها على الرئيس عبد الناصر.
وباعتراف حلمي سلام، نفسه، اعترض الرئيس عبد الناصر على نقل اسم واحد من دار “الجمهورية” وهو اسم ناصر الدين النشاشيبي..
وطالب حلمي سلام بحل مجلس إدارة دار “التحرير”، وتركيز السلطات كلها في يده مع حل جميع وحدات الاتحاد الاشتراكي الاربع الموجودة في دار التحرير والاستعانة ببعض الصحافيين العاملين بدار “الهلال” للعمل بدار “الجمهورية”..
ورفض عبد الناصر معظم هذه المطالب…ودخل حلمي سلام دار “الجمهورية” وهي مدينة بمبلغ 360 ألف جنيه وتركها وقد ارتفعت الديون إلى مبلغ 860 ألف جنيه! وهل عجز المشير عن العثور على صحافي مصري آخر يعهد له بـ “الجمهورية” بدلاً من حلمي سلام؟
لا أظن! ولكن المشير الذي كان غارقاً حتى أذنيه في حب الفنانة برلنتي عبد الحميد أراد أن يضمن سكوت حلمي سلام، القادم من مجلة “الاذاعة والتلفزيون”، والشاهد على الكثير من جوانب تلك العلاقة السرية بين المشير من جهة والفنانة برلنتي من جهة اخرى! وكان هذا كله وبكل فصوله المضحكة المبكية، يجري في شهور عام واحد فقط قبل أن تقع حرب عام 1967 ويصاب الجيش المصري بأكبر هزيمة في تاريخه… الحديث! أليس مما يدعو إلى العجب… وإلى الضحك معاً، ان يشغل عبد الحكيم عامر ورؤساؤه انفسهم في التفكير بمشاكل الصحافة المصرية وكيف يتولى احسان عبد القدوس تحرير “أخبار اليوم” ويرأس السباعي تحرير “آخر ساعة” ويرأس بهاء الدين مجلس إدارة “دار الهلال” وينتقل علي ومصطفى أمين من “أخبار اليوم” إلى “المصور”.. وكل هذا واسرائيل تستعد للحرب وتستدعي الاحتياط وتبني وتستورد السلاح وتنتظر ساعة المعركة! “
هذا ما حصل سابقا مع كبار الصحفيين والأسماء في مصر المحروسة التي مجرد ذكرها يجلب الاحترام ورفع القبّعة بشهادة أحد اكبر صحفيي القرن الماضي الفلسطيني ناصر الدين النشاشيبي رحمه الله…هل بمن نراهم اليوم في منابرنا التلفزية وهم من أدار رقاب القراء وابعدهم وحوّل وجهتهم عن قراءة الصحف الورقية للاكتفاء بمنابر كتبت سيناريوهاتها وحواراتها خارج استوديوهات بثها…أبتلك الأسماء التي تعرفون ولست في حاجة إلى ذكرها يمكن كتابة تاريخ جميل قادر على أن يتحوّل إلى صناعة تلفزيونية أو سينمائية تخلد ما عاشته بلادنا …أم أنكم تريدون تاريخا ساخرا كبعض الصور المتحركة لتضحك منه وعنه أجيالنا القادمة وأحفادنا؟؟
تونسنا اليوم في حاجة إلى الصحافي الوطني العنيد والنزيه الذي يحمي أنيابه من الكسر وتفكيره من البتر وعقله من الحجر…ولا حاجة لها بأقلام وأصوات إنكشارية مغسولة الدماغ ومقطوعة اللسان …وهذا ما نحاول أن نكون عليه في “جلنار” …يقول زكريا ثامر الكاتب والأديب والصحفي السوري…”من يعامل الكلمة على أنها بغيّ تستسلم لمن يدفع أكثر يحق له أن يحظى بشرف الانتساب إلى النقابة السرية للقوادين…”…وكل عام و”جلنار” تفوح برائحة الحرفية والمهنية والنزاهة …وعطرها عطر الحياد …لا تعادي ولا تجامل…ولا تتلون بكل ألوان الطيف….السياسي… لغاية في نفس يعقوب…واسحاق …والبعض الآخر…وغدا نحتفل بفطامها بإذن الله…
تصفح أيضا
وهْجُ نار
“طوفان الأقصى”… مَنْ ورّطَ مَنْ يا تُرى؟؟
نشرت
قبل 7 أيامفي
17 أكتوبر 2023من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrash
ما سرّ التوقيت الذي تمّ اختياره لتنفيذ “طوفان الأقصى”؟ هل كان اعتباطيا أم كان مجرّد صدفة جمعت رمزية تاريخ حرب أكتوبر وتاريخ أول اختراق لجدار الخوف من الكيان واجتياز الخطوط الحمراء؟

وهل هي الصدفة أيضا التي ارادت أن يكون تاريخ تنفيذ “طوفان الأقصى” قبل الانطلاق في إجراءات التطبيع بين الكيان والمملكة السعودية؟ وهل قدمت المقاومة دون أن تدري هدية للكيان لمحاولة القضاء على آخر عقبة امام توسيع رقعة التطبيع مع من تبقى من الدول العربية؟ وهل ثمة من أوعز للحركة الغزّاوية بتنفيذ الطوفان في هذا التوقيت لغاية في نفسه فانقلب الأمر على عكس ما يريدون وما ينتظرون؟؟ أم أن كل ما في الأمر هو استغلال نتنياهو لما فعلته الحركة الغزّاوية خدمة لمشهده السياسي الذي يعاني من الانقسام؟ فهل يصبح “طوفان الأقصى” مجرّد معركة لكسب الودّ وخلط الأوراق قبل الانتخابات التي ستشهدها ثلاث دول معنية بما يدور في الشرق الأوسط وفي العالم…؟؟
أسئلة عديدة ترافق الأحداث التي تجري اليوم في الشرق الأوسط، فما الذي يجعل الولايات المتحدة تتحرك عسكريا بتلك السرعة لنجدة مدللتها؟ وهل خطر تطوّر الأمر إلى حرب إقليمية في المنطقة وارد، أم أن الأمر مرتبط بالأساس بما يجري بين أوكرانيا وروسيا، خاصة أن أغلب الدول الأوروبية أسرعت لتقديم الدعم كاملا للكيان دون تحفّظ قبل حتى معرفة حقيقة ما جرى ويجري؟ فما الذي يجري بالضبط وهل اختلق الكيان كل تلك القصص الخيالية عن حرق جثث وقطع رؤوس الأطفال بالمستوطنات وغيرها من الروايات الغريبة لتبرير ما هي مُقدمة عليه في قادم الأيام، وقد يكون مخططا له منذ مدّة في مكاتب مظلمة بواشنطن؟ ثم لماذا أسرعت الولايات المتحدة لمجاراة الكيان في خلق الذرائع من خلال ادعائها قتل المقاومين للعديد من الرهائن من الامريكيين ومن جنسيات أخرى مختلفة وتبنيها لرواية إسرائيل عن هجوم السابع من أكتوبر بكامل تفاصيلها وجزئياتها دون التثبّت والتحري في مدى صحتها وصدقية مصادرها؟
والأهمّ من كل هذا لماذا وصل بهم الأمر إلى نزع الجانب السياسي عن حركة هنيّة وإظهارها في صورة مجرّد حركة إرهابية تقطع رؤوس الأطفال وتحرق جثثهم…حركة “داعشية” دموية، ألم يكونوا هم من صنعوا “داعش” وزرعوها في العراق ثم سوريا، وكأني بهم يريدون استجداء دعم الرأي العام العالمي والعربي وتحييد بعض الأصوات العربية التي صفّقت لما أتته الفصائل ليلة السابع من أكتوبر؟ فهل أعطت “الفصائل الغزّاوية” ذرائع القضاء على كل الرافضين والمقاومين للتطبيع انطلاقا من غزّة ووصولا إلى جنوب لبنان لتصبح طريق التطبيع مفتوحة أمام الجميع من المحيط إلى الخليج دون خجل أو خوف من ردود فعل الراي العام والشارع العربي؟
حين نغوص في ما أراد العرب قوله عبر بيان سيئة الذكر الجامعة العربية واستثناء “الحركة الغزّاوية” من كل تواجد في المشهد الفلسطيني، ندرك حقيقة ما يريده الكيان من خلال تمسكه بإبادة شاملة لـــ”الحركة الغزّاوية” وكل الفصائل المرتبطة بها وبما تفعله… فبيان “أبو الغيط” وجماعته ممن وافقوا على ما جاء فيه شدّدوا على “حق الشعب الفلسطيني في تجسيد دولته المستقلة ذات السيادة، على حدود الرابع من جوان 1967، وعاصمتها القدس الشرقية”، وإطلاق “مفاوضات جادة بين منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وإسرائيل لتحقيق السلام”. وهذا يعني بالأساس إقصاء كل الفصائل الفلسطينية الأخرى والإبقاء على الفصيل الوحيد الذي قبل بالتطبيع كاملا تناغما مع اتفاقيات أوسلو وأهمّ ما جاء فيها حينها، تأكيد نبذ منظمة التحرير الفلسطينية للإرهاب والعنف من خلال منع المقاومة المسلحة ضد إسرائيل، فالمقاومة تعتبر عند الكيان إرهابا.
كما تعهد الجانب الفلسطيني بحذف البنود التي تتعلق بالمقاومة في ميثاقها كالعمل المسلح وتدمير إسرائيل وفي المقابل تعترف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية على أنها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وتعترف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل (على 78% من أراضي فلسطين ما عدا الضفة الغربية وغزة). كما نصّت الاتفاقيات على انسحاب إسرائيل من أراض في الضفة الغربية وقطاع غزة على مراحل أولها أريحا وغزة اللتين تشكلان 1.5% من أرض فلسطين وذلك خلال خمس سنوات من تاريخ امضاء الاتفاقيات، ونصّت أيضا على أن تقرّ إسرائيل بحق الفلسطينيين في إقامة حكم ذاتي (حكم ذاتي وليس دولة مستقلة ذات سيادة) والذي أصبح يعرف فيما بعد بالسلطة الوطنية الفلسطينية على الأراضي التي تنسحب منها في الضفة الغربية وغزة.
هل يعني ما جاء في بيان سيئة الذكر الجامعة العربية السماح ضمنيا من الدول المشاركة في اجتماعها الطارئ بضرب الفصائل غير المعنية بالبيان وعدم الاعتراف بما تأتيه والحال أنهم صفّقوا جميعا للأمر وهلّلوا له وبه في ساعاته الأولى… فهل أعطت الجامعة العربية ضمنيا الضوء الأخضر لضرب المقاومة وانهاء آخر أهمّ معاقل رفض التطبيع ومقاومته، وهل يدخل الحشد العسكري الأمريكي السريع والهام في ذلك الإطار؟ وهو ما يعني توسيع رقعة التدخل العسكري في قادم الأيام أو الأسابيع لتشمل جنوب لبنان وربما جنوب سوريا أيضا للقضاء نهائيا على كل نفَس رافض للتطبيع وإجباره على القبول بالأمر والانخراط في اتفاقية “ابراهام”… وقد يبدأ الكيان ومن معه في خلق الذرائع التي ستسمح له بغزو جنوب لبنان وجنوب سوريا للقضاء على ما تبقى من فصائل رافضة للتطبيع مع الكيان…
فهل هذا ما يبحث عنه حقّا الكيان؟ وهل أوجدت “الحركة الغزّاوية” للكيان مبررات ما يقع في غزّة وفي أهل غزّة والقطاع عموما؟ وهل يسعى الكيان من خلال الحملات المضللة والمشيطنة والإعلامية الواسعة لما حدث في المستوطنات ومن خلال افتراءات وخلق لروايات وهمية حول عمليات حرق جثث وقطع رؤوس أطفال، لتعبئة وتجنيد وتحويل وجهة الراي العام العالمي والغربي بالخصوص لمجاراتها والوقوف إلى جانبها في ما هي مقدمة عليه، وهل يعني بيان سيئة الذكر الجامعة العربية موافقة ضمنية للحرب المسعورة على غزّة من أجل انهاء وجودها فعليا؟ فماذا يعني طلب الكيان من سكان غزّة مغادرتها فهل هي مُقدمة على إبادة وحشية شاملة قد تستعمل فيها أسلحة غير تقليدية محرمة دوليا؟…
وهنا يمكن الوصول إلى السؤال الأخطر في هذه المرحلة…هل ستضطرّ إيران للتورّط في الحرب لو تمّت مهاجمة جنوب لبنان بغاية القضاء على حزب الله وكل الفصائل المتضامنة معه أم تقرأ المشهد جيدا وتكتفي بالمشاهدة؟ إن وقع ذلك فهذا يعني ان هذه الحرب مخطط لها بكل تفاصيلها وجزئياتها والغاية أكبر من مجرّد القضاء على المعارضين للتطبيع وعلى ما يعرقل عمليات التطبيع ويفشل توسيع اتفاقية “ابراهام”…فهذا يعني ان الولايات المتحدة وحلفاءها يريدون وضع يدهم على كل الشرق الأوسط حفاظا على مصالحهم وتحسبا لما يخطط له التحالف الصيني الروسي ومن معهما وربما خدمة لأجنداتهم الانتخابية القادمة…لكن هل تغامر إيران بدخول الحرب لحماية مصالحها ومصالح المتحالفين معها، خاصة أن روسيا لن تكون قادرة على دعمها إن تمّ حشرها في مستنقع الكيان…كما أن الصين لن تغامر بالدخول في حرب مستنقع، وقد تكتفي بمشاهدة خصومها يتآكلون اقتصاديا وعسكريا…وسياسيا…
خلاصة الأمر…على المواطن العربي أن يسأل سؤالا واحدا قد يخامره بعد ان انكشفت عورته وتلاشت هيبته…فرقعة التطبيع تتوسع كل يوم وأغلب حكام العرب يهرولون نحو التطبيع لنيل رضى من سرق أرضهم وشتت أبناءهم وهتك عرضهم … فالتطبيع أصبح عند بعضهم مجرّد ورقة لكسب الانتخابات…والإبادة أصبحت أيضا ورقة انتخابية يرفعون بها أسهمهم أمام الخصوم والمعارضين…والسؤال هو: لمن يكدّس بعض حكام العرب السلاح منذ عقود في مخازنهم؟ أليس لحماية أرضهم من الكيان أو لردعه إن حاول الاعتداء عليهم؟ أم هو فقط لتأديب بعضهم البعض وضرب شعوبهم؟ لماذا يصرّ بعض حكّام العرب على البقاء حفاة عراة من الكرامة والعزّة وهم يملكون كل ما يمكنهم من حماية أراضيهم وستر عوراتهم؟؟
وهْجُ نار
مَن صنّع الطوفان… حماس أم طهران؟؟؟
نشرت
قبل أسبوعينفي
10 أكتوبر 2023من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrash
منذ أكثر من ثلاثين عاما لم أكتب في السياسة العالمية والعربية بالذات…أكتب اليوم لأني فوجئت كالجميع بالأحداث التي وقعت… فلا أحد، ولا حتى “الماما” ولا حتى “المسيو” بايدن الذي يعاني من كابوس بوتين وبيكين ليلا نهارا، كان على بينة وعلم بما تعدّه حركة حماس لمدللتها “إسرائيل” فلو علمت “الماما” لأعلمت مدللتها لأخذ كل التدابير اللازمة لدرء ما حصل…

ما فعلته حماس لم تسبقها إليه أية دولة عربية وأي جيش عربي أو أي تحالف عربي، ولن يكون ما بعد السابع من أكتوبر كما كان قبله أبدا، فلأول مرّة يصف الإعلام “الإسرائيلي” ما وقع لهم بوصمة عار، فحتى حرب أكتوبر كان الجميع ينتظرها رغم عدم علمهم بساعتها الصفر…وما أتاه رجال المقاومة كسّر قاعدة “الحروب الاستباقية” التي كانت تتميّز بها مدللة الماما “إسرائيل” فتاريخ الحروب العربية الإسرائيلية لم يشهد بدء العرب ومبادرتهم بالحرب ابدا إلا مرّة “يتيمة” وكانت خلال حرب السادات سنة 1973 فكل الحروب الأخرى كان العرب والفلسطينيون في وضع دفاعي عن ديارهم، وكانت “ربيبة” الماما هي المبادرة دائمة بــ”العدوان”…
كتائب المقاومة نجحت في ما لم تنجح فيه الجيوش العربية سابقا ابدا، فقد كشفت للعالم فشل كل منظومات الدفاع والترصّد الإسرائيلية، ونجحت مجموعاتها المسلحة في اختراق كل الحواجز العسكرية لجيش العدو من خلال خلق ممرّ آمن بين مستوطنات الغلاف وبين قطاع غزّة، وهو الأمر الذي مكّنهم من اختطاف وأسر العديد من الجنود والضباط والقادة العسكريين لجيش العدو الإسرائيلي دون أن تتفطّن تل أبيب إلى عدد من تمّ اسرهم وصفاتهم وحتى أين تمّ اقتيادهم…
إسرائيل لم تعش سابقا تجربة الدفاع عن النفس ونزول أمطار الصواريخ والقنابل بالآلاف على مستوطناتها ومدنها وقراها…لذلك تعيش اليوم ارتباكا كبيرا…فما أتته كتائب حماس أحدث صدمة كبيرة في نفوس المستوطنين وفي كل قوات الاحتلال…الأمر الذي أجبر نتنياهو على إعلان الحرب وهو الأمر الذي لم تعشه “إسرائيل” منذ حرب أكتوبر 73، فنتنياهو استغل الأمر أيضا لمحاولة الخروج من أزمته التي يعيشها مع حكومته وأراد ضرب عصفورين بحجر واحد واستغلال ما حدث لكسب تعاطف طيف سياسي كبير داخل الأراضي المحتلّة وتليين مواقف بعض مكونات الائتلاف الحاكم…لإطالة فترة بقائه على كرسي الحكم…
“طوفان الأقصى” وهو الاسم الذي أطلقته حماس على حربها التي فاجأت بها كل العالم، حقّق في ساعاته الأولى ما لم تحققه كل الحروب التي سبقت هذا الطوفان، فعدد القتلى من الجانبين يعتبر قياسيا مقارنة بما كان بعض القادة العرب يفاخرون به ويهددون ويولولون ويعدون برمي “اسرئيل” في البحر وهم لم يعلنوا عليها الحرب إلا مرّة واحدة حين أعلنها الرئيس المصري أنور السادات رحمه الله… “طوفان الاقصى” حقّق ايضا ما لم تحققه كل الحروب السابقة التي كانت تتميّز بكذب القادة العرب وافتخارهم بنصر وهمي لا شيء منه تحقّق منذ 1948 …كتائب حماس نجحت ولأول مرّة في خلق الصدمة والرعب في كل من استوطنوا ارضها وأرض أجدادها، ونجحت ولأول مرّة أيضا في أسر عدد كبير وكبير جدّا من الجنود الإسرائيليين وقياداتهم الميدانية وقد تطول مدّة اسرهم لسنوات إن لم يرضخ نتنياهو ومن معه ومن سيأتي بعده وبعدهم لشروط ومطالب حركة حماس، فأسرى “الطوفان” سيصبحون الورقة الأغلى في الصراع العربي الإسرائيلي أو بالأحرى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فالعرب أصبحوا غرباء عن هذا الملف، فلا دخل لهم في ما يقع غير بعيد عنهم وهم الذين طبّعوا مع “إسرائيل”، وهذا ما سيؤرق حكومة نتنياهو كثيرا في قادم الأشهر إن لم يصل الأمر إلى سنوات قادمة…
حماس نجحت في نقل الحرب إلى منطقة 18 مترا …عفوا إلى عمق الأراضي المحتلة وعقر مستوطنات العدو الإسرائيلي فأوجعتها أكثر من كل ما عاشته مدللة الماما سابقا من حروب وخسائر…فهي لن تجازف أبدا باحتلال قطاع غزّة خوفا من حجم الخسائر التي قد تتكبدها … فحرب الشوارع والحروب غير التقليدية ليست من اختصاص الجيش الإسرائيلي الذي لم يتعوّد كثيرا على حروب الشوارع وحروب الاستنزاف رغم ما عاناه من الانتفاضة الكبرى واستنزاف ما بعد حرب 1967 الخاطفة…كما أن دخول جيش الاحتلال غزّة سيوسع رقعة الحرب إلى شمال الأراضي المحتلة ليصبح نتنياهو وجيشه بين كماشتين تجيدان حرب الشوارع والاستنزاف ومدعومتين من ايران العدو الأكبر لمدللة “الماما” وهما كتائب القسام وكتائب حزب الله ومن يؤازرها في جنوب سوريا ايضا، وقد تعصف هذه الحرب بحكومة نتنياهو وكل المشهد السياسي في “إسرائيل”…
سقوط الائتلاف الحاكم برئاسة نتنياهو أمر قد لا يعجب العديد من البلدان العربية المجاورة والمطبّعة أو تلك التي هي في الطريق إلى التطبيع…فأول أهداف “طوفان الأقصى” تحقّق من خلال “فرملة” عملية التطبيع بين المملكة السعودية وتل أبيب فتوقيت هذا الطوفان غريب وعجيب أيضا، وكأني بطرف أكبر من حماس ومن حزب الله ومن كل “المتأبطين شرّا” بتل ابيب…فايران التي تصالحت أخيرا مع السعودية لن ترضى ولن تقبل بتطبيع المملكة مع تل ابيب ببساطة… ولن يرضيها الأمر كما يتصوّر البعض…وايران التي ستضطرّ للابتعاد شيئا ما عن الحوثيين واليمن إرضاء للسعودية تريد خلط الأوراق من جديد وتحقيق بعض المكاسب وربما فرض بعض الشروط على كل المشهد الشرق أوسطي خدمة لمصالحها ومصالح حلفائها…
ولا شكّ ان ايران وبالتنسيق مع حماس وحزب الله شمالا هي من اختار توقيت الطوفان ونزول الغيث المدمّر من الصواريخ على مستوطنات غلاف قطاع غزّة لغاية في نفس طهران ومن يساندها…ولا غرابة أن يكون قيصر روسيا طرفا في ما يحدث اليوم في الأراضي المحتلة…فتشتيت الدور الأمريكي والغربي عمّا يقع في أوكرانيا سيكسب بوتين العديد من النقاط وسيربك بايدن ومن معه… فإيران ومن معها من كتائب وحركات ستتكفل بإرباك المعسكر الغربي جنوبا في حين يكمل بوتين مهمته بأكثر أريحية ممكنة…هذا الأمر قد لا يكون للفلسطينيين دخل فيه لكنهم حُشروا فيه رغما عنهم، فهم العاصفة التي جاءت بالطوفان …وستقطف أجود ثمارها ايران ومن معها…
لكن ماذا ستكسب المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة بعد أن جعلوها “الطوفان” الذي حقّقوا به بعض مكاسبهم لو نجحت في كسب الحرب وفرض ما تريده؟ طبعا لن تخرج المقاومة بخفي حنين من هذا الطوفان بل ستكسب أولا شرعيتها في التواجد في المشهد القيادي الفلسطيني بخياراتها التي لم تتخل عنها منذ ولادتها…وقد تنجح في رأب الصدع الفلسطيني والمصالحة مع بقية الفصائل الفلسطينية… وقد تنجح حركة حماس في أن تصبح خنجر ايران الدائم والموجع في خاصرة إسرائيل جنوبا لتعيش مدللة “الماما” بين مطرقة حزب الله شمالا وسندان كتائب القسام جنوبا…خلاصة القول، هل نجحت ايران في صناعة طوفان فلسطيني قادر على إرباك تل أبيب وارغامها على القبول بشروطه دون الحاجة إلى العرب الذين يقفون صفّا يستجدون فتح باب “اتفاقيات ابراهام”…؟ وهل يخرج العرب باستثناء سورية من الملف الفلسطيني بعد أن “أكلوا الماء والملح” مع “إسرائيل” على مائدة واحدة دون دعوة الفلسطينيين لمأدبة نُظمت على أرضهم…؟؟
وهْجُ نار
حكمة مهاتير محمد… و”فشّان العجالي” في بلادنا !
نشرت
قبل 3 أسابيعفي
3 أكتوبر 2023من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrash
أظنّ أن أغلب القراء العرب يعرفون قصّة الزعيم الماليزي مهاتير محمد وما أتاه في حفل تخرّج مدارس “كوبانج باسو” في ماليزيا سنة 1974، ولمن لم يقرأ القصّة أرويها لكم بإيجاز فنحن نعيشها بشكل آخر في هذا البلد الموجوع...

حلّ مهاتير محمد ضيفا على حفل تخرّج مدارس كوبانج باسو في ماليزيا، وأثناء الحفل طلب إلقاء كلمة بالمناسبة فوقف مخاطبا المدرسين وقال “سادتي أريدكم أن تشاركوا جميعا في لعبة الحفاظ على البالون، وستكون من نصيب الفائز منكم جائزة قيّمة” استغرب الحضور من طلب مهاتير وسألوه عن هذه اللعبة وما الهدف منها… قاطعهم الرجل قائلا وهو يوزّع بالونات ملوّنة على كل المدرسين المشاركين في اللعبة “على كل مدرّس منكم نفخ بالونه ثم ربطه بأسفل رجله، ومن يحافظ منكم على بالونه سليما سيكسب الجائزة. سأعطيكم من الوقت دقيقة واحدة”. نفخ جميع المشاركين من المدرسين بالوناتهم وربطوها بأسفل أرجلهم وحينها أعلن مهاتير محمد بدء اللعبة…انقضّ المشاركون على بعضهم البعض يركلون أسفل أرجلهم بهدف تفجير بالونات بعضهم البعض… ونجحوا في تفجير بالوناتهم جميعا ولا أحد منهم حافظ على بالونه سليما…
ضحك مهاتير محمد ونظر إليهم ساخرا وحازما ومستغربا في نفس الوقت وقال “لم أطلب منكم أن تهاجموا بعضكم البعض ولا أن تركلوا بعضكم البعض وتفجروا بالونات بعضكم البعض بل طلبت من جميعكم فقط الحفاظ على بالوناتكم سليمة…جميعكم اخترتم السوء لبعضكم البعض ولا أحد منكم فكّر في مصلحة الجميع بالحفاظ على جميع البالونات… ألا يمكن الحفاظ على بالوناتكم دون تفجير بالونات الآخرين ؟؟ وكأن الحفاظ على بالونكم يمرّ حتما عبر تفجير بالون غيركم، ألم يكن من الأجدر ان تقفوا في اماكنكم جميعا وتحافظوا على بالوناتكم سليمة جميعا؟؟ لماذا أسأتم التفكير واخترتم الحلّ الأسوأ الذي أساء لكم جميعا… لا أحد منكم اليوم نجح في الحفاظ على بالونه، فماذا كسبتم بتفجير بالون الآخر؟؟ هل حافظتم بذلك على بالونكم؟؟ لا…خربتم كل شيء…كل شيء”…
ونحن في تونس ماذا فعلنا…أظنّ اننا لعبنا جميعا لعبة “فشّان العجالي” لبعضنا البعض…فجميعنا انطلقنا ليلة الخامس عشر من جانفي 2011 ومباشرة بعد ان علمنا بسفر بن علي لأداء مناسك الحجّ والعمرة، في حملة “فشّان عجالي” بعضنا البعض ولم نترك “عجلة” واحدة من عجلاتنا وعجلات الدولة والوطن سليمة…فخرجت الاعتصامات تجوب المدن والقرى وتغلق المؤسسات ومواقع الإنتاج …فلم يعتصموا بحبل الله جميعا كما وجب أن يفعلوا بل اعتصموا بحبل بعضهم ضدّ بعضهم البعض …فخرّبوا كل شيء اعترض سبيلهم…نسينا العاطلين والمعطلين وغيرهم ممن صرخوا طويلا بشعارات كانوا ينتظرون جني ثمارها…فخرج عليهم مغول العصر وتتاره وموظفو الدولة وجميع القطاعات يطالبون بالزيادات وتسوية الوضعيات وتنفيذ مرسوم العفو التشريعي العام…فخيّرت كل الحكومات الحفاظ على مواقعها بالانصياع لمطالب ما أقرّته “ماكينة” ساحة محمد علي التي أرادت بما أتته أن تفرض نفسها وصيّة على الدولة والشعب والوطن مفاخرة طويلا وبصوت عال أنها هي حاضنة الحراك ومن يسمونها “ثورة” وانقضّت على المؤسسات تطرد القائمين عليها بدعوى أنها موالية للمنظومة القديمة فضاعت كل الكفاءات في غياهب “التفقديات” التي تلعب دور “الثلاجات” المؤسساتية تحت شعار “ديقاج يا خمّاج”…وجاءت حكومة الباجي الأولى بعد ليلة بكى فيها محمد الغنوشي خوفا على البلاد والعباد…
أقول جاءت حكومة قائد السبسي بعد أن أخرجوه من أرشيف البلاد ليحكم في العباد فــ”فشّوا لها” كل عجلاتها…وذهب كل ما تركه بن علي من أموال في خزينة الدولة لدفع الزيادات وإرضاء الخارجين عن الدولة والقانون والمعتصمين بأبواب المؤسسات ومواقع الإنتاج لتنتفخ كتلة الأجور إلى ضعفي ما كانت عليه قبل ليلة سفر بن علي رحمه الله…ثم جاءت حكومات النهضة لترضي الغاضبين من أتباعها بانتدابهم وتسوية وضعياتهم حتى سنّ التقاعد…وكالعادة لا أحد من الاتحاد والحكومة والأحزاب فكّر في العاطلين عن العمل وفي المعوزين وفي المهمشين وفي الفقراء والمساكين…جميعهم وإرضاء للغاضبين من المعتصمين والمضربين والمعطلّين لآليات الإنتاج والمغلقين لمواقع الإنتاج دفعوا بالتي هي أحسن زيادات في الأجور وتسويات في الوضعيات وهدايا ثمينة عبر خطط وظيفية دون موجب ودون مقاييس شعارهم في ذلك “اعطهم ألف درهم يا علي”…وقبله كان الشعار “أعطهم ألف دينار يا حمادي”…
فوقعت استمالة اغلب موظفي الدولة من القطاعات الهامة إلى الحكام الجدد الخارجين من السجون للجلوس على كراسي الحكم وخنقت كل مفاصل الدولة والحكم وتحوّلت من الكفاءات إلى من أعلنوا البيعة والولاء للحكام الجدد خوفا على مصيرهم ومستقبلهم المهني…جميعهم لم يقرؤوا حسابا للدولة وللشعب وللوطن…جميعهم “فشّوا عجالي جميعهم”…ثم جاءت حكومة اعتصام الرحيل…حكومة المهدي جمعة لتنال نصيبها من الإضرابات والاعتصامات طبعا ليس بحبل الله لكن بخراب البلاد وتجويع العباد…وغلق مواقع الإنتاج…ومفاوضات الزيادة في الأجور…والتسميات بالمئات…هكذا أيضا نسينا مرّة أخرى العاطلين…والمهمشين والفقراء والمساكين…نسينا الوطن…والشعب والدولة التي تئن…
ثم جاءت الانتخابات الأولى والحكم التوافقي…فبدأ “فشّان العجالي” عبر مجلس لا دور له غير “الفشّان” و”الهزّان والنفضان” فلم تسلم أية حكومة من حكومتي تلك العهدة من “فشّان العجالي” ومن الخروج عن النصّ النقابي…فتجاوز عدد الإضرابات مئات الآلاف…وذبحت الدولة من الوريد إلى الوريد …واصبح ساكن ساحة محمد علي الحاكم بأمره وسلطان زمانه…فلا احد يمكنه تحريك حجر واحد من دار الباي أو من غيرها من مؤسسات الدولة دون تأشيرة ساكن ساحة محمد علي…وكالعادة لا أحد فكّر في من ينتظرون جني ثمار ما فعلوه حين جابوا البلاد طولا وعرضا يصرخون “شغل …حرية …كرامة وطنية” فلم يجنوا غير الإحباط والياس …والموت غرقا في المتوسط…
تواصل أمر “فشّان عجالي” كل الحكومات التي تداولت على “نفخ عجالي البلاد” بعد انتخابات 2019…إلى حدود مساء يوم 25 جويلية 2021 حين استفاق الشعب على حدث غريب يحدث لأول مرّة في تونس، عجلة دار الباي بالقصبة “مفشوشة” ومرمية جانبا ولا أحد يعلم اين هي…وعجلة “قصر الباي بباردو” مفشوشة ومرمية أمام الباب الخارجي دون حراك… ثم تواصلت الحملة الواسعة لــ”فشّان عجالي” مكونات كل المشهد السياسي الذي سبق 25 جويلية 2021…ولم تبق غير عجلة واحدة يقول البعض أنها من فئة عجلات الـــTubeless …لكن هل فكرتم في الوطن وكيف سيعبر إلى المستقبل…؟؟ فهل يمكن للوطن أن يعبر بعجلة واحدة طريقا مزروعة بالأشواك في زمن صعب كهذا الذي يعيشه كل العالم بعد وباء الكورونا وبعد حرب روسيا وربيبتها أوكرانيا…أم أن جميعكم تفكّرون في النوعية الجديدة التي ستنتجها ميشلان خلال الأشهر الأخيرة لسنة 2024 والتي يسمونهاMICHELIN Uptis وهي من الإطارات غير القابلة للثقب…والمستعملة لتقنية الـــAirless…ألا يكفينا “فشّان” …ألم يحن وقت “نفخان” في روح وطن موجوع يتألم…

ثلاث سنوات من عمر “جلنار” … ولم تفطم بعد !

بطلة دورة المنستير للتنس إيليز مارتينز … “تونس تحظى بمكانة خاصة جدا عندي”

مصر … ملتقى الرواد للفنون والإبداع لدعم فلسطين

أفِق صديقي كلود… صديقُك الفلسطيني حنظلة ينتفض ويخرج عن صمته !

حتى المعابد لم تسلم من إجرامهم … 31 مسجدا دمّرها الاحتلال وأضرار بالغة في 3 كنائس
استطلاع

صن نار
- رياضياقبل 15 ساعة
بطلة دورة المنستير للتنس إيليز مارتينز … “تونس تحظى بمكانة خاصة جدا عندي”
- ثقافياقبل يوم واحد
مصر … ملتقى الرواد للفنون والإبداع لدعم فلسطين
- جور نارقبل يوم واحد
أفِق صديقي كلود… صديقُك الفلسطيني حنظلة ينتفض ويخرج عن صمته !
- صن نارقبل يومين
حتى المعابد لم تسلم من إجرامهم … 31 مسجدا دمّرها الاحتلال وأضرار بالغة في 3 كنائس
- صن نارقبل يومين
هجوم صاروخي على قاعدة “عين الأسد” الأمريكية بالعراق
- صن نارقبل يومين
تعزيز أمريكي غير مسبوق في المنطقة … هل تكون غزّة منطلق حرب شاملة؟
- صن نارقبل يومين
هل أتلف نتنياهو أدلّة على فشله في عملية “طوفان الأقصى” ؟!
- صن نارقبل يومين
الكيان يفقد صوابه … رفض قبول رهينتين جديدتين كانت ستسلّمهما المقاومة