جور نار
خالتي الشعلاء وسيارة عمّ الكوني… وغياب المواد الأساسية
نشرت
قبل 9 ساعاتفي
من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrashكنت مارا أمام مقهى من المقاهي الشعبية حين حوّل وجهتي أحد صعاليك الزمن الجميل إلى طاولة فقد نصف خشبها لونه من فرط الاتكاء عليه احباطا ويأسا من العاطلين والمعطلين عن العمل...

جلست قبالة صعلوك الزمن المتهم بأبشع التهم حتى اشعار آخر، صعلوك لم يجد صعوبة في الكشف عن نواياه من تحويل وجهتي…فقال “ماذا ستكتب هذا الأسبوع يا هذا؟” قلت أفكّر في الكتابة عن المواد الأساسية والضرورية المفقودة من السوق ومعاناة الشعب واكتفاء الدولة بتحويل وجهته إلى أمور لا أرى ضرورة للحديث عنها أصلا من غير أهل الاختصاص…نظر إلي الصعلوك الوطني وقال: “ما تحمدوش ربّي…ما عمركم حمدتوا ربّي…تي احمدوا ربّي نهار في حياتكم” … قلت: “وما دخل الله في المواد المفقودة؟ كنت حقّا أريد الكتابة عن هذا الأمر لكن الآن خذلني قلمي بعد سماعك وخذلتني أنت وأمثالك بما قلت ويقولون…ولأول مرّة صراحة يخذلني قلمي في الكتابة عن الشأن العام …بعد أن مُنع قلمي وحوصر عديد المرّات ليس من الدولة فالدولة (يرحم والديها ووالدين والديها وهذي بوسة من عندي اممممممواه!) وأمد الله في أنفاسها وأنفاس أهلها وناسها وما لها وما عليها…
وواصلت: “بل من رئيس التحرير خوفا من تبعات ما أكتب في زمن طأطأت اغلب الأقلام رؤوسها وجلست القرفصاء تصفّق وتسعد بما تجود به علينا منابر الحقد التلفزي ونشرات الأنباء، من أخبار لا تهمّ المواطن في شيء غير رفع نسبة الحقد والكراهية والاكتئاب…ولأني أخاف غضب صديقي الصعلوك الديمقراطي جدّا والحقوقي جدا والإنساني جدا فإني سأحمد الله دائما وابدا أخذا بخاطره…سأحمد الله إن لم اجد خبزا فكم من رغيف أكلت منذ ولادتي مما “يشبّع عرش”…وسأحمده إن لم اجد حليبا فكم من علبة حليب من أيام العلبة التي كانت على هيئة أهرام أم الدنيا مصر…وسأحمده إن لم أجد زيتا فالزيت كان لا يفارقني فأمي رحمها الله كانت “تمرّخني” وتغرقني زيتا حين تداهمني نوبة من السعال الديكي أو الديك الرومي، علما بأني لم أذق طعم لحم الديك الرومي إلا بعد ان تزوجت ولم أكن افرّق بينه وبين لحم الخنزير وكنت أحمد الربّ أني لم اذق طعمه خوفا من حرامه، وحين علمت أنه “حلال” اصابتني نوبة من البكاء صاحبتني كلما رأيت فخذ ديك رومي معلقا بمحل لبيع الدواجن واصهارها أندم على ما فاتني…
“وسأحمده إن لم أجد سكّرا فالسكر مضر أولا بالصحة واظنّ أيضا ان حلاوة الدنيا ليست فقط في “حلاوة” السكر، بل في حلاوة قرارات الحكومة…والقائمين على شؤون الحكومة…فلا حلاوة تضاهي خطابات دولتنا ألم يحفظ أغلبنا هذه الخطب وما تعنيه؟…دامت حلاوة دولتنا والقائمين عليها فحلاوة السكر لا تضاهي ابدا حلاوة قول دولتنا، حفظ الله لسانها من كل سوء…وسأحمده إن لم أجد غدا وقودا لسيارتي التي أفكّر في شرائها إن نجحت في جمع ثمنها من الأموال التي كانت مرصودة للمواد الضرورية والاساسية المفقودة…ففقدان هذه المواد سيكون حافزا لي على ادخار ثمن سيارة تليق بمقامي…وسأحمد الله غدا إن لم أجد لحما فثمنه سيزيد من حجم ادخاري…وسأحمد الله إن لم أجد غازا فثمن القارورة سيكون دعما لمخزوني…وسأحمد الله إن لم أجد اسمنتا لإنهاء اشغال بناء منزلي فكل ذلك سيكون في صالح مدخراتي…وسأحمد الربّ إن ألغيت زيارتي إلى العاصمة بسبب عطب بالحافلة وغياب قطع الغيار لانخفاض مخزون العملة الصعبة المخصّص لتوريد هذه القطع، وقد استفيد مما خصصته من مال للزيارة لدعم ما ادخرته ثمنا لسيارتي القادمة…
“وسأحمد الربّ إن نجح الاسكافي في إصلاح حذائي الذي أصبح لا يليق بطرقاتنا المعبّدة بالخرسانة الاسفلتية ذات المخالب الحجرية، فسيوفر لي بذلك ثمن حذاء جديد بمخالب حديدية كتلك التي نجدها أسفل احذية لاعبي كرة القدم أو الرقبي أضيفه إلى مدخرات سيارتي…وسأحمد الربّ إن ألغى أحد المهرجانات عروضه فبثمن تذاكر دخوله سأنفخ في حجم مدخراتي…وسأحمد الربّ على غياب العديد من المواد الاستهلاكية الضرورية والاساسية فبثمنها سأنجح في توفير ثمن سيارتي الفاخرة الفاقع لونها والمنتفخة أوداجها كالرانج روفر التي عند عمّ الكوني…وسأحمد الربّ إن نجح خليفة ابن عمّي في الفوز بمقعد في الانتخابات المحليّة فحينها سيعينني في الحصول على قرض دون ضمان كامل من بنك يطالبني اليوم حتى بمعلوم مجرّد السؤال عن الملاليم التي بحسابي البنكي… ابن عمّي هذا له علاقة “شكبّة ونوفي” مع مدير الفرع البنكي كيف لا وهو رفيقه في مقهى الحي القريب من المصبّ المحلّي للفضلات المنزلية…
“وسأحمد الربّ إن تواصل هذا الاستقرار والديمقراطية والانفتاح السياسي في البلاد فمن دونه قد يقع توفير كل المواد المفقودة وقد لا تسمح لي كل تلك المصاريف بادخار ثمن سيارة احلامي…وسأحمد الربّ إن تواصل وضع عمّ الكوني بذلك السوء فهو لن يبيعني سيارته إن تحسن وضعه المادي ودفع ما عليه من ديون لزوجته السابقة “عمّتي الشعلاء”…وسأحمد الربّ إن فقدت العديد من الأدوية من الصيدليات فبثمنها سأزيد من فرص شراء سيارة عمّي الكوني وسأكتفي بالمداواة بالنباتات الطبية، وقد يكلفني الأمر صعودا إلى بعض الجبال لجلب الشيح والزعتر والاكليل والتڨوفت وغيرها من الأعشاب التي ستغنيني عن الادوية المفقودة بالصيدليات”…
هكذا قلت لصديقي الصعلوك فضحك…وقال “بارك الله فيك كنت على يقين انك وطني حتى الموت جوعا وبلا أدوية”…قلت “لابأس لابأس…لن نموت جوعا في هذا البلد ولن نموت دون جرعة دواء…” فجأة ودون سابق إعلام رنّ جرس هاتفي الاعرج وكان عمّ الكوني على الخطّ فصرخ في وجهي وقال: (ابشر يا ولد أختي لقد وافق البنك على القرض ولن أبيع سيارتي لخلاص ديون خالتك “الشعلاء”..) سقط الهاتف من يدي…فقال الصعلوك ما الأمر؟ قلت: عليّ أن ابحث عن الحليب والخبز وبعض المواد الأخرى فقد نفد مخزون البيت من كل الأساسيات الغذائية…نظر إلي وصرخ “ألم تكن تحمد الربّ على فقدانها يا هذا…قلت في خاطري “اللي يشوفك ويشوف أمثالك ينسى يحمد ربّي…”
تصفح أيضا

هواة السينما عامة وافلام الخيال العلمي خاصّة يتذكّرون جيّدا شخصية “دراكولا” في افلام الرعب كشخصية سادية هوايتها امتصاص دماء البشر …وعلى عكس ما يعتقد البعض فانّ شخصيّة دراكولا ليست شخصيّة من وحي الخيال السينمائي بل هي وُجدت كحقيقة …

بعض المؤرخين يؤكدون انّ برام ستوكر مؤلّف قصّة دراكولا استلهم الشخصية من انسان حقيقي متعطّش للدماء وهو “فلاد الثالث” امير امارة والشيا (جزء من المجر حاليا، حكمها سنة 1431) … ودراكولا في اللغة الرومانية القديمة تعني ابن التنّين او الشيطان وهو الذي نكّل بالعثمانيين واشتهر خاصة بشغفه باراقة الدماء و تعذيب الاسرى قبل قتلهم …وهنا تعود ذاكرتي الى المسلسل التلفزيوني (الحجاج بن يوسف) داركولا عصره والذي تجاوز عدد من قتلهم الـ100 الف في كلّ حروبه …
في حلقة من حلقات المسلسل وبعد ان قام الحجاج بغزو مكة ورميها بالمنجنيق و بعد قتله عبدالله بن الزبير وتعليق جثّته على اسوار الكعبة، حمل في جرابه رأس عبدالله مقطوعا من جثّته الى وليّ امره عبد الملك بن مروان … ما شدّني في المشهد ..نظرات “دراكولا” بن مروان الى رأس خصمه بكلّ سعادة مصّاص الدماء … وربّما كان يُمنّي نفسه بهديّة افضل من الحجاج ..ربّما كان يكون اكثر غبطة وسعادة لو حمل الحجاج الثقفي كوبا من دم ابن الزبير حتى يثمل به على نخب الانتصار عليه …
يااااااااه هذا جزء من تاريخنا العربي الاسلامي الذي لم يسلم في معظم فتراته من مصاصي الدماء …ويكفي ان نراجع كلّ حقباتنا ومنذ بداية ازمة السقيفة بعد موت الرسول الكريم الى يوم الناس هذا لنفهم انّ النزاع على السلطة بالقوّة لا يمكن الا ان يبشّر بدراكولا جديد ..ولئن لم يقتصر امور السلطة ومصاصي الدماء على العرب والمسلمين ولكم في هولاكو وتيمورلنك وستالين وهتلر وبوش الاب والابن وشارون … فانّ ما يحزّ في انفسنا كمسلمين انّ ديننا السمح الجميل امتطاه زورا وبهتانا آلاف مصاصي الدماء …
دعوني اترك قائمة الاغتيالات بين افراد الاسرة الواحدة في تاريخنا العربي والاسلامي قديما وحديثا من اجل الحكم … واعرّج فقط على قائمة علماء الفكر الذين امّا كفّروهم او اغتالوهم ..وهؤلاء فطاحل في العلم ..عيبهم الوحيد انهم اعملوا العقل لا النقل … ابن حيان .. الفارابي ..ابن سينا …الكندي …ابن رشد …ابن الهيثم …ابن الراوندي … الرازي .. ابن المقفّع ..هذا الاخير قطعوا اجزاء من اطرافه واجبروه على اكلها مشويّة .. هل هنالك كلمة ابلغ من بشاعة ..؟؟…
هم يتذرّعون بالدين كحجة لافعالهم الشنيعة ودائما من اجل السلطة . ان لم تكن سلطة الحكم فهي السلطة الفقهية ….وهنا تكون المعضلة … المنطقي والشرعي والانساني ان يسعى الفرد للسلطة … بل لا معنى لمجتمع دون سلطة وهنا اعني الحزم والعدل وحسن التسيير من اجل الصالح العام ..ولكن فصيلة دراكولا لا تفرّق بين السلطة والتسلّط … والانكى انّ هذه الفئة تعتبر نفسها سفراء او قناصل في دولة الإله ….نعم لم يفهموا يوما انّ الرسول الكريم هو آخر الانبياء وان لا سفير ولا قنصل بعده .. ولم يفهموا امام تسلّطهم وطغيانهم انّ نفس الرسول قال فيه الله عزّ وجلّ (وما محمّد الاّ بشر مثلكم) ..
هذه الفئة وفي زمن ما شككت حتى في فهم الرسول وصحابته للقرآن ليفسّروه بل ليحرّفوه كما يشتهون وتشتهي مصالحهم …اعتبروا انفسهم سفراء فوق العادة في فهم القرآن (هنا اعني الخوارج)… البعض من هذه الفصيلة في هذا الزمن الاعرج ليس فقط يبيح الارهاب بل يعتبره امرا إلهيا مستندين في ذلك على تفسير الآيات (واعدّوا لهم ما استعطتم من قوة ومن رباط الخيل تُرهبون به عدوّ الله وعدوّكم)…
نعم يعتبرون في كلمة تُرهبون دعوة صريحة وشفافة للارهاب … بل ويفتون للقتل …وينحرون من لا يدخل ملّتهم كنحر الخرفان … البغدادي وجماعته ودواعشه هنا وهنالك … ويغتالون خصومهم في وضح النهار .. بلعيد والابراهمي ..ويذبحون الجنود وهم يتناولون وجبة افطارهم في رمضان … اليسوا هؤلاء هم احفاد دراكولا .. ؟؟…
جور نار
هل هو “الميساج” الفرنسي للأفارقة: الإرهابيون سيحرقونكم في غيابنا ؟!
نشرت
قبل 4 أيامفي
12 سبتمبر 2023
الارهاب والطوارق سيحرقون مالي في غياب الجيش الفرنسي … “اليد الحمراء” الفرنسية تحرك الإرهاب في مالي ..هجوم على باخرة وحرقها بمن فيها، ودفن جماعي لرجال و أطفال و نساء مدنيين في حفر مختلفة … احتراق كامل لكل المختبئين في غرف الباخرة …

عناوين مشتعلة ومشاهد فظيعة يتم تسويقها فرنسيا لإخافة النيجر ومن يحاول اللحاق بتمردها ضد هيمنة باريس … عناوين ومشاهد تظهر الصورة التي يراد فرضها من لدن الجهة المنتقمة بشكل دموية و وحشية رادع، لهزّ بلد اراد استقلال مقاديره عن المستعمر … كل شيء كان وارد الوقوع من هجمات سريعة او استهداف قيادات الجيش او تحريك بؤر الارهاب الذي يمسكون بخيوطه … لكن هل نسي الاستعماريون أن الانتقام من النساء و الاطفال حرقا لن يزيد الا ترسيخ عداوة ابدية مع شعوب صارت مصممة على التخلص من الاستعمار ..
يذكرنا هذا بما حصل منذ 65 سنة حين ضرب طيران ديغول مدرسة بساقية سيدي يوسف و أحرق تلاميذ تونسيين …لكن اليوم هاهي فرنسا تتصرف بطريقة الوكالة المفضوحة، وتتأهب لتحريك بؤر القاعدة و بوكو حرام وداعش في بسلسلة من الجرائم الإرهابية… وسترسل لشعوب المنطقة رسالة خبيثة مفادها: “مادمنا لسنا قابعين على ارضكم و خيرات بلادكم، فستحرقكم نار الارهاب” ! .
ومن ناحية أخرى بلغ إلى علم جريدة جلنار ان حشودا من جيش الطيران التابع لفرنسا قد تجمعت في ساحل العاج ..ويذهب بعض المحللين الى إمكانية القيام بهجوم خاطف على النيجر او محاولة اغتيال القيادات العسكرية … وذلك بعد ارباك السلطات العسكرية المالية بحادثة حرق الباخرة التي ذهب ضحيتها اكثر من مانتي شخص بين أطفاله ونساء ورجال مدنيين ..
كذلك يبدو أن كراهية النظام الاستعمار الفرنسي قد بدأت تكتسح الشعوب الإفريقية حيث ترى بعض التحاليل ان الكامرون قد يلتحق بقائمة البلدان الرافضة لأي وجود فرنسي او غربي … وكذلك الكونغو الذي دعا بعض الشركات الفرنسية إلى ترك البلاد …
جور نار
التربية نجمتُنا… المدرسة خيمتُنا
نشرت
قبل 5 أيامفي
11 سبتمبر 2023من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiri
بعد أيام يلتحق رُبع الشعب التونسي تقريبا بالمدارس والكليات ومراكز التكوين، وإن الناظر إلى مشهد الاستعداد لهذه العودة يستطيع تبيّن نزعتين كبيرتين تخترقان مُهجة التونسيين :

نزعة تعتبر أن العودة المدرسية بمثابة عقوبة مسلّطة خاصة على المدرّسين فترى بعضهم يقول “ذكّركم بالعودة ونكّد عليهم” أو “أكثروا من النوم قبل العشرة الأواخر” أو كذلك “ستكون عودة مثل أخواتها لا جديد فيها سوى إهانة المعلّمين وتبخيس الأساتذة والمدرّسين ” في استباق كارثي لمجريات السنة الدراسية الجديدة، وأخرى تنمّ عن نوع من الاحتفاء بالمدرسة والعودة إلى مقاعدها ومباهجها، فترى الأولياء يسارعون إلى “تجهيز” أبنائهم وبناتهم بما تيسّر من إمكانيات رغم شحّة الموارد والغلاء المتزايد في أسعار الأدوات والأزياء.
(أقول هنا بصفة عابرة أن الجامعيين يعيشون اقتراب مواعيد العودة الجامعية بتوتر أقل مقارنة بزملائهم المعلمين والأساتذة في الثانوي، لكونهم بصورة عامة متحررين بشكل لافت من كل أنواع القيود ومراقبة جودة الأداء).
أنا شخصيا من معتنقي النزعة التنسيبيّة التي تقول انه بمستطاعنا أن نؤلّف مُتونا ومجلّدات حول مُكبّلات مدرستنا التونسية وما يتهدّدها من أخطار وإخلالات مرصّعة، تحول دون انبعاث مدرسة جديدة تُرسمل المكتسبات وتستفيد من كل الأزمات الحادة التي عاشتها في سبيل تحقيق انتعاشة تربوية حقيقية، توهّل الأجيال وترسخ القيم وتشقّ طرقا سيارة عبر صحاري الأميّة وأدغال الخرافة وأحراش البقاء على قارعة العلم والمعرفة… لكن التشخيص لا فائدة منه إلا متى وُضع على طاولة من يريدون إجراء إصلاحات بشكل جدي، وإن لعْن معوّقات تطور مدرستنا بشكل مستمر لن يزيدنا إلا إحباطا وإصرارا على استبعاد أي أمل في الإصلاح والتجاوز وإعادة البناء.
وعليه، ليس أمام التونسيين سوى المحافظة على هذا المصعد المعطوب حتى وإن تدنّى أداؤه وتعالى أزيزه وفاقت الحمولة مستوى تحمّلهُ.
نتمسّك بمدرستنا وندافع عنها ونعتبرها مكسبا استراتيجيا لن نفرّط فيه :
لكوننا شعبا “زوّالي” بالنسبة إلى أغلبيته الساحقة يظل بحاجة متأكدة إلى تفعيل محرّكات التكاتف والتضامن فيه من خلال وجود دولة تسهر على توفير مرافق ميسّرة مثل الإدارة والمدرسة والأمن والحافلة والمستشفى والطريق والماء والكهرباء والتي كلّما تراجعت، بقيت شرائح واسعة بلا كفيل ولا بديل. وحيثما حافظت على بعض مناطق الضوء فيها، تسنّى إنقاذ الكثيرين من التّيه والموت والجهل وضنك الحياة.
يُغريني في هذا المجال تقديم ملاحظة تتمثل في كون سامي إطارات الدولة التونسية بصورة عامة (أتحدث عن الأسوياء وغير الضّالعين في استجلاب الأموال على غير الصيغ الشرعية) غالبا ما تكون زوجاتهم موظفات عاديّات أو معتنيات بشؤون منازلهنّ وأبنائهنّ، وعادة ما يأكلون أو يلبسون مثلما يأكل أو يلبس سائر التونسيين … كأننا كتلة متجانسة بنسبة عالية جدا يجمعها اللبلابي والأكلات الشعبية ومقاعد المدرسة العمومية.
ونذود عن مدرستنا ونسعى بكل ما أوتينا من قوة اقتراح وشديد نُباح إلى تطوير أدائها لأنها هي من لاذ إليها شبابنا المتخرّج عندما انحسرت آفاق التشغيل في ربوعنا، وضاق صدر مؤسساتنا الاقتصادية والمالية والصناعية الرثّة بكفاءاتنا النيّرة التي راحت تتلقّفها كبرى الشركات والمنصّات عبر العالم.
ومازلنا نزرع الأمل في مستقبل مدرستنا رغم هوانها، باعتبارها مازالت تتوفّر على كل مقوّمات التميّز والتفوّق من بنية تحتيّة متّسعة وموارد بشريّة أثبتت جدارتها، وبرامج قُدّت في مجملها بما ينسجم مع روح العصر والتوجّهات الحديثة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والمعارف الانسانية.
وسنظل نرفض سيناريوهات الخراب القائلة بأن مدرستنا آيلة للسقوط أو ان تعليمنا في حالة موت سريري أو كذلك ان المال والجاه والنفوذ والرفاه قد غيّرت العنوان لتصبح في ضفة مسالك الأرباح السهلة مثل التجارة الموازية وتهريب العملة وشتى أنواع الحبوب وعرض المفاتن والمفاتل على شاشات التيك توك والانستغرام.
ونشدّ بنواجدنا على ما تبقّى لنا (كما يفعل كل المقاومين المؤمنين بعدالة قضاياهم عبر العالم وعبر التاريخ) من مدرسة شيّدها أجدادنا بعرق جباههم وجدّاتنا بمصوغ صدورهنّ الطاهرة، لتُقبل أجيال بأكملها على فكّ رموز الحرف والشّرب من عيون مائية عذبة كانت محجوبة عنها لأن الغازي الأجنبي ومعاونيه المحليين كانوا يعتبرون أن التمدرس من شيم الأكابر والشرب من الغدران والبِرك كفيل بإبقائنا رهن إرادتهم السّمجة.

وعلى هذا النحو تكون المحافظة على هذا الإرث والارتقاء به أمانة تاريخية ومكسبا ندين به لمن عبّدوا أمامنا الطريق وأصبح لنا اسم وعلم ومدرسة نباهي بها بين الأمم والشعوب.
نُفاخر بمدرستنا التونسية أينما حللنا نحن أبناءها في مختلف مواقع العمل والإنتاج والبرمجة والتطوير والتدريس والتأطير إفريقيّا وعربيا وكونيّا وفي الندوات والملتقيات الدولية رغم أنه تنقصنا أحيانا بعض “المهارات” أو “القدرات الاتصالية” لكننا لسنا كُسّح أو من ذوي العاهات المُشلّة للقدرة على منافسة نظرائنا في بلدان أخرى… وكم من قامة تونسية تكوّنت وتدرّبت وتمرّست على أياد تونسية وتحت أسقف تونسية، راحت تُنازع كبار المختصين في ساحات أجنبية سواء في لغاتهم وبلغاتهم أو في التاريخ أو في الطب أو كذلك حديثا في أدق العلوم وأحدثها.
ونظل مؤمنين بأنه لا خيار لنا سوى الاحتماء بمدرستنا (والتي حان الوقت لكي تحتمي بنا حتى لا تصدأ مفاعلاتها تماما) لأن مستقبل العالم كما تؤكد ذلك كل الدراسات الاستشرافية سيكون مبنيّا على مُخرجات المدرسة (بمفهومها الواسع) أي ما سيراكمه أبناؤنا وبناتنا من معارف واقتدارات واستعدادات داخل الفصول وليس خارجها. ويصحّ هذا الاستقراء تماما خاصة عندما نقدر على فسخ الفكرة القائلة بأن المدرسة جُعلت لتكوين الأدباء والرياضيين والأطباء والمهندسين (قياسا على خارطة الشُعب المدرسية المتهالكة التي مازلنا متمكسين بها رغم اهتزاز أركانها) بل هي لاكتساب مفاتيح التواصل وأصول المعارف وأسس العلوم والتكنولوجيا في حدودها الدنيا، قبل ولوج ساحات العالم وباحاته بحِرَفها ومهنها واختصاصاتها وصنائعها ومجالات الفعل والنشاط الانسانيين المتعددة والمتنوعة… خاصة إذا علمنا أن المدرسة اليوم تُكوّن من أجل مهن ليست موجودة بعدُ (85 بالمائة من مهن 2030 غير معروفة اليوم سنة 2023 كما تقول بعض الدراسات).
من أجل كل ذلك،
سنبقى معتزّين بمدرستنا وما تحرزه من نجاحات مشوبة بعديد النقائص والهِنات ولكننا في ذات الوقت سنواصل إعلاء أصواتنا قصد دفع دولتنا والضغط عليها من أجل بناء مدرسة جديدة تولد من رحم هذه وتكون قادرة على تحقيق خمسة أهداف كبرى على الأقل :
1. تجريم الانقطاع وتحميل مسؤولية هذا الجرم للعائلة والدولة في آن واحد، والنزول بعدد المغادرين دون أدنى تأهيل إلى أسفل درجاته وهو هدف سهل المنال لو يتوفر صدق الإرادة والسيادة.
2. توقيف مهنة التدريس في كل مستوياتها وجعلها حِكرا (نعم حِكرا استثنائيا) على من هم جديرون بذلك وفقا لتقييمات صارمة وتكوين حقيقي لا يجامل أحدا… ولو كلّف ذلك المجموعة الوطنية عبئا إضافيا إذا بقي البعض زائدا عن النصاب.
3. استثمار كل الامكانيات وتوظيف مجمل ذكائنا الوطني في صهر التعليم التكنولوجي (دعْنا من تسمية التكوين المهني التي ارتبطت تونسيا بالفشل الدراسي) ضمن المنظومة الوطنية لتكوين الكفاءات، وجعلها معبرا عاديّا مثله مثل الشُعب المدرسية الأخرى.
4. إعادة الاعتبار لمكانة اللغات والتواصل الشفوي في منظومتنا أمام المدّ الضارب لخطاب التفاهة الذي أجّجته تلفزات الإثارة ومواقع صيد المُتابعين بالكركارة.
5. الانكباب فوريا على إجراء إصلاحات موضعية حتى وإن كانت موجعة بما يُنعش مخرجات المدرسة التونسية، بدلا من التكريمات المتواصلة والتصريحات المُخاتلة وموجات الصمت القاتلة.
وسنة دراسية موفّقة للجميع.

بالحرب أو من دونها … تضاؤل حظوظ أوكرانيا في الالتحاق بالناتو

خالتي الشعلاء وسيارة عمّ الكوني… وغياب المواد الأساسية

سيدي بوزيد… مباراة ودية للأولمبيك في بن عون

أيام قرطاج السينمائية تحتفي بالسنغال والاردن

دراكولا … بين الخيال والحقيقة …
استطلاع

صن نار
- رياضياقبل 23 ساعة
سيدي بوزيد… مباراة ودية للأولمبيك في بن عون
- ثقافياقبل يومين
أيام قرطاج السينمائية تحتفي بالسنغال والاردن
- جور نارقبل يومين
دراكولا … بين الخيال والحقيقة …
- فُرن نارقبل يومين
المأزق الذي سيقود إلى الاتفاق … أو الحرب العالمية الثالثة !
- اجتماعياقبل 3 أيام
جندوبة… تأسيس شركتين أهليتين
- صن نارقبل 3 أيام
القوات البوركينية تقضي على أكثر من 100 إرهابي
- اجتماعياقبل 3 أيام
“تحليڨ”
- صن نارقبل 3 أيام
اليونسكو… القدس والخليل وبتير، تراث عالمي مهدد