تابعنا على

منبـ ... نار

خواطر سريعة … على هامش الاحتفال باليوم العالمي للغة العربيّة

نشرت

في

هل ما زال يفيد العربيّة اليوم استرجاع  مجدها في الشعر والخطابة وهل تضيف إليها غنائيّة المتعصّبين لنقائها الفصيح ولدورها في تدوين المقدّس وتفسيره وتفسير التفاسير المتتابعة؟

فتحي بوغرارة *
  1. هل ما زال يفيدها التأكيد على ما حمله فكرها وفلسفتها وطبّها وجبرها من إضافة كونيّة إلى الغرب في العصر الوسيط؟ هل من فائدة من كلّ ذلك ونحن لا نكاد نشارك في إنتاج المعرفة والعلم الحديثين؟
  2. أم – وعلى نقيض ذلك – هل يجدر بنا أن نلتفت إلى فريق آخر لا يتقن غير النحيب على حالها وعلى تخلفها وعجزها الراهن عن مواكبة العلوم والتكنولوجيا وعلى مواكبة الثورة التي أحدثتها الرقمنة وهزّت بها العالم فنسلّم كما يسلّمون بكونها لغة “ميتة” يستحيل إحياء قدرتها على استيعاب منجزات الحداثة؟
  3. هل نواصل دعم قوالب الصراع والتنافر بينها وبين اللهجات العاميّة أم نبحث بمساع إبداعيّة متنوّعة عن حيويّة التفاعل بينهما كما بادر بذلك مبدعون عرب راسخون في الخلق وهم كثر؟

    ليس في ثبات المواقف الثلاثة السّابقة دليل واحد عميق على حب العربيّة….

  • لم تعد العربيّة – ولم تكن يوما – في حاجة إلى المزايدين من أهل الصراع السّياسوي ومن مختلقي الصِّراع الهوويّ… بل هم أكبر عبء عليها … هم يستعملونها حطبا و”كنتولا” فيلوكونها في خطابات رديئة تافهة عاجزين في أغلبهم حتّى على مجرّد النطق السّليم لحرفها….هم أعداء حقيقيّون لبهجتها الدّفينة ولدقائق معانيها وأجراس موسيقاها الأبديّة…

العربيّة تنادي كلّ صباح وتحنو كلّ مساء على من يلتهم أدبها وفكرها ..من يقاتل لنشر الكتاب الناطق بها ….من يبدع بها وفيها على هواه فتبادله وجدا بعشق وتفتح له مسارب وثنايا …تعمّق أحلامه وتعطي لكوابيسه معنى فتقلبها كشوفا…

  • آخر ما تحتاجه العربيّة اصطناع الاستماتة في الدّفاع عن عبقريّتها الرّاقدة في كتب الماضي وحِكَم الغابرين …هي في حاجة جامحة إلى من يدفع بها إلى خطر التجربة والمراس والمخاتلة… إلى مزالق التفاعل مع المتغيّر والهارب …إلى مزيد من المغامرة الشيّقة الوعرة …

من يخاف عليها من التشويه …من يريد المحافظة عليها مصونا نقيّة فخير له وخاصّة لها أن يدعها “تنام على أنوثتها كاملة”….فيريحها ويريح محبّيها أكثر…

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ أدب عربي، مستشار عام في الإعلام و التوجيه المدرسي و الجامعي

                                                                           

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

منبـ ... نار

كلمات سريعة في حبّ الحياة

نشرت

في

مؤكّد أنّ ما قيل وما كُتب في عشق الحياة ومدحها لا محدود …شديد التنوّع…يفيض جمال بعضه وترتقي أجزاء نادرة وثمينة منه إلى مراتب الكونيّة…

فتحي بوغرارة

ولكن ما أن يحاول كلّ منّا منفردا أو في مجموعة (عائلة، أصدقاء، أزواج…) أن يُترجم روح بعض هذه المدائح النابضة إلى أفعال …إلى معيش يومي ينزل من علياء الصورة والاستعارة إلى  محدوديّة اليوميّ، ما أن يحاول أن يفتح صباحه أو ليله أو أية ساعة من يومه على “نداء الوجود” العاتي حتّى ينحسر بعض المدى أو – في أسوإ الحالات- كلّه …تضيق الرؤيا ويخبو في أغلب الأحيان الأمل …وتتراجع درجات التنوع وتضيق قائمة الاختيارات فتسقط محاولات كثيرة في بعض تكرار اليومي …وتخوننا أحيانا القدرة على المقاومة لتتمدّد الرتابة -هناك عميقا فينا- لتقتات من القلب و الروح …

أيعني ذلك أنّ لا مهرب حقيقي من هجعة العادة… فما أن نستسلم لعدوى هذه الحالة الجماعيّة حتّى نبرع في “إنشائيّة التّذمّر والشكوى”… فتنتشر سُحب من الإحباط لتضمّ الملايين في زمن يسير – لسبب أو لآخر- لاجئين إليها من “ظلم الحياة وقسوة الظروف”….وتعلو قائمة الأعذار المانعة للفرح السّالبة “لكرم المزاج”.

ثمّ هل نحن في حاجة إلى “نداء الحياة” أم هو أحوج منّا إلينا ليكون… ليُنجَز؟ لا أشكّ لحظة أنّ الحياة هي أحوج إلينا في هذه السنوات الأخيرة الصعبة والخطيرة المليئة بحدّ يفيض كثيرا عن حاجتها إلى التناقض والسرعة.

لا شك في حاجتها إلى التذكير بحبّنا لها وعشقنا لحرائقها الصغيرة والكبيرة، هي الأنثى المركّبة الجليلة المشتهاة أمّا وحبيبة…. احتراما ورغبة، حاجة إلى الأمن والمغامرة…هي الحياة لا يشبهها في ذلك غيرها.

كيف السبيل إلى التصدي – هذه الأيام – إلى سلاسل مكرّرة من التذمّر وإلى سيول جماعية جارفة من التشاؤم…ما الحلّ وأحلام التغيير الجماعي تنحسر بل تنعدم، ما الحل والأغلبية السّاحقة منقادة بفعل الكراهية والسياسة وتوحّش الاستهلاك ؟

لنا أمام كل هذه الكوارث أن نغضب ونحزن ونرفض ولكن دون إلغاء للجمال …دون إعلاء من شأن الكآبة والإحباط.

فلا يزال هناك – كل يوم- شروق وغروب، لا يزال على هذه الأرض بحر وجبل وصحراء … لا تزال أرضنا مليئة بالنخيل والزيتون والكرم والفلّين والصّنوبر وزهر الليمون.

مازال في الإمكان أن نغيب ساعات في الواحة أو الغابة أو في المدى الصامت، فتحفّز الطبيعة حواسّ كاد يعميها الاكتظاظ ويصمّها اللغط والضجيج.

ثم مازال في الإمكان أن نقرأ كتابا عميقا بالمجان (نعمة الأنترنيت) حتى وإن كان جيلنا يُفضّل رائحة الورق…و لا يزال في الإمكان أن ندوّن فكرة أو نلاحق بالكتابة صورة أو ملمحا أو حكاية تطول أو تقصر بقدر رغبتنا في الحلم.

لا يزال في الإمكان النظر إلى المدى …

وقد يكون من أهم المُمكنات الباقية لقاء الأصدقاء -على نُدرتهم – حول قهوة أو كأس أو لقمة تهضمها ضحكة صافية أو نكتة طريفة ذكيّة أو محادثة نابضة بهمّ صادق.

مازال في الإمكان أن نؤدّي عملا أكثر قليلا أو كثيرا مما تتطلبه القوانين المتكلسة والمناشير البالية فنسعد بالتماعة الرضا والسّعادة في عين مواطن متفاجئ بـ”ابن حلال ” قدّم له خدمة وعبّر له عن شيء مفقود أكثر من كل المواد الأساسية في هذا البلد:  الاحترام، ما أجمل أن تجعل مواطنا “يصطدم” صباحا بشيء غير قليل من الاحترام لذاته، لذاته وحسب.

ليتنا نحاول كل يوم أن نكون أكثر كرما وعطاءً.

أكمل القراءة

منبـ ... نار

ترشيد وحوكمة الأنشطة الثقافية في المكتبات العمومية

نشرت

في

جريدة المغرب | الأيام الدراسية الوطنية بمدنين: نحو تركيز سياسة عامة لشبكة المكتبات  العمومية

كانت وما زالت المكتبة العمومية من أهم المؤسسات الثقافية التي تلعب دورا هاما في تثقيف المجتمع فهي لم تعد مجرد مستودع للكتب تقوم بإعارتها لمن يطلبها.

نورالدين مزهود *

اليوم فاق دور المكتبة العمومية الدور التقليدي وأصبحت توفر خدمات إضافية من أجل الترغيب في المطالعة وتسويق رصيدها المعرفي لكل من يحتاجه، خاصة في ظل التطور التكنولوجي الرهيب الذي فرض على المهنيين تحمل المسؤولية في تطوير أفراد المجتمع من خلال استنباط طرق جديدة لاستقطاب أكثر عدد ممكن من المستفيدين من خدماتها المتنوعة، خاصة أن المكتبة هي بالأساس خادمة لكل فئات المجتمع دون استثناء ،

في هذا السياق عملت إدارة المطالعة العمومية على إعداد إستراتيجية لضمان ديمومة المكتبة والحفاظ على روادها وجلب مشتركين جدد، وذلك من خلال إحداث العديد من التظاهرات الثقافية داخل المكتبات العمومية بدءا بالخطة الوطنية للترغيب في المطالعة وصولا إلى البطولة الوطنية للمطالعة التي انطلقت في دورتها الأولى سنة 2021 بالإضافة إلى الأنشطة التي تقوم بها المكتبات من حين لآخر.

ان تنظيم الأنشطة الثقافية في المكتبات العمومية ساهمت فيه عدة ظروف منها ما هو استراتيجي ويتعلق الأمر بالمنافسة الشرسة التي فرضها عالم التكنولوجيا والانترنت ومنها ما هو تشريعي ومادي من خلال صدور الأمر الحكومي عدد 635 لسنة 2017 المتعلق بالتنظيم الإداري والمالي للمكتبات الجهوية الذي مكن من توفير ميزانية خاصة للمكتبات مما يسّر تنظيم هذه التظاهرات الثقافية بالمكتبات وتبعا لذلك أصبح التنشيط الثقافي من بين الضروريات الأساسية في المكتبات العمومية لمنح الحياة وبعث حركية جديدة من أجل استقطاب أكبر عدد ممكن من المستفيدين والتوعية بأهمية الكتاب والارتقاء بقطاع المطالعة والتنمية الثقافية.

إلا أن نجاح أي نشاط مهما كانت طبيعته يستلزم مجموعة من المتطلبات والإمكانيات المهنية والمادية والبشرية، ويعتبر المكتبي العنصر الأساسي في تفعيل وإنجاح الحركة الثقافية بالمكتبة. ومن هنا سنحاول في هذا المقال طرح موضوع التنشيط الثقافي بالمكتبات العمومية ومدى نجاعته من خلال الإجابة عن بعض التساؤلات: ما هي المهارات الواجب توفرها في المهنيين لإنجاح هذه الأنشطة ؟ ما هي نوعية الأنشطة المنظمة من قبل المكتبات ؟ هل حققت هذه الأنشطة أهدافها ؟

ان المهارة هي القدرة والمعرفة بطريقة وكيفية أداء شيء ما بكل حرفية واقتدار وبمرور الوقت والممارسة تصبح هذه الخاصية جوهرية في العمل، وإذا تطرقنا للحديث عن المهارة الواجب توفرها في أخصائيي المعلومات لإدارة وإنجاح الأنشطة الثقافية بالمكتبة، سنتحدث بالضرورة على عدة صفات أساسية لتعزيز القدرة على النجاح وتحقيق الأهداف باعتبار أن التنشيط الثقافي في المكتبة له طبيعة متنوعة وموجهة لجمهور يضم كافة شرائح المجتمع بمختلف مستوياته الثقافية وعليه لابد للمكتبي أن يتحلى بالصفات التالية:

حب المهنة: على المكتبي أن يحب مهنته أولا وقبل كل شيء حتى يكون له الدافع الرئيسي للقيام بمهامه على أحسن وجه ويفرض وجوده وسط المحيط الذي يتعامل معه باعتباره الوسيط بين خدمات المكتبة بمختلف أشكالها والمستفيدين والتي يهدف من خلالها المساهمة في الارتقاء بالمجتمع .

الثقة بالنفس: تعطي القدرة للمكتبي وتحفيزه على المبادرة والإبداع في اقتراح وتنظيم أنشطة ثقافية هادفة وتمنحه الجرأة على التعامل مع مختلف الهيئات والمؤسسات الرسمية وكافة مكونات المجتمع لضمان دعمهم المادي والمعنوي في سبيل إنجاح كافة الأنشطة التي تقوم بها المكتبة.

التعلم والتكوين المستمر: يتلقى أخصائي المعلومات تكوينا أكاديميا بالجامعة وهذا التكوين يكون عادة نظريا، لهذا علينا كمهنيين ألا نكتفي بما تلقيناه من دروس نظرية بل لابد من مواصلة التكوين من خلال التعلم الذاتي عبر المطالعة والاطلاع على الدراسات التي تهتم بعلوم المكتبات أو حضور الملتقيات والدورات التكوينية وكذلك من خلال تبادل التجارب والخبرات في مجال علم المعلومات وأيضا التواصل مع المؤسسات ذات الصلة خاصة ونحن نعلم أن التنشيط الثقافي لم يكن مدرجا ضمن البرنامج الأكاديمي لهذا علينا أن نطور من معارفنا في هذا المجال والتدريب على تقنياته .

التواصل: هو فن وظاهرة اجتماعية ترتبط بطبيعة الإنسان وضرورة حتمية للتفاهم والتعامل مع الآخرين وهو دعامة أساسية للعمل المكتبي نظرا لما تتطلبه عملية الترغيب في المطالعة من قدرة على التواصل والإقناع، وعليه فإن المكتبي مدعو لإتقان هذه المهارة من خلال الإلمام بتقنياتها سواء كان اتصالا مباشرا أو غير مباشر ، وتعتمد عملية التواصل على الإقناع بأهمية الأنشطة التي تقدمها المكتبة وكيفية التخاطب مع الجمهور المستهدف كل حسب مستواه الثقافي.

العلاقات العامة: من المهم بالنسبة للمكتبي ربط العلاقات مع البيئة المحيطة به من أجل الاستعانة بها عند تنظيم الأنشطة خاصة مكونات المجتمع المدني من جمعيات ومؤسسات باعتبار ان الجمعيات ذات الصلة بالعمل الثقافي تساهم بشكل فعال في إنجاح أنشطة المكتبة من خلال الدعم المادي وجلب الجمهور وتشريكه في الأنشطة. وحتى يتمكن المكتبي من ربط هذه العلاقات عليه أن يتصف باللباقة وحسن التواصل. الثقافة الواسعة ، الجرأة وروح المبادرة لكسب ثقة كافة الأطراف وتمتين هذه العلاقات وتطويرها من أجل توحيد الجهود والتعاون وضمان تكامل النشاطات ونجاحها.

التسويق: في المجال الاقتصادي هو عبارة عن فن البيع وطريقة عرض المنتجات والخدمات بصورة تجذب انتباه المستهلكين وكسب زبائن جدد إلى الإنتاج المُرادُ بيعه ، أما في علم المكتبات فهو وظيفة إدارية تشمل مجموعة الأنشطة المتكاملة التي تسبق تقديم الخدمات والتعريف بالأنشطة المزمع تنظيمها بعد أن يتم تحديد احتياجات المستفيدين، لهذا فعملية التسويق مهمة جدا للمكتبي لإنجاح أي نشاط مهما كان نوعه فقد تكون الاستعدادات مضبوطة والبرامج جيدة والنشاطات متنوعة وممتازة لكن نقص التسويق لها والإعلام بها يسبب غياب المستفيدين مما يؤدي إلى فشل النشاط،

لهذا فالمكتبات اليوم في حاجة لتسويق خدماتها بمختلف أشكالها من أجل جلب أكثر ما يمكن من متلقين الشيء الذي يدعونا كمهنيين إلى معرفة تقنيات التسويق وكيفية الإعلام بأنشطة المكتبة بكفاءة وحرفية اعتمادا على التواصل المستمر مع كافة شرائح المجتمع من خلال الإشهار والدعاية وتوزيع المطويات ووضع اللافتات في كل الأماكن التي تشهد حضورا جماهيريا وأيضا توظيف وسائل التكنولوجيا للتعريف بالأنشطة التي ستقوم بها المكتبة .

إذا توفرت هذه الصفات بالإضافة إلى الإمكانيات المادية يمكن لأخصائي المعلومات أن ينطلق في إعداد البرنامج التنشيطي للمكتبة وفق مخطط هادف يراعي فيه رغبات المستفيدين من خلال إعداد ورقة عمل يحدد فيها مشاريع الأنشطة والمهام والأهداف . فما هي نوعية الأنشطة التي يمكن تنفيذها بالمكتبات العمومية؟

يمكن القول إن التنشيط الثقافي هو عبارة عن مجموعة من العمليات أو التقنيات والمهارات التي يتم من خلالها إقامة وتنظيم نشاطات وأعمال وفعاليات ذات أبعاد ثقافية هادفة موجهة نحو فئة مستهدفة ومحددة بدقة، لذا فعلى المهنيين أن يستوعبوا طبيعة هذا المجال لما له من خصائص يجب على المكتبي مراعاتها عند تنظيم أي نشاط في المكتبة، إذ لابد من الاختيار الجيد والدقيق لنوعية الأنشطة المقترحة على الجمهور من أجل تحقيق الأهداف الثقافية والتربوية التي تم ضبطها مسبقا باعتبار أن أنشطة المكتبة عديدة ومتنوعة يمكن تقسيمها حسب الهدف، حسب الجمهور المستهدف، حسب الفئات العمرية، حسب الفئات الخاصة (تلاميذ، باحثين، ذوي الاحتياجات الخصوصية …) وأيضا حسب الوسائل المستعملة في النشاط.

وتتمثل الأنشطة التي يمكن تنفيذها (بفضاء المكتبة أو خارجه) في عرض دوري لرصيد المكتبة وكل الاقتناءات الجديدة ودعوة المستفيدين للاطلاع عليها من حين لآخر، المسابقات الفكرية ، لقاءات ثقافية وحوارات فكرية، ملتقيات ثقافية وتربوية، ورشات ، تركيز نواد وتشريك المتلقين من أجل اكتشاف مواهبهم والاستفادة من إبداعاتهم.

هذه الأنشطة وغيرها، حتى تنجح وتصبح ذات جدوى وتساهم في تحصيل عدد هام من المشتركين ، على المكتبي أن يتفق مع كل القائمين بالأنشطة بضرورة التركيز على الكتاب وإشعاع صورته لدى الجمهور الحاضر وتشريكه في النشاط حتى يصبح جمهورا منتجا لا مستهلكا فقط وهذا من شأنه أن ينمي لديه الرغبة في متابعة كافة الأنشطة والمساهمة فيها .

ان الحياة بصفة عامة مبنية على المتناقضات والإنسان عنصر من عناصر هذه الحياة، ومهما كان القطاع الذي يشتغل فيه من المستحسن أن يقيّم أعماله حتى يستطيع أن يطور ذاته ويتقدم في مسيرته المهنية. وفي هذا الإطار نحن كمهنيين لابد أن نقيّم أنشطتنا باعتبارنا في مواجهة مستمرة مع كافة شرائح المجتمع ومن الواجب علينا أن نكون في مستوى تطلعاتهم.

ان التقييم بصفة عامة هو لحظة تأمل ومحاسبة للذات وتحديد جملة من الأخطاء التي يمكن أن تبرز خلال أنشطتنا اليومية، لهذا يمكن للمكتبي تقييم الأنشطة الثقافية المُقامة والمُنظمة من عدة جوانب مثل: التغطية العلمية للموضوع المُتطرق له، الظروف التي مر بها النشاط، نوعية الجمهور المستهدف ومدى رضاه عن محتوى النشاط، وكذلك من خلال الإحصائيات والمقارنة بين السنوات من أجل معرفة نسبة الزيادة أو النقص في معدلات الاشتراك…

من خلال هذه الجوانب وغيرها يمكن للمكتبي معرفة نقاط القوة التي ظهرت خلال النشاط والاستئناس بها ودعمها في الأنشطة القادمة كما يمكن معرفة المطبات والسلبيات التي من الواجب تفاديها مستقبلا. وباعتبار أن هدفنا من تنظيم الأنشطة الثقافية بالمكتبات العمومية هو الترغيب في المطالعة وإشعاع صورة المكتبة والكتاب واستقطاب أكبر عدد من المشتركين ، وحتى يكون كلامنا ينبع من الواقع، فقد اخترنا تظاهرة مصيف الكتاب الذي تدور فعالياته خلال شهري جويلية وأوت نظرا لتزامنها مع توفر كم هائل من وقت فراغ لأغلب شرائح المجتمع ،

وحتى تكون معطياتنا دقيقة فقد اتصلنا بالعديد من المكتبات الجهوية للحصول على عدد المشتركين الجدد لكل مكتبة عمومية خلال العطلة المذكورة ومن خلال الإحصائيات التي وردت علينا لاحظنا في أغلب الجهات عددا قليلا من المشتركين الجدد في تلك الفترة ولا تتماشى مع الأنشطة التي أُنجزت .

وفي الختام أقول إذا كان عالم التكنولوجيا والانترنت قد استأصل منا رواد المكتبة وخلق هوة بين القارئ والكتاب فلا يمكن أن نعمق هذه الهوة بين المستفيدين والمطالعة من خلال تنظيم أنشطة لا علاقة لها بالكتاب ، لهذا أدعو كافة المهنيين لدراسة الأنشطة قبل انجازها والنظر في مدى توافق محتواها مع أهداف المكتبة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*كاهية مدير المطالعة العمومية بالمندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسليانة

أكمل القراءة

منبـ ... نار

ما يحدث في مجالس الأقسام والتوجيه

انطباعات مستشارة في الإعلام والتوجيه

نشرت

في

“المعلّم السّيّئ يتكلّم. المعلّم الجيّد يشرح. المعلّم المتميّز يبرهن. المعلّم العظيم جدّا يُلهم” (الفنّان والكاتب وليام أرثر وارد 1922 – 1994)

نجاح الحمداني

كم صدعت رؤوسنا تلك التّحاليل والانطباعات والآراء حول التّلاميذ ومستوياتهم الّتي ما فتئت تتدنّى يدعمها أصحابها بنتائج اختبارات تقييم بيزا العالمي وغيره. (ولو أنّي لست ممّن يثقون بتلك الاختبارات العالميّة الّتي تُصاغ وتُصنع في مجرّات أخرى ويُؤتى بها إلينا دون تبيئتها وتطويعها لواقع ناشئتنا). فما إن يحلّ موعد إعلان نّتائج مختلف الامتحانات حتّى تنهال علينا التّحاليل من هنا وهناك مُدينة لمستوى التّلاميذ ناعتة إيّاهم بكل ألوان الصفات التي تزدريهم وتزدري أولياءهم وصولا إلى إدانة السلطة والنظام العالمي والرأسمالية المتوحّشة.

الآخرون هم دائما وحدهم المسؤولون عن تدنّي النّتائج وتدهور المستوى. وأوّل سؤال يقفز إلى السّطح هو هل أن تلك الأحكام مبنيّة على نتائج دراسات علميّة قام بها مختصّون اعتمدوا وسائل قيس وتحليل لربط الأسباب بالنّتائج؟ أم هي أحكام وانطباعات إطلاقية تُوزّع جِزافا لتبرئة الذمّة وتعليق الفشل على حِبال الآخرين؟

وباعتبار أن الخيط رفيع جدا بين الحُكْمِ الانفعالي والتّقييم المتبصّر، كان على الفاعلين التّربويّين التحلّي بالحذر والقدرة على التّنسيب إزاء هذه الأحكام، لأنها كثيرا ما تتحول إلى وصم للمتعلّم يظل يلاحقه على مدى طويل بل قد يكون مدى حياته. فإلى أي مدى يمكن اعتبار هذه الأحكام ذات وجاهة وعقلانيّة تُتيح إمكانية اعتمادها والاستئناس بها ؟

يلجأ المعلّمون (مصطلح “معلّم” شامل هنا) باستمرار إلى إصدار أحكام باتّة حول المتعلّمين و خاصّة حول مستواهم الذهني وإمكانية استمرارهم في الدراسة والتحصيل من دونه، مُقتنعين تماما بأن انطباعاتهم هي بمثابة قراءة تشخيصية أنزلت تنزيلا لا تقبل التشكيك أو التأويل، وهنا تحديدا تكمن خطورتها وآثارها المدمّرة على شخصية متعلّم غضّ مازالت قيد التشكّل والبناء.

إنّ التّساؤل عمّا إذا كان الحُكم الّذي يصدره المعلّمون بشأن مستوى تلاميذهم مبنيّا بصفة عقلانية ومؤسّسا على مقاييس مُثبتة علميا وقواعد موضوعية صارمة، يظلّ قائما وبإلحاح لأن من يستخفّ باستصدارها لا يدرك بالمرّة ثِقل تبعاتها النفسية والدراسية على المتعلّمين.

قد يكون هذا الحكم عفويّا وصادرا عن “حسن نيّة” لكن عندما يتعلق الأمر بمستقبل أجيال (أو حتى بمستقبل طفل أو شاب واحد) يتحتّم على المربّين الحذر والتيقّظ بل الاجتهاد المُضني من أجل فتح الآفاق بدلا من إقفالها وبعث الأمل في النفوس المُتعبة عوضا عن مزيد تأزيمها والإيمان العميق بأنه “ثمّة دائما طريق للنجاة ” على حدّ قول الأديب الراحل الشهيد غسان كنفاني في روايته الرمزية رجال في الشمس.

تقول جميع أدبيّات وزارة التربية منذ عقود إنّ ” التّلميذ هو محور العمليّة التّربويّة، وهو عِمادُها وقِوامُها”، لكن هل يعني هذا أنّنا اهتممنا به حقيقة كذات وكظروف اجتماعية أنتجته ومناويل مدرسية نحتته؟ هل انتبهت المدرسة إلى أحلامه وتصوّراته التي تعتبر نافذته على العالم المحيط به وعلى تعلّمه… وحينما نتجاهل كل هذا كفاعلين تربويّين نسمح لأنفسنا بتصنيف هؤلاء المتعلّمين إلى “جيّدين” و”سيّئين”، إلى “ناجحين” و “فاشلين”.

والتّلاميذ أنفسهم للأسف ـ تحت وقع هذه القوالب النمطيّة ـ يستبطنون هذه الأفكار ويتأثّرون بتلك التّصنيفات لتنعكس في أدائهم المدرسي وتخلق صورة مشوّهة حول ذواتهم.

إن الذي يزيد الأمر تعقيدا هو اعتماد هذه “الصّندقة الاعتباطية والمبكّرة” على النّتائج المدرسيّة الّتي يحصدها المتعلّمون، وغالبا ما يكون هامش الريبة في صدقيّتها وموضوعيتها متغيّرا كثيرا حسب المصحّحين ونمط المواضيع وحالة المتعلمين يوم الامتحان … وطبعا يتجاوز هذا التّصنيف المتعلّمين ليطال الموادّ والشعب والاختصاصات قبل الوصول إلى المهن والوظائف !  أولم يصنّف أحد وزراء التّعليم العالي (أحتفظ باسمه) الشّعب إلى “نبيلة” و “غير نبيلة”؟ والموادّ العلميّة لها العلويّة المطلقة مقارنة ببقيّة الموادّ ليتحدّد تصنيف “الأذكياء” و”الأغبياء” من التّلاميذ حسب “تفوّقهم” أو “فشلهم” في هذه الموادّ صاحبة السيادة المدرسية التي بموجبها تتمّ مختلف عمليات التوجيه في جزء كبير منها.

تصنيف الموادّ الدّراسيّة نجد له أثرا في ضبط الموازنات حيث تُعطى الأولوية لمدرّسي العلوم الذين يتمتّعون عادة بحظوة خاصة في التوزيع الأسبوعي (يُجمع المربّون وحتى أساتذة “المواد غير المثمّنة” بأن المواد العلمية يجب أن تدرّس صباحا لأنها تتطلب أدمغة مازالت متوثّبة) وفي المجالس لهم أولويّة التّصويت إذا تعلّق الأمر بإسعاف أو موقف لم يحسمه القانون ويتطلب تقديرا من المجلس.

ومثل هذه الممارسات أصبحت تمرّ مرور الكرام ويكاد يقبل بها الجميع. ويبدو أنّ الأمر يزداد حدّة حينما نصل إلى توجيه التّلاميذ نحو المسالك والشّعب، فترى العديدين يتعجّبون ويستغربون حينما يختار تلميذ “متميّز” مسلكا غير مسلك العلوم (وهو ما تكرّسه سياسة الدّولة في المعاهد النّموذجيّة) بل إن بعض المعلّمين يستميت في “توجيه” التّلميذ إلى تلك الشّعب الّتي تعتبر مسارات تميّز مزدريا في المقابل بقيّة المسالك الإنسانية والأدبية والاقتصادية … أما رغبة التلميذ وطموحه واستعداده لتجاوز بعض الهِنات التي بيّنتها النتائج وتداعيات أن يتواجد المتعلّمون ضمن مسارات لا تُشبههم ولا تستهويهم…  فتلك إنشائيات تصغي إليها مجالس الأقسام والتوجيه ولكن لا تأخذ بها في القرار النهائي. 

أمّا عن التّلاميذ “السّيّئين” فيشكّلون غالبا حقلا خصبا للتفكّه  وما يشبه النميمة، فتسمع التّدخّلات المسهبة في التّذكير بوضع التّلميذ العائلي، فهذا أمّه مطلّقة وذاك والده يبحث عن التّزوّج مرّة أخرى وثالث له شكل حلاقة غريب لا تليق بالفضاء المدرسي وتلك كلّ همّها التجمّل واستعمال المساحيق ومن الأفضل حسب رأي العديدين أن تغادر فورا وتتزوّج “فتهنأ هيّ ونرتاح نحن”… طبعا كلّ هذا ليس للبحث في حالة المتعلّمين النّفسيّة بل لتوجيههم نحو الشّعب “غير النّبيلة” وإبعادهم عن الشّعب المتمتّعة بالعلويّة والمخصصة للصّفوة.

وبالرغم من أن عمليات التّوجيه تقوم على نصوص قانونيّة (على هِناتها) ورغبات التّلاميذ وإمكاناتهم (يمكن تحديدها باختبارات إذا أردنا أن تكون ممارستنا علميّة دقيقة)، لكنّ أغلب المعنيّين بالمجالس لا يحضرون وإن حضروا فلا تخرج انطباعاتهم عن مربّع التصنيفات سالفة الذكر أو “واللّه لا نعرف، أعطيه الّلي يجي عادي” حينما يُسألون عن المسلك الأنسب والتوجيه الأسلم،. لا مبالاة تقابلها استماتة في استمالة التّلاميذ “المتفوّقين” …

لذلك نرى سنويا عددا هائلا من التلاميذ يطلب إعادة التّوجيه في خطوة إرادية للتمرّد على ما قرره لهم بعض الأساتذه والأولياء..

أكمل القراءة

صن نار