جور نار
لكلّ بلد زلازله …
نشرت
قبل أسبوع واحدفي
من قبل
عبير عميش Abir Amich
مشاهد مروعة تطالعنا من تركيا و سوريا… أحياء بأكملها مسحت من على وجه الأرض … منازل انهارت على سكانها و عمارات خُسفت بآهليها .. و آلاف القتلى و المصابين و ملايين المشرّدين

و لكنّ الزلزال مثلما كشف عورات الأرض و أخرج ما فيها، كشف عورات النفوس و نفاق البلدان و فضح دعوات المتشدقين بالديمقراطية و حقوق الإنسان و سياسة الكيل بمكيالين … ثلج و برد وزلزال و موتى و مصابون و بلدان منكوبان ، بلد يهرع نحوه العالم كل العالم، و بلد يُترك شعبه لمصير قاتم …
سوريا التي زلزلها مهندسو النظام العالمي الجديد فأغرقوها بجحافل الدواعش و جماعة النصرة و أشباههم من المتطرفين… مازالت تلملم جراحها و تحاول أن تشفى من الخونة و المتآمرين .. غير أن الزلزال لم يرحمها و أثخن جراحها النازفة من زمان ..
سوريا التاريخ و الثقافة و الفن و الجمال ، التي تحالف ضدها العالم طيلة سنوات و لم يرسل لها غير الإرهابيين و جعلها تغرق في بحور من الدم ، هاهو اليوم ينساها و يتحالف ضدها من جديد .
فهل ننتظر المساعدة ممّن يتلذذون بآلام المشردين و المعذبين… ممن يستغلون حاجتهم و بردهم وجوعهم و قلة حيلتهم للضغط على النظام و مزيد تشويهه ؟ جسور جوّية امتدّت نحو تركيا و قوافل مساعدات و أطبّاء و مختصين و فرق إنقاذ من كلّ الدّول في حين لم يلتفت إلى سوريا إلا القلّة القليلة من البلدان بحجّة أنّ المناطق المتضررة خارجة عن سيطرة النّظام و أنّ المساعدات لن تصل إلى المحتاجين حقا …
فكيف يدّعي الديمقراطيّة والدفاع عن حقوق الإنسان من ينساهما في أوّل امتحان و من يعامل شعبا بخطيئة قائديه ؟ فحتّى الزلزال لم يزلزل ضمائرهم …
سوريا ليست بشار الأسد و الشعب السوري ليس الحزب الحاكم و النظام ليس البلد …
خبر الزلزال هزّ العالم بأسره و النّاس إلى اليوم يكتمون أنفاسهم و هم يتابعون فيديوهات الإنقاذ و خبر العثور على أحياء رغم مرور خمسة أيام على الكارثة … أما في تونس فالنّقاش يحتدم كالعادة و الكلّ يدّعي امتلاك حقيقة أسباب وقوع الزلازل بين التّفسيرات العلمية والتفسيرات الماورائيّة … فمن حديث عن غضب إلهي بسبب فجورنا و عراء نسائنا و تشبّهنا بالغرب و احتفالاتنا و ابتعادنا عن ديننا و عصياننا لتعاليم نبيّنا …إلى حديث عن حركة الصفائح التكتونيّة و الضغط على طبقات الصّخور الواقعة بين الصّفائح و خطوط الصّدع العالميّة و تحرّك القشرة الأرضيّة.
و كالعادة يتبادل المعسكران السبّ و الشّتم في انتظار معركة جديدة لن يطول انتظارها كثيرا فليس أكثر في هذا البلد من الجدل …
و إذا كان لسوريا و تركيا زلزالها الطبيعي و هزّاته الارتداديّة فلتونس زلازل من نوع آخر … أو هكذا يدّعي بعضهم …
“الزلزال قادم …” هكذا عنون أحد المدونين الفايسبوكيين تدوينة تحدث فيها عن إيقافات بالجملة ستشمل في الأيام القادمة مجموعة من الشخصيّات السّياسيّة ’ هذا بعد إيقاف كل من خيام التركي صبيحة الأمس وكمال لطيف بعده بساعات .. دون أن يخرج أي مصدر رسمي (على الأقل إلى حد كتابة هذه العبارات) ليبيّن أسباب الإيقاف و ما علاقة الطرفين ببعضهما البعض و بغيرهما من الموقوفين أمثال القيادي السّابق في حركة النّهضة عبد الحميد الجلاصي و مجموعة من الأمنيين …
و رغم أن لا أحد يعرف يقينا أسباب الإيقاف بمن في ذلك محاميا الموقوفين فإن كمّ شماتة رهيبا انطلق في صفحات التواصل الاجتماعي و أتحدى أغلب الشامتين إن كانوا يعرفون التركي أو اللطيف (هذا الاسم / الشبح الذي يتردد منذ 2011 إلى اليوم) أو تعاملوا معهما أو تضرروا مباشرة منهما … بل أتحداهم أن يعرفوا حتى من يكونان على وجه الدقة أو ماذا يفعلان أو ما هي التّهم الموجّهة إليهما …
لكننا هكذا، شعب ديدنه التّشفّي و الحقد و الكراهية، يتلذذ بمآسي الآخرين و يسنّ سكاكينه لتقطيع لحومهم.
إنّ محاسبة الفاسدين و الإرهابيين و المجرمين في حق الدّولة و الشعب هو مطلب أساسي من أجل تحقيق العدالة لكن على أن يتمّ ذلك في كنف القانون و وفق شروط المحاكمات العادلة (محامي التركي لا يعرف مكان موكّله و محامي اللطيّف مُنع من حضور التحقيق) … فهل هي محاسبة أم تصفية حسابات ؟؟ فكل من تقدم بمبادرة سياسيّة في الفترة الأخيرة يبدو ملاحقا من الرئيس ابتداء بالاتحاد وانتهاء بإيقافات الأمس التي لا نعلم إن كانت ناتجة عن قضايا حقيقية لم يحن وقت استكمال البحث فيها إلاّ الآن، أم أنها تدخل في إطار ما عبر عنه “شومسكي” بإستراتيجية الإلهاء لتحويل انتباه الشعب على فشل الحكومة في عديد الملفات و أهمّها الملفّ الاقتصادي، أو للتغطية على الأزمة بين تونس و الجزائر و ما صاحبها من إذلال للتونسيين و انتهاك لحقوقهم…
أم هي أيضا للتغطية على الصورة التي جمعت أنصار نظام 25 جويلية بممثلي 24 جويلية و هم بصدد قطع الكعكة في مقر السفارة الإيرانية و ما فيها من إحراج للسلطة القائمة … أم أنّها تطبيق حرفيّ لإملاءات السيد الرئيس في لقائه مساء الجمعة بوزيرة العدل حيث شدّد حسب ما ورد في بيان صفحة الرئاسة على “ضرورة محاسبة كل من أجرم على قدم المساواة فمن غير المعقول أن يبقى خارج دائرة المحاسبة من له ملف ينطق بإدانته قبل نطق المحاكم، فالأدلة ثابتة وليست مجرّد قرائن” …
و كأنّي به فتح الباب على مصراعيه للمحاكمات الشّعبية أو كأنّها كلمة السّر للانطلاق في الإيقافات على الشّبهة، خاصّة أنّ وضع الاستثناء مازال قائما إضافة إلى التمديد في حالة الطوارئ .
تصفح أيضا

سُعدت جدّا بالدعوة التي وجّهتها اليّ دار الثقافة ابن رشيق بتونس العاصمة احتفاء باليوم العالمي للاذاعة يوم 13 فيفري 2023 …

سعادتي كانت مزخرفة بالوان عديدة .. اوّلها انّ المشرفة على التظاهرة السيّدة عربيّة بدات رحلتها معي وهي تلميذة بالخامسة ثانوي بمعهد الحمامات كمستمعة ومراسلة لبرامجي في بداية الثمانينات باذاعة صفاقس ..وها هي اليوم نبتة صالحة تعمل بوعي وجدية في الميدان الثقافي ..هنيئا لي بك عربية وشكرا لك ولدار الثقافة ابن رشيق على هذه الدعوة … اللون الثاني تمثّل في اللقاء مع مجموعة من الزملاء الاعلاميين _اذاعة وصحافة مكتوبة مارسنا معا العمل منذ اكثر من 40 عاما سواء بالاذاعة الوطنية وفروعها في الاذاعات الجهوية او في جريدة الايام ذات سنوات في بداية الثمانينات والتي بقيت اصداؤها لحدّ الان كتجربة فريدة من نوعها في تاريخ الصحافة المكتوبة ..كنا انذاك عصابة من الاعلاميين المشاغبين جدا جمعنا رئيس التحرير الزميل نجيب الخويلدي .. وكتبنا وحبّرنا عديد الصفحات بمنطق ذلك الذي لا يجامل ولا يعادي …
اللون الثالث كان في لقاء مع مجموعة من الاسماء تواصل عملها سواء اذاعيا او تلفزيا ..وكان السؤال المحوري في مداخلتنا (الاذاعة بين الامس اليوم) وتداول على المصدح وبتنشيط من زميلي حبيب جغام العديد ..الا انّي وبعد كل ما استمعت واسمعت يومها اخترت في هذه الخواطر ان اطرح السؤال الاهمّ في تقديري وهو (الاذاعات الى اين ؟) هو سؤال مأتاه ما تعيش الصحافة المكتوبة من صعوبات جمّة لمواصلة التواجد مما ادّي البعض منها الى الانقراض …وبالتالي وامام المتغيرات التي شهدتها وسائل الاتصال كيف يمكن للاذاعات مقاومة هذا الواقع الجديد وهل هي قادرة على ضمان ديمومتها في الوجود ؟؟
الاذاعي بطبيعة انتمائه لهذا العالم السحري يرفض حتى مجرّد طرح السؤال ويعتبر انقراض الاذاعات سؤالا عبثيا .. ..وبشيء من هدوء الاعصاب ها انا اصرّ على طرحه وبشكل مباشر ..امام الواقع الاتصالي الجديد هل اصبح غد الاذاعة مهددا ؟؟ الواقع الاتصالي الذي نعيشه اثبت انّه بامكان ايّ كان ان تصبح له اذاعته الخاصة ..واكبر دليل على ذلك عديد المحطات الاذاعية وخاصة تلك الموجودة على الويب وهي اذاعات لا علاقة لها بالمفهوم العلمي مهنيّا لماهيّة الاذاعة . هي في جلّها نزوات فردية يمكن حوصلتها في (هيّا نعملو اذاعة ؟؟ ايه نعملو وعلاش ما نعملوش ..يخخي هي علم اليدُن ؟؟؟) …
نعم الاذاعة علم وموهبة تصوّرا واعدادا وتنفيذا ومتابعة ….ثمّ ودائما مع الاذاعات الخاصة هل ستبقى قادرة على ديمومتها وهي تعتمد اساسا على مداخيل الاشهار لتضمن خلاص اهل الدار ؟؟ وحتى اذاعات المرفق العمومي والتي تشتغل بفيالق بشرية مهولة جلّها لا شغل لها …هل هي قادرة على ديمومتها في ظلّ منافسة الاذاعات الخاصة لها رغم اسبقيتها التاريخية في احتلال المشهد السمعي ؟؟ وامام هذه التساؤلات هل سيواصل معهد الصحافة وعلوم الاخبار مسيرته كمّا وكيفا بعد ان اصبحت الاذاعات بكلّ انواعها تعتمد في جزء كبير من المنتجين والمنشطين بها على اناس لا صلة لهم لا بالصحافة ولا بالعمل الاذاعي ؟؟؟
بتساؤل يلخّص كلّ هذه التساؤلات: هل الاذاعات اصبحت مهددة تهديدا جدّيا في وجودها ؟؟ اجيب ودائما في تقديري الخاص ..نعم …. العديد من الاذاعات وخاصّة الخاصّة منها اصبحت في حاجة اكيدة للبحث عن حلول جذرية لواقعها المادّي اي لموارد جذيدة ..دون ذلك ستبقى مهدّدة في وجودها ..لانّ كعكة الاشهار المقسّمة على الجميع لا تفي بحاجة ذلك العدد المهول من الرخص المسندة من قبل الهايكا للخواص والتي اصبحت مشكلتها الشائكة توفير الحدّ الادنى من رواتب لافواه ارانبها لضمان حدّ ادنى من مقوّمات العيش الكريم …
فيما تبقى اذاعات المرفق العمومي بحاجة ملحّة لترشيد العامل البشري وتقليصه على مراحل للنصف على الاقلّ…
16 فيفري 2023
جور نار
للحبّ عيدٌ واحدٌ… وللعدوانيّة والشّتيمة أعياد وأمجاد !
نشرت
قبل 6 أيامفي
13 فبراير 2023من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiri
كأنني بالحبّ في ربوعنا رهن الأسر والاحتجاز منذ بداية وجودنا ككيان ثقافي وحضاري مستقل له طقوسه وتقاليده ونظرته للعالم والإنسان والأشياء. مجالات التعبير عنه محدّدة بجملة من التقييدات والتّضييقات بالشكل الذي يجعله يسقط مباشرة في المحظور، إن هو تجاوز مربّع الإفصاح عنه بشكل صريح ومباشر تجاه الوالدين والبنين والوطن… أحيانا.

تسكننا خشية تلقائية نتناقلها جينيّا جيلا بعد جيل عندما نهمّ بالتعبير عن مشاعر الحبّ والمودة تجاه شخص ما، فنسارع إلى استدعاء كلمات تشير إلى الحبّ ولا تقوله أو توحي به وترمز إليه وتغمز نحوه ولا تصرّح به وكأننا اتفقنا جميعا على الاحتفاظ ببيت واحد من مدوّنة الشعر العربية العاتية للشاعر نزار قباني عندما تحدّث عن الحب منشدا “كلماتنا فى الحب تقتل حبّنا، إن الحروف تموت حين تُقالُ“.
أعتقد أن تعابير من قبيل المحبّة والمعزّة والمودّة والتعاطف والتراحم والتعاشر في لغتنا اليومية كأننا ابتدعناها خصيصا لعدم الوقوع في فخّ “الحب” الذي لا يُحيل في مخيالنا الحر الأصيل إلا على المهالك والمفاسد.
“إن الاحتفال بعيد الحب هو من البدع المحرّمة، إذ لا أصل له في الشريعة الإسلامية، ويترتب عليه العديد من المفاسد والمحظورات كالتبرّج، والاختلاط المحرّم بين الرجل والمرأة، والعلاقات غير الشرعية، ولا يجوز بيع وشراء الهدايا والورود إذا كانت مخصصة للاحتفال بهذا اليوم…” هذا ما أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمجلس الإسلامي للإفتاء – بيت المقدس… وعليه فلا يجوز إظهار الفرح والاحتفال والتهنئة فيها أو الإعانة عليها بأي شيء سواء بالهدايا أم البيع والشراء أم تقديم الطعام وغيره، لأن ذلك من قبيل التعاون على الإثم.
إن مثل هذه الفتاوى حيال التعبير عن الحب في قاموس شيوخنا إثمٌ، والحب نفسه خطيئة والاختلاط محرّم والورود المشبوهة مَفسدة… في نبرة تقريرية باتّة لا تترك أية مساحة للتّنسيب أو التلطيف أو طلب التفهّم لهذه السلوكات في سياق معولم ألغى الحدود والاستثناءات الثقافية.
ما الذي يُزعج حماة الأخلاق في بلادنا عندما يقدّم شابّ لصديقته التي ستتحوّل (في أحيان كثيرة) إلى زوجته وأما لأبنائه، باقة من الزهور المُنعشة للقلب وللروح وخلايا الدماغ؟ وأي وجه للإساءة أو انحدار الأخلاق حين يجتهد ويكدّ الزوج المحبّ لزوجته والمقدّر لعمق أواصر “العِشرة الطيبة” بينهما من أجل تقديم ما تيسّر من عرابين المودّة ونبل المشاعر التي تجمعهما؟ وأيّ المشهدين ألطف وأجمل وأعذب في سياق التعبير عن سُمك المشاعر وعمقها: مشهد الرسائل الغرامية (نكاد نعتذر عن استعمال مثل هذه التوصيفات المسكونة بكل الدلالات الحافّة المُعيبة) التي يبذل في صياغتها كاتبها كل ما أوتي من قدرة على الترقّي والتأثير واستدرار الإعجاب من متلقّيها، أم مشهد الذبائح الفاخرة لأجود أنواع المواشي وأكوام السلاسل والخواتم والمجوهرات الذهبية التي لا يقدر عليها سوى المترفون؟ وأيّة توازنات يمكن أن تختلّ بفعل مظاهر الابتهاج في يوم يتيم في السنة تتطاير فيه القلوب الحمراء يتبادلها المحبّون ويزهو به العاشقون، مقابل باقي أيام السنة المنذورة للنّكد والتشاؤم والاكتئاب الوطني؟
هناك تقليد وطني محلي صرف يُحمل ظاهريا على الحب والمودة، ويتمثل في حصول الزوجة التونسية على ما يُعرف بـ “حقّ الملح”، وهي هدية ذهبية أو فضيّة يقدّمها الزوج لزوجته تكريما لها لقاء التعب الذي بذلته طيلة شهر رمضان في إعداد وجبات الإفطار والسّحور. هذا التقليد على نُبله الظاهري لا صلة حقيقية له بالحبّ ولا بالمشاعر ولا بطيب المعشر وإنما هو مجرد تعويض مادّي وكأنها تعويضات عن أضرار وخسائر جسيمة حصلت أثناء الحرب، لأن الزوجة-الأم ليست مُطالبة لوحدها بتحمّل مشاق الطهي والإعداد والترتيب وغسل الصحون وتحضير القهوة والمحليّات ومستلزمات السّحور… فلو يتم احتساب عدد الساعات التي تقضيها المرأة في مطبخها خلال شهر رمضان لكانت كافية لإعاشة ثكنة عسكرية بأكملها في الأيام العادية. والوضع الطبيعي هو أن يتمّ تقاسم الأعباء وتوزيع الأدوار حتى يخِفّ الحِمل … لا أن يكرس الاستعباد العائلي الزوجي ثم نبحث له عن مسوّغات وإفتاءات.
نحن ضليعون في قاموس الكراهية والاستعداء
كثيرا ما نخلط نحن العرب بين علاقتنا بالشعوب الأخرى وموقفنا إزاء دولها التي استباحت ومازالت تستبيح أراضينا وخيراتنا، وكثيرا ما نزُجّ بالعنصر الثقافي والديني في حكمنا على الآخر وبلورة موقفنا منه خاصة إذا انطلقنا من بداهات زائفة تحاول ترسيخ فكرة أننا أفضل شعوب الأرض، فنصِفُ كل أولئك الذي لا يتقاسمون معنا نفس الطقوس بالكفّار والفُجّار الذين لا يحلّ لنا “أن يقع في قلوبنا محبة ومودّة نحوهم”. وحتى في علاقاتنا بعضنا ببعض، فإن خطاب الحقد والضغينة أعلى صوتا من خطاب المحبة والمودّة وباتت الشماتة رياضة ممتعة يتعاطاها الناس وكأنهم لم يفطموا على سواها، وأقلامنا وألسنتنا مدرّبة تدريبا جيدا على الإساءة وهتك الأعراض لا على احترام الناس والاحتراس من الاقتراب من مربّعات حميميّتهم وحياتهم الخاصة. ويبلغ سيْل الحقد أحيانا حدّ الشماتة في شعوب أخرى تضربها الأعاصير والزلازل وسائر الكوارث الطبيعية ومحاولة تفسير ذلك بكونه عقاب من الله لمرتكبي المعاصي والآثام.
وحتى عندما نغادر “فيراج” الفايسبوك على سبيل المثال نحو مساحات أخرى يصنف أصحابها أنفسهم على أنهم صفوة القوم ويُفترض فيها أن تكون مُحكِّمة للعقل الهادئ ومترفّعة عن السّباب والشتيمة، تكتشف أن الخطاب المستعمل لا يخرج عن نطاق التلبيس الأخلاقي والإحالة على أكثر الدلالات عفنا واتساخا.
وعليه، فإن الاحتفال بمناسبة مستجدّة أفرزها التطور الطبيعي للمجتمعات يسمونها عيدا للحب (مثل دخلة الباكالوريا التي لم نكن نعرف مثيلا لها في الماضي وحفلات أول السنة الجامعية وسهرات توديع العزوبية قبل الزفاف …) أفضل من الانتشاء بخبر “فضيحة” علقت بفنانة أو صحفية أو أية شخصية إعلامية أو سياسية معروفة. والاحتفال بعيد الحب لا يُنبئ بأية أضرار قد تلحق المحتفلين والمستعدين لإحيائه.
إن أجمل الأغاني وأعذب النصوص وأكبر الروايات وأمتع القصص وأحلى الأفلام تغنّت بالحب ورفعت رايته ووضعته في مكانة “الماء الذي يروي عطش العالم” كما يقول الشاعر رامبو، وفي المقابل لا نجد أثرا إبداعيا واحدا يحتفي بالعنف والكراهية ونبذ الآخر (باستثناء بعض الأركان الخفيّة في المنظومات العقائدية المختلفة عندما يرتؤون استدعاءها من أجل تبرير عنف أو تشريع قتل أو إيجاد ذرائع للتنكيل بالخصوم) .
أقول أيضا إن الحب طاقة حيوية ثمينة تُبقينا دائما على قيد الأمل في أناس نركن إلى أحضانهم زمن الشدائد، وأناس من حولنا لا نخشاهم وأصدقاء- إخوة يُوسّعون دائرة عائلاتنا الصغيرة وأناس، يلجؤون إلينا فنُبهجهم ونخفف آلامهم ونُيسّر مبتغياتهم ما استطعنا. فلا شيء يُضاهي في تقديري فرحا – مهما كان بسيطا-ـ نهبُه للآخرين وطمأنة ننثرها من حولنا وذراعا حاضنة نفتحها أمام التائهين.
جور نار
تونس تئنّ تحت أنقاض زلزال 14 جانفي… وتصرخ تحت ركام الهزّة الارتدادية لـ 25 جويلية !
نشرت
قبل أسبوع واحدفي
11 فبراير 2023من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrash
عاشت تونس ومنذ أكثر من اثنتي عشرة سنة زلزالا أتى على الأخضر واليابس في وطن كان آمنا…فبعد الهزّة التي أبعدت بن علي عن وطنه ليموت ويدفن في أرض الأنبياء والصحابة…عاشت البلاد آلاف الهزّات الارتدادية …

هزّات لم تبق شيئا في مكانه…هزّات دفنت أفراحنا…ووحدتنا…واستقرارنا…وطموح فلذات أكبادنا…ومستقبل شبابنا…هزّات انهار بسببها كل البناء الذي عشنا نصف قرن نرفع دعائمه…هزّات دفنت تحت ركامها وأنقاضها أفراحنا…وانتصاراتنا…وآمالنا…
أنقاض منعتنا من أن نودّع أمجادنا التي دُفنت تحتها ولم ننجح في إعادتها وفي انقاذها…هزّات انهارت بسببها أخلاقنا…وزادت بسببها أحقادنا…أنقاض دفنت تحتها كل مخططاتنا ومشاريعنا…أنقاض دفنت قيمنا…وهزّات لم ننجح اثرها في انتشال أجمل أيامنا …وأجمل صنائعنا…هزّات لم ننجح اثرها في انتشال مستقبل فلذات أكبادنا…وأحلامهم التي دفنت تحت الركام…أحلام لم ينجح كل حكامنا في انتشالها من تحت أنقاض زلزال جاء بهم إلى الحكم…حكام يعيشون وسط ركام من الجهل…حكام لا يشبهون في شيء بني البشر يجمعون في عقولهم كل تناقضات الكون… حُكامٌ لا ينظرون إلى شعوبهم إلا من خلال أنفسهم …حكام كان ولا يزال أكبر همهم وبرامجهم تدجين شعوبهم وإخضاعها لإرادتهم … حكام لا يهمهم أن تعيش شعوبهم كل أشكال الخصاصة والفقر والتهميش والمعاناة والجوع والبطالة والمأساة… والجهل والتخلف والبؤس واليأس …حكامٍ يتصرفون مع شعوبهم كما يتصرّف الغُزاة …هكذا نحن اليوم …لم ننجح في انتشال بقايا أمجادنا ونخوتنا…ولم ننجح في إخراج جثة ديمقراطيتنا التي لم تتعلم المشي بعد وهي تئن تحت ركام آخر هزّة ارتدادية أسقطت ما بقي من البناء …ودفنت تحت الانقاض بعض الأمل في التعايش معا…في وطن واحد…
لن تنجح كل أجهزة الدولة في إزالة اثار زلزالنا في تونس…ولن تنجح جرافات الحماية المدنية في انتشال ضحاياه من تحت الركام والأنقاض…ولن تنجح كل المساعدات في الحدّ من حجم الكارثة التي تسبّب فيها…زلزالنا لن تنفع معه كل الإمكانيات المادية واللوجستية التي قد ترسل بها إلينا بعض الدول الشقيقة والصديقة…زلزالنا ليس في حاجة إلى أجهزة انقاذ واسعاف وإدارة للأزمة…زلزالنا ليس في حاجة إلى جرافات عملاقة وأجهزة تنصّت للأحياء تحت الأنقاض… زلزالنا في حاجة فقط إلى نزع الأحقاد بيننا…الأحقاد التي تنخر صدورنا…الأحقاد التي شتتت شملنا…زلزالنا في حاجة إلى حاكم جامع يؤمن بالديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان والتداول على السلطة… وحرية التعبير …ويؤمن بحقّ الشعب في امتلاك قراره وإرادته ويحتكم لصوت الشعب في أي شأن يعني الشعب، ومستقبل الشعب، وأبناء الشعب…زلزالنا في حاجة إلى حاكم لا يبحث بكل الطرق والقوانين والمراسيم عن قهر خصومه ومعارضيه، وظلم بعض شعبه وإذلاله وتجريده من كل حقوقه الإنسانية…زلزالنا في حاجة إلى حاكم لا يقهر إرادة شعبه ويحوله إلى شبه قطيع من المواشي…
زلزالنا ليس في حاجة إلى حاكم يقهر شعبه أو بعض شعبه متى يشاء وكيف يشاء وبأي وسيلة يشاء… زلزالنا في حاجة إلى حاكم لا يغمض عينيه وهو يسمع صراخ اليتامى وأنين الثكالى، وبكاء من فقدوا أبنائهم في المتوسط هربا من حاكم جائر وحظ عاثر، ووجع من جاعوا…ومن لم يجدوا بعض الدواء…زلزالنا في حاجة فقط إلى أن يعود الحبّ بيننا…وأن ندفن أحقادنا تحت ركامه وأنقاضه…

جربة…تظاهرات متنوعة لتنشيط السياحة الشتوية
46 سنة بعد عملية مماثلة قبيل أحداث جانفي 78 … طرد مسؤولة نقابية دولية من تونس

بشير العكرمي يحال إلى الرازي

عبد النور حسن يتألّق في مصر

جلمة … النسر يحلق عاليا، و يتوج ببطولة الخريف
استطلاع

صن نار
- ثقافياقبل 7 ساعات
جربة…تظاهرات متنوعة لتنشيط السياحة الشتوية
- قبل 9 ساعات
46 سنة بعد عملية مماثلة قبيل أحداث جانفي 78 … طرد مسؤولة نقابية دولية من تونس
- اجتماعياقبل 12 ساعة
بشير العكرمي يحال إلى الرازي
- ثقافياقبل 14 ساعة
عبد النور حسن يتألّق في مصر
- رياضياقبل يوم واحد
جلمة … النسر يحلق عاليا، و يتوج ببطولة الخريف
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
بين منتجي الحضارة ومستهلكيها
- داخلياقبل يومين
انطلاق أشغال “مجسم الثورة” بقيمة تناهز المليون دينار
- فلسطينيّاقبل يومين
الأسرى يواصلون “العصيان” … ويعتصمون في ساحات السجون