تابعنا على

جور نار

هل انتهى اللاعبون الأفذاذ … باندثار الأسماء المستعارة؟!

فاصل رياضي … وانقراضي

نشرت

في

المنتخب الوطني التونسي ايام زمان - Football Tunisien archives | فيسبوك

صادف أمس الإثنين، ذكرى رحيل أسطورة رياضية لطالما انشدّت لها الأعين من مختلف الملل والنحل، وجنت تصفيق الخصوم قبل الأنصار، وحفرت صورتها في القلوب والذاكرات إلى زمن غير معلوم … ومن أعني غير حمادي العقربي، رحمه الله؟ …

عبد القادر المقري Makri Abdelkader
عبد القادر المقري

أنا وضعت معه صفة الأسطورة، ويمكنك أن تستعرض أيضا طائفة من الألقاب التي التصقت بصاحب القميص رقم 8 الأشهر في تاريخ منتخبنا … الفنان، ساحر الجيلين، المبدع، المايسترو، في حين أنه في صفاقس إذا تحدثت عن الكرة وقلت “حمادي” فالمفهوم أنك تقصد واحدا بعينه ولو كان هناك المئات ممن يحملون هذا الاسم الرائج في تلك المدينة من بين كل المدن … وليس غريبا أن ينفرد العقربي بكل هذا، فهو ليس فقط من أمهر من رأيناهم من مداعبي الكرة، بل يقيني أنه وصل إلى ابتكار حركات معينة ومراوغات لم يسيقه إليها غيره حتى خارج حدودنا … هكذا من دون تفكير أو تخطيط أو درس، فقط الموهبة الصافية تكفلت بكل شيء …

تحدثت عن ألقاب لاعبنا الكبير الفقيد، ونسيت أنه حتى اسم شهرته هو بدوره لقب أو كنية في حد ذاته … وطوال سنوات عديدة، وحدها بلدية صفاقس وملفات إجازات جامعة كرة القدم تعرفان حصرا أنه لا وجود لمواطن تونسي يلعب الكرة ويقود ناديه ويبهر الجميع وطنيا ودوليا، يحمل اسم ولقب حمادي العقربي … لا، فعندهم من تنطبق عليه هذه الأوصاف يدعى في دفاتر الحالة المدنية محمد بن رحيم … العب ياله ! … ولكننا حتى بعد أن عرفنا هذه المعلومة، واصلنا استعمال الاسم الذي تعوّدناه، وسخرنا طولا وعرضا من تقعّر بعض المعلّقين الذين يكررون في كل دقيقة تقريبا تذكيرنا بالاسم الحقيقي وكانهم اكتشفوا قارة جديدة، تماما كما يفعلون مع اسم عبقري آخر، فيكسرون رؤوسنا بعبارة “الصادق ساسي شُهِر عتوقة” … إنهم لا يتكلمون عن بطل من وجداننا الشعبي، بل عن متهم ممسوك في قضية تهريب !

وأنّى لهؤلاء الموظفين الصغار ذلك، أنّى لهم … فقد مضى الزمن الذي كان فيه اللاعب والصحفي ينشآن معا من نفس البيئة الفقيرة والحومة والبطحاء ويمارسان كافة الألعاب والمعارك حتى يرسو كلاهما على المهنة التي يختارها … فلا يتكلف الطاهر مبارك أو محمد بوغنيم أو إبراهيم المحواشي أو مختار بكور أو إسماعيل التريكي ولا يكلفون أنفسهم عناء تغيير قشرتهم وقشرة ابن حيهم ولو صار وصاروا من نجوم البلاد … منذ صغرك أعرفك ويعرفك أبناء حومتنا باسم “ديوة” جنّا أرقط في المراوغة والسرعة والتسجيل من كل الزوايا … فلماذ حين تكبر وأكبر نلبس قفازات ونتصافح بدل أن نتعانق ضاحكين، وما بك تناديني باحترام مصطنع “أهلا سي محمد” فأجيبك منافقا “مرحبا بالسيد نور الدين بن يحمد” ؟! ماهذا القرف …

والواقع أن لكل زمن رجالا … كنية اللاعب في السابق كانت تطلق عليه من أول لمسة موهوبة للكرة، من أول “فانت” تلوي ظهر أحد المدافعين، من أول تصويبة رصاصية على بعد 30 مترا تطير أحجار المرمى (بدل الأخشاب) شظايا … هذا في حومتنا كنا نسمّيه “بزّوكة” ويبقى ذلك الاسم معه حتى وهو بأحفاده … نفس الشيء للآخر الذي يقتنص الكرة من رؤوس اللاعبين وأرجلهم ويصطادها بكلتا يديه مهما كانت عالية أو قوية أو في انفراد (راس راس) … لذلك سمّيناه “كمّاشة” وقد عاد مؤخرا من الحرمين واستقبله الأهل والجيران بشاحنة صغيرة مكتوب على جنبها بالدهن “حجك مبرور وذنبك مغفور كمشون الغالي” …

يعجبني المطرب المتمرّد صلاح مصباح حين يقول: “عهد الفنانين كان ذهبيا عندما كان الفن حراما” وقصده أنه في القديم وحين كانت العائلات تمنع أبناءها من احتراف الغناء، لم يكن يجرؤ على هذه المهنة إلا الموهوبون جدا والمغرمون حقا، إلى درجة أنهم كانوا مستعدّين لتحمّل أقصى العقوبات الأبوية في سبيل ذلك … ولتأجيل القصاص أكثر ما يمكن، كان الفنان (أو الفنانة) من هؤلاء، عادة ما يتخفّى وراء كنية أو اسم فني أو اسم مستعار … وبقدر حجم الموهبة، يرسخ الاسم في العقول والألسن، ويبقى على الدهر حتى بعد افتضاح صاحبه (ته) وصدور عفو تشريعي عائلي في شأنه أو شأنها …

نفس الكلام يقال عن ممتهني الرياضة وكرة القدم خاصة … فقد كانوا عموما إمّا يمارسون هوايتهم تحت سيف المخاطرة واللعب اليومي بالنار، أو كانوا أيتاما مستريحين من رقابة الأب الجلاّد ولكن تلاحقهم لعنات كبار المجتمع، أو كانوا مدمنين على اللعبة إدمان غيرهم على آفات أقل براءة وأكثر ضررا … وربما على الآفتين معا كما في بعض الحالات … وفي معظم الأحيان كان الفقر والموهبة توأمان يرافقان الفتى في حله وترحاله … ومعهما اسم مستعار يلتصق بأخينا حتى وهو يرتدي قميصنا الرسمي ويعزف له النشيد ويستقبله وزراء ورؤساء …

من تلك الفترة نبغ عندنا “ديوة” و”عتوڨة” و”الفرزيط” و”وزّة” و “بَلَدية” و”ڨطوس” و”باڨندة” و”اللص” و”حاج علي” و”عجل” و”علقة” و”عبيثة” و”الأعوج” و”كعونّة” و “الترد” وغيرهم كثير ممن لا أستحضره … وتلاشت الظاهرة تدريجيا باستثناء حالات نادرة فيما بعد … مثل “الڨوشي” و”الشاف” و”التران” و”برڨو” و”بيشة” من السبعينات حتى التسعينات، وانتهى الأمر … والذين لم تكن لهم كُنًى (جمع كنية) كانوا معروفين في أحيائهم والأحياء المجاورة بأسمائهم الأولى التي جرت هكذا على ألسنة المذيعين … طارق، تميم، كمال، بكار، توفيق، عبد الرحمن، الكامل، حسن، عبد الله، غازي، إلخ … ولو علق عليهم مذيعو هذه الأيام بطريقتهم الإدارية لسمعنا تسميات من نوع: ذياب، الحزامي، الشبلي، بن ميلاد، بن عثمان، الرحموني، بن عبد العزيز، بعيو، الطرابلسي، الإمام … أي ألقابهم العائلية بكل جفاف وجفاء …

ربما بسبب تحنّط التعليق الإذاعي وغرق صحافتنا الرياضية في المكاتب بدل متابعة الملاعب… وربما أيضا بسبب التغيير الذي طرأ على ولادة الطاقات وبيئة التكوين، عندنا وفي العالم أيضا … فمن البطحاء التي انقرضت بالغزو العمراني، إلى النهج أو “الكيّاس” الذي صار أكثر خطورة بتكاثر السيارات ومجانينها … وأصبح المجال الوحيد اليوم هو أكاديميات الأندية وحدائق تمارينها، حيث يتنقل الطفل على متن سيارة (Papa) و(Maman) وفي حمايتهما ويفرضانه فرضا بضغطهما ومعارفهما … حتى لو كانت ساقه لا تفرق بين الكرة وعصا الركنية، حتى لو كانت موهبته لا تتجاوز مفاتيح لعبة البلاي ستايشن 5 الباهظة الثمن …

لذلك لا أمل لي ولا لك، في أن يولد لدينا عڨربي جديد، ولا عتوڨة ولا طارق ولا مجدة ولا موحة سدر اللوحة … أكثر مما يتحسر البرازيليون اليوم على ذهاب مجدهم مع أسماء “تنكرية” راحت وانقضت … بيليه، غارينشا، زيكو، روماريو، و”الظاهرة” رونالدو …

،

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

بعض القول في الباكالوريا التونسية

“الباكالوريا هي أولى عناوين التميّز وأولى المكافآت وأولى الميداليات” (فيكتور هوغو)

نشرت

في

تنبع الأهمية القصوى التي يوليها أغلب التونسيين للباكالوريا حسب اعتقادي من كونهم أصبحوا مُدركين تماما أن مفاتيح التغيير لم تعد بأيديهم وأن جميع ثرواتهم التي أطعمتهم من جوع على امتداد عقود، باتت مجرد “بلّوط” بالكاد تكفي لتأمين أجور وجرايات نهاية الشهر.

منصف الخميري Moncef Khemiri
منصف الخميري

 كما أدركوا أن حُكّامهم اليوم “على مراد الله” لم يتفوّقوا على سلفهم الطالح إلا بالإمعان في مزيد استبلاههم وإلهائهم وإيهامهم بأن الشعار أهم من محتواه ومجرد إعلانه أكثر إقناعا من العمل على إنفاذه. وعلى هذا الإدراك العفوي بنوْا منوالا جديدا لأنفسهم أهم ما يميزه تطليق الشأن العام والتوغّل في الاعتناء بالشأن الخاص من أجل ضمان البقاء على قيد الحياة بعدما كانوا ينشدون مزيدا من العيش الكريم وقدرا أكبر من الرفاه الاجتماعي… ويميّزه كذلك وضع كل الآمال والطموحات والمُدّخرات في دراسة الأبناء والحرص على تأمين أفضل مستقبل أمامهم. لذلك أصبحنا في تونس نعيش ما يشبه الحمّى والغليان الشعبي بمناسبة العودة المدرسية والجامعية واجتياز امتحان الباكالوريا ومحاولة التسجيل في أفضل المؤسسات وتخيّر أفضل المدرّسين وتلقّي بطاقات الأعداد واختيار أفضل المقاولات في مجال الدروس الخصوصية …

لذلك كانت الباكالوريا عنوانا مركزيا كبيرا في حياة العائلات التونسية ومنعرجا حاسما تُصرف في سبيله الأموال الطائلة وتشدّ فيه الأعصاب ويختزل فيه التطلّع إلى غد يتغلب على منغّصات الراهن وسياطه اللاذعة.  

تحدوني الأمل من خلال هذه الورقة في تقديم بعض العناصر التقييمية الأوليّة للباكالوريا التونسية ـ خاصة أننا نعيش خلال هذه الأيام ملخّص مآلاتها المتصلة بما تُتيحه هذه العتبة المدرسية المحورية من آفاق دراسية في التعليم العالي- قصد الوقوف المتأمّل على هِناتها ومراكز قوّتها، باتجاه تعديل قد يأتي يوما…متمنّين أن لا يأتي على نحو لا ينتظره أحد ممّن ستقوم عليهم هذه التعديلات أو المراجعات المنتظرة، أي ما يسمّى في قاموس بالمحلّلين بالفاعلين التربويين كبُناة للإصلاح ومساهمين فيه وليس كمستهلكين له ومُتفرّجين عليه. 

ما لاحظته شخصيا في علاقة بالظواهر الساطعة التي لا يمكن أن تكون محل تنازع يجدر تلخيصه في العناصر التالية  :

أوّلا : الباكالوريا أو الاستفاقة المتأخّرة

من غير المقبول والمعقول أن يظل التلميذ التونسي يدرس إلى سنّ 19 سنة دون أن تعترضه أية محطة تقييمية رسمية وإجبارية في كامل المسار الدراسي إبتدائيا وإعداديا وثانويا، بما لا يُتيح أية فرصة أمام التلميذ وعائلته أولا حتى تُراجع طرق العمل ويتمّ التنبّه إلى الاختلالات البارزة في التكوين الأساسي أو عناصر القوّة التي يتعيّن تدعيمها ومزيد شحذها وتطويرها… وأمام المنظومة برُمّتها ثانيا حتى تُعدَّل المسارات في ضوء النتائج المحقّقة وعدم إكراه حشود بأكملها على متابعة دراسات طويلة، تتطلب صلابة في نواة التكوين الأولى وطول نفس ومشروع دراسي متبصّر يستبق مستقبل الدراسة بعد الباكالوريا.

ثانيا : لا مستقبل لباكالوريا تقوم على خارطة مُعوجّة ومتهالكة للمسالك والشُعَب في التعليم الثانوي

لم يتأكد من ذي قبل كما يتأكد اليوم ضرورة مراجعة الخارطة الحالية للشُعب والمسالك التي أضحت بالية ومتقادمة بل ومُدمّرة لأحلام أجيال بكاملها. وهو مشهد مختلّ تتورّم فيه شعب وتنتفخ فيه أخرى مقابل شعب تضمر وتنكمش وأخرى تمارس إبهارا كاذبا (مثل شعبة الإعلامية والعلوم التجريبية) لأنها تدّعي آفاقا لا توفّرها وتروم معانقة مستقبل لا تُتيح سبل الوصول إليه.

ثالثا : رُبع الناجحين في الباكالوريا هذه السنة (حوالي 15000) تقدموا هذه السنة بمطالب إعادة توجيه

أقدّر شخصيا بعشرات الآلاف عدد الذين تحصلوا على شعب دراسية في التعليم العالي لن يلتحقوا بها ولن يدرسوا فيها، إما لأن باكالوريتهم لا تمتّ بأية صلة للشعبة التي نالوها وقد نصص عليها مُكرها في استمارة التوجيه، أو فُرضت عليه بشكل جزافي لعدم توفر الشغور خارجها.

أو نظرا إلى بعد المسافات بين الموطن الأصلي والجهات التي تحتضن مؤسسات جامعية تظل تتوفر بها بعض الشغورات … أو لتأكد معاناة خريجي شعب معينة من خلال ما يتداوله الطلبة القدامى (مثل مهن التراث والعلوم الانسانية وبعض اختصاصات الاقتصاد والتصرف… )

ولو أحصينا في هذا المجال عدد الملتحقين بالتعليم العالي الخاص ومسالك مؤهل التقني السامي في التكوين المهني والمتصلين بمكاتب الوساطة للدراسة بالخارج والمشاركين في دورة إعادة التوجيه (أوت 2023 ومارس 2024  مستقبلا)، لحصلت لدينا فكرة دقيقة حول حجم الهدر الحاصل نتيجة باكالوريا رثّة في جزء كبير منها.

رابعا : منظومة وطنية للتربية والتكوين مفكّكة الأضلاع لن تقدر على الإقلاع

إن غياب المقاربة المنظومية التي تجعل من الالتحاق باختصاصات مؤهل تقني سام في التكوين المهني بعد الباكالوريا أفقا حقيقيا وواعدا أمام حاملي الباكالوريا، خاصة في مسالك التعليم الثانوي المتضمنة لبعض الأبعاد التطبيقية (وهنا أغلب المواطنين من الذين تحدثت إليهم لا يمكن إقناعهم مهما فعلت بأن هذه الشهادة تُعادل شهادة الإجازة الوطنية في التعليم العالي لا فقط من حيث فاعلية التكوين بل كذلك من حيث القيمة التنظيرية على المستوى القانوني) أضرّ كثيرا بمردودية نظامنا التعليمي وأعاق تطوّره في اتجاه نظام تتوازن فيه الأبعاد التكوينية ويسمح بالعبور لأوسع فئة ممكنة من اليافعين، مهما كانت أصولهم الاجتماعية ومستوى مكتسباتهم الأساسية نحو مجالات مهنية تحفظ كرامة روّادها.

خامسا : أزمة الباكالوريا مُضاعفة في الجهات الداخلية

لقد أصبحت لامبالاة الدولة وتقصيرها أمرا فادحا وفاضحا في حق الجهات الداخلية (والأحياء والمعتمديات الداخلية في الجهات الكبرى) التي تتدنّى فيها نتائج الباكالوريا بشكل مرعب وتتراجع فيها أعداد الملتحقين بمسالك دراسية واعدة نسبيا على نحو يبعث على الانشغال الحقيقي. وهنا يُدهشني جدا أن لا أرى وزارة أو مندوبيات أو مسؤولين يقيّمون عمق الشروخ التي أفرزتها الباكالوريا ويحاولون تفكيك ما حدث وإجراء قراءات جريئة في هذه النتائج من أجل استباق انطلاق السنة الدراسية الجديدة واجتراح بعض الحلول لمعالجة بعض التصدعات (وليس كلها) وإنقاد بعض ما يمكن إنقاذه… صادف أن تحدّثتُ إلى بعضهم : هم غير منزعجين ولا منشغلين لأنهم يعلّقون ببراعة كل الإخلالات على شمّاعة “تهميش مناطقهم المتوارث” و “ضرورة انتظار الإصلاح التربوي الوشيك” و “الطابع المركّب للأزمة”، الخ…

سادسا : أبعثوا شعبًا ذات تشغيلية عالية في الجهات الداخلية وستتغيّر المعادلة

لقد حان وقت إصلاح الوهن الذي أصاب الخارطة الجامعية التونسية والذي توارثناه منذ عقود عن توازنات سياسوية وقَبَليّة متخلفة والذي أعطى مؤسسات مرتجلة باختصاصات باهتة وبيئة جامعية ضحلة في معظم الجهات الداخلية، بما أثّر بشكل سلبي على جاذبية “الأقطاب الجامعية الجديدة” ومستوى الإقبال عليها.

لا أرى شخصيا ما الذي يمنع من بناء شراكات مُثمرة بين هذه المؤسسات الجامعية الناشئة وكبرى الجامعات العالمية، خاصة في علوم الكمبيوتر والسلامة المعلوماتية والديمومة البيئية والروبوتيك والتحوّل الرقمي والمهن الصحيّة الخ… كأحد الحلول التي من الممكن اعتمادها في سبيل إعادة الاعتبار لهذه المؤسسات المنسيّة وتجاوز واقع العزلة الجامعية والأكاديمية الذي فُرض عليها.

سابعا : منظومة التوجيه الجامعي تعمّق أزمة الباكالوريا بدلا من تذليلها

إن عدم الاطلاع على خصوصيات التكوين في التعليم الثانوي في مختلف الاختصاصات (نتيجة عدم وجود أي نوع من أنواع التنسيق بين متفقدي المواد ورؤساء اللجان القطاعية في التعليم العالي) وعدم توزيع الناجحين في الباكالوريا على عروض التكوين الجامعي بشكل أكثر نجاعة وموضوعية ومحدودية طاقة الاستيعاب في الشعب الجامعية الواعدة، والمبالغة في اعتماد المقاييس الكميّة على حساب شروط الدافعيّة والاهتمام والطموح لدى الطلبة الجدد… هي أهم سمات القصور في منظومة التوجيه القائمة حاليا حسب اعتقادي..

أكمل القراءة

جور نار

النيجر … عروس كرامتكم !

نشرت

في

انقلابيّو النيجر يلغون اتفاقيات عسكرية مع فرنسا... توعّدٌ بـ'ردّ فوري' على  أي 'عدوان' | النهار

لديّ حساسية خاصة في ما يتعلق بقارتنا العجوز … نعم، إفريقيا لا أوروبا الكاذبة الدعيّ … إفريقيا هي عجوز العالم وأم البدايات وتاريخ التواريخ … بها أثر لأول إنسان بيولوجي، وأقدم عجائب الدنيا وأبقاها، وأعرق الدساتير والمدنيّات والأديان … وعلى أديمها نشأت أسبق الحضارات قرطاجية كانت أم مصرية أم حبشية …

عبد القادر المقري Makri Abdelkader
عبد القادر المقري

كنت دائما وظللت متيّما بالتي سمّاها سيدي مصطفى الشرفي “ابنة الشمس والقمر” … فعلا هي كذلك أمّنا السمراء الرؤوم … مدى لامتناه من الثروة والثورة والناس الطيبين والوجوه التي تضحك قبل أن يبكيها الظلم … ثروتها الأولى على ما تعمر به من خيرات وكنوز … قارتنا كانت بالأساس وعلى مدى الدهور محيطا متراميا من المظالم والمآتم وفظاعات الغزاة … واستغلّ جبناء العالم قلبها السمح وبراءة أبنائها وتصديق سكّانها أن الإنسان مدنيّ بالطبع، ليوغلوا فيها بوحشية نادرة المثال … عصور طويلة جدا من الظلام خيّمت على هذه القرية الشاسعة التي عدلت فأمنت، ظانّة أن العدل أمن، والأمن ضمين لكي تنام نومة العادلين فانقضّ عليها الهمّج واقتسموها فريسة حراما …

ومثلما الليل له ساعة وينجلي، ومثلما الأسد الأسير يطلع عليه صبح يهدم فيه باب قفصه الحديدي فيثور منطلقا ويلتهم المروّض والسوط ونصف متفرجي السيرك ويمضي إلى برّية الحرية … ها أن القارة العظمى تنتفض من أغلالها وتشرع في مطاردة نخّاسيها بالواحد بالواحد … ليست هذه انتفاضتها الأولى، صحيح، ولكن تاريخ إفريقيا المليء دما ودموعا وأبطالا وبطولات، كان أيضا مفخخا بالخونة من كل الطوائف والقبائل … الثائر لومومبا وجد البلجيكيون كلبا مطيعا في شخص “تشومبي” كي يريحهم منه … الزعيم كوامي نكروما سلطوا عليه بيادق من جيشه لإزاحته من مسيرة غانا المتحررة … توماس سانكارا اشتروا لقتله عبدا حقيرا اسمه “كامباوري” غدر به وهو أقرب أصدقائه ليوقف استقلال بوركينا الحقيقي… دائما هناك بالمرصاد كتائب جاهزة وقنّاصة محلبون بالأجرة لوأد كل صوت يقول اتركونا لقرارنا وكرامتنا وإدارة مواردنا دون وصاية من أحد …

القرار الذي لبث سائدا طوال عقود طويلة هو قرار المتروبول الاستعماري الذي لم يفرّط في غنائمه رغم موجة الاستقلالات الفولكلورية في الستينات والسبعينات … مجرد ورقة يتم إمضاؤها في باريس أو بروكسيل أو لندن أو لشبونة، ثم تنصيب طرطور من موالي القوة المستعمِرة وحتى من حاملي جنسيتها … وإتمام إجراءات السيادة الوهمية من علم وعاصمة ونشيد رسمي وحكومة وبرلمان وسفارات بالخارج … بينما يبقى اقتصاد البلاد في نفس الأيدي الأجنبية، ويبقى التبادل مختلاّ بين تصدير رخيص للثروات الخام واستيراد باهظ للمواد المصتعة … وتبقى التبعية مطلقة حتى في القطاعات الحيوية بما فيها الماء الصالح للشرب الذي تمسكه شركة “ليونيز ديزو” … وتبقى العملة هي الفرنك الذي انقرض في بلاده واستمرّ في إفريقيا الغربية … وتبقى اللغة الوطنية لغة المحتلّ القديم الجديد الأبدي … دون الحديث عن التبعية السياسية والدبلوماسية ويظهر ذلك عند التصويت على قرار ما في مجلس الأمن مثلا، فإذا لكل من الدول العظمى حريمها وجواريها …

هذه الأيام، خرج صوت من دولة إفريقية لم يكد يسمع بها أحد سابقا فكثيرا ما كما نظنّ أن النيجر هو اختصار لاسم نيجيريا … خرج الصوت المتمرّد من النيجر بأنها اوّلا ليست تصغيرا لنيجيريا، وثانيا أنها ترفض مواصلة النوم في زريبة السيد الفرنسي الذي عليه فورا أن يرحل، وثالثا أن الصوت الرافض تنادت له أصوات كالصدى في الأودية الغائرة الرهيبة … فصار الصوت الواحد ثلاثة بعد انضمام متمرد آخر هو مالي، ومتمرد آخر هو بوركينا فاسو، الجارة صاحبة الأنفة المكتسبة … ويبدو أن رقعة كاسري الأغلال ما فتئت تتسع شعبيا في بلدان إفريقية مجاورة، رغم أن أنظمتها مازالت غارقة في وحل التبعية مثل ساحل العاج والسينغال … ولا غرابة في ذلك بما أن مؤسس الأولى (هوفوات بواني) بدأ حياته السياسية نائبا بالبرلمان الفرنسي، فيما ختم مؤسس الثانية (ليوبولد سنغور) حياته عضوا وفيّا منضيطا في الأكاديمية الفرنسية …

جبهة مسعورة من وكلاء الاستعمار تشكّلت وبدأت تكشّر عن أنيابها لـ “تأديب” النيجر على تمرّدها على فرنسا … صحيح تتقدم هذه الجبهة دولة أنكلوفونية مثل نيجيريا، لكن يزول العجب حين نعرف تكامل الأدوار ووفاق الإجرام بين الامبرياليات وهنا بين فرنسا وبريطانيا … وحتى الأمريكان لا يمكن أن يكونوا بعيدين عن فرصة دمار وشيكة كهذه … ظاهريا للدفاع عن “ديمقراطية” الفساد التي شاهدنا عينة منها هنا في تونس … وباطنيا لمواجهة الدب الروسي عدوّهم التقليدي الذي يبدو أن المتمردين إليه أميل … وفي باطن الباطن سعي لمنع الشرارة من التحول إلى نار والنار إلى حريق تشعله القارة في ثياب مستعبديها (بكل جنسياتهم) ومصالحهم وينبوع سيطرتهم النووية …

والآن … ها نحن نتابع الأخبار ونرصد الوكالات أحيانا بعينين اثنتين وغالبا بعين واحدة أو بنصف عين … وقد نجحت طبقتنا السياسية في غمّنا بالمعنيين الفصيح والدارج … ألهانا سفهاؤنا بمئات المشاكل والاحتياجات البدائية التي لم نعد قادرين على حلها … ولكن بقليل من الوعي يمكن أن نفهم أن مصيرنا نحن أيضا بصدد التقرر هناك في تلك المنطقة التي تبعد عنا أربعة آلاف كيلومتر، وبيننا وبينها صحراء طويلة عريضة … لا أتحدث عن سيل المهاجرين الذين يمكن أن يتدفقوا على حدودنا الهشة، فذلك حاصل … ولا عن تأثر جارين مباشرين لنا وهما متاخمان لمدارت الصراع، وتأثير ذلك فيما بعد علينا بشتى الأشكال …

لا، فهذه منادب استأنسناها وصارت من وجبات مائدتنا … ما أعنيه أن جرس الحرية دق في تلك الربوع، وأن نفس القيود التي منها نعاني تواجه تفكيكا من مصلحتنا أن نساهم فيه … كما هي فرصة لنا لكي نرأب عشرين صدعا بيننا وبين القارة الأمّ التي لطالما عاينت عقوقنا … وربما وصلنا الآن إلى مفترق لا يحتمل أكثر من طريقين: طريق الاستعمار المؤبّد، وطريق إفريقيا الحرة …

أكمل القراءة

جور نار

فلاش باك …

نشرت

في

إسطنبول..مئات من أبناء الجالية المصرية يحيون ذكرى فض اعتصام "رابعة"

امام روتينيّة ما يحدث في بلدي رغم عديد الاشكاليات التي بقيت تترواح بين الركود ومن حين لآخر بعض الومضات امّا لرئيس الدولة وانصاره او لمناوئيه وتكرار نفس المواقف … قلت في نفسي والفضل يعود مرة اخرى للسيّد مارك وفايسبوكه ولـ “غوغل” هذه التحفة المعرفية .. قلت في نفسي لماذا لا اعكف على حدثين هامين وقعا منذ 2011 …

عبد الكريم قطاطة
عبد الكريم قطاطة

اولهما خدعة الربيع العربي كمشروع صممه الامريكان واذيالهم بدءا من تدمير العراق مرورا بتونس وليبيا ومصر وسوريا وثانيهما الحرب الروسية الاوكرانية ..وتوكّلت على الله وشاهدت اكثر من 250 فيديو تناولت هذه الاحداث بالدراسة والتحليل …وصدقا خلعت جبّة قناعاتي وميولاتي وحاولت جاهدا ان استمع واشاهد كلّ الاراء .وكلّ الاتجاهات ….في الموضوع الاول ركّزت خاصة على ما وقع في مصر وذلك لسبب ستعرفونه لاحقا …استمعت وشاهدت انصار مرسي وشاهدت مسلسل الاختيار في اجزائه الثلاثة ..

استمعت الى انصار الاخوان وفي قنوات عديدة واستمعت الى الذين انشقوا عن الاخوان منذ حكم السادات مرورا بحكم مبارك ووصولا الى فترة تولّي السيسي الحكم …وبعدها عرفت لماذا آزر الامريكان والغرب عموما الاخوان سواء في حكم مرسي او في الحرب ضدّ بشار او في تونس وليبيا …الولايات المتحدة في مشروعها الذي خططت له سنوات قبل ما اسموه الربيع العربي كانت ظاهريا دعامة كبيرة لثورة الشعوب ضدّ حكامها ودعما للديموقراطية _ وهي مثال للنفاق في ذلك ويكفي ان نعود لمواقفها من القضية الكبرى لنا جميعا فلسطين الحبيبة ومؤازرتها لعصابة الصهاينة تلك المغتصبة للارض والعباد والشجر والحجر حتى نعرف نفاقها وخداعنا بلوبانة الديموقراطية التي يردّدها هاكومة الجماعة لحدّ الان …

لبّ القضية انها كانت تهدف لخلق فوضى خلاقة في عديد البلدان العربية تهدف من ورائها إلى تشرذم هذه البلدان خدمة لمصالح اسرائيل وحفاظا على امنها لعقود ..واختيارها للجماعات الاسلامية كان في منتهى الخبث ..لانها درست بعمق تاريخ هذه الجماعات وتاكدت انها الوحيدة القادرة على تحقيق الفوضى الخلاقة ..تاريخ الجماعات الاسلامية هو تاريخ فتن ..وحتى في علاقة مختلف فصائلها بعضها ببعض هي علاقة فوضى دائمة وتكفير واغتيالات . لكأنّ لكلّ فصيل دينه ورسوله وقرآنه .اذن من يضمن للشيطان الاكبر امريكا غير جماعة الاسلام السياسي تحقيق الهدف المنشود ؟؟

مصر ولذلك اخترتها كمثال كانت اهمّ موقع ارتأته امريكا لتثبيت مشروعها من خلال مرسي العياط .. نظرا لاهميتها في المنطقة كاحدى الدول التي يُقرأ لها الف حساب … وفي الحقيقة هذا العيّاط كان مجرّد اسم لتنفيذ ما يمليه مكتب ارشاد الجماعة ..لم تدم حالة ايام العسل لعرس الجماعة في مصر رغم انّ انتخاب العياط كان دستوريا ولا غبار عليه لكن مشكلة الاخوان عبر تاريخهم انهم يقولون ما لا يفعلون وانهم فاشلون في ادارة شؤون البلد خاصة وهم لا يؤمنون بالوطن . بل فقط بالجماعة واغلبهم يعتبرون من هو خارج الجماعة امّا كافر او مرتّد .. كما حدث عندنا ايام انتخابات ما ..عندما خرجت احدى مرشّحات النهضة وعلى شاشة التيلفيزيون وهي تطلب من ائمة الجمعة ان يقولوا ومن على منابرهم لكلّ من لا ينتخب النهضة انّه كافر..

فهمتوني علاش قلت لمارك شكرا على التوثيق؟! ….

وفي نفس السياق وفي مصر هناك من جاء من زعماء ملّة من تلك الملل وبعد حسن البنّا وسيّد قطب _هذا الاخير كان وعلى امتداد 11 سنة من شبابه لا فقط شيوعيا بل ملحدا ..كيف تحوّل الى اخواني (زعمة هداه ربّي او اغراه الكرسيّ ؟؟) اعود لذلك الاخواني الذي خرج على جمهور انصاره و ادّعى انّه المهدي المنتظر … اي نعم …ولا عجب الم يحدث ما ماثله في تونس مع صاحب الخلافة السادسة ؟؟ ..وبدأ الشعب في تململ تجاه اخوان مصر ..وبدأ هدير التململ يكبر يوما بعد يوم …

كانت امريكا في تلك الفترة تطمئن مرارا عديدة العياط وجماعته بانّها لن تتركهم يغرقون …لكن وقع ما لم يكن في الحسبان … انه ظهور السيسي … عبد الفتاح السيسي في البداية هادنهم وترك للاعلام أن يفعل فعله لتعرية هؤلاء … ثم حدث ما اسماه اعداؤه الانقلاب وما اسماه انصاره تصحيح المسار ..ومما لا يذكره الاعلام كثيرا المفاجأة التي ضربت امريكا في الصميم … بل وهو الاهمّ ..امام بيان السيسي بايقاف العمل بالدستور وتنحية العيّاط امريكا قررت التدخلّ عسكريا ولكنّ المفاجأة الاكبر انها رصدت مطاردات روسية تحلّق في اجواء مصر … والاغرب انّ اقمارها الصناعية لم ترصد تلك المطاردات في اقلاعها بل تفاجأت بها فقط لحظة وصولها الى الاجواء المصرية ..وقتها فهمت انّ (اللعب حراش) وتراجعت عن التدخّل ..وهذا يوحي ايضا انّ السيسي تلقّى الضوء الاخضر من روسيا للاطاحة بالاخوان ..

اختم في هذه القضيّة بملاحظتين اعتبرهما هامتين…. اولاهما متى كانت امريكا تدافع عن الاسلام والمسلمين ان لم يكن لغاية في نفسها وهي تفتيت كلّ البلدان المجاورة لاسرائيل وجعلها تتخبط في فتنها خمسين عاما على الاقلّ؟ …الملاحظة الثانية السيسي سواء كنت معه او ضدّه وجّه ضربة قاسمة للاخوان ليس في مصر فقط بل في عديد البلدان الاخرى التي حكموا فيها ..خسارة الاخوان في مصر اضعفت حكم الاخوان ونفوذهم بشكل مذهل في عديد البلدان العربية وما بقي للبعض منهم الا رفع شعار رابعة ..اكيد تذكرتوهم …..

لا جدال في انّ ماحدث في مصر وانطلاقا من فضّ اعتصامي رابعة والنهضة (اعني نهضتهم اي ميدان النهضة المصري) ثم ميدان رابعة ثمّ ما تلا ذلك من عمليات ارهابية وعلى امتداد ثلاث سنوات، خلّف عددا مهولا من القتلى …وهذا مؤلم جدا انسانيا ..لكن الحروب وعبر تاريخها تقاس بنتائجها مهما كان عدد الضحايا ..هو ليس تبريرا لما وقع … ولكن تلك ضريبة الصراعات …وما يدور في الحرب الروسية الاوكرانية حاليا خير دليل على ذلك …

اكهو “شطّبنا” كما تقول نيلّلي وفي رواية اخرى ذوّق وشوّق ..الخميس المقبل ساتناول موضوع هذه الحرب … اختم، لم ادّع يوما انّي خبير او عرّيف في مثل هذه الاحداث كما يدّعي العديد ولكن كلّ ما عبّرت عنه كان من خلال ما استمعت اليه وشاهدته ايضا في فيديوهات عديدة ..وحتى ان عبّرت عن موقف ما فيما ذكرته عن مصر والاخوان او ما ساذكره عن الحرب الروسية الاوكرانية لا يعدو ان يكون مواقف متواضعة قد يكون غثّها اكثر من سمينها …

17 اوت 2023

أكمل القراءة

صن نار