تابعنا على

جلـ ... منار

أعمال و نوايا

نشرت

في

هذا العالم محكوم بنواياه، وليس فقط بأعماله، وكذلك أنت!

وفاء سلطان

لقد كانت حياتي، كحياة أي إنسان في عمري، كانت محطات…لم أصل يوما إلى محطة ونظرت إلى الوراء، إلا ورأيت أعمالي و نواياي قد عبدّت الطريق إلى حيث وصلت!

تبلورت لدّي قناعة مطلقة بأن حياة الإنسان هي محصلة نواياه، وليست فقط محصلة أعماله!

فالنية أشمل وأعمّ من العمل.كل عمل لا بد أن تسبقه نية، ولكن ليست كل نية تؤدي إلى عمل.قد تنوي شيئا، خيرا كان أم شرا، ولا تسمح لك ظروفك بأن تنجز ما نويت عليه.ولأنك نويت ولم تنجز، قد يخطر ببالك أنك لست مسؤولا عن شيء لم تنجزه، متجاهلا النية التي تحكّمت بك، وتركت آثارها سواء نفذتها أم لم تنفذ!

…………..

النية هي كل فكرة يفرزها دماغك، وتدور حول علاقتك بتفاصيل العالم المحيط بك!

أنت أكثر شخص تتحدث مع أنت، فعلى مدار الساعة يضج صوت في أعماقك،وهذا الصوت هو نواياك!

(سأتصل اليوم بأختي لاطمئن عليها…جارتي مها الحقيرة ليتني أستطيع أن أحرقها حية….كم بودي أن أفسد على أحمد حياته، ليته يطلق زوجته لأشمت به وبها…سأقطف بعض العنب من هذه الدالية وأحمل صحنا منه إلى جارتي…لن أعزم حماتي على الغداء إلا على جثتي…. عندما يرسل ابني معونته الشهرية لي ولوالده سأرسل جزءا منها إلى أخي، فهو بحاجة ماسة.سأعيد ترتيب خزانتي وسأعطي الفائض من الملابس إلى السيدة التي تنظف البيت.لو رسب ابن ابراهيم في المدرسة سأنتشي فرحا…لو ربحت في الصفقة الفلانية سأدفع للعائلة الفلانية اجرة منزلهم لعام…سأنظف مدخل البناية ولن أكترث إذا ساعدني أحد من سكانها أم لا…أعتقد أن فلانة تنام مع فلان ولذلك حصلت على الوظيفة….فلان يتودد لفلان كي تستفيد منه…يافرحي لم تتمّ الصفقة ولم يحصل فلان على المبلغ الذي كان يحلم به…هذه الشرموطة وضعت صور عرس ابنتها على الفيس بوك، انشالله ما بتشوف الفرح بحياتها….لقد قدمت لابنة فلانة في عرسها هدية بقيمة كذا وكذا، أما هديتها لابني بمناسبة زواجه فلا تصلحإلا لبرميل الزبالة….عندما تتصل بي مريم لتتطلب حاجة سأمسح الأرض بها…)

هذه الأفكار ومئات على شاكلتها تدور كل يوم في أذهاننا…قد نتبعها بأفعال، وقد تبقى مجرد أفكار ونوايا…لكنها لا تمر دون أن تترك أثرا، فلكل فكرة طاقة، سلبية كانت أم إيجابية،وحياتك حصيلة تلك الطاقات!لا أستطيع أن أنكر أنها تراودني أيضا، بخيرها وشرها.لكنني درّبت نفسي لأكبس على الفرامل عند كل فكرة تعبر رأسي وتحمل طاقة سلبية.أتوقف لحظة لأفكر في الأمر، ثم أعيد صياغتها بطريقة أكثر إيجابية عن وعي وتصميم!

كأن أغلي غضبا، فيضج ذلك الصوت في داخلي:“سأبصق في وجهها وسألقنها درسا لن تنساه”على الفور تشدني كلمة (سأبصق)، فأراجع موقفي:“ربما لها ظروفها، فلماذا علي أن أعطي الأمر أهمية أكبر من حجمه،لماذا لا أتجاهلها وأنهي القضية، ما الذي سأستفيد لو بصقت في وجهها؟”

عندها يهدأ روعي، وبعد لحظات اشعر بسعادة غامرة، فأعيد صياغة عبارتي:“سأتجاهل الأمر وأعانقها، ثمّ أسألها عن حالها وحال عائلتها”

…………..

باحت لي سيدة عربيّة مؤخرا بعمل مشين قامت به.طبعا مشين بناء على أي عرف من أعراف الأرض، لكنه لا يبدو كذلك في عرفها.وإذا أردت أن تبحث عن تلك السيدة ستجدها معظم الأوقات تزور معابد حيها،كي تتبارك بجدرانها!

غادرتْ البيت في الثانية ليلا، بعد أن تركت رسالة لزوجها انها ذاهبة إلى الصيدلية،فلقد أصابها صداع شديد وتحتاج إلى بعض الأدوية.لكنها كانت تنوي شيئا آخر، شيئا مغايرا تماما…توجهت إلى بيت تسكنه سيدة من معارفها في حي مجاور.أوقفت سيارتها بعيدا عن البيت، ثم ترجّلت منها وفي بيدها مفك براغ.مشت موازية لسيارة السيدة، والتي تقف أمام البيت، محدثة بالمفك حزا عميقا امتدّ من مؤخرة السيارة حتى مقدمتها.

حسبما وصفت السيارة لا أعتقد أن ثمنها يقل عن مائة ألف دولار…تروي القصة وهي تقهقه، وكأن شيئا لم يكن..ظنتْ أنه لم يرها أحد فاطمأنت وانتشت فرحا.لم تكن تدري أن للكون بليون عين تتلصص على كل شبر منه، وفي مليون اتجاه….وبأن ذاكرة الكون حاسوبية، وهي أدق من أدق آلة حاسبة!

نحن ننسى الحوادث، لكن الكون لا ينساها وتظل مسجلة في ذاكرته تنتظر يوما كي ترتد إلى مرسلها….

لنفرض أن تلك السيدة نوت أن تقوم بفعلها المشين، لكنها ـ لسبب ما ـ لم تستطع!

هل هذا يعني أنها فلتت من العقاب؟ أبدا لا!

فالفكرة بحد ذاتها تفرز طاقتها….رصيدك في البنك الطاقوي، وليس في البنك المالي، هو الذي يحدد طبيعة حياتك،وسر سعادتك أو شقائك، حتى ولو كنت أفقر أو أغنى عباد الله!

…………..

منذ حوالي عشرين عاما أو ربما أكثر، وأنا في حالة بحث دائم عن تلك الحالة التي يطلقون عليها Consciousness or Enlightment، والتي يصل إليها بعض الناس.أستطيع من خلال معرفتي وفهمي لها أن أترجمها إلى كلمة “يقظة” أو ربّما “استنارة”.لكن مفهومها أعمق بكثير من أن أترجمها بكلمة…

حضرت مئات المحاضرات حولها، ومارست الكثير من الطقوس في سبيل الوصول إليها، وزرت عدة منتجعات معنية بمساعدة زوارها للوصول إليها…وخرجت من المعممة بمفهوم يخصني، وطريقة تخصني وحدي،وتساعدني على أن أمارس ما فهمته!

هذه الحالة لا تصل إليها بين ليلة وضحاها، وعندما تصل تصبح طريقة حياة…قد تجيدها في لحظة لتنساها تماما في اللحظة التي تليها…تحتاج إلى تدريب حواسك ورفع مستوى الوعي عندك ليلتقط كل ما يدور في ذهنك وحولك، فتعي كيف تضبط صوتك الداخلي، وتتعامل مع كلّ ما يحدث بطريقة تُحسن ولا تُسيء إلى الكون!

لو فعلت ستكون يقظا كما يكون جرّاح ماهر وهو يسبر بمشرطه منطقة حساسة في الدماغ، ليستأصل ورما خبيثا استقر فيها، مستعينا بمجهره كي لا يخرب خلية سليمة!

نعم إلى هذا الحد تستطيع أن تعيش حياتك يقظا، فلا تدوس على نملة قصدا، ولا تجرح شعورا عن عمد، وتمشي في الحياة كرياضي ماهر يمشي على حبل بين جبلين، لو اختل توازنه جزءا من الثانية سيقع في لج الوادي.لو فعلت لن يدوس عليك الكون، ولن يجرح لك شعورا، وعندما تقع سيتلقفك بيديه!

ليس الأمر سهلا في بداياته، لكنك تصبح مع الزمن هدّارا وايجابيا كشلالات نياغرا،فتنساب مع الدفق الكوني، ولا يمكن أن تشحّ يوما!

…………..

هذه هي حياتي أو هكذا أشعر، وبثقة لا يتخللها أي شك!

من الطبيعي أن تتسلل بعض الأفكار السلبية إلى رأسي بعد أن تخدع جهاز المراقبة هناك، لكن في نهاية المطاف تبقى المحصلة هي الأهم…

هذا الشعور يساعدني على أن أعيش السكينة التي يعيشها رضيع يغفو على صدر أمه.أعيشها حتى وأنا أتشقلب في قلب عاصفة هوجاء، وفي ليل حالك السواد!

…………..

لا تستطيع أن تصبح يقظا ومستنيرا عندما تتجنب الظلام، بل عندما تكون قادرا على أن تنير ذلك الظلام…

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جلـ ... منار

خالق الفرح

نشرت

في

Peut être une image de 2 personnes et bébé

اتصلت صديقتي غادة بي كي تطمئن عليّ:

ـ وينك ياست الحبايب؟

وفاء سلطان
وفاء سلطان

ـ مع الحبايب أجمع البيض!

يبدو أن أرنب الفصح كان غنيا جدا وكريما جدا هذا العام… نالني منه أربعة عشر بيضة، وجدتُ في داخلها ست دولارات وعشرين قطعة من الشوكولا (أول مرّة بناتي يدفعن لي بدلا من أن أدفع لهن)!

تفوقت علي جازي بأربع بيضات وست دولارات، أما بنجي فلم ينل إلا نصف ماحصلت عليه (لا يهم إذ لا يعرف قيمة الدولار بعد)!

……..

أمطرتني غادة بوعظة دينيّة طويلة جدا، تفوقت فيها على الشيخ الحويني، لقّنتني من خلالها درسا في العبادة وكيفية الاحتفال بالأعياد،

قالت:العيد ليس جمع البيض، العيد يعني ممارسة الصلاة والتعبد وزيارة الكنيسة!

واحتدم النقاش حتى اعترفت لي بأن اليهود (يخرب عمرهم لهم قرص في كل عرس!) قد حولوا كل الأعياد المسيحية لتجارة بالمطلق، وهم الذين اخترعوا سانتا كلوز وأرنب الفصح كي يسرعوا عمليات التسويق، ويصرفوا نظر الناس عن عبادة الله الحق!

فشعرت وكأنني أصغي للقرضاوي يقص علينا حكاية بني قريظة!

يبدو أن حتوتة الشجرة واليهودي الذي سيحتمي وراءها يوم القيامة قد طالت عقول بعض المسيحيين أيضا!

……..

يا سيدتي زرت عشرات بل مئات المعابد (من كلّ الأشكال والألوان)، ورأيت فيها الكثيرين من المنافقين والدجالين وتجار الدين، الذين أبعدوني عن الله سنينا ضوئية…

ياسيدتي أقدس بيت للعبادة بيتي وبيوت أولادي، فهي الأمكنة الوحيدة التي أضمن طهارتها من الفساد والرذيلة…

ياسيدتي من لم يرّ الله في سلة بيض الأرنب الذي يشرفنا في عيد الفصح، وفي قبعة سانتا كلوز الذي يزورونا في عيد الميلاد، لا يستطيع أن يراه في أي مكان آخر…

يا سيدتي لا أريد أحدا يفرض عليّ الهه وطريقة عبادته لذلك الإله…

ياسيدتي من لا يستطيع أن يُدخل الفرح على قلب طفل لا يعرف الله…

يا سيدتي من لا ينحني ويصلي للإله القابع في عيني حفيدي آدم، لم يمارس يوما الصلاة…

..أعتذر إن كان إلهي مغايرا لما يعنيه لكِ الإله….لم أفرض يوما إلهي على أحد، ولا أريد لأحد أن يفرض عليّ الهه، والطريقة التي يعبد بها ذلك الإله.

……..

أغلقت سماعة الهاتف، ولسان حالي يتضرع إلى الله: يارب لا تجعلني من عبادك “المؤمنين” فلقد ضقت ذرعا بهم!

بل اجعلني من عبادك الذين يَفرحون ويُفرحون، فالفرح هو أنت أينما حلّ..

اجعلني من عبادك الذين جاؤوا لنا بسانتا كلوز وبأرنب الفصح، وجعلوا حياتنا أسهل وأبهى بعلومهم ومعرفتهم.

……..

قرأت منذ يومين قولا للرئيس الفرنسي ديغول: كيف سأحكم دولة تنتج 246 نوعا من الجبن؟؟؟

وأنا أقول: لا حاجة لك أن تحكمها فالله وحده يحكمها،

الله وحده يتواجد حيث توجد النعمة والوفرة والعطاء…

أما الندرة والشح فتسود حيث تتحكم العقول العقيمة والمريضة!

……..

كل عيد فصح وأنتم وجميع أرانب الأرض بخير!

Coloriage Lapin de Pâques à côté d'un panier d'œufs - Dessin gratuit

أكمل القراءة

جلـ ... منار

بفلوسي!

نشرت

في

Images de Voleur Argent – Téléchargement gratuit sur Freepik

السيدة سهير موظفة في منتصف العمر وأم لثلاثة شياطين، وهي من الطراز الذي لا يتذوق الدعابة ولا يفهمها. علمتني الحياة أن أظرف وأروع الدعابات طرًا تأتي من هذا الطراز، فهم لا يفتعلون الظرف .. إنهم ظرفاء بالطبيعة. أسخف الدعابات تأتي غالبًا ممن يعتقدون أنهم ظرفاء، وأدعو الله ألا أكون منهم.

أحمد خالد توفيق

قرأت ملحقًا لإحدى الصحف الشهيرة مؤخرًا، فوجدته مليئًا بصور أشخاص ظرفاء يضحكون في استمتاع، مع نكات من نوع (اركبي قبل الحصان ما يشوفك).. (حماتي عملت مفاجأة وجت تقعد معانا شهر).. منتهى السماجة.

هذا ليس موضوعنا على كل حال. موضوعنا هو السيدة سهير.

سألتني السيدة سهير عن طبيب أنف وأذن وحنجرة جيد لأن أذنها مسدودة منذ فترة، فاقترحت عليها دكتور سيد الشماشرجي .. هذا رجل بارع يجيد عمله وصديق قديم. توكّلتْ السيدة على الله وذهبتْ له في العيادة ودفعت مبلغًا باهظًا من المال للكشف. تقول إنها دخلت لترى قزمًا مسنًا ينظر لها في كراهية من خلال المرآة التي تثبت على الجبهة إياها، فلما فتحت فمها لتقول:

ـ”إنها أذ………………………..”

أخرسها بشخطة، ودس منظارًا في أذنها فكاد يثقبها، ثم قال في عصبية وقرف:

ـ”شمع .. لابد من غسل الأذن”

وقبل أن تفهم كان يضع طبقًا معدنيًا تحت أذنها ويدس فوهة مسدس الماء في أذنها، فتصرخ ألمًا، ثم تشعر بطوفان من الماء الدافئ يدخل أذنها ويبدو أنه يبلل مخها ذاته ويخرج من الأذن الأخرى.

ثم قال لها بذات القرف:ـ”هناك قطرات للأذن .. استعمليها !”

خرجت من الغرفة شاعرة بالإهانة، كأنما تربص بها عشرة أبطال مصارعة فأوسعوها لكمًا وركلاً. وقبل أن تفهم ما يحدث انقض عليها الممرض الجالس في الخارج ليقول في قرف:

ـ”خمسون جنيهًا !”

ـ”ماذا ؟”

ـ”أتعاب غسل الأذن خمسون جنيهًا …

“إذن ففيم كان الكشف الباهظ؟

دفعت ما طلبه هذا القرصان وهي ترتجف غيظًا، كما أن أذنها كانت تؤلمها جدًا. ومشت في الشارع شاعرة بشعور السكير الذي يطردونه من الحانة بعد منتصف الليل لأنهم يريدون الإغلاق. قدماها غير ثابتتين ولا تفهم ما يحدث، دعك من أن زوال انسداد أذنيها جعلها تشعر بدوار وبرد غريبين.

لما عادت للبيت اتصلت بي لتنفجر في غل، شاتمة ذلك اللص النصاب الذي تقاضى كل هذا المبلغ في ثلاث دقائق. والأسوأ هو مبلغ الخمسين جنيهًا .

. كان يجب أن تكفي أتعاب الكشف لكل شيء.

بعد أشهر كانت تطالع الصحيفة فوجدت صورة عروسين .. المحاسب سمير سيد الشماشرجي تزوج المحاسبة هيام منصور .. الزفاف كان حلمًا من أحلام ألف ليلة وليلة وأقيم في فندق فاخر بالقاهرة. قالت لي في غيظ:

ـ”بفلوسي!! لقد زوج ابنه بمالي ذلك اللص!”

حكيت لها ذات مرة عن السيارة الفاخرة التي ابتاعها المهندس محمود سيد الشماشرجي ابن الطبيب الشهير، فصاحت في غل:

ـ”بفلوسي!!… يستطيع أبوه عمل أشياء كثيرة بالخمسين جنيهًا التي تقاضاها لغسل أذني!”

ذات مرة نشرت إحدى المجلات حوارًا مع دكتورة اسمها غادة تتحدث عن جولتها في اليابان ودول جنوب شرق آسيا. قالت في الحوار إنها زوجة واحد من أهم أطباء الأنف والأذن والحنجرة في مصر، وهو الدكتور سيد الشماشرجي.هنا صاحت السيدة سهير:

ـ”بفلوسي…!.. زوجته الشمطاء تجوب العالم كله بالخمسين جنيهًا”

رأيت أن الأمر تحول إلى هاجس أو وسواس قهري بالنسبة لها، فلولا ما في ذلك من مبالغة لطلبت من د. سيد الشماشرجي أن يرد لها مالها كي يتجنب هذه اللعنة السرمدية. لا شك أنه سيصاب بمرض عضال وينفق أضعاف الخمسين جنيهًا لعلاجه، لأن السيدة سهير – كما نقول في العامية – مش مسامحة!

العكس يحدث أحيانًا. الحكاية هي أنني منذ أعوام اشتركت في واحدة من مطبوعات اليونسكو الشهرية، والاشتراك ثلاثون جنيهًا في العام تقريبًا. ثم وجدت أن الأعداد تتكدس وأنا لا أطالعها… جاءت لحظة الحقيقة وقررت أنني لست بحاجة لهذه المطبوعة وكتبت خطابًا أعتذر فيه عن عدم الاشتراك لعام آخر.. أرسلوا لي يسألون عن السبب فلم أرد.

بعد أشهر قرأت في الصحف الخبر التالي (وهذا الكلام حقيقي على فكرة):

ـ”اليونسكو مهددة بالإفلاس لأن الولايات المتحدة خفضت مساهمتها في تمويل المنظمة”

طبعًا لم أحتج لأسئلة أكثر .. لقد تدهورت حالتهم المادية فعلاً عندما تركتهم، وعندما كففت عن دفع ثلاثين جنيهًا كل عام.

يبدو أن هذه المنظمة كانت تعتمد كلية على فلوسي.

قصة أخرى طريفة عندما كنت مدعوًا لمهرجان أدبي في قطر خليجي شقيق. كان طعام الفندق ممتازًا، وأنت تعرف عقدة البوفيه المفتوح. ربما هي فرصتك الأخيرة كي تجرب حساء التوم اليوم أو الباتاي أو القبوط أو الدجاج بالطريقة الإيرانية، أو حساء المنسيتروني وشرائح سمك الكنعد بالليمون.. ملعقة من كل شيء وسوف تكتشف أن الطبق مليء جدًا وأن ثيابك تضيق.

بعد ثلاثة أيام فتحت جهاز التلفزيون في الفندق، فوجدت أن حكومة البلد الثري مجتمعة لمناقشة الانهيار الاقتصادي الذي حدث مؤخرًا!.

شعرت بخجل شديد لأنني تجاوزت حدود الضيافة، وحاولت جاهدًا ألا أجرب سوى صنف واحد في الوجبة. إن شراهتي كفيلة بتدمير دولة فعلاً.

نعود للسيدة سهير التي أضناها التفكير في مالها…الحقيقة أنها ليست واهمة تمامًا. لا شك أن مالها ساهم بقدر ضئيل جدًا – كذرة في جسد – في نفقات رحلة آسيا.

هذا المفهوم ينطبق على الدول نفسها: عندما يعتدي عليك أمين الشرطة ويصفعك أو يطلق عليك الرصاص، أو يلفق لك قضية مخدرات بأحرازها مستعملأً قطعة البانجو في جيبه، فهو في الحقيقة يتقاضى راتبه من جيبك. حتى الرصاصة التي استقرت في رأسك أنت دفعت ثمنها.

المتظاهرون دفعوا بالكامل ثمن الغاز الذي يستنشقونه.

محصل الكهرباء الذي يخرب بيتك يتقاضى الراتب منك أنت.

هذا ينطبق على كل موظف في الدولة من أصغر رأس لأكبر رأس. كل المستشارين الذين يحصدون المليارات كل عام. من أين يحصلون على هذه المبالغ الفلكية؟ من جيبك طيعًا.

في الخارج يؤمنون أن رئيس الدولة نفسه موظف يتقاضى راتبه من جيوبهم، وعليهم أن يعرفوا ما فعل به، بينما في الدول العربية يسود المفهوم الأبوي القبلي الذي خرب بيوتنا:

أنت تعيش بما يجود به الحاكم عليك…

شيخ القبيلة الذي يقذف لك بصرّة من الذهب، بينما أنت في الواقع شاركت بقطعة نقدية في هذه الصرة.

السيدة سهير لم تبالغ في تصوراتها. هي فقط بالغت في أهمية الخمسين جنيهًا التي دفعتها

أكمل القراءة

جلـ ... منار

بِع وَردًا ولا تلعن الحياة

نشرت

في

Peut être une image de amarante

لم يمنعني المطر من أن أمارس طقوسي هذا الصباح.على العكس تماما، فالمطر هو أكثر الظواهر الطبيعية التي تسهل عليّ التواصل مع الكون وقراءة رسائله!

وفاء سلطان
وفاء سلطان

دخلت مقهاي المفضل لاحتسي فنجان قهوتي،ورحت أتأمل بعمق كل شيء حولي لأستشف الرسالة الكونية لهذا اليوم، إذ لم يمر يوم ونسي الكون فيه أن يخصني ببريده، ومن ذلك البريد أستمد كل صباح حكمة تزيدني شوقا للصباح الذي يليه… على يساري جلست سيدة، وقبالتي لمحت سيدة أخرى… وبين السيدتين كانت الرسالة واضحة وجليّة، وتحمل حكمة ولا أجمل… كلا السيدتين دخلت المقهى لنفس الغاية، دخلتاه تنشدان بعض الدفء، وهربا من زخات المطرالتي لم ترحم رأسا من لسعاتها!

السيدة على يساري، ومن ثيابها تعرف أنها مشردة وتعيش في الشوارع… والسيدة على يميني تحمل سطلا من الورود وتنظر عبر الزجاج أملا في لحظة صحو لتركض إلى الخارج وتستمر في بيع ورودها للمارة!..

تحسستُ طاقتها التي تفيض حبا للحياة، فاقتربت منها علني أمتصُّ بعضا منها!

اشتريت وردة ودار بيننا حديث شيق، علمت من خلاله أنها متقاعدة في منتصف الستينات من عمرها، وأنها تمارس تلك الهواية التي تدرّ عليها ربحا جيدا، كي تبرهن لنفسها أنها مازالت منتجة، علما بأن راتبها التقاعدي يكفيها من الناحية المادية!

اسمها روز، وتصرّ أن لها من اسمها نصيبا، فهي تعشق الورود وتشعر بسعادة عامرة عندما تبيع أحدا وردة!

تقول: ليس ما أجنيه من بيع الورود ما يسعدني أكثر، وإنما البسمة التي أرسمها على شفاه الناس!

وتتابع: لم يشتر أحد وردة إلا وبطريقة لا شعورية قام على الفور بشمّها، تسحرني تعابير الوجوه عندما تشمّ ورودي، واشعر أنني ساهمت في رسم تلك التعابير…

ثم شكرتني على شرائي لإحدى ورودها، وتمنت لي يوما جميلا!

……..

بينما في الوقت نفسه، يقترب مدير المقهى من السيدة الأخرى، ويتمتم في اذنها، فتخرج وتجر وراءها رائحة قاتلة!

لا أتصور أنه طلب منها أن تغادر، إذ لا يستطيع بالقانون أن يفعل ذلك، بل طلب منها أن تحرك عربتها المليئة بأغراضها لأنها تعترض المدخل إلى المقهى!

……..

نعم، تلك هي الحياة مجرد قرارات، وأنت مسؤول عن قراراتك!

سيدة قادتها قرارتها لتكون مشردة تفترش الشوارع وتلتحف السماء، وأخرى قادها قرارها لأن تمارس هواية محببة لنفسها، كبرهان على أنها مازالت تعشق الحياة، ومازالت بكامل وعيها لتعيشها بعمق!

……..

أما أنا فعدت لأمارس شغفي، وأنهي كتابا كنت قد بدأته الليلة السابقة…الكتاب بعنوان:

?What would you do if you knew you could not fail

(ماذا ستكون قد فعلت لو علمت أنك لن تفشل؟)

في الفصل السابع من الكتاب، جاءت تلك العبارة:”لو أن حلمك قد وقع فانكسر وتحوّل إلى ألف شظية، إياك أن تخاف من أن تلتقط على الأقل واحدة منها لتبدأ من جديد”

……..

لا يوجد أحد فينا إلاّ وتشظى حلمه يوما،

وحدهم الذين قرروا أن يتمسكوا ـ ولو بشظية واحدة ـ ليبدؤوا من جديد،

وحدهم قد بدؤوا ووصلوا إلى حيث يريدون!

السيدة المشردة وبائعة الورود من الأمثلة الحيّة.

……..

بع وردا ولا تلعن الحياة، فالحياة تلعن من يلعنها!

أكمل القراءة

صن نار