تابعنا على

وهْجُ نار

“طوفان الأقصى”… مَنْ ورّطَ مَنْ يا تُرى؟؟

نشرت

في

ما سرّ التوقيت الذي تمّ اختياره لتنفيذ “طوفان الأقصى”؟ هل كان اعتباطيا أم كان مجرّد صدفة جمعت رمزية تاريخ حرب أكتوبر وتاريخ أول اختراق لجدار الخوف من الكيان واجتياز الخطوط الحمراء؟

محمد الأطرش

وهل هي الصدفة أيضا التي ارادت أن يكون تاريخ تنفيذ “طوفان الأقصى” قبل الانطلاق في إجراءات التطبيع بين الكيان والمملكة السعودية؟ وهل قدمت المقاومة دون أن تدري هدية للكيان لمحاولة القضاء على آخر عقبة امام توسيع رقعة التطبيع مع من تبقى من الدول العربية؟ وهل ثمة من أوعز للحركة الغزّاوية بتنفيذ الطوفان في هذا التوقيت لغاية في نفسه فانقلب الأمر على عكس ما يريدون وما ينتظرون؟؟ أم أن كل ما في الأمر هو استغلال نتنياهو لما فعلته الحركة الغزّاوية خدمة لمشهده السياسي الذي يعاني من الانقسام؟ فهل يصبح “طوفان الأقصى” مجرّد معركة لكسب الودّ وخلط الأوراق قبل الانتخابات التي ستشهدها ثلاث دول معنية بما يدور في الشرق الأوسط وفي العالم…؟؟

أسئلة عديدة ترافق الأحداث التي تجري اليوم في الشرق الأوسط، فما الذي يجعل الولايات المتحدة تتحرك عسكريا بتلك السرعة لنجدة مدللتها؟ وهل خطر تطوّر الأمر إلى حرب إقليمية في المنطقة وارد، أم أن الأمر مرتبط بالأساس بما يجري بين أوكرانيا وروسيا، خاصة أن أغلب الدول الأوروبية أسرعت لتقديم الدعم كاملا للكيان دون تحفّظ قبل حتى معرفة حقيقة ما جرى ويجري؟ فما الذي يجري بالضبط وهل اختلق الكيان كل تلك القصص الخيالية عن حرق جثث وقطع رؤوس الأطفال بالمستوطنات وغيرها من الروايات الغريبة لتبرير ما هي مُقدمة عليه في قادم الأيام، وقد يكون مخططا له منذ مدّة في مكاتب مظلمة بواشنطن؟ ثم لماذا أسرعت الولايات المتحدة لمجاراة الكيان في خلق الذرائع من خلال ادعائها قتل المقاومين للعديد من الرهائن من الامريكيين ومن جنسيات أخرى مختلفة وتبنيها لرواية إسرائيل عن هجوم السابع من أكتوبر بكامل تفاصيلها وجزئياتها دون التثبّت والتحري في مدى صحتها وصدقية مصادرها؟

والأهمّ من كل هذا لماذا وصل بهم الأمر إلى نزع الجانب السياسي عن حركة هنيّة وإظهارها في صورة مجرّد حركة إرهابية تقطع رؤوس الأطفال وتحرق جثثهم…حركة “داعشية” دموية، ألم يكونوا هم من صنعوا “داعش” وزرعوها في العراق ثم سوريا، وكأني بهم يريدون استجداء دعم الرأي العام العالمي والعربي وتحييد بعض الأصوات العربية التي صفّقت لما أتته الفصائل ليلة السابع من أكتوبر؟ فهل أعطت “الفصائل الغزّاوية” ذرائع القضاء على كل الرافضين والمقاومين للتطبيع انطلاقا من غزّة ووصولا إلى جنوب لبنان لتصبح طريق التطبيع مفتوحة أمام الجميع من المحيط إلى الخليج دون خجل أو خوف من ردود فعل الراي العام والشارع العربي؟

حين نغوص في ما أراد العرب قوله عبر بيان سيئة الذكر الجامعة العربية واستثناء “الحركة الغزّاوية” من كل تواجد في المشهد الفلسطيني، ندرك حقيقة ما يريده الكيان من خلال تمسكه بإبادة شاملة لـــ”الحركة الغزّاوية” وكل الفصائل المرتبطة بها وبما تفعله… فبيان “أبو الغيط” وجماعته ممن وافقوا على ما جاء فيه شدّدوا على “حق الشعب الفلسطيني في تجسيد دولته المستقلة ذات السيادة، على حدود الرابع من جوان 1967، وعاصمتها القدس الشرقية”، وإطلاق “مفاوضات جادة بين منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وإسرائيل لتحقيق السلام”. وهذا يعني بالأساس إقصاء كل الفصائل الفلسطينية الأخرى والإبقاء على الفصيل الوحيد الذي قبل بالتطبيع كاملا تناغما مع اتفاقيات أوسلو وأهمّ ما جاء فيها حينها، تأكيد نبذ منظمة التحرير الفلسطينية للإرهاب والعنف من خلال منع المقاومة المسلحة ضد إسرائيل، فالمقاومة تعتبر عند الكيان إرهابا.

 كما تعهد الجانب الفلسطيني بحذف البنود التي تتعلق بالمقاومة في ميثاقها كالعمل المسلح وتدمير إسرائيل وفي المقابل تعترف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية على أنها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وتعترف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل (على 78% من أراضي فلسطين ما عدا الضفة الغربية وغزة). كما نصّت الاتفاقيات على انسحاب إسرائيل من أراض في الضفة الغربية وقطاع غزة على مراحل أولها أريحا وغزة اللتين تشكلان 1.5% من أرض فلسطين وذلك خلال خمس سنوات من تاريخ امضاء الاتفاقيات، ونصّت أيضا على أن تقرّ إسرائيل بحق الفلسطينيين في إقامة حكم ذاتي (حكم ذاتي وليس دولة مستقلة ذات سيادة) والذي أصبح يعرف فيما بعد بالسلطة الوطنية الفلسطينية على الأراضي التي تنسحب منها في الضفة الغربية وغزة.

هل يعني ما جاء في بيان سيئة الذكر الجامعة العربية السماح ضمنيا من الدول المشاركة في اجتماعها الطارئ بضرب الفصائل غير المعنية بالبيان وعدم الاعتراف بما تأتيه والحال أنهم صفّقوا جميعا للأمر وهلّلوا له وبه في ساعاته الأولى… فهل أعطت الجامعة العربية ضمنيا الضوء الأخضر لضرب المقاومة وانهاء آخر أهمّ معاقل رفض التطبيع ومقاومته، وهل يدخل الحشد العسكري الأمريكي السريع والهام في ذلك الإطار؟ وهو ما يعني توسيع رقعة التدخل العسكري في قادم الأيام أو الأسابيع لتشمل جنوب لبنان وربما جنوب سوريا أيضا للقضاء نهائيا على كل نفَس رافض للتطبيع وإجباره على القبول بالأمر والانخراط في اتفاقية “ابراهام”… وقد يبدأ الكيان ومن معه في خلق الذرائع التي ستسمح له بغزو جنوب لبنان وجنوب سوريا للقضاء على ما تبقى من فصائل رافضة للتطبيع مع الكيان…

فهل هذا ما يبحث عنه حقّا الكيان؟ وهل أوجدت “الحركة الغزّاوية” للكيان مبررات ما يقع في غزّة وفي أهل غزّة والقطاع عموما؟ وهل يسعى الكيان من خلال الحملات المضللة والمشيطنة والإعلامية الواسعة لما حدث في المستوطنات ومن خلال افتراءات وخلق لروايات وهمية حول عمليات حرق جثث وقطع رؤوس أطفال، لتعبئة وتجنيد وتحويل وجهة الراي العام العالمي والغربي بالخصوص لمجاراتها والوقوف إلى جانبها في ما هي مقدمة عليه، وهل يعني بيان سيئة الذكر الجامعة العربية موافقة ضمنية للحرب المسعورة على غزّة من أجل انهاء وجودها فعليا؟ فماذا يعني طلب الكيان من سكان غزّة مغادرتها فهل هي مُقدمة على إبادة وحشية شاملة قد تستعمل فيها أسلحة غير تقليدية محرمة دوليا؟…

وهنا يمكن الوصول إلى السؤال الأخطر في هذه المرحلة…هل ستضطرّ إيران للتورّط في الحرب لو تمّت مهاجمة جنوب لبنان بغاية القضاء على حزب الله وكل الفصائل المتضامنة معه أم تقرأ المشهد جيدا وتكتفي بالمشاهدة؟ إن وقع ذلك فهذا يعني ان هذه الحرب مخطط لها بكل تفاصيلها وجزئياتها والغاية أكبر من مجرّد القضاء على المعارضين للتطبيع وعلى ما يعرقل عمليات التطبيع ويفشل توسيع اتفاقية “ابراهام”…فهذا يعني ان الولايات المتحدة وحلفاءها يريدون وضع يدهم على كل الشرق الأوسط حفاظا على مصالحهم وتحسبا لما يخطط له التحالف الصيني الروسي ومن معهما وربما خدمة لأجنداتهم الانتخابية القادمة…لكن هل تغامر إيران بدخول الحرب لحماية مصالحها ومصالح المتحالفين معها، خاصة أن روسيا لن تكون قادرة على دعمها إن تمّ حشرها في مستنقع الكيان…كما أن الصين لن تغامر بالدخول في حرب مستنقع، وقد تكتفي بمشاهدة خصومها يتآكلون اقتصاديا وعسكريا…وسياسيا…

خلاصة الأمر…على المواطن العربي أن يسأل سؤالا واحدا قد يخامره بعد ان انكشفت عورته وتلاشت هيبته…فرقعة التطبيع تتوسع كل يوم وأغلب حكام العرب يهرولون نحو التطبيع لنيل رضى من سرق أرضهم وشتت أبناءهم وهتك عرضهم … فالتطبيع أصبح عند بعضهم مجرّد ورقة لكسب الانتخابات…والإبادة أصبحت أيضا ورقة انتخابية يرفعون بها أسهمهم أمام الخصوم والمعارضين…والسؤال هو: لمن يكدّس بعض حكام العرب السلاح منذ عقود في مخازنهم؟ أليس لحماية أرضهم من الكيان أو لردعه إن حاول الاعتداء عليهم؟ أم هو فقط لتأديب بعضهم البعض وضرب شعوبهم؟ لماذا يصرّ بعض حكّام العرب على البقاء حفاة عراة من الكرامة والعزّة وهم يملكون كل ما يمكنهم من حماية أراضيهم وستر عوراتهم؟؟

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

وهْجُ نار

مَن صنّع الطوفان… حماس أم طهران؟؟؟

نشرت

في

منذ أكثر من ثلاثين عاما لم أكتب في السياسة العالمية والعربية بالذات…أكتب اليوم لأني فوجئت كالجميع بالأحداث التي وقعت… فلا أحد، ولا حتى “الماما” ولا حتى “المسيو” بايدن الذي يعاني من كابوس بوتين وبيكين ليلا نهارا، كان على بينة وعلم بما تعدّه حركة حماس لمدللتها “إسرائيل” فلو علمت “الماما” لأعلمت مدللتها لأخذ كل التدابير اللازمة لدرء ما حصل…

محمد الأطرش

ما فعلته حماس لم تسبقها إليه أية دولة عربية وأي جيش عربي أو أي تحالف عربي، ولن يكون ما بعد السابع من أكتوبر كما كان قبله أبدا، فلأول مرّة يصف الإعلام “الإسرائيلي” ما وقع لهم بوصمة عار، فحتى حرب أكتوبر كان الجميع ينتظرها رغم عدم علمهم بساعتها الصفر…وما أتاه رجال المقاومة كسّر قاعدة “الحروب الاستباقية” التي كانت تتميّز بها مدللة الماما “إسرائيل” فتاريخ الحروب العربية الإسرائيلية لم يشهد بدء العرب ومبادرتهم بالحرب ابدا إلا مرّة “يتيمة” وكانت خلال حرب السادات سنة 1973 فكل الحروب الأخرى كان العرب والفلسطينيون في وضع دفاعي عن ديارهم، وكانت “ربيبة” الماما هي المبادرة دائمة بــ”العدوان”…

كتائب المقاومة نجحت في ما لم تنجح فيه الجيوش العربية سابقا ابدا، فقد كشفت للعالم فشل كل منظومات الدفاع والترصّد الإسرائيلية، ونجحت مجموعاتها المسلحة في اختراق كل الحواجز العسكرية لجيش العدو من خلال خلق ممرّ آمن بين مستوطنات الغلاف وبين قطاع غزّة، وهو الأمر الذي مكّنهم من اختطاف وأسر العديد من الجنود والضباط والقادة العسكريين لجيش العدو الإسرائيلي دون أن تتفطّن تل أبيب إلى عدد من تمّ اسرهم وصفاتهم وحتى أين تمّ اقتيادهم…

 إسرائيل لم تعش سابقا تجربة الدفاع عن النفس ونزول أمطار الصواريخ والقنابل بالآلاف على مستوطناتها ومدنها وقراها…لذلك تعيش اليوم ارتباكا كبيرا…فما أتته كتائب حماس أحدث صدمة كبيرة في نفوس المستوطنين وفي كل قوات الاحتلال…الأمر الذي أجبر نتنياهو على إعلان الحرب وهو الأمر الذي لم تعشه “إسرائيل” منذ حرب أكتوبر 73، فنتنياهو استغل الأمر أيضا لمحاولة الخروج من أزمته التي يعيشها مع حكومته وأراد ضرب عصفورين بحجر واحد واستغلال ما حدث لكسب تعاطف طيف سياسي كبير داخل الأراضي المحتلّة وتليين مواقف بعض مكونات الائتلاف الحاكم…لإطالة فترة بقائه على كرسي الحكم…

“طوفان الأقصى” وهو الاسم الذي أطلقته حماس على حربها التي فاجأت بها كل العالم، حقّق في ساعاته الأولى ما لم تحققه كل الحروب التي سبقت هذا الطوفان، فعدد القتلى من الجانبين يعتبر قياسيا مقارنة بما كان بعض القادة العرب يفاخرون به ويهددون ويولولون ويعدون برمي “اسرئيل” في البحر وهم لم يعلنوا عليها الحرب إلا مرّة واحدة حين أعلنها الرئيس المصري أنور السادات رحمه الله… “طوفان الاقصى” حقّق ايضا ما لم تحققه كل الحروب السابقة التي كانت تتميّز بكذب القادة العرب وافتخارهم بنصر وهمي لا شيء منه تحقّق منذ 1948 …كتائب حماس نجحت ولأول مرّة في خلق الصدمة والرعب في كل من استوطنوا ارضها وأرض أجدادها، ونجحت ولأول مرّة أيضا في أسر عدد كبير وكبير جدّا من الجنود الإسرائيليين وقياداتهم الميدانية وقد تطول مدّة اسرهم لسنوات إن لم يرضخ نتنياهو ومن معه ومن سيأتي بعده وبعدهم لشروط ومطالب حركة حماس، فأسرى “الطوفان” سيصبحون الورقة الأغلى في الصراع العربي الإسرائيلي أو بالأحرى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فالعرب أصبحوا غرباء عن هذا الملف، فلا دخل لهم في ما يقع غير بعيد عنهم وهم الذين طبّعوا مع “إسرائيل”، وهذا ما سيؤرق حكومة نتنياهو كثيرا في قادم الأشهر إن لم يصل الأمر إلى سنوات قادمة…

حماس نجحت في نقل الحرب إلى منطقة 18 مترا …عفوا إلى عمق الأراضي المحتلة وعقر مستوطنات العدو الإسرائيلي فأوجعتها أكثر من كل ما عاشته مدللة الماما سابقا من حروب وخسائر…فهي لن تجازف أبدا باحتلال قطاع غزّة خوفا من حجم الخسائر التي قد تتكبدها … فحرب الشوارع والحروب غير التقليدية ليست من اختصاص الجيش الإسرائيلي الذي لم يتعوّد كثيرا على حروب الشوارع وحروب الاستنزاف رغم ما عاناه من الانتفاضة الكبرى واستنزاف ما بعد حرب 1967 الخاطفة…كما أن دخول جيش الاحتلال غزّة سيوسع رقعة الحرب إلى شمال الأراضي المحتلة ليصبح نتنياهو وجيشه بين كماشتين تجيدان حرب الشوارع والاستنزاف ومدعومتين من ايران العدو الأكبر لمدللة “الماما” وهما كتائب القسام وكتائب حزب الله ومن يؤازرها في جنوب سوريا ايضا، وقد تعصف هذه الحرب بحكومة نتنياهو وكل المشهد السياسي في “إسرائيل”…

سقوط الائتلاف الحاكم برئاسة نتنياهو أمر قد لا يعجب العديد من البلدان العربية المجاورة والمطبّعة أو تلك التي هي في الطريق إلى التطبيع…فأول أهداف “طوفان الأقصى” تحقّق من خلال “فرملة” عملية التطبيع بين المملكة السعودية وتل أبيب فتوقيت هذا الطوفان غريب وعجيب أيضا، وكأني بطرف أكبر من حماس ومن حزب الله ومن كل “المتأبطين شرّا” بتل ابيب…فايران التي تصالحت أخيرا مع السعودية لن ترضى ولن تقبل بتطبيع المملكة مع تل ابيب ببساطة… ولن يرضيها الأمر كما يتصوّر البعض…وايران التي ستضطرّ للابتعاد شيئا ما عن الحوثيين واليمن إرضاء للسعودية تريد خلط الأوراق من جديد وتحقيق بعض المكاسب وربما فرض بعض الشروط على كل المشهد الشرق أوسطي خدمة لمصالحها ومصالح حلفائها…

ولا شكّ ان ايران وبالتنسيق مع حماس وحزب الله شمالا هي من اختار توقيت الطوفان ونزول الغيث المدمّر من الصواريخ على مستوطنات غلاف قطاع غزّة لغاية في نفس طهران ومن يساندها…ولا غرابة أن يكون قيصر روسيا طرفا في ما يحدث اليوم في الأراضي المحتلة…فتشتيت الدور الأمريكي والغربي عمّا يقع في أوكرانيا سيكسب بوتين العديد من النقاط وسيربك بايدن ومن معه… فإيران ومن معها من كتائب وحركات ستتكفل بإرباك المعسكر الغربي جنوبا في حين يكمل بوتين مهمته بأكثر أريحية ممكنة…هذا الأمر قد لا يكون للفلسطينيين دخل فيه لكنهم حُشروا فيه رغما عنهم، فهم العاصفة التي جاءت بالطوفان …وستقطف أجود ثمارها ايران ومن معها…

لكن ماذا ستكسب المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة بعد أن جعلوها “الطوفان” الذي حقّقوا به بعض مكاسبهم لو نجحت في كسب الحرب وفرض ما تريده؟ طبعا لن تخرج المقاومة بخفي حنين من هذا الطوفان بل ستكسب أولا شرعيتها في التواجد في المشهد القيادي الفلسطيني بخياراتها التي لم تتخل عنها منذ ولادتها…وقد تنجح في رأب الصدع الفلسطيني والمصالحة مع بقية الفصائل الفلسطينية… وقد تنجح حركة حماس في أن تصبح خنجر ايران الدائم والموجع في خاصرة إسرائيل جنوبا لتعيش مدللة “الماما” بين مطرقة حزب الله شمالا وسندان كتائب القسام جنوبا…خلاصة القول، هل نجحت ايران في صناعة طوفان فلسطيني قادر على إرباك تل أبيب وارغامها على القبول بشروطه دون الحاجة إلى العرب الذين يقفون صفّا يستجدون فتح باب “اتفاقيات ابراهام”…؟ وهل يخرج العرب باستثناء سورية من الملف الفلسطيني بعد أن “أكلوا الماء والملح” مع “إسرائيل” على مائدة واحدة دون دعوة الفلسطينيين لمأدبة نُظمت على أرضهم…؟؟

أكمل القراءة

وهْجُ نار

حكمة مهاتير محمد… و”فشّان العجالي” في بلادنا !

نشرت

في

9 600+ Pneu Crevé Photos, taleaux et images libre de droits - iStock |  Voiture, Panne, Flat tire

أظنّ أن أغلب القراء العرب يعرفون قصّة الزعيم الماليزي مهاتير محمد وما أتاه في حفل تخرّج مدارس “كوبانج باسو” في ماليزيا سنة 1974، ولمن لم يقرأ القصّة أرويها لكم بإيجاز فنحن نعيشها بشكل آخر في هذا البلد الموجوع...

محمد الأطرش

حلّ مهاتير محمد ضيفا على حفل تخرّج مدارس كوبانج باسو في ماليزيا، وأثناء الحفل طلب إلقاء كلمة بالمناسبة فوقف مخاطبا المدرسين وقال “سادتي أريدكم أن تشاركوا جميعا في لعبة الحفاظ على البالون، وستكون من نصيب الفائز منكم جائزة قيّمة” استغرب الحضور من طلب مهاتير وسألوه عن هذه اللعبة وما الهدف منها… قاطعهم الرجل قائلا وهو يوزّع بالونات ملوّنة على كل المدرسين المشاركين في اللعبة “على كل مدرّس منكم نفخ بالونه ثم ربطه بأسفل رجله، ومن يحافظ منكم على بالونه سليما سيكسب الجائزة. سأعطيكم من الوقت دقيقة واحدة”. نفخ جميع المشاركين من المدرسين بالوناتهم وربطوها بأسفل أرجلهم وحينها أعلن مهاتير محمد بدء اللعبة…انقضّ المشاركون على بعضهم البعض يركلون أسفل أرجلهم بهدف تفجير بالونات بعضهم البعض… ونجحوا في تفجير بالوناتهم جميعا ولا أحد منهم حافظ على بالونه سليما…

ضحك مهاتير محمد ونظر إليهم ساخرا وحازما ومستغربا في نفس الوقت وقال “لم أطلب منكم أن تهاجموا بعضكم البعض ولا أن تركلوا بعضكم البعض وتفجروا بالونات بعضكم البعض بل طلبت من جميعكم فقط الحفاظ على بالوناتكم سليمة…جميعكم اخترتم السوء لبعضكم البعض ولا أحد منكم فكّر في مصلحة الجميع بالحفاظ على جميع البالونات… ألا يمكن الحفاظ على بالوناتكم دون تفجير بالونات الآخرين ؟؟ وكأن الحفاظ على بالونكم يمرّ حتما عبر تفجير بالون غيركم، ألم يكن من الأجدر ان تقفوا في اماكنكم جميعا وتحافظوا على بالوناتكم سليمة جميعا؟؟ لماذا أسأتم التفكير واخترتم الحلّ الأسوأ الذي أساء لكم جميعا… لا أحد منكم اليوم نجح في الحفاظ على بالونه، فماذا كسبتم بتفجير بالون الآخر؟؟ هل حافظتم بذلك على بالونكم؟؟ لا…خربتم كل شيء…كل شيء”…

ونحن في تونس ماذا فعلنا…أظنّ اننا لعبنا جميعا لعبة “فشّان العجالي” لبعضنا البعض…فجميعنا انطلقنا ليلة الخامس عشر من جانفي 2011 ومباشرة بعد ان علمنا بسفر بن علي لأداء مناسك الحجّ والعمرة، في حملة “فشّان عجالي” بعضنا البعض ولم نترك “عجلة” واحدة من عجلاتنا وعجلات الدولة والوطن سليمة…فخرجت الاعتصامات تجوب المدن والقرى وتغلق المؤسسات ومواقع الإنتاج …فلم يعتصموا بحبل الله جميعا كما وجب أن يفعلوا بل اعتصموا بحبل بعضهم ضدّ بعضهم البعض …فخرّبوا كل شيء اعترض سبيلهم…نسينا العاطلين والمعطلين وغيرهم ممن صرخوا طويلا بشعارات كانوا ينتظرون جني ثمارها…فخرج عليهم مغول العصر وتتاره وموظفو الدولة وجميع القطاعات يطالبون بالزيادات وتسوية الوضعيات وتنفيذ مرسوم العفو التشريعي العام…فخيّرت كل الحكومات الحفاظ على مواقعها بالانصياع لمطالب ما أقرّته “ماكينة” ساحة محمد علي التي أرادت بما أتته أن تفرض نفسها وصيّة على الدولة والشعب والوطن مفاخرة طويلا وبصوت عال أنها هي حاضنة الحراك ومن يسمونها “ثورة” وانقضّت على المؤسسات تطرد القائمين عليها بدعوى أنها موالية للمنظومة القديمة فضاعت كل الكفاءات في غياهب “التفقديات” التي تلعب دور “الثلاجات” المؤسساتية تحت شعار “ديقاج يا خمّاج”…وجاءت حكومة الباجي الأولى بعد ليلة بكى فيها محمد الغنوشي خوفا على البلاد والعباد…

أقول جاءت حكومة قائد السبسي بعد أن أخرجوه من أرشيف البلاد ليحكم في العباد فــ”فشّوا لها” كل عجلاتها…وذهب كل ما تركه بن علي من أموال في خزينة الدولة لدفع الزيادات وإرضاء الخارجين عن الدولة والقانون والمعتصمين بأبواب المؤسسات ومواقع الإنتاج لتنتفخ كتلة الأجور إلى ضعفي ما كانت عليه قبل ليلة سفر بن علي رحمه الله…ثم جاءت حكومات النهضة لترضي الغاضبين من أتباعها بانتدابهم وتسوية وضعياتهم حتى سنّ التقاعد…وكالعادة لا أحد من الاتحاد والحكومة والأحزاب فكّر في العاطلين عن العمل وفي المعوزين وفي المهمشين وفي الفقراء والمساكين…جميعهم وإرضاء للغاضبين من المعتصمين والمضربين والمعطلّين لآليات الإنتاج والمغلقين لمواقع الإنتاج  دفعوا بالتي هي أحسن زيادات في الأجور وتسويات في الوضعيات وهدايا ثمينة عبر خطط وظيفية دون موجب ودون مقاييس شعارهم في ذلك “اعطهم ألف درهم يا علي”…وقبله كان الشعار “أعطهم ألف دينار يا حمادي”…

فوقعت استمالة اغلب موظفي الدولة من القطاعات الهامة إلى الحكام الجدد الخارجين من السجون للجلوس على كراسي الحكم وخنقت كل مفاصل الدولة والحكم وتحوّلت من الكفاءات إلى من أعلنوا البيعة والولاء للحكام الجدد خوفا على مصيرهم ومستقبلهم المهني…جميعهم لم يقرؤوا حسابا للدولة وللشعب وللوطن…جميعهم “فشّوا عجالي جميعهم”…ثم جاءت حكومة اعتصام الرحيل…حكومة المهدي جمعة لتنال نصيبها من الإضرابات والاعتصامات طبعا ليس بحبل الله لكن بخراب البلاد وتجويع العباد…وغلق مواقع الإنتاج…ومفاوضات الزيادة في الأجور…والتسميات بالمئات…هكذا أيضا نسينا مرّة أخرى العاطلين…والمهمشين والفقراء والمساكين…نسينا الوطن…والشعب والدولة التي تئن…

ثم جاءت الانتخابات الأولى والحكم التوافقي…فبدأ “فشّان العجالي” عبر مجلس لا دور له غير “الفشّان” و”الهزّان والنفضان” فلم تسلم أية حكومة من حكومتي تلك العهدة من “فشّان العجالي” ومن الخروج عن النصّ النقابي…فتجاوز عدد الإضرابات مئات الآلاف…وذبحت الدولة من الوريد إلى الوريد …واصبح ساكن ساحة محمد علي الحاكم بأمره وسلطان زمانه…فلا احد يمكنه تحريك حجر واحد من دار الباي أو من غيرها من مؤسسات الدولة دون تأشيرة ساكن ساحة محمد علي…وكالعادة لا أحد فكّر في من ينتظرون جني ثمار ما فعلوه حين جابوا البلاد طولا وعرضا يصرخون “شغل …حرية …كرامة وطنية” فلم يجنوا غير الإحباط والياس …والموت غرقا في المتوسط…

تواصل أمر “فشّان عجالي” كل الحكومات التي تداولت على “نفخ عجالي البلاد” بعد انتخابات 2019…إلى حدود مساء يوم 25 جويلية 2021 حين استفاق الشعب على حدث غريب يحدث لأول مرّة في تونس، عجلة دار الباي بالقصبة “مفشوشة” ومرمية جانبا ولا أحد يعلم اين هي…وعجلة “قصر الباي بباردو” مفشوشة ومرمية أمام الباب الخارجي دون حراك… ثم تواصلت الحملة الواسعة لــ”فشّان عجالي” مكونات كل المشهد السياسي الذي سبق 25 جويلية 2021…ولم تبق غير عجلة واحدة يقول البعض أنها من فئة عجلات الـــTubeless  …لكن هل فكرتم في الوطن وكيف سيعبر إلى المستقبل…؟؟ فهل يمكن للوطن أن يعبر بعجلة واحدة طريقا مزروعة بالأشواك في زمن صعب كهذا الذي يعيشه كل العالم بعد وباء الكورونا وبعد حرب روسيا وربيبتها أوكرانيا…أم أن جميعكم تفكّرون في النوعية الجديدة التي ستنتجها ميشلان خلال الأشهر الأخيرة لسنة 2024 والتي يسمونهاMICHELIN Uptis  وهي من الإطارات غير القابلة للثقب…والمستعملة لتقنية الـــAirless…ألا يكفينا “فشّان” …ألم يحن وقت “نفخان” في روح وطن موجوع يتألم…   

أكمل القراءة

وهْجُ نار

تعالوا نُعِدْ كتابة الفصل الأخير … من الرواية التي نعيش !

نشرت

في

تونس الجميلة: يونيو 2013

السؤال الذي وجب أن نطرحه جميعا على أنفسنا بعد ما غرقنا في وحل قد يصعب الخروج منه لو بقينا على حالنا هذه من التشظّي والحقد، والرغبة الجامحة في الانتقام من التاريخ لإعادة كتابته بصياغة مغايرة، تنصفنا وتجرّم غيرنا ممن سبقونا…

محمد الأطرش

السؤال، ماذا فعلنا بأنفسنا حتى نقع حيث وقعنا؟ هل نحن على وعي تام بما وقع ويقع لهذا الشعب وهذه البلاد؟ لا أظنّ أبدا أننا واعون بما يقع معنا، فما وقع معنا سنة 2011 من محاكم شعبية وفايسبوكية يعاد اليوم ومنذ سنتين وأكثر مع تبادل للأدوار فقط، ودخول عناصر جديدة لمشهد يتفكّك ويتشظّى يوميا…فاليوم تتوسع الهوّة بين أفراد هذا الشعب وتُهتك الأعراض وتُسفك الدماء دون أن تسيل من أجساد أصحابها، ويموت البعض بالتقسيط الموجع دون أن نعلم أنه مات، ويفقد البعض عقله عن غير وعي منه ورغما عن أنفه وأنف من خلّفوه كما يقال…هكذا هو مشهدنا اليوم… فكل يوم يمرّ دون أن ننجز صالحا واحدا ينفع الناس تزيد وطأة قبضة الوجع والمأساة وتُخنق الكلمات في أفواه أصحابها… وتطعن الحرية والعدالة من خلف…

تعيش البلاد اليوم مرحلة انفرط عقدها… فكل الأرقام في ارتفاع مخيف… البطالة… الفقر… الأمية… الأسعار… التضخم… المديونية… الحقد… والرغبة الجامحة في الانتقام من بعضنا البعض… نحن في حقيقة الأمر نعيش عملا دراميا خلناه رومانسيا فانقلب إلى تراجيديا قد يموت فيها بعضنا وهو يشاهد الفصل الأخير وقد يموت بعضنا الآخر غرقا في المتوسط وهو يحاول الهروب من محرقة الحقد والانتقام وقد يتكفل أبطال الفصل الأخير بدفن من يمكن دفنه من هذا الشعب في مقبرة الأغبياء والمغفلين… فالانخفاض الوحيد الذي تعيشه البلاد اليوم هو في معدل الوطنية فالجميع يريد مغادرة البلاد… والجميع يريد ان ينجو بنفسه من حضور فصل لم يكن موجودا في النصّ الأصلي لهذا العمل الدرامي الذي تعيشه البلاد…

ألا يمكن أن نحاسب أنفسنا قبل أن يحاسبنا التاريخ؟ ألا يمكن ان ندرك ولو بعد تأخير أننا اخطأنا الطريق وأننا قادرون على إصلاح ما يجب إصلاحه؟ أيجب أن نثأر من التاريخ كل ما جاءنا حاضر آخر… أيمكن بناء مستقبل أفضل وأجمل لأبنائنا دون الثأر من بعضنا البعض…؟؟

أتعلمون لماذا بعد أن ابتلانا الله بأناس لا يحملون في رؤوسهم أية فكرة عن الدولة… ولا عن مؤسسات الدولة… ولا كيف تدار شؤون الدولة… أعود لأقول أتعلمون بعد كل ذلك لماذا أخطأنا الطريق وسلكنا طريقا وعرة أوقعتنا في وحل مؤلم ونفق مظلم، لأننا وبكل بساطة لم نستمع إلى خطاب العقل والمنطق والحكمة واكتفينا بسماع من امتلأت صدورهم حقدا ومن خسروا كل معاركهم ولم ينجحوا في إيجاد موقع تحت الشمس وخرجوا اليوم بهدف تصفية حساباتهم… هؤلاء هم من أوقعونا في الخطأ وحوّلوا الدراما الرومانسية التي انتظرناها وصفقنا لها ظنّا انه في ختامها سيتزوج الأبطال، إلى تراجيديا قد يموت في ختامها الجمهور… فمن يوم صفقنا طويلا للفصل الأخير من العمل الذي خلناه دراميا رومانسيا وسعدنا به، لم نسمع كلمة واحدة يُخاطَب بها الشعب أو بعضه عن واجباته وحقوقه وانتظاراته وأوجاعه ومستقبله وما ينقصه… وكيف يصلحُ حاله…

لم نسمع خطابا واحدا يجمع شتات هذا الشعب الموجوع ممن أفقدوه نكهة العيش في هذا الوطن …فخطاب اليوم حوّلوا وجهته إلى حيث يحقّق البعض مآربه…  فبعضهم يريد التخلّص من خصومه… وبعضهم الآخر يريد التقرّب عبر أحقاده من السلطة عساه يجد مكانا لم ينجح في الحصول عليه سابقا… وبعضهم الآخر يرى في هذا الفصل الأخير حبل نجاته من العيش في الظلّ … هكذا هي بلادنا اليوم… الكلّ يكيد للكل … وجميعهم يكيدون للوطن وهم لا يأبهون… فكل ما نحن فيه اليوم سببه تحويل وجهة خطابنا من خطاب جامع إلى خطاب يهدّد بالويل والثبور وعظائم الأمور… والخاسر الأكبر هو هذا الوطن الجريح…

هكذا أيضا عشنا السنوات الأولى بعد جانفي 2011 …ظلمنا كثيرا من الناس… وأوجعنا الكثير أيضا… سجن المئات… وقطعت أرزاق الآلاف … وهرب الكثير من محرقة الانتقام والثأر… ثم يوم اكتشفنا الحقيقة (التي أغمضنا أعيننا عنها حين ارتفع منسوب الحقد عند بعضهم) خرج بعضنا يريد الاعتذار ممن ظلموا… وممن ماتوا وهم يعانون وجع ووطأة الظلم… ممن سنعتذر يا ترى؟ من الذين شوهناهم وخلقنا الأكاذيب عنهم وعن حياتهم؟ أم من الذين هتكنا اعراضهم وتسببنا لهم في وجع لا يمكن بأية حال أن يشفوا منه… ممن يا ترى؟ ممن لم نسمح لهم بحضور جنازة والدهم أم ممن؟ ممن سجنّاهم ظلما لأن بعض الوشاة أرادوا ذلك تصفية لحساب قديم أم ماذا؟ ممن جوعناهم بعد ان حكمنا عليهم بالطرد من عملهم دون دليل واحد يثبت إدانتهم؟ أم من الذين ماتوا كمدا وحسرة مما عاشوه؟ هل سيعيد الاعتذار الحياة لمن ماتوا؟ هل سيجمّع الاعتذار العائلات التي شتت شملها ظلما وعدوانا؟ هل سيعيد الاعتذار احترام الأبناء لآبائهم الذي قيل فيهم ما لم يقله مالك في “السلتيا”؟ ألم يحن الوقت لخروج فارس المصالحة من بين أنقاض هذا الوطن الذي يئن رغم انكار البعض بأننا في أسوأ حال؟

ذات جانفي 1984 خرج علينا الزعيم بورقيبة رحمه الله بكلمته الشهيرة “نرجعوا وين كنّا” فانطفأت نار الحقد إلى حين… اليوم لا أقول قولة الزعيم… لكن أقول تعالوا نعمل معا ونتصالح من أجل هذا الوطن… تعالوا ندفن فاس الحرب كما يقول الهنود الحمر في بلاد العم سام… تعالوا ننتصر للعدل… تعالوا نكسر حلقة الثأر والانتقام والأحقاد… فإن لم نفعل فالأحقاد ستلاحق أجيالنا القادمة … ولن يسعدوا بحياتهم أبدا لأننا اورثناهم الأحقاد…

كلنا قرأنا قصة كسرى ملك الفرس الذي أرسل رسولاً لمقابلة خليفة المسلمين حينها عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وقد ظل رسول كسرى ماشياً في المدينة سائلا عن مكان قصر الخليفة، ولكن الناس دلوه على بيت شديد التواضع، حتى أنه كان أدنى من بيوت أفقر فقراء المسلمين في ذلك الوقت… وقد وجد رسول كسرى عمر بن الخطاب نائما تحت ظل شجرة مرتدياً ملابس بسيطة وقديمة، فاندهش أيما اندهاش وقال “أهذا هو البطل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي يرتعد لسماع اسمه أقوى وأعظم الملوك… أهو كذلك ينام على جنبه في الطريق في أمان دون حرس ودون أن ينتابه الخوف من مؤامرات أو أعداء؟؟؟”… بعدها قال رسول كسرى قولته الشهيرة “حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر“… تعالوا نحكم بالعدل… فنأمن على أنفسنا وننام كما نام عمر…

في الأخير لن أقول ما قاله الزعيم فبعضنا يصاب بالغثيان بمجرّد سماعها لكن سأقول فقط تعالوا “نرجعوا” لوقت كنّا فيه أحبابا… تعالوا إلى زمن لا حقد فيه… ولا ثأر ولا انتقام ولا حساب… فمن الفارس الذي سيرفع صوته ويقولها عاليا… ليصبح زعيم المصالحة… تعالوا نعيد كتابة الفصل الأخير من الرواية ليصبح رومانسيا… فالتراجيديا لا تليق بهذا الشعب… فبعضنا يفتقد الوطن… وبعضنا يفتقده الوطن… تعالوا…

أكمل القراءة

صن نار