تابعنا على

جور نار

عملية، فبطولة، فاستشهاد … ثم ماذا؟

نشرت

في

عبد القادر المقري Makri Abdelkader
كلاب تنهش جثث الضحايا".. شهادات مرّوعة للأوضاع في مستشفيات غزة

لأكثر من أربعين يوما، وسكان غزة من المدنيين يتلقون حمم النار أرضا وسماء ولم يسلم منهم طفل و لا امرأة ولا مسنّ و لامريض ولا مستشفى … و لاحديث عن مدارس ولا عن معيشة ولا عن مرافق حيوية لمواطنين فنحن لا نكترث عادة بهذه الشؤون، وفي بلدنا هنا كثيرا ما يتعطل كل شيء لأقل سبب، ودون قتال …

عبد القادر المقري Makri Abdelkader
عبد القادر المقري

عندما تسمع شارعنا وتتابع وسائل إعلامنا وما ينشر سائبا على مواقعنا الاجتماعية، تتساءل مضطرا: هل الفلسطينيون بشر مثلنا أم طينة أخرى لاتشبه أي إنسان آخر؟ … هل حقّهم الوحيد هو الموت وحق الآخرين الحياة؟ … شعب بطل هذا صحيح، وشعب صامد هذا أكثر من صحيح، وشعب مغتصبة أرضه هذا بديهي منذ أن فتحنا هاتين العينين على الدنيا … ولكننا نحن أيضا اغتُصبت أرضنا وصال وجال فيها المستعمر طيلة 75 عاما، هي بالضبط عمر نضال الشعب الفلسطيني منذ النكبة … مع فارق … أننا في نهاية القرن إلا ربعا نجحت حركتنا الوطنية في إخراج المستعمرين ووضع أسس دولة وطنية مكانهم … قل إنه استقلال منقوص، قل إنه صفقة، قل إنه استعمار جديد، قل ما شئت … المهم أصبح مصير بلدك بين يدي أهله، يكملون استقلالهم متى شاؤوا، ويطوّرون قدراته متى أرادوا …

وقد تعلّمنا من حركتنا الوطنية من زعمائها الكثير، وتعلّمت منهم حركات تحرر أخرى في الجوار وفي القارة وفي المحيط العربي وفي كامل بلدان الجنوب وما عرفته من موجات استقلال في ستينات وسبعينات القرن الماضي … لم نعترف بذلك ولم نفهمه حينما كنا شبابا وطلاّبا … ثرنا أيام الجامعة على بورقيبة وقلنا فيه أوصافا لا حدود لسوئها … ولكن الرجل راح الآن بعد أن غادر الحكم أولا والدنيا ثانيا ومضت على ذلك عقود … وما نذكره شيئان هاهما يطفوان اليوم على الذاكرة … أوّلهما ما كان يردده آباؤنا ونحن صغار بأننا محظوظون بعدم معاصرة الاستعمار الذي لم يكن يسمح للتونسيين بالحد الأدنى من العيش الكريم، ولأطفالهم بأن يرتادوا المدارس فضلا عن الثانويات والجامعات … مع العلم بأن والدي مثلا رحمه الله، لم يكن من أنصار الزعيم ولا من المنخرطين في أية شعبة أو الهاتفين بحياة أحد اللهمّ إلا إذا أقسم بحقّ سميّه سيّد المرسلين …

كان ممكنا لحركتنا الوطنية منذ اكتسبت شعبيتها في الثلاثينات، إشعال حرب شنعاء على المستعمرين والمعمّرين طوال عشرين سنة بلا انقطاع … وبالنظر إلى عدم تكافؤ القوى بيننا وبين المحتلّ، كان ممكنا أن نضحّي بمعظم شعبنا في تلك المحرقة، فيما يمكث الباقون يشجبون العدوان الغاشم ويذرفون الدموع ويناشدون ضمير الإنسانية من منافيهم المستريحة في عواصم الخارج … أو كان ممكنا أن ندفع بنخبتنا المستنيرة نحو المقاصل واحدا تلو واحد، ومن يقتله المستعمر قتلناه بأيدينا في تبادل اتهامات بالخيانة … وقد جُرّب ذلك فعلا زمن المحنة اليوسفية، ولم يدم طويلا لحسن الحظ … ومع هذا ما زال جرح ذكراه نازفا إلى اليوم …

لقد علّمَنا زعماؤنا أن القوة مطلوبة دون شك، ولكنها تكون محسوبة في التوقيت والخسائر، وذات هدف معيّن وممكن التحقيق … ولطالما تمّ استعمالها كورقة ضغط ـ هي وخسائرها ـ في مفاوضات تأتي بمكسب ما … افتكاك حقوق نقابية من هنا، مواطنية من هناك، وصولا إلى حكم ذاتي فاستقلال منقوص فجلاء عسكري فجلاء زراعي إلخ … و لا تستهن بقوّة العدوّ في تلك الفترة، ففرنسا تبقى دوما دولة عسكرية واقتصادية مهابة قياسا إلى وضعنا الرثّ … أما عن مسألة الاحتلال الاستيطاني فكل الامبرياليات تستوطن ما حازته لأجل غير مسمّى … وهاهي مناطق في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية ما تزال تحت حكم العلم الثلاثي، تحت تسمية ممتلكات ما وراء البحار …

وقد فهم ياسر عرفات قانون هذه اللعبة ولو متأخّرا وبعد انهيار آخر جدار “ثوري” ممكن أن يتكئ عليه … العراق … فاسرع إلى توظيف نتائج الانتفاضة الأولى كأنجح مواجهة خاضها الفلسطينيون عمليا وإعلاميا … وكانت مفاوضات أوسلو … الكثيرون ـ وربما الأغلبية الساحقة منا ـ ما زالت ترى في اتفاقيات أوسلو مهزلة وعارا واستسلاما وبيعا للقضية إلخ … ولكن بشيء من الرؤية المقرّبة، يمكن أن يخضع ذلك إلى تنسيب … وتنسيب كبير أيضا …

فللتذكير، كان العدوّ وحلفاؤه لا يعترفون بوجود كيان اسمه فلسطين ولا بكائن اسمه مواطن فلسطيني … لا يعترفون بالكلمة ولا بتاريخها ولا بأهلها ولا بأية حقوق لهم إلا كلاجئين في الشتات والمخيمات … فجاءت أوسلو لتضع اسما تحت الصورة، وتكون الصورة فوق أرض فلسطين أو في جزء بسيط منها … وثانيا، مكّنت أوسلو عشرات آلاف العائلات الفلسطينية من التلاقي والعودة بعد غربة عقود ويأس قد يدوم الدهر كله … وفي انتظار أن تعود آلاف أخرى، وقع تركيز سلطة وطنية فلسطينية على الأرض الغالية، وهو ما لم يحصل منذ ما قبل الحكم العثماني أي منذ خمسمائة سنة !

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

أبناء الكلبة، أما آن لكم أن توقفوا استعراضكم للقوّة ؟

استمرّوا وستولد أجيال أشرس من هذه ألف مرّة !

نشرت

في

يأْتي صهيلُ الأَرضِ
مطبعةٌ تدورْ
الأُمَّ تطبَعُ طفلهَا
والأرضُ تطبعُ ظلَّهَا
والبحرُ يطبعُ موجَهُ
والشّمسُ من جُرحٍ إلى جُرْحٍ
توزّعُ حِبْرًها وحليبَها
والشّمسُ إمرأةٌ على أشلاء متراسٍ
تَلِدْ *

منصف الخميري Moncef Khemiri
منصف الخميري

ليست شجاعة أن تقتل طفلا بريئا بل ذلك جُبنٌ ووضاعة، وليست بطولة أن تُدمّر مسكنا على ساكنيه بل خوفٌ ونذالة، وليست بسالة أن تُنكّل بالنساء والشيوخ وتحجب الدواء والماء والهواء ووجه السماء بل هلعٌ وخوفٌ ينمّان عن انتقاميّة ورثتموها عن جلاّديكم الآريين الذين صنعوا لكم محارق في داخاو وبوخنفالد وفلوسنبورغ وموتهوسن … نحن في حِلّ منها لم نؤيّدها ولم نشترك فيها بل ونعترف لضحاياها بحقهم في الذاكرة وإدانة مرتكبيها.

تحت سياط وجع مشاهدة من هم موجوعون أكثر منا ألف مرة وأمام انتقاميّتهم التي لم تعرف لها الإنسانية شبيها في التاريخ، أقول لهم :

أطفالكم ليسوا أكثر براءة ولا أقرب منا إلى الله لينعموا بالتعلّم واللعب وأحضان أمّهاتهم وحنان آبائهم ولُعبهم وألعابهم وملابس يوم العيد، بينما يعيش أطفالنا على وقع قنابلكم كل لحظة ويستلذّون جرعة حليب استرقوها بين غارتين ويشتاقون قطرة ماء عذب بين قصفيْن لا يستقدمونها من البحر الذي تسمّمه زوارقكم العسكرية ويشتهون رغيفا ساخنا ككل أطفال الدنيا… فيُغذّون نحوكم ومن سيرثونكم على أرضهم كُرهًا لا يمكنكم توقّع مداه وحقدا وطنيا ستغرقون يوما في أوحاله وشوكه وحِباله.

ونساؤكم ليس على رؤوسهنّ ريش النعام لتنعمن بالتجوال والترحال والملبس والأكل (الغدّاد !) في حين تهيمُ نساؤنا  بين رُكام منازلهنّ بحثا عن قلادة فضيّة أو عملة معدنية كانت تعتلي رؤوسهنّ الطاهرة توارثنها جيلا وراء جيل لتظل طي صدورهنّ كقرينة للهوية وشهادة ميلاد على أرض سيَعُدن إليها يوما ولو كره الغاصبون.

وأمّهاتكم لسن من طين مُقدّس كي يتمّ الاحتفاء بهن وقيادتهن إلى المنتجعات والمنتزهات وتوفير كل أشكال العناية والإحاطة بهن بينما تغرق أمهاتنا في إعداد الأكفان ومستلزمات الأحزان … بل إن أمهاتنا أجدر بالحياة لأن مسيرتهنّ تشبه مسيرة القدّيسات والراهبات اللواتي نذرن حياتهن لخدمة قضايا كبرى والذود عن موروث أكبر.

وآباؤكم لم يتمّ تنزيلهم رأسا من السماء لتحترموهم وتُجلّوهم وتعتبروهم “حماة وطن” ليس لكم، مُقابل آباء لنا خذلتهم السماء والخطابات العربية “السمحاء” فظلوا مُمسكين بمفاتيح بيوتهم المتداعية ومعتنين ببعض شجيرات الزيتون ختما وعنوانا لا يلين…بل إن آباءنا هم من ستُخلّدهم سجلاّت التاريخ كشهود عيان أحياء على أحطّ درجة يمكن أن تبلغها الإنسانية في مجال التنكيل والتقتيل، وكأساطير بشرية حيّة استطاعت بصبر خرافي أن تبقى على قيد الحياة تحت أنقاض تستمر منذ عقود من الزمن، وكقلوب إنسانية لم يعرف التاريخ مثيلا لها في التراحم والتلاحم لأنهم قدّموا كل التنازلات التي طلبها منهم العالم، بما في ذلك التخلي عن الجزء الأكبر من ممتلكاتهم التاريخية لفائدة لاجئين قادمين من مذابح التاريخ ومحتشداته ورغم ذلك مازالوا يطلبون منهم مزيد الخروج من جلودهم ومن أسمائهم ومن وهج التاريخ في دمائهم.

ومعابدُكم ليست أطهر من مساجدنا وكنائسنا لتُتلى فيها تعاويذكم المكيّفة جيدا لتنسجم مع المشروع الأكبر الذي شيّدها هناك… بل حصل أن رُفع آذان صلاة المسلمين في كنائس القدس للتعبير عن قيم تعايش وتعاطف وتحابب لا تدركون كنهها لأن “الوجود” في قواميسكم لا يستوي إلا على قاعدة “القلع”، و”البناء” لا يستقيم إلا على مبدإ “الخلع”.

وكُتّابكم وشعراؤكم ومُبدعوكم (إن كان ثمة كتّاب وشعراء ومُبدعون لديكم لأنني لا أعرف كُتّابا ومبدعين يُنتجون أثرا ما تحت أشعّة شمس لا تعرفهم وعلى وقع نسائم أليفة لا تعرف لهم جذورا أو بذورا)، اسأل بأي حقّ يتمتعون بهدوء الشواطئ وشبق المواطئ ليُحبّروا ويؤلّفوا ويُخنفسوا ويُدنفسوا مستغلّين صمت أقلامنا التي نفد حبرُها تحت وطأة القصف والعسف والحال أننا ورثة قامات في الرواية والقصة والشعر والسينما لا تضاهيها قامات في العالم بأسره. أليست هذه الأرض هي من أنجبت درويش وحبيبي وكنفاني وزياد وبسيسو والقاسم وطوقان وأبو حنا والمناصرة ودحبور والبرغوثي… ومئات الأسماء البهيّة الأخرى.  

اعلموا أن لديكم فقط طلقة واحدة في مخزن ذخيرتكم هي سلاح القوة وقوة السلاح وليس لديكم إلا رصيد واحد أوحد لدى الإنسانية جمعاء هو الرعاية الفاحشة التي تتوفّر لكم كثكنة عسكرية متقدّمة، أما نحن، ففي جِرابنا أكثر من طلقة وفي رصيدنا أكثر من صديق لأننا لم نعتدِ على أحد (على الأقل في الحالة الفل.س. طينية الراهنة). واعلموا أيضا أن أطفال اليوم تحصّنوا أكثر من آبائهم واقتنعوا بأن المُفاوضة لا تحتضنها كبرى العواصم بقدر ما تتشكل شروطها في ساحات المعارك والملاحم وأننا لسنا أحنّ عليكم من التاريخ الموضوعي العابر للمشاعر ومآسي البشر، والذي يُقرّ بأن الحقيقة لا تقبل القسمة وأن الطبيعة تستعيد دائما جميع حقوقها مهما بلغ صلف البشر وعنجهيتهم وأن الأنهار تعود دائما إلى مجاريها والنّمور إلى مآويها.

لو كانت والدتي على قيد الحياة، لاختصرت كل هذا القول في كلمة واحدة : الله لا تباركلهم اولاد الكلب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* من قصيدة “سفر سفر” للشاعر معين بسيسو

أكمل القراءة

جور نار

متغيرات الساحة التي ستجبر نتنياهو على تنازلات

نشرت

في

بدت خلال هذا الأسبوع بعض متغيرات سياسية و ميدانية قد تكون لها تداعيات على مصير المعارك وربما على مستقبل المنطقة والفاعلين فيها …

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari
محمد الزمزاري

فقد عاش الكيان الصهيوني ضغوطا هامة جدا داخله ما انفكت تتوسع… بدات بالمطالبة الملحة برجوع اسرى الحرب الذين تراوحت خطابات نتنياهو عنهم بين التضحية بهم كثمن ضروري لنصر يراه مضمونا، وبين الوعود الكاذبة بتحريرهم كهدف من أهداف حرب الإبادة التي يشنها على مدنيي غزة … غير أنه لم يثبت سوى عجزه ميدانيا رغم وقوف القوات الأمريكية الخاصة و المارينز معه لتقتيل الاطفال و المسنين و هدم البيوت، ورغم كل ما اعده من قوة عسكرية ارضا وجوا و بحرا ولم يفده شيء و لم يحقق اية نتائج مما خطط له أي القضاء على حماس وتركيبتها العسكرية.

وبالتوازي مع انتشار المظاهرات داخل الكيان فقد تعالت أيضا النداءات بازاحة هذا السياسي المجرم و الفاشل من الحكم … وقد أصرّ المتظاهرون على المطالبة بعودة الأسرى، خاصة ان المقاومة الفلسطينية نجحت في إشعال فتيل الغضب أثر إعلانها امس ان اكثر من 60 اسيرا قد تم القضاء عليهم بقنابل القوات الصهيونية… وقد أضيفت إلى كل هذا مظاهرة حاشدة لليهود الارتودوكس الرافعين للأعلام الفلسطينية و الذين دخلوا في مواجهات مع الشرطة الصهيونية… ولمن لا يعرف عقيدة اليهود الارتودكس في كل العالم، وجبت الإشارة إلى انهم يؤمنون بأن فلسطين للفلسطينيين و ان الصهيونية ليست الا عصابات ركبت على الدين اليهودي، و يذكرون دوما ان اليهود ليس لهم مكان في فلسطين … ويدعو اليهود الارتودكس في عقيدتهم كل اليهود القاطنين بالاراضي المحتلة إلى الهروب منها قبل “الطوفان الاعظم” الذي سيقضي عليهم …

أما على المستوى العسكري فلم يحقق الكيان النازي الصهيوني غير إثبات نازيته و توضيح صورته الدموية عالميا والتي تصب في صالح القضية الفلسطينية و لو بعد حين… وقد شهد العالم كمّا من المظاهرات المعادية للكيان الصهيوني الجبان والذي وظف قواه العسكرية في تدمير البيوت و المستشفيات و المدارس و تقتيل الأطفال و منع كل ضروريات العيش على البقية الباقية من المدنيين… ولعل من اهم المظاهرات على المستوى الخارجي تلك التي عرفتها الولايات المتحدة الأمريكية و انتشارها بشكل يهدد مصير جو بايدن خلال الانتخابات القادمة … وقد اثبتت بعض الاحصائيات نزول نسب تأييد مواقف بايدن من الحرب بين الكيان و الفلسطينيين إلى اقل من 35 بالمائة بسبب مواقفه العمياء المؤيدة لتدمير غزة… ويمثل ذلك عاملا مهما في تغيير الموقف الأمريكي مقارنة بالايام الأولى التي تلت هجوم 7 أكتوبر حيث طرأت تغييرات محسوسة على تصريحات وزير خارجية أمريكا رغم استمراره عسكريا في دعم العملية النازية للكيان الصهيوني.

إن المحلل الذي يدرك اغوار العقلية الصهيونية المجسمة في مواقف الحكومة اليمينية الحالية التي تستشعر آفاق سقوطها و مراحل فشلها عسكريا و فشل خططها بتهجير سكان غزة نحو سيناء وتهجير مواطني الضفة نحو الاردن لاكمال التوسع الصهيوني و ردم القضية .. ثم إن عدد اموات الصهاينة على ساحة قتال لم تتعود قواتهم خوض غمارها بالإضافة أيضا إلى التبرم الذي بدأ يلوح لدى موقف أمريكا، نقول انه تبعا لكل هذه المتغيرات مجتمعة ستجبر نتنياهو على قبول” مبادلة الكل بالكل ” التي اشترطتها المقاومة…

وقد صرح رئيس حكومة الاحتلال قبل يومين انه بالإمكان ايقاف الحرب شرط إطلاق الأسرى لدى حماس … ورغم انه يعد تحولا نسبيا رفضته المقاومة، فإنه دليل على بدء الخضوع لشرط المقاومة الفلسطينية تحت وطاة الأجواء الداخلية للكيان والمهددة بسقوط حكومة المتطرف بنيامين نتنياهو ..

الولايات المتحدة تسعى من جهتها إلى كبح توسع الحرب بالجهة الشمالية للكيان على الحدود اللبنانية ـ حيث حزب الله ـ والتي ستزيد حتما في توسيع رقعة الحرب و ترسيخ عداوات اضافية ضد الأمريكان لدى اشعوب الأرض ..

أكمل القراءة

جور نار

سبعة أصناف من ذوينا تزعجها الحرب على غزّة

نشرت

في

هذه الحرب ضد أهلنا في فلسطين تُزعج بعض الأصناف من الناس أكثر من الفلسطينيين أنفسهم الذين تصالحوا مع البشاعة وتآلفوا مع العراء وتماهوْا مع الشحّ البالغ في كل المواد الأساسية من ماء وغذاء ودواء… وأصبحت تربطهم بالموت علاقة تحدّ ومواجهة وعزّة وكرامة…

منصف الخميري Moncef Khemiri
منصف الخميري

فالفلسطيني خبِر عدوّه جيدا وأدرك حقده التاريخي على لغته وألوانه ورموزه التي من دونها لا يمكن أن يستمر في الوجود. وها هو حقده وكرهه التاريخيان يبلغان البارحة حدّ التهديد باستعمال القنبلة النووية.

لا أذهب إلى حدّ وصم هؤلاء الممتعضين والمُتبرّمين  بالتواطؤ أو بالانحياز إلى صفّ القتلة، وإنما هي رغبة أرشيفية بسيطة في تسجيل “من عليّ من الذئاب ومن معي” كما يقول شاعر غزة ابن حي الشجاعية المرحوم معين بسيسو.

ومن هذه الأصناف المغتاظة والمُمتعضة:

___ الكتّاب والأدباء والمثقّفون الواقفون على خط الحياد، السّاعون إلى نيل الجوائز الإقليمية والعالمية التي يؤخذ في إسنادها بعين الاعتبار عامل “الاستقامة السياسية” والقدرة على صياغة المواقف الصابونية اللزجة المُحدِثة لرغوة كبيرة لكن لا تُمسك في صلبها إلا على ما يشبه البخار والإسفنج… هؤلاء يُبدعون في تصميم مواقف تُمسّح بلطف في اتجاه الشَّعر، من قبيل “التاريخ ليس سوى جرد للأهوال والأعمال الانتقامية التي لم تتحقق، والخسائر الفادحة لعدم قدرتنا على استحقاق العيش في سلام وفرح” (ياسمينة خضرا) أو “لا أستطيع أن أجد الكلمات لأعبّر عن مدى رعبي مما فعله مسلّحو حماس باليهود. عندما تهاجم الوحشية النساء والأطفال تصبح همجية وليس لها أي مبرر أو عذر. أشعر بالرعب لأن الصور التي رأيتها هزّت أعماق إنسانيتي” (الطاهر بن جلّون)  أو كذلك “أنا أكره مشاهد القتل والدّمار” (ألفة يوسف) … مع الملاحظ أنني أكنّ تقديرا خاصا لجميع هؤلاء في ما يتّصل بكتاباتهم الأدبية ولست مستعدّا لأن أجرّح في أيّ منهم مهما أتوا من مواقف، لأن الأصل في التعبير هو الحرية ومطلق الصدق دون حساب…تماما مثل الرياضيين الذين نتذوّق جودة لعبهم في مجالهم ولا نُقاسمهم بالضرورة مواقفهم الخاصة إزاء القضايا العامة.

___ المثقّفون (جامعيون وإعلاميون ومدوّنون …) الذين حرمهم لهيب الوضع المهيمن اليوم في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل وفي المقاهي وفي الشارع وفي الكليات وفي كل المواقع، من مواصلة الاستثمار في مدارات اهتمامهم المفضّلة والتي غالبا ما تحدّدها أولويّا مراكز تأثير نائمة أو مخابر بحث أكاديمية ووكالات عابرة للقارات ومؤسسات تمويل عالمية تتغطى أحيانا بالتعاون وترويج البحث وتطويره أحيانا أخرى… وعادة ما تكون عناوين الاهتمام الأكاديمي أو البحثي المطروحة للتداول، هُلامية وحياديّة من قبيل السلم في فلسطين بين الأسطورة والواقع أو الصداقة على ضفاف المتوسط : أي فرص للتحقق ؟ أو كذلك أي دور لمجموعات الضغط في المجتمع الإسرائيلي من أجل إحلال السلام الخ…

___ المُبشِّرون بالسعادة الواهمة من رُوّاد التنمية البشرية الذين يمطروننا صباحا مساءً ببداهات ساذجة وسمِجة تقول فيما تقول إن السعادة تكمن في تحميل جُرعات الأدرينالين  وكيف تجعل الناس تحبّك في 90 ثانية والمشاركة في يوم تدريبي عن مهارات تطوير الذات بــ 400 دولار والدجاج إذا وثق بنفسه يتمكّن من الطيران متفوّقا على النسور… أتحدّاهم أن يُجرّبوا “مبادئ” التنمية البشرية ضد دبابة الميركافا التي تحرق الأخضر واليابس في طريقها نحو الحدود مع غزّة.  

___ العارضات أزياءهنّ والنّافخات وجوههنّ نفخًا والشّاحطات قدودهنّ شحطًا مبرّحًا والشّافطات شحومهنّ شفطا من أجل استدرار الإعجابات والآهات … هذه الكائنات السيليكونية يُسيئُها جدا أن تتجه كل الأنظار نحو ما يصنعه مغول وتتار العصر الحديث بأطفالنا في فلسطين، فتتقلص مساحات حضورها ويخجل متابعوها من التعبير عن انبهارهم إزاء أجساد مكتنزة وسط مشهد الأشلاء وهُزال ما تبقى من الأحياء.

___ السياسيون الطارئون (على القضايا الكبرى) الذين لم يتجاوز مَعين تكوينهم السياسي بعض الشعارات القائلة بتحقيق التنمية الشاملة وإصلاح القضاء ومقاومة الفساد وتحقيق توازن المالية العمومية والنهوض بالفئات الاجتماعية الهشّة … فراحوا يلتحفون بالكوفيّة الفلسطينية ويهتفون صامدون وصامدون وصامدون (درويش) وهم لا يعرفون أن الملاحم التي يخطّها فلسطينيو اليوم إنّما تستمدّ عنفوانها وديمومتها من تاريخ نضالي طويل منحوت بأحرف من دم في ساحات عمّان واللدّ وبيروت وصيدا ودير ياسين وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا وقرى الجنوب اللبناني…وكذلك من أبطال أشاوس دفعوا حياتهم ثمنا لحماية جمرة المقاومة واستمراريتها مثل أحمد موسى سلامة وسعد صايل وأبو إياد وأبو جهاد وأبو عمار وغسان كنفاني وأحمد ياسين وعزالدين القسام وأبو علي مصطفى وسناء المحيدلي ودلال المغربي وكمال عدوان…

___ الإذاعيون والتلفزيونيون الذين اعتادوا على الاستقاتة من المرح الركيك والابتذال السّميك وبيع الماعون وآلات غسل الصابون وتوظيف مصائب الناس وأحزانهم في استمالة جمهور “المُطلّين من الشرفات والفرجويّين” الذين “ينصبون النّصبة وما لازمها” مساءً أمام شاشات تسرد حكايات لا يخلو منها مجتمع لكنها تشدّ انتباه المشاهدين ويُؤثّثون بها غدهم في المقاهي الشعبية واللقاءات النسوية أمام المدارس الابتدائية. هؤلاء فاجأهم الطوفان فظلوا يراوحون مكانهم ويحاولون ركوب موجة الغضب والتعاطف العالية (ولو برداعي) من خلال استهلال مداخلاتهم بجمل مخاتلة من قبيل “رغم المرارة… ورغم ما نشعر به جميعا من أسى وحزن عميقين… سنقف دقيقة صمت ترحّما على أرواح شهدائنا في غزة ثم نعود إلى منوّعتنا …”.

___ وأخيرا هناك فئة سابعة أسمّيها فئة الناس العاديين الذين لا يدّعون في النضال باعا أو ذراعا ولا يُفرّقون كثيرا بين التحريم والتجريم والتطبيع والتطويع، ولكنّ لديهم إحساسا صادقا جدّا بأن ما يجري هناك كأنما يجري لديهم في ديارهم وأن لا أحد في العالم بقادر على إقناعهم بأن أي ردّ فلسطيني لا يمكن إلا أن يدخل في خانة الإرهاب واستهداف المدنيين وعليهم إدانته. هؤلاء متذمّرون هم الآخرون لإحساسهم بالعجز عن مناصرة إخوتهم وإسنادهم ميدانيا أولا ولشعورهم بالمرارة إزاء كافة أوجه حياتهم العادية منذ انطلاق العمليات.

يصارحونك وهم فزِعون أمام مشاهد الدمار الشامل والقتل البارد أن “كل شي مْرار” : العمل والدراسة والرياضة والضحك والأكل والتطويل في الحديث عن القضايا المحلية والتذمّر إزاء فقدان الزيت والسكّر، ولكن في نفس الوقت “مَعْلِشْ” … لأن الفلسطينيين ورغم حجم المأساة التي أغرقتهم في أوحالها متعددة الأوجه حقّقوا نصرا استراتيجيا لم يتحقّق من قبل بهذا الوهج وهذا الوضوح الدّامغ، والمتمثل في إرجاع قضيتهم المركزية إلى جدول أعمال الانسانية رغما عنها وبالشروط التي قد تتجاوز هذه المرة سقف الاتفاقيات التي أنجزت في السابق.

بالنسبة إليّ شخصيا، تقديري أنني أنتمي إلى هذا الصنف الأخير لأنني توقّفت مذّاك عن الكتابة في مواضيع التربية وما جاورها، لإحساس داخلي لديّ بأن ذلك أدنى ما يمكن أن نساهم به كتونسيين في أم المعارك وفي مواجهة التصريحات الوقحة والبشعة لأحفاد بن غوريون وغولدا مائير والتي تقول إن “إسقاط قنبلة نووية على غزّة هو حلّ ممكن كذلك” !!!  

أكمل القراءة

صن نار