منبـ ... نار
في نماذج مستعملي الفايسبوك
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiri
لن يكون هذا المقال تحليلا سوسيولوجيّا لظاهرة الإدمان على الفايسبوك الكونيّة (و معها كل مكوّنات الترسانة الرقمية المتحكّمة بالمجتمع العالمي اليوم أو ما يُصطلح عليها بمنظومة الغافام) و إنّما سيكون مجرّد محاولة لمسح أهم أصناف المستعملين لشبكة التفاعل الاجتماعي من جهة جوانب الطرافة و المسكوت عنه فيها مع الاعتذار سلفا لكل من سيكتشف بعض التشابه مع ملمحه الفايسبوكي الخاص أو مع شخصيات واقعية نتعايش معها على الشبكة.

وقبل المرور إلى عرض أهم الأصناف من المستعملين كما تراءت لي من خلال ما أقف عليه يوميا من تعليقات و منشورات و تدوينات، أشير إلى دراما وثائقية أخرجها “جيف أورلوفسكي” و تُبثّ على نتفليكس عنوانها “خلف شاشاتنا الدخانية” و التي تحاول تشريح النموذج الاقتصادي لكبريات الشركات الرقمية (فايسبوك و غوغل و تويتر و انستراغرام و يوتيوب) و تفكيك مفهوم “رأسمالية المراقبة” و مخاطر إدمان الشباب و الأطفال على مُنتجات عمالقة الويب اليوم … بالنسبة إلى من يرغب في كسب فهم عميق لكيفية اشتغال هذه المنظومات و طرق تأثيرها والتعرف على مخاطرها.
المُتعالي المُتوحّد:
هو فايسبوكي يكتب بانتظام ليُعبّر عن وجهات نظر مهمة نسبيا (وماسطة لاسطة أحيانا) له مريدين كُثر وينتشي بعدد الجامات وتعليقات الإعجاب بما كتب. وهذا أمر طبيعي، لكن يستحيل أن تعثر لهُ على أثر أسفل تدوينات أصدقائه حتى من خلال وضع ذلك الاصبع الأزرق الساذج، لا يترحّم على الموتى ولا يفرح لفرح معارفه ولا يهنئ أحدا بنجاح أحد أبنائه في امتحان الباكالوريا. يَعتبر أنه غير مطالب بمجرد قراءة ما يكتبه الآخرون، بل إن هذا الآخر هو المطالب بتخصيص أفضل استقبال لما يَبيضُه هو في ديار زوكربارغ.
وحتّى عندما تستهويك منشوراته أحيانا وتُجازف بإبداء ملاحظة أو إعجاب، لا يكلف نفسه عناء التفاعل أو إشعارك بأنه تلقّى تفاعلك.
المرِحْ أو الزّهواني :
هو (أو هي طبعا) كائن إيجابي بصورة عامة لا ينشر إلا الطرائف والخوارق والعجائب والغرائب. لا ينشر إلا ما هو قادر على إسعادك أو إمتاعك أو جعلك تنسى لوهلة قتامة المشهد العام المحيط. هذا النموذج من الفايسبوكيين حتى عندما يحدث أن يعيش لحظات مؤلمة أو مزعجة، يختار الاختفاء والسكوت الى حين انقشاع الضبابة. هو باختصار متعهّد بإشاعة الضحك والبشاشة والفرح والحبور في “دوّار” الفايسبوك.
الفايس(بوخا)ئي أو الاحتفالي :
هو صنف يجمع أناسا عاديون فيما يكتبون وينشرون، يهتمون بالشأن العام (والخاص أيضا ! ) متصالحون مع اختياراتهم الحياتية ويُصرّحون أنهم ليسوا على استعداد لتقديم تنازلات تحرمهم من الظهور بالمظهر الذي يريدونه. هم بصفة عامة كائنات مسائيّة يهيّؤون أفضل الطاولات ويعرضون أجود أنواع الخمر والنبيذ مُفضّلين تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية المباشرة…بدلا من كل الحيل البلاغية التي يلجأ اليها الكثيرون عندما يضطرون للحديث عن علاقتهم بـــ “أمّ الخبائث”.
الفايسبُكائي النّكدي:
هو شخص كثير التذمّر لا يعجبه العجب، عندما تهطل الأمطار يُسارع إلى صبّ جام غضبه على وزارة التجهيز والبلديات لعدم جهر المجاري والأودية، وعندما يشتد قيظ الصيف أول انطباع يحصل لديه هو التفكير بانقطاع الماء الصالح للشراب في المناطق الداخلية (وليس في الأحياء الحضرية ! ) ولمّا ينتصر الفريق الوطني لكرة القدم، لا ينتفض فرحا وتهليلا بمكسب رياضي من هذا القبيل بل يكتب مباشرة على صفحته “ما تفرحوش برشة مازال أمامكم فرق عتيدة”.
ويشمل هذا الصنف أيضا أولئك الذين يشكون دائما من شيء ما بشكل منتظم لكن لا يوضح أبدا ممّ يشكو تحديدا. ربما يفعلون ذلك بنية استدرار تعاطف الأصدقاء وتهاطل تعبيرات المجاملة من قبيل “باللطف عليك صديقتنا العزيزة”.
الضّبع :
هو مستعمل للشبكة ينتمي الى فئة الضبعيّات المتميزة حسب المعاجم بـــ “امتلاك أقدام لا تتعب والتميز بنظر ثاقب وسمع قويّ وحاسّة شّم تُمكّنها من تحديد موقع اللحوم وتعتاش على أكل بقايا صيد وفرائس الحيوانات الأخرى”.
وفي موضوع الحال، هذه الفصيلة من المستعملين يمكن اعتبارها من ذوي العوز والاحتياجات الخصوصية، متكوّنة من أفراد ليس باستطاعتهم إنتاج أي شيء مهم حتى ولو تعلّق الأمر بنقل طُرفة استمع إليها في إذاعة من الإذاعات. يتصيّدون تدوينات بعينها … يسطون عليها وينشرونها بأسمائهم دون حياء أو لياقة. والغريب في سلوك هؤلاء أنهم يعلمون جيدا كون صاحب التدوينة هو أول من سيطلع على ممتلكاته لديهم.

المُتلصّص أو حيوان الخلد :
هو فايسبوكي لا تراه أبدا، لا يبدي إعجابا أو اندهاشا أو حزنا أو تأثرا… لكنّه يقرأ كل شيء ويطلع على كل التفاصيل ولا يتورّع أحيانا عن إثارة موضوع تدويناتك عندما تلتقيه.
الاستعراضي :
على نقيض المتلصّص، الكائن الاستعراضي يحب الظهور فينشر 10 مرات في اليوم لإعلامنا أنه فاز بتبحبيحة بحرية على الساعة السادسة صباحا ودبّج فطور غداءه بسمك المرجان ولم ينس أن يشتري بعض اللحوم لكلبه فوكس.
المؤذّن أو الدّيك والمكلّف بمأمورية :
هم أناس يعتقدون أنّهم مكلّفون بمهمة يومية تتمثل في التصبيح على الجميع وإلقاء السلام عليهم. ويعودون إليهم قبل أن يخلدوا للنوم ليقولوا “أنا مرهق جدا، جميع أصدقائي وصديقاتي تصبحون على خير” !
المتخصّص :
شخصيا أنا مُعجب بهذا الصنف من الفايسبوكيين الذين صنعوا لأنفسهم “خطا تحريريا” لا يكتبون ولا ينشرون شيئا خارج سياقه. كأن يتخصص بعضهم في متابعة هجرة الكلمات بين اللغات وآخرون في عالم الفلك أو الإرث الأمازيغي أو كذلك الموسيقى الكلاسيكية الغربية والألحان العربية القديمة.
الصيّاد والتمساح والطّير الكاسر :
هذا الفريق من مستعملي الفايسبوك يشتغل مثل القنّاصة فوق سطح “حوش الفايسبوك”، يرصدون الوجوه النسائية الجميلة ويكتفون في مرحلة أولى بالجمجمة البريئة عليها ووضع علامات تفاعل مختلفة أسفل المنشورات المختلفة ثم يدعون في مرحلة متقدمة نسبيا (لعلمهم الاستراتيجي المسبق بضرورة أن يبقى حاضرا في ذهن من جمجم عليها) صاحباتهنّ داخل العلبة (إينبوكس) ليعبروا لهنّ في لغة ذئبيّة وديعة وليّنة عن إعجابهم وانبهارهم الكاذب بملامحهن ورفعة أذواقهن وشيئا فشيئا تتوطد العلاقة ويقتلعون موعدا غير افتراضي بالمرة.
المُسبّح :
هو بصفة عامة كائن مقتنع بأن الله لم يهد سواه من العباد. لا يترك أي فرصة تمرّ دون محاولة إعطاء بعض النصائح ذات البعد الديني، ولما تعترضه مشاهد طبيعية غير معهودة أو جائحة مناخية يُسارع إلى تدوين “سبحان الله” واعتبار ذلك ابتلاء وعقابا من السّماء مستشهدا بآيات بيّنات من قبيل “قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد”.
تاجر الأثاث والأواني القديمة :
هو مستعمل مسكون بحنين لا يُقاوم للماضي، متخصّص في محاولة إعادة الحياة لأشياء وتفاصيل مهدّدة بالانقراض مثل محابر المدارس وفخاخ العصافير وريشة الحبر والمصابيح النفطية واسطوانات فودافون ذات الـــ45 دورة … متوّجا منشوره بالجملة القاتلة “هذه لا يعرفها إلا الجيل الذهبي”.
المردّد للكلام المستعمل (الفريب الأخلاقوي) :
هذا النوع من المستعملين يختار يوميا مقولات مستهلكة من قبيل “الفقر لا يصنع الثورة بل وعي الفقر هو الذي يصنعها” أو ” أعظم مجد لنا ليس في عدم السقوط أبدًا إنما في النهوض كل مرة نسقط فيها” أو ” اذا بَنيْت مدرسة أغلقت سجنا” أو “ملأى السنابل تنحني بتواضع والفارغات رؤوسهنّ شوامخ”، إلخ …
الوجه المُزعج في سلوك هؤلاء هو عدم التحلّي بالحدّ الأدنى من ذكاء التعامل مع بعض الطرائف أو التخريجات البلاغية الناجحة فيُردّدها جميعهم وكأنها من إنتاجهم أو كأنهم أوّل من نقلها فسريعا ما تعُجّ بها الشبكة لتصبح عنوان ابتذال وقلة ذوق. فعلى سبيل المثال “يبدو أن التونسيين كلهم من أصل إغريقي لأنهم غارقون في الديون والفقر …” تعترضك عشرات المرات في اليوم الواحد خلال الفترة السابقة.
هذا دون الحديث عن الطبّاخين والسِّلْفيّين (الذين يصورون وجوههم في كل حالاتها دون أن يطلب منهم أحد ذلك) و المُعزّين و الاحتجاجيين و الكذّابين و المتصورين أن غزو العالم رهن عضلاتهم نساء كانوا أم رجالا و اللاعبين و الدّعاة و مناوئي الحكومات مهما كان لونها و الحمقى و المغفلين.

مؤكّد أنّ ما قيل وما كُتب في عشق الحياة ومدحها لا محدود …شديد التنوّع…يفيض جمال بعضه وترتقي أجزاء نادرة وثمينة منه إلى مراتب الكونيّة…

ولكن ما أن يحاول كلّ منّا منفردا أو في مجموعة (عائلة، أصدقاء، أزواج…) أن يُترجم روح بعض هذه المدائح النابضة إلى أفعال …إلى معيش يومي ينزل من علياء الصورة والاستعارة إلى محدوديّة اليوميّ، ما أن يحاول أن يفتح صباحه أو ليله أو أية ساعة من يومه على “نداء الوجود” العاتي حتّى ينحسر بعض المدى أو – في أسوإ الحالات- كلّه …تضيق الرؤيا ويخبو في أغلب الأحيان الأمل …وتتراجع درجات التنوع وتضيق قائمة الاختيارات فتسقط محاولات كثيرة في بعض تكرار اليومي …وتخوننا أحيانا القدرة على المقاومة لتتمدّد الرتابة -هناك عميقا فينا- لتقتات من القلب و الروح …
أيعني ذلك أنّ لا مهرب حقيقي من هجعة العادة… فما أن نستسلم لعدوى هذه الحالة الجماعيّة حتّى نبرع في “إنشائيّة التّذمّر والشكوى”… فتنتشر سُحب من الإحباط لتضمّ الملايين في زمن يسير – لسبب أو لآخر- لاجئين إليها من “ظلم الحياة وقسوة الظروف”….وتعلو قائمة الأعذار المانعة للفرح السّالبة “لكرم المزاج”.
ثمّ هل نحن في حاجة إلى “نداء الحياة” أم هو أحوج منّا إلينا ليكون… ليُنجَز؟ لا أشكّ لحظة أنّ الحياة هي أحوج إلينا في هذه السنوات الأخيرة الصعبة والخطيرة المليئة بحدّ يفيض كثيرا عن حاجتها إلى التناقض والسرعة.
لا شك في حاجتها إلى التذكير بحبّنا لها وعشقنا لحرائقها الصغيرة والكبيرة، هي الأنثى المركّبة الجليلة المشتهاة أمّا وحبيبة…. احتراما ورغبة، حاجة إلى الأمن والمغامرة…هي الحياة لا يشبهها في ذلك غيرها.
كيف السبيل إلى التصدي – هذه الأيام – إلى سلاسل مكرّرة من التذمّر وإلى سيول جماعية جارفة من التشاؤم…ما الحلّ وأحلام التغيير الجماعي تنحسر بل تنعدم، ما الحل والأغلبية السّاحقة منقادة بفعل الكراهية والسياسة وتوحّش الاستهلاك ؟
لنا أمام كل هذه الكوارث أن نغضب ونحزن ونرفض ولكن دون إلغاء للجمال …دون إعلاء من شأن الكآبة والإحباط.
فلا يزال هناك – كل يوم- شروق وغروب، لا يزال على هذه الأرض بحر وجبل وصحراء … لا تزال أرضنا مليئة بالنخيل والزيتون والكرم والفلّين والصّنوبر وزهر الليمون.
مازال في الإمكان أن نغيب ساعات في الواحة أو الغابة أو في المدى الصامت، فتحفّز الطبيعة حواسّ كاد يعميها الاكتظاظ ويصمّها اللغط والضجيج.
ثم مازال في الإمكان أن نقرأ كتابا عميقا بالمجان (نعمة الأنترنيت) حتى وإن كان جيلنا يُفضّل رائحة الورق…و لا يزال في الإمكان أن ندوّن فكرة أو نلاحق بالكتابة صورة أو ملمحا أو حكاية تطول أو تقصر بقدر رغبتنا في الحلم.
لا يزال في الإمكان النظر إلى المدى …
وقد يكون من أهم المُمكنات الباقية لقاء الأصدقاء -على نُدرتهم – حول قهوة أو كأس أو لقمة تهضمها ضحكة صافية أو نكتة طريفة ذكيّة أو محادثة نابضة بهمّ صادق.
مازال في الإمكان أن نؤدّي عملا أكثر قليلا أو كثيرا مما تتطلبه القوانين المتكلسة والمناشير البالية فنسعد بالتماعة الرضا والسّعادة في عين مواطن متفاجئ بـ”ابن حلال ” قدّم له خدمة وعبّر له عن شيء مفقود أكثر من كل المواد الأساسية في هذا البلد: الاحترام، ما أجمل أن تجعل مواطنا “يصطدم” صباحا بشيء غير قليل من الاحترام لذاته، لذاته وحسب.
ليتنا نحاول كل يوم أن نكون أكثر كرما وعطاءً.

كانت وما زالت المكتبة العمومية من أهم المؤسسات الثقافية التي تلعب دورا هاما في تثقيف المجتمع فهي لم تعد مجرد مستودع للكتب تقوم بإعارتها لمن يطلبها.

اليوم فاق دور المكتبة العمومية الدور التقليدي وأصبحت توفر خدمات إضافية من أجل الترغيب في المطالعة وتسويق رصيدها المعرفي لكل من يحتاجه، خاصة في ظل التطور التكنولوجي الرهيب الذي فرض على المهنيين تحمل المسؤولية في تطوير أفراد المجتمع من خلال استنباط طرق جديدة لاستقطاب أكثر عدد ممكن من المستفيدين من خدماتها المتنوعة، خاصة أن المكتبة هي بالأساس خادمة لكل فئات المجتمع دون استثناء ،
في هذا السياق عملت إدارة المطالعة العمومية على إعداد إستراتيجية لضمان ديمومة المكتبة والحفاظ على روادها وجلب مشتركين جدد، وذلك من خلال إحداث العديد من التظاهرات الثقافية داخل المكتبات العمومية بدءا بالخطة الوطنية للترغيب في المطالعة وصولا إلى البطولة الوطنية للمطالعة التي انطلقت في دورتها الأولى سنة 2021 بالإضافة إلى الأنشطة التي تقوم بها المكتبات من حين لآخر.
ان تنظيم الأنشطة الثقافية في المكتبات العمومية ساهمت فيه عدة ظروف منها ما هو استراتيجي ويتعلق الأمر بالمنافسة الشرسة التي فرضها عالم التكنولوجيا والانترنت ومنها ما هو تشريعي ومادي من خلال صدور الأمر الحكومي عدد 635 لسنة 2017 المتعلق بالتنظيم الإداري والمالي للمكتبات الجهوية الذي مكن من توفير ميزانية خاصة للمكتبات مما يسّر تنظيم هذه التظاهرات الثقافية بالمكتبات وتبعا لذلك أصبح التنشيط الثقافي من بين الضروريات الأساسية في المكتبات العمومية لمنح الحياة وبعث حركية جديدة من أجل استقطاب أكبر عدد ممكن من المستفيدين والتوعية بأهمية الكتاب والارتقاء بقطاع المطالعة والتنمية الثقافية.
إلا أن نجاح أي نشاط مهما كانت طبيعته يستلزم مجموعة من المتطلبات والإمكانيات المهنية والمادية والبشرية، ويعتبر المكتبي العنصر الأساسي في تفعيل وإنجاح الحركة الثقافية بالمكتبة. ومن هنا سنحاول في هذا المقال طرح موضوع التنشيط الثقافي بالمكتبات العمومية ومدى نجاعته من خلال الإجابة عن بعض التساؤلات: ما هي المهارات الواجب توفرها في المهنيين لإنجاح هذه الأنشطة ؟ ما هي نوعية الأنشطة المنظمة من قبل المكتبات ؟ هل حققت هذه الأنشطة أهدافها ؟
ان المهارة هي القدرة والمعرفة بطريقة وكيفية أداء شيء ما بكل حرفية واقتدار وبمرور الوقت والممارسة تصبح هذه الخاصية جوهرية في العمل، وإذا تطرقنا للحديث عن المهارة الواجب توفرها في أخصائيي المعلومات لإدارة وإنجاح الأنشطة الثقافية بالمكتبة، سنتحدث بالضرورة على عدة صفات أساسية لتعزيز القدرة على النجاح وتحقيق الأهداف باعتبار أن التنشيط الثقافي في المكتبة له طبيعة متنوعة وموجهة لجمهور يضم كافة شرائح المجتمع بمختلف مستوياته الثقافية وعليه لابد للمكتبي أن يتحلى بالصفات التالية:
حب المهنة: على المكتبي أن يحب مهنته أولا وقبل كل شيء حتى يكون له الدافع الرئيسي للقيام بمهامه على أحسن وجه ويفرض وجوده وسط المحيط الذي يتعامل معه باعتباره الوسيط بين خدمات المكتبة بمختلف أشكالها والمستفيدين والتي يهدف من خلالها المساهمة في الارتقاء بالمجتمع .
الثقة بالنفس: تعطي القدرة للمكتبي وتحفيزه على المبادرة والإبداع في اقتراح وتنظيم أنشطة ثقافية هادفة وتمنحه الجرأة على التعامل مع مختلف الهيئات والمؤسسات الرسمية وكافة مكونات المجتمع لضمان دعمهم المادي والمعنوي في سبيل إنجاح كافة الأنشطة التي تقوم بها المكتبة.
التعلم والتكوين المستمر: يتلقى أخصائي المعلومات تكوينا أكاديميا بالجامعة وهذا التكوين يكون عادة نظريا، لهذا علينا كمهنيين ألا نكتفي بما تلقيناه من دروس نظرية بل لابد من مواصلة التكوين من خلال التعلم الذاتي عبر المطالعة والاطلاع على الدراسات التي تهتم بعلوم المكتبات أو حضور الملتقيات والدورات التكوينية وكذلك من خلال تبادل التجارب والخبرات في مجال علم المعلومات وأيضا التواصل مع المؤسسات ذات الصلة خاصة ونحن نعلم أن التنشيط الثقافي لم يكن مدرجا ضمن البرنامج الأكاديمي لهذا علينا أن نطور من معارفنا في هذا المجال والتدريب على تقنياته .
التواصل: هو فن وظاهرة اجتماعية ترتبط بطبيعة الإنسان وضرورة حتمية للتفاهم والتعامل مع الآخرين وهو دعامة أساسية للعمل المكتبي نظرا لما تتطلبه عملية الترغيب في المطالعة من قدرة على التواصل والإقناع، وعليه فإن المكتبي مدعو لإتقان هذه المهارة من خلال الإلمام بتقنياتها سواء كان اتصالا مباشرا أو غير مباشر ، وتعتمد عملية التواصل على الإقناع بأهمية الأنشطة التي تقدمها المكتبة وكيفية التخاطب مع الجمهور المستهدف كل حسب مستواه الثقافي.
العلاقات العامة: من المهم بالنسبة للمكتبي ربط العلاقات مع البيئة المحيطة به من أجل الاستعانة بها عند تنظيم الأنشطة خاصة مكونات المجتمع المدني من جمعيات ومؤسسات باعتبار ان الجمعيات ذات الصلة بالعمل الثقافي تساهم بشكل فعال في إنجاح أنشطة المكتبة من خلال الدعم المادي وجلب الجمهور وتشريكه في الأنشطة. وحتى يتمكن المكتبي من ربط هذه العلاقات عليه أن يتصف باللباقة وحسن التواصل. الثقافة الواسعة ، الجرأة وروح المبادرة لكسب ثقة كافة الأطراف وتمتين هذه العلاقات وتطويرها من أجل توحيد الجهود والتعاون وضمان تكامل النشاطات ونجاحها.
التسويق: في المجال الاقتصادي هو عبارة عن فن البيع وطريقة عرض المنتجات والخدمات بصورة تجذب انتباه المستهلكين وكسب زبائن جدد إلى الإنتاج المُرادُ بيعه ، أما في علم المكتبات فهو وظيفة إدارية تشمل مجموعة الأنشطة المتكاملة التي تسبق تقديم الخدمات والتعريف بالأنشطة المزمع تنظيمها بعد أن يتم تحديد احتياجات المستفيدين، لهذا فعملية التسويق مهمة جدا للمكتبي لإنجاح أي نشاط مهما كان نوعه فقد تكون الاستعدادات مضبوطة والبرامج جيدة والنشاطات متنوعة وممتازة لكن نقص التسويق لها والإعلام بها يسبب غياب المستفيدين مما يؤدي إلى فشل النشاط،
لهذا فالمكتبات اليوم في حاجة لتسويق خدماتها بمختلف أشكالها من أجل جلب أكثر ما يمكن من متلقين الشيء الذي يدعونا كمهنيين إلى معرفة تقنيات التسويق وكيفية الإعلام بأنشطة المكتبة بكفاءة وحرفية اعتمادا على التواصل المستمر مع كافة شرائح المجتمع من خلال الإشهار والدعاية وتوزيع المطويات ووضع اللافتات في كل الأماكن التي تشهد حضورا جماهيريا وأيضا توظيف وسائل التكنولوجيا للتعريف بالأنشطة التي ستقوم بها المكتبة .
إذا توفرت هذه الصفات بالإضافة إلى الإمكانيات المادية يمكن لأخصائي المعلومات أن ينطلق في إعداد البرنامج التنشيطي للمكتبة وفق مخطط هادف يراعي فيه رغبات المستفيدين من خلال إعداد ورقة عمل يحدد فيها مشاريع الأنشطة والمهام والأهداف . فما هي نوعية الأنشطة التي يمكن تنفيذها بالمكتبات العمومية؟
يمكن القول إن التنشيط الثقافي هو عبارة عن مجموعة من العمليات أو التقنيات والمهارات التي يتم من خلالها إقامة وتنظيم نشاطات وأعمال وفعاليات ذات أبعاد ثقافية هادفة موجهة نحو فئة مستهدفة ومحددة بدقة، لذا فعلى المهنيين أن يستوعبوا طبيعة هذا المجال لما له من خصائص يجب على المكتبي مراعاتها عند تنظيم أي نشاط في المكتبة، إذ لابد من الاختيار الجيد والدقيق لنوعية الأنشطة المقترحة على الجمهور من أجل تحقيق الأهداف الثقافية والتربوية التي تم ضبطها مسبقا باعتبار أن أنشطة المكتبة عديدة ومتنوعة يمكن تقسيمها حسب الهدف، حسب الجمهور المستهدف، حسب الفئات العمرية، حسب الفئات الخاصة (تلاميذ، باحثين، ذوي الاحتياجات الخصوصية …) وأيضا حسب الوسائل المستعملة في النشاط.
وتتمثل الأنشطة التي يمكن تنفيذها (بفضاء المكتبة أو خارجه) في عرض دوري لرصيد المكتبة وكل الاقتناءات الجديدة ودعوة المستفيدين للاطلاع عليها من حين لآخر، المسابقات الفكرية ، لقاءات ثقافية وحوارات فكرية، ملتقيات ثقافية وتربوية، ورشات ، تركيز نواد وتشريك المتلقين من أجل اكتشاف مواهبهم والاستفادة من إبداعاتهم.
هذه الأنشطة وغيرها، حتى تنجح وتصبح ذات جدوى وتساهم في تحصيل عدد هام من المشتركين ، على المكتبي أن يتفق مع كل القائمين بالأنشطة بضرورة التركيز على الكتاب وإشعاع صورته لدى الجمهور الحاضر وتشريكه في النشاط حتى يصبح جمهورا منتجا لا مستهلكا فقط وهذا من شأنه أن ينمي لديه الرغبة في متابعة كافة الأنشطة والمساهمة فيها .
ان الحياة بصفة عامة مبنية على المتناقضات والإنسان عنصر من عناصر هذه الحياة، ومهما كان القطاع الذي يشتغل فيه من المستحسن أن يقيّم أعماله حتى يستطيع أن يطور ذاته ويتقدم في مسيرته المهنية. وفي هذا الإطار نحن كمهنيين لابد أن نقيّم أنشطتنا باعتبارنا في مواجهة مستمرة مع كافة شرائح المجتمع ومن الواجب علينا أن نكون في مستوى تطلعاتهم.
ان التقييم بصفة عامة هو لحظة تأمل ومحاسبة للذات وتحديد جملة من الأخطاء التي يمكن أن تبرز خلال أنشطتنا اليومية، لهذا يمكن للمكتبي تقييم الأنشطة الثقافية المُقامة والمُنظمة من عدة جوانب مثل: التغطية العلمية للموضوع المُتطرق له، الظروف التي مر بها النشاط، نوعية الجمهور المستهدف ومدى رضاه عن محتوى النشاط، وكذلك من خلال الإحصائيات والمقارنة بين السنوات من أجل معرفة نسبة الزيادة أو النقص في معدلات الاشتراك…
من خلال هذه الجوانب وغيرها يمكن للمكتبي معرفة نقاط القوة التي ظهرت خلال النشاط والاستئناس بها ودعمها في الأنشطة القادمة كما يمكن معرفة المطبات والسلبيات التي من الواجب تفاديها مستقبلا. وباعتبار أن هدفنا من تنظيم الأنشطة الثقافية بالمكتبات العمومية هو الترغيب في المطالعة وإشعاع صورة المكتبة والكتاب واستقطاب أكبر عدد من المشتركين ، وحتى يكون كلامنا ينبع من الواقع، فقد اخترنا تظاهرة مصيف الكتاب الذي تدور فعالياته خلال شهري جويلية وأوت نظرا لتزامنها مع توفر كم هائل من وقت فراغ لأغلب شرائح المجتمع ،
وحتى تكون معطياتنا دقيقة فقد اتصلنا بالعديد من المكتبات الجهوية للحصول على عدد المشتركين الجدد لكل مكتبة عمومية خلال العطلة المذكورة ومن خلال الإحصائيات التي وردت علينا لاحظنا في أغلب الجهات عددا قليلا من المشتركين الجدد في تلك الفترة ولا تتماشى مع الأنشطة التي أُنجزت .
وفي الختام أقول إذا كان عالم التكنولوجيا والانترنت قد استأصل منا رواد المكتبة وخلق هوة بين القارئ والكتاب فلا يمكن أن نعمق هذه الهوة بين المستفيدين والمطالعة من خلال تنظيم أنشطة لا علاقة لها بالكتاب ، لهذا أدعو كافة المهنيين لدراسة الأنشطة قبل انجازها والنظر في مدى توافق محتواها مع أهداف المكتبة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاهية مدير المطالعة العمومية بالمندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسليانة
منبـ ... نار
خواطر سريعة … على هامش الاحتفال باليوم العالمي للغة العربيّة
نشرت
قبل شهرينفي
18 ديسمبر 2022
هل ما زال يفيد العربيّة اليوم استرجاع مجدها في الشعر والخطابة وهل تضيف إليها غنائيّة المتعصّبين لنقائها الفصيح ولدورها في تدوين المقدّس وتفسيره وتفسير التفاسير المتتابعة؟

- هل ما زال يفيدها التأكيد على ما حمله فكرها وفلسفتها وطبّها وجبرها من إضافة كونيّة إلى الغرب في العصر الوسيط؟ هل من فائدة من كلّ ذلك ونحن لا نكاد نشارك في إنتاج المعرفة والعلم الحديثين؟
- أم – وعلى نقيض ذلك – هل يجدر بنا أن نلتفت إلى فريق آخر لا يتقن غير النحيب على حالها وعلى تخلفها وعجزها الراهن عن مواكبة العلوم والتكنولوجيا وعلى مواكبة الثورة التي أحدثتها الرقمنة وهزّت بها العالم فنسلّم كما يسلّمون بكونها لغة “ميتة” يستحيل إحياء قدرتها على استيعاب منجزات الحداثة؟
- هل نواصل دعم قوالب الصراع والتنافر بينها وبين اللهجات العاميّة أم نبحث بمساع إبداعيّة متنوّعة عن حيويّة التفاعل بينهما كما بادر بذلك مبدعون عرب راسخون في الخلق وهم كثر؟
ليس في ثبات المواقف الثلاثة السّابقة دليل واحد عميق على حب العربيّة….
- لم تعد العربيّة – ولم تكن يوما – في حاجة إلى المزايدين من أهل الصراع السّياسوي ومن مختلقي الصِّراع الهوويّ… بل هم أكبر عبء عليها … هم يستعملونها حطبا و”كنتولا” فيلوكونها في خطابات رديئة تافهة عاجزين في أغلبهم حتّى على مجرّد النطق السّليم لحرفها….هم أعداء حقيقيّون لبهجتها الدّفينة ولدقائق معانيها وأجراس موسيقاها الأبديّة…
العربيّة تنادي كلّ صباح وتحنو كلّ مساء على من يلتهم أدبها وفكرها ..من يقاتل لنشر الكتاب الناطق بها ….من يبدع بها وفيها على هواه فتبادله وجدا بعشق وتفتح له مسارب وثنايا …تعمّق أحلامه وتعطي لكوابيسه معنى فتقلبها كشوفا…
- آخر ما تحتاجه العربيّة اصطناع الاستماتة في الدّفاع عن عبقريّتها الرّاقدة في كتب الماضي وحِكَم الغابرين …هي في حاجة جامحة إلى من يدفع بها إلى خطر التجربة والمراس والمخاتلة… إلى مزالق التفاعل مع المتغيّر والهارب …إلى مزيد من المغامرة الشيّقة الوعرة …
من يخاف عليها من التشويه …من يريد المحافظة عليها مصونا نقيّة فخير له وخاصّة لها أن يدعها “تنام على أنوثتها كاملة”….فيريحها ويريح محبّيها أكثر…
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ أدب عربي، مستشار عام في الإعلام و التوجيه المدرسي و الجامعي

46 سنة بعد عملية مماثلة قبيل أحداث جانفي 78 … طرد مسؤولة نقابية دولية من تونس

تخميرة شعب …

جربة…تظاهرات متنوعة لتنشيط السياحة الشتوية
46 سنة بعد عملية مماثلة قبيل أحداث جانفي 78 … طرد مسؤولة نقابية دولية من تونس

بشير العكرمي يحال إلى الرازي
استطلاع

صن نار
- اجتماعياقبل 32 دقيقة
46 سنة بعد عملية مماثلة قبيل أحداث جانفي 78 … طرد مسؤولة نقابية دولية من تونس
- جور نارقبل ساعة واحدة
تخميرة شعب …
- ثقافياقبل 9 ساعات
جربة…تظاهرات متنوعة لتنشيط السياحة الشتوية
- قبل 11 ساعة
46 سنة بعد عملية مماثلة قبيل أحداث جانفي 78 … طرد مسؤولة نقابية دولية من تونس
- اجتماعياقبل 14 ساعة
بشير العكرمي يحال إلى الرازي
- ثقافياقبل 16 ساعة
عبد النور حسن يتألّق في مصر
- رياضياقبل يوم واحد
جلمة … النسر يحلق عاليا، و يتوج ببطولة الخريف
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
بين منتجي الحضارة ومستهلكيها
نجاح الحمداني
23 نوفمبر 2020 في 16:39
مقال طريف والمقصود بالطّرافة هو التّميّز فهو ليس موضوعا ممجوجا طرعا ليس غريبا عليك سي المنصف وأنت المبدع حتّى في إلقاء السّلام. لا يمكنني أن أقرأ وحدي سأمنح أصدقائي فرصة المتعة
علي ابوسمره رام الله فلسطين
23 نوفمبر 2020 في 17:15
جميل ومعبر عن ذواتنا اليومية