تابعنا على

وهْجُ نار

من أيقظ غول الحقد بيننا ؟…

وهل ينهي قيس سعيد قصّة قابيل وهابيل قبل نهايتها؟

نشرت

في

سؤال يخامرني منذ مدّة، لنقُلْ منذ سماعي الخطاب الأول لساكن قرطاج…”لماذا اختار قيس سعيد استعداء كل مكونات المشهد السياسي الذي سبقه ولم يكن فيه ولا من رجالاته، وهل بذلك الخيار سيكسب ودّ الشعب وسينجح في البقاء في قرطاج لولاية ثانية؟”

محمد الأطرش Mohamed Alatrash
محمد الأطرش

لا أظنّ ابدا أن الرجل لا ولم يدرك خطورة خياراته على مستقبله السياسي وعلى كتابة اسمه في التاريخ، فالرجل وبعد مُضي ثلاث سنوات بالتمام والكمال لم يتقدّم خطوة واحدة في إصلاح حال البلاد، ولم يراوح حتى مكانه بل عاد بالبلاد إلى سنوات التسوّل والاحتياج والمساعدات الدولية، ولم ينجح في تحقيق إنجاز واحد يسجّل باسمه غدا في كتب التاريخ…فالرجل نجح فقط في توسيع الهوّة بينه وبين الشعب، وفي انحسار عدد اتباعه، وفي زرع الشعور بالندم في أذهان كل من صوّتوا له واختاروه لكرسي قرطاج قطعا للطريق أمام خصمه وليس حبّا فيه…فحصيلة سنوات حكم ساكن قرطاج جوفاء وخالية من كل إنجاز ينفع الناس، لكنها مليئة بالتيه، والحقد، والانقسام، والضياع، والظلم، والقهر، والفشل، والتخلف، والمرض، والمعاناة، والانتظار…انتظار شيء لن يأتي…انتظار إصلاح تأخر…ونسق تحديث تكسّر…واستقرار تعسّر… واقتصاد تعثّر..

ستّ وستون سنة مضت، لنجد أنفسنا اليوم نبحث عن إعادة بناء دولة خربناها بأيدينا، ووحدة وطن قسمناه بأحقادنا، واستقرار ضاع منّا… وأمن وأمان افتقدناهما طويلا، عن توفير لقمة العيش لكل الشعب، عن الماء الصالح للشراب، عن السيولة في البنوك لخلاص أجور العملة والموظفين، عن الكهرباء التي أصبحت تنقطع عن بعض أجزاء البلاد يوميا، عن الغاز الذي يغيب عنّا العديد من المرّات في السنة، عن المئات من الأدوية التي غابت عن الصيدليات، عن أدوية الأمراض السرطانية التي اصبحت تباع في السوق السوداء، عن التعليم الذي يعاني خيارات من يسهرون على شؤونه، عن كتاب أصبح سعره يضاهي كيلوغرام من اللحم، عن سرير بمستشفى لمريض يعاني سكرات الموت، عن علبة حليب أصبحت تباع في السوق السوداء رغم بياض ما تحتويه، عن لتر من زيت “حاكمنا” اصبحنا نحلم به فنبتسم ونحن نياما، عن رطل من السكر نحلّي به أيامنا التي أصبحت في مرارة العلقم…وعن…وعن…عن بارقة أمل تشعرنا أن فلذات أكبادنا وأجيالنا القادمة ربما ستعيشون أفضل منّا…ربما يصبحون سادة ويعيشون بكرامة فوق أرضهم، وليس تحت طائلة الخوف…الخوف من المجهول…من قرار جائر…من شبهة أو تهمة قد تلصق بهم ظلما…من بطالة طالت وأصبحت مدى الحياة…من ميز سياسي شتّت عائلات بأكملها، وأبعد الوالد عن ولده…والأخ عن أخيه…من ظلم حاكم …واتباع حاكم…وزبانية حاكم…

أعود لأسأل، هل كنّا في حاجة إلى ايقاظ غول الحقد لنبني وطنا عادلا…وطن لا نجوع فيه ولا نُظلم؟ من أيقظ هذا الغول الذي أتى على ما تبقى من وطن أنهكه الانتقام وتصفية الحسابات والثأر من القديم؟ فالجميع ينتقم من الجميع…والجميع يطالب بثأر الجميع من الجميع…ألا يمكن أن نصلح حالنا بالتسامح…بالنسيان…بالمصالحة…؟ أين كان كل هذا الحقد وهذه الرغبة في الاقصاء والتفاخر بالانتقام والكراهية؟ هل فعلا نحن أولئك الذين كانوا يرتادون المسارح…ويرقصون في المهرجانات…ويضحكون ملء اشداقهم في الشوارع والساحات…ويسعدون صيفا بالأعراس والمناسبات…ويملؤون النزل والشواطئ في كل الجهات…ويدرسون في المدارس والمعاهد والجامعات…ولم يحملوا يوما سكينا أو موسى في جيوبهم ولم يرفعوا على بعضهم يوما الهراوات…؟

كيف تحولنا بين حدث، وحشود، وخطب وصراخ ومحاضرات ومسيرات، وبين استفتاء وانتخابات إلى وحوش مفترسة تسعد حين يتوجّع خصمها وترقص حين يسجن منافسها؟ إننا اليوم نعيش أحقاد وكراهية الجاهلية بكل صورها وتفاصيلها … لقد سقط القناع…نعم سقط القناع فنحن لسنا ذلك الشعب الذي قال عنه بيان السابع من نوفمبر ” إنّ شعبنا بلغ من الوعي والنضـج مـا يسمـح لكـلّ أبنائـه…” نحن لم نصل تلك الدرجة من الوعي التي استبشرنا بها لسنوات…ماذا فعلنا بأنفسنا…وبوطننا وبأجيالنا القادمة…ماذا سنترك لهم…بعد كل هذا الحقد…؟ من أيقظ غول الفتنة والحقد وأعاد الروح للكراهية؟ من أعاد تفاصيل قصّة قابيل وهابيل؟

مشكلتنا أن بعضنا اليوم يعتقد أن “لا قبله ولا بعده” في هذه الرقعة من الأرض، وأنه القادر على حلّ كل المشكلات التي تؤرقنا، لوحده وبعض من معه…نعم مشكلتنا ان بعضهم يعتقد جازما أن الحقد والإقصاء سيأتيان بالغيث النافع…وسيبعدان النحس عن بلادنا…وسيفجران الأرض نفطا وغازا… وسيخرجاننا مما نحن فيه… وسيقنعان صندوق النقد الدولي بفتح خزائنه لنا… وسيلعبان كالخمرة برؤوس اشقائنا ليغرقونا بالهبات والمساعدات والودائع…هؤلاء جميعا واقصد “بعضنا” لم يدركوا إلى يومنا هذا أنهم مجرّد كائنات تعيش خارج الواقع…يتأرجحون بين تاريخ لم يكونوا فيه ومنه ويحقدون عليه، وبين حاضر جعلوه حلبة صراع وانتقام ويفاخرون به…ومستقبل مجهول لا يأبهون كيف سيكون…

خلاصة الأمر، هل سنعيش يا ترى قصّة قابيل وهابيل إلى نهايتها، أم سيقول ساكن قرطاج “كفانا” ويدرك ولو بعد وجع، أن الطريق التي سلكها وأوهموه أنها الأفضل لن تصل بنا إلى برّ الأمان…وهل تتساقط أكباش الفداء ممن أثثوا المشهد منذ 25 جويلية وفشلوا في كل ما فعلوه وأتوه وهل ستعلن حكومة انقاذ وطني في قادم الايام…ونسلك معا دون استثناء ودون أحقاد طريق الخلاص…الخلاص الذي يريده الجميع دون استثناء…فلا أحد في هذه البلاد يحب لها الخراب…بعد كل هذا الخراب…ألم يحن الوقت لتصبح معاول الهدم معاول للبناء…للحياة؟

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

وهْجُ نار

حتى لا نغنّي غدا … “حبّ ايه اللي انت جاي تقول عليه” !

نشرت

في

Peut être une image de 1 personne, enfant, position debout et plein air

يحتفل اليوم العالم بكل لغاته بعيد الحبّ…وسيخرج علينا بعضهم ليصرخ في وجوهنا عن أي عيد تتحدثون وبأي حبّ تحتفلون؟ وهنا وجب أن أقول …نعم بأي حبّ نحتفل؟ وبعض شعوب العالم يعيشون المأساة… يعيشون الوجع… يعيشون اليتم…

محمد الأطرش Mohamed Alatrash
محمد الأطرش

عن أي حبّ نتحدّث وبعضنا يأكل خُبزه من حاويات المزابل…وبعضنا يقطن القصور التي ألقت بفضلاتها في حاويات تلك المزابل…عن أي حبّ نتحدّث وبعضنا يموت تحت القصف…وبعضنا الآخر يموت تحت الأنقاض والركام…وبعضنا الآخر يموت جوعا…وبعضنا الآخر يموت غرقا…وبعضنا الآخر يبيع المساعدات التي كانت في طريقها لمن مات جوعا…

عن أي حبّ نتحدّث ومنسوب الحقد في هذا الوطن فاق الناتج الوطني الخام…عن أي حبّ نتحدّث ونحن اليوم ملل وطوائف…عن أي حبّ نتحدّث ونحن اليوم نكره بعضنا البعض…عن أي حبّ نتحدث وحكومتنا لا تحبنا…ورئيسنا يحقد علينا…عن أي حبّ نتحدّث والشعب لا يحب الشعب…عن أي حبّ نتحدّث وساكن قرطاج يهدّدنا كل يوم بالويل والثبور…عن أي حبّ نتحدّث وساكن قرطاج يتهمنا كل خطاب بالفساد والاحتكار…عن أي حبّ نتحدّث وبعضنا يسجن بلا سبب…عن أي حبّ نتحدّث وبعضنا يتهّم بعضنا بالعجب وبلا سبب…

عن أي حبّ نتحدّث وساكن قرطاج لم ينجز إنجازا واحدا مما وعد…عن أي حبّ نتحدث وساكن قرطاج لا يهتمّ بما نريد، رغم أنه رفع شعار الشعب يريد…فهل ما يأتيه منذ جلوسه على عرش قرطاج هو ما نريد؟ ألسنا نحن شعبه أم شعبه هو فقط من هو يريد؟ أيريد ساكن قرطاج أن نحبه…ولا يحبنا؟ أيريد حبّا من طرف واحد؟ ألا يعلم ان ذلك الحبّ لن يعمّر طويلا؟

لن نحبه …إن لم يحبنا…ولن نكون معه …إن لم يكن معنا…نحن لا نريد فقط خطبا ناسفة…ولا وعودا…ولا خطبا ملغومة…وإنجازا موءودا…ولا دساتير تكتب في الغرف المظلمة…نحن نريد عدلا…وكرامة…وانجاز وعود موعودة…نحن لا نريد صفوفا بالآلاف للفوز بعلبة حليب…ولا انتظارا بالساعات للعودة برطل من السكر…ولا عودة بخفي حنين دون زيت معلب…نحن لا نريد ميزا بين الناس…ولا ظلما لبعض الناس…ولا اقصاء للكثير من الناس…

نحن لن نحبك إن ظلمت بعضنا…ولن نحبك إن أقصيت بعضنا…ولن نحبك إن اتهمت بعضنا دون اثبات…خطبك الناسفة لن تشبعنا…وخطبنا الملغومة لن تروينا…وصراخك في وجوهنا لن يغنينا…أَعْدل سنحبك…اِرحم سنحبك…أنْجزْ سنحبك…وَحِّدْ سنحبك…صَالِحْ سنحبك…اِجمَع سنحبك…انْسَ سنحبك…ألم تر كيف فعل مانديلا…ألم تسمع كيف فعلت رواندا…دون ذلك سنغني جميعا…” حبّ ايه…اللي انت جاي تقول عليه” ….

أكمل القراءة

وهْجُ نار

لا أعرف إن كان الوقت قد فات … الوطن يغرق ولا أحد مدّ له حبل النجاة

رسالة إلى صانع التغيير الثاني…

نشرت

في

11.3 نسبة المشاركة في الدور الثاني للانتخابات التشريعية - RadioMed

أتدري يا سيادة الرئيس ماذا يعني أن تكون نتائج أول انتخابات تشريعية في عهدتك بهذا الضعف؟ يعني بكل بساطة أنك فقدت كل رصيدك الذي حصلت عليه في انتخابات 2019…

محمد الأطرش Mohamed Alatrash
محمد الأطرش

فقدت شرعيتك التي كنت بها تفاخر، ويعني أيضا أنها كشفت الحقيقة التي لا تريد سماعها، حقيقة أنك لم تكن تحصل على ذلك الرصيد في الدور الثاني من انتخابات 2019 لو لم يتوحّد المشهد السياسي كاملا ليقطع الطريق أمام خصمك، ليس حبّا فيك، أو ثقة في ما قد تأتيه، بل خوفا من تبعات انتخاب خصمك المتهم بشبهة الفساد…فأنت إذن من اختار توقيت الانتخابات… وتوقيت تبعات نتائجها…

أنت أيضا يا سيادة الرئيس من يتحمّل تبعات هذه النتائج الضعيفة جدا…فهل من المنطق أن تختار موعدا لانتخابات “تأسيسية” وأنت لم تنجح في منجز واحد منذ وصلت إلى الحكم…أتدري أيضا أنك أنت من أختار إقصاء كل من مدّوا لك يد العون في انتخابات 2019، فهل تنتظر منهم أن يدعموك ويغرقوا صناديق الاقتراع بأصواتهم من أجلك، وأنت من أخرجهم من المشهد واقصاهم وهدّدهم بالويل والثبور دون أي اثبات أو دليل واحد يؤكّد ما تتهمهم به في كل خطاب وكل خروج إعلامي للشعب…

خلاصة ما تعيشه البلاد يا سيادة الرئيس، هو أنك أنت من اختار تحمّل تبعات كل سياساتك بمفردك بعد أن أبعدت كل شركائك في الحكم…وأقصيتهم… وأكاد أجزم أن الانتخابات التشريعية التي مرّت أول أمس هي الفصل الأول من “ردّة فعل” الأحزاب مما فعلته بهم…ومن “ردّة فعل” الشعب مما يعانيه منذ انفرادك بحكم البلاد…فأنت إذن من اختار “نهايته” السياسية  متى تكون وكيف ستكون…وأنت أيضا من صنع ممن كانوا معه شركاء أعداء له…أتعلم يا سيادة الرئيس أن من يصنع الأعداء لن ينجح ابدا في صناعة الأصدقاء…وهنا وجب أن تعلم أمرا أعلم جيّدا أنك لا تقبله ولا تريد سماعه، ولا تهتم أصلا لسماعه…

هذا الأمر يهمّ كل من اجتمعوا حولك بعد أن أبعدت كل من أوصلوك إلى حيث أنت…هذا الأمر يا سيادة الرئيس هو أن جميعهم كذبوا ويكذبون عليك…جميعهم خدعوك ويخدعونك بالتصفيق والتمجيد…والثناء…فمن رفضوا اليوم الذهاب إلى صناديق الاقتراع هم في الحقيقة والخلاصة يرفضون مسارك…ويقولون لك “كفى”…وسيكبر عددهم مع الأيام…ومن يوهمونك بأن نسبة الإقبال الأضعف في تاريخ تونس والعالم كافية وزيادة لإبقائك حيث أنت، يخدعونك حفاظا على مواقعهم ومصالحهم…فلا تستغرب إن وجدت نفسك في قادم الأيام وحيدا…دون من هم حولك اليوم…فجميعهم سينفضّون من حولك يوم يعلمون أن البلاد غرقت وسيغرقون معها…سيقفزون من المركب ويتركونك وحيدا بعد أن خدعوك…واغرقوك بالثناء والتمجيد…سيهربون بجلدهم خوفا من تقاسم تبعات الفشل والسقوط معك…سيتركونك وحيدا أمام مسؤولياتك وتبعات فشلك…

سيادة الرئيس، ما الذي تريده بالضبط من وجودك حيث انت هناك في قصر قرطاج وعلى كرسي الرئاسة؟ ألم تقل إنك تريد خيرا بالبلاد والعباد؟ فاين هذا الخير؟ ألم تقل إنك جئتنا عادلا؟ فأين هذا العدل؟ ألم تقل إنك جئت موحّدا؟ فاين هذا التوحيد؟ ما الذي تريده من هذه الدولة التي تقودها وما تعريفك لها يا سيادة الرئيس؟ فأنا كغيري ممن عاشوا في هذه البلاد منذ ولادتهم يفتقدون اليوم ومنذ مجيئك لمن كانوا يعرفونها دولة سابقا، ننظر حولنا ولا نجد تلك الدولة التي نعرفها …تلك التي أحببناها …تلك التي عملنا بها ولها ومعها، اين الوطن الذي أقسمنا بان نخدمه ونصونه ولا نخونه؟ لم نعد نرى شيئا مما كنّا نعرفه عن الوطن والدولة…ونخاف غدا، ألا يعني لنا الوطن شيئا…

أتدري يا سيادة الرئيس أن الشعب ومنذ مجيئك إلى كرسي قرطاج تمزقه التفرقة السياسية والأيديولوجية، وتتقاذفه الأحقاد والكراهية، واليوم توسعت التفرقة لتصبح قبلية وجهوية…أتدري أن هذا الشعب اصابته لعنة الحقد وتغلغلت في صدره فأصبح يبحث عن الهروب بجلده من وطن لم يعد وطنه ولا حتى شبحا من ذلك الوطن الذي عاش فيه قبل مجيئك…رغم ما كان فيه… وما عاشه من خيبات…

أعترف أني لست من الذين يغرقون كثيرا في التشاؤم…ولا أزال أحتفظ ببعض الأمل بأن الحل قد يكون دونك…كما قد يكون معك أيضا، لو…لو مددت يدك للجميع…حتى من كنت معهم شريكا في الحكم…في الفشل…في أسباب ما نحن فيه…فأنت أيضا ساهمت بنصيبك في ما نحن فيه…ساهمت في وجعنا…في احباطنا…في بعض ما نحن فيه…مدّ يدك لمن كانوا معك ذات يوم فزت فيه يا سيادة الرئيس…مدّ يدك للجميع دون إقصاء لأحد إلا لمن أجرموا…مدّ يدك لمن يقول لك أخطأت يوم تخطئ …لمن يقول لك اصبت يوم تصيب…مدّ يدك للشعب…كل الشعب أيها الرئيس… قبل ان يأتي يوم، سيأتي لا محالة، لن تجد فيه ورقة تحمل اسمك في صناديق الاقتراع…أتدري يا سيادة الرئيس أن الجائع والمحبط واليائس والمظلوم لا يذهبون إلى مكاتب الاقتراع…فهذه المكاتب لا تستهويهم…وبطونهم خاوية وفلذات أكبادهم يموتون كل يوم يأسا وإحباطا وغرقا… لا اعرف يا سيادة الرئيس ان كان الوقت قد فات… فالوطن يغرق ولا أحد مدّ له حبل النجاة…

أكمل القراءة

وهْجُ نار

غدًا ذكرى ثورة الرجال…ثورة لم يكن فيها الدجّال والنذل والمحتال…

نشرت

في

18جانفي 1952 إنطلاق ثورة التحرير الوطني التونسية المسلحة ضد المستعمر  الفرنسي - موقع القومية التونسية

أتساءل ونحن نحتفل غدا بالعيد الأصلي لثورة أخرجت المستعمر…بِعيد من ماتوا وهم يدافعون عن ارض هذا الوطن وحرية شعب هذا الوطن…بعيد ثورة أعلنها بورقيبة ورفاقه على مستعمر وصف عهده عالي المقام بــ”الحماية”…

محمد الأطرش Mohamed Alatrash
محمد الأطرش

أتساءل كيف لمعارضة “عالي المقام” أمير البلاد أن تنجح وهي بهذه الحال…فالكل يكره الكل…والكلّ يظلم الكلّ…فرّقتهم المصالح والأطماع…شتتتهم الأكاذيب والترهات والشعارات الجوفاء…خطابهم شبيه بخطاب عالي المقام …خطابهم ليس أكثر من شيطنة للماضي فماضي البلاد أصبح كالحمار القصير…الكل يريد الركوب…فيكفي أن تشيطن أحد الأشخاص الذين كانوا في المنظومة القديمة حتى يصفّق لك الجميع اعجابا، وأعني بالقديمة منظومة بن علي رحمه الله…فأغلب أشباه رجال المعارضة يولون أهميّة أكبر لسبّ ما مضى وشتمه أكثر من أي برنامج آخر في خطابهم السياسي، والحال أنهم يعانون من حقد حاضرهم ما لم يعانوه من تاريخهم الذي يشتمون….فكل المنابر التلفزية ومنذ اثنتي عشرة سنة موجّهة فقط لشيطنة الماضي ونعته بالخراب والحال أنهم من الذين تعلّموا ودرسوا وكبروا وعملوا وتدرّجوا وكسبوا المال بين كل ذلك الخراب….

مجرّد رؤية أحد المسؤولين من الذين كانوا قبل 14 جانفي يجلسون على الكراسي يتقيأ البعض أو يصاب بمغص بأمعائه وكأنه شاهد لتوّه إبليس…والحال أنه كان يحاول جاهدا أن يفوز برضاه ولم يصل إلى مبتغاه….أتساءل لماذا تنسى معارضتنا الأشياء الجميلة ولا تذكّر غير السيء من الأحداث…لماذا لا تتوحّد وتنسى حقدها على الماضي…لماذا لا تتوحّد ضدّ حاضر اساء للبلاد والعباد…حاضر لم يستثن أحدا من ساسة البلاد…هل كانت البلاد كلها خرابا كما يزعمون…إن كانت كلها خرابا فلم بأرقامها ارقامهم يقارنون؟ أين كان هؤلاء إذن …أليسوا من أبناء هذا الخراب؟

أتساءل لماذا نوظّف الماضي حسب أجنداتنا فحين يجب الثناء على بورقيبة أو بن علي لغايات انتخابية نصيح ونصرخ بأعلى أصواتنا مترحمين عليهما، وحين نكون في جهة اخرى من الجهات التي قد تكون عانت من ظلم الزعيم نسبّ الزعيم إرضاء لأبناء تلك الجهة ومراودة لأصواتهم…أتساءل لماذا كل هذه الحرب على القديم؟ أأصبح فشلهم في تحقيق مثل ما تحقّق في الماضي مرضا؟ أأصبحت عقدة حاضرنا ماضينا؟ فهل حاضرنا اليوم أفضل من ماضينا…؟؟ لماذا نعيد كتابة المأساة مرّة أخرى؟ ماذا ينتظرون من الشعب؟ هل ينتظرون ان يخرج داعما لهم ومناديا بهم حكاما على البلاد وهم على نفس الأحقاد؟ كيف يريدون محاربة الحقد الذي يكتوون به من منظومة عالي المقام بمواصلة حقدهم على القديم ومن سبقهم في حكم البلاد؟ أسألهم جميعا…وبعضهم يرى في نفسه أنه المدافع الوحيد عن هذا الشعب والحال أنه سبب أوجاعه…أسألهم…ماذا فعلتم لهذا الشعب…ماذا حققتم لهذا الشعب…ماذا فعلتم لطالب الشغل الذي ينتظر موردا ينقذ به عائلته من الضياع والجوع…ماذا فعلتم لفقير ينتظر مساعدة تخرجه من الضيق الذي خنق أنفاسه….

ماذا فعلتم ليائس قرر الانتحار غرقا هربا من جنتكم الموعودة والتي لم ير منها غير الجوع والعطش والتشرّد….ماذا فعلتم لجهات مهمّشة انتظرت وعودكم ولم تأت…ماذا فعلتم لفقير لم يجد مالا ليداوي زوجته التي تموت يوميا….ماذا فعلتم لمشرّد لم يجد موردا يكفيه بناء بيت صغير يسكن فيه…ماذا فعلتم لمن ظلمتموهم بعد 14 جانفي وشردتم عائلاتهم حقدا وطغيانا…ماذا فعلتم لطالب مات أهله وتركوه عاطلا بشهادة لن تشبعه من جوع…ماذا فعلتم من أجل مئات الآلاف من العاطلين من الذين حلموا بمستقبل أفضل في ظلّ وعودكم الكاذبة….ماذا فعلتم لمن خسر شغله لأن بعضكم اعتصم أمام مورد رزقه يمنعه من الدخول…ماذا فعلتم وبعضكم يغلق مواقع العمل حقدا وبهتانا…ماذا فعلتم…وماذا حققتم من آلاف الوعود…وآلاف الشعارات التي رفعتموها…ماذا فعلتم وأنتم تطردون المستثمر الذي جاءكم راغبا في مساعدتكم…ماذا فعلتم وأنتم تعطّلون كل مفاصل العمل والشغل لتحقيق مصالحكم ومصالح عائلاتكم ومن بايعوكم على خراب البلاد…ماذا فعلتم وبعض الشعب ينام ليلته دون أن يسعد بلقمة بعد جوع أيام وأسابيع…ماذا فعلتم وبعض الشعب يموت كمدا وحسرة على رزق ضاع بسبب ما فعلتموه بالبلاد…ماذا فعلتم؟

خلاصة كلامي، وكلامي موجّه لمن حكموا خلال العشرية الأولى من عهد الخديعة وهم من يعارضون اليوم عالي المقام، وموجّه أيضا لمن يحكمنا اليوم بحجة تصحيح المسار والحال أنه حاد بالمسار عن المسار، وأخذ البلاد والعباد إلى حيث لا أمل في إصلاح حالها، فنحن اليوم نغرق في الوحل ولا خلاص لنا ومن يحكمنا يحقد على نصف شعبه، ويتهم النصف الآخر بالفساد والاحتكار ويهدّد الجميع بالويل والثبور… وليعلموا جميعا سلطة ومعارضة، هذا الشعب لا تهمه حروبكم إن لم تكن في صالحه وتخرجه مما هو فيه…ولا يهمه من يحكم…ولا يهمه من الوزير…ومن المدير…ومن السفير….الشعب يريد لقمة….وشغلا…وأمنا….واستقرارا فقده منذ جاء بعضكم كاذبا…رافعا لشعارات مات أهلها…

ماذا فعلتم….وبعض الشعب يموت كل يوم….وأنتم تفاخرون بما لم تنجزوه….ماذا فعلتم….لم تفعلوا شيئا…فقط وزعتم الإحباط…واليأس….في وطن كان أجمل قبل مجيئكم….وقبل خروجكم عليه بشعارات كاذبة…ألا تخجلون مما فعلتم…ومما أتيتم…لوطن كان أفضل …لا استثني أحدا…

أكمل القراءة

صن نار