تابعنا على

وهْجُ نار

استفتاء دون حضور جمهور الفريق المنافس … ودون تقنية” الفار”!

نشرت

في

من سيذهب إلى مكاتب الاقتراع يوم الاستفتاء؟ ومن سيمرّ أمام أبواب هذه المكاتب ضاحكا مستهزئا دون مبالاة…؟ ومن سيمكث في منزله مقاطعا المشاركة في كل ما يحدث…؟

محمد الأطرش Mohamed Alatrash
محمد الأطرش

لا يمكن الجزم بأن كل قوى المعارضة لـــ”انقلاب” قيس سعيد على شركائه والرافضة لدستوره الذي صاغه على مقاس توجهاته وميولاته وفلسفته السياسية سيزورون مكاتب الاقتراع، فبعضهم يعتبر مجرّد المشاركة بــ”لا” اعترافا لما أتاه قيس سعيد وبشرعية ما قام به يوم 25 جويلية الماضي، وشرعنة لكل قراراته ومراسيمه التي جاءت بعد ذلك التاريخ…وبعضهم الآخر يعتبر المشاركة بـــ”لا” والحضور بكثافة كاملة شاملة مع حشد الاتباع والانصار والداعمين والمساندين هو السبيل الوحيد لإسقاط دستور سعيد وبالتالي نزع الشرعية الجماهيرية والانتخابية التي كثيرا ما تفاخر بها هو وأتباعه في العديد من المناسبات عن الرئيس… والحال أن الشرعية الشعبية والانتخابية في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية يعود الفضل فيها للأحزاب وقواعدها وأتباعها التي قررت التصويت بكثافة مطلقة لقيس سعيد قطعا للطريق أمام من جعلوا منه امبراطور الفساد “نبيل القروي”…

النهضة ومن معها…بين خيارين

هل ستُقدم النهضة على معاقبة من أخرجها من الحكم وحمّلها مسؤولية كل الخراب الذي حلّ بالبلاد منذ 14 جانفي إلى يومنا هذا، وألصق بها وبقياداتها كل تهم الأرض والسماء؟ وهل ستقدر النهضة على حشد كل من جاوروها في الصلاة…عفوا في الحكم وتوافقت معهم ولو لفترة قصيرة للوقوف إلى جانبها في “أم المعارك”؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه هذه الأيام، فالحملة الاستقطابية والمراودة الواسعة لنعم ممن تطوّعوا للدفاع عن دستور قيس سعيد وإخوته تعيش احتشاما واضحا وجليّا للجميع…فلا أثر لحملة استمالة واستقطاب ولا لمراودة استفتائية في الطريق العام أو في الفضاءات والساحات العامة…ولا أثر لذلك أيضا في أغلب مقاهي المدن الكبرى ولا في حوارات روّادها…

الخيار الأول…

يكمن خيار حركة النهضة الأول (حسب بعض أتباع قيس سعيد أو ما يتمنونه ويأملونه ) في دعم مسار قيس سعيد “الدستوري” طمعا في مصالحة غير معلنة بينها وبين هذا الأخير…وقد يذهب في ظنّ بعض قيادات الحركة سواء كانت المحلية أو الجهوية أو الوطنية ان قيس سعيد قد يغفر لها كل ما اتهمها به أو ما ألصق بها من أتباعه لو أنقذته بالتصويت له بــ”نعم” من هزيمة تكاد تكون مؤكّدة لو يشارك الجميع بــ”لا”، وقد تكون هزيمة مذلّة سياسيا لو كان الفارق هامّا وهامّا جدا…ويعتبر البعض هذا الخيار لو قررته مؤسسات النهضة انقلابا على شيخها وابعادا له من قيادة الحركة، رغم أن البعض يقول ان الشيخ قد يناور بهذه الفرضية من أجل إطالة عمر حركته سياسيا، وإنقاذ نفسه وبعض قيادات حركته من “محاسبة” قد تبدو مؤكّدة لو وضع قيس سعيد كل السلطات  بين يديه وكسب شرعية جماهيرية أخرى، واستباقا لفرضية إيقافه ولو تحفظيا لبعض الأيام في إطار آليات حملة مسانديه الانتخابية فقد يستفيد الرئيس من إيقاف الغنوشي لإقناع من خاب ظنّهم في محاسبة بعض قيادات الحركة …لكن هذا الخيار قد يكون سببا في خلق الانقسام في الجبهة الداعمة والمتحالفة مع الحركة والمعارضة لكل ما جاء به قيس سعيد منذ انقلابه على شركائه في الحكم…وقد يخدم هذا الانقسام قيس سعيد ويمكّنه من فرصة أخرى للتربّع على عرش البلاد ربّما لأكثر من عقد كامل أو يزيد، وقد يخدع مرّة أخرى الشيخ ومن معه بعد أن يضمن مباركتهم لدستوره بــ”نعم” وينقلب عليهم بقرار حلّ كل من عارضوه من الاحزاب منذ يوم انقلابه عليهم…فهل تفعلها النهضة درءا للاندثار المحتمل لو توسعت رقعة سلطات قيس وشعبيته، ونال شرعية واسعة دون دعم من الأحزاب الكبرى كما كان الحال في أكتوبر 2019 أم تقرأ عواقب الأمر وتعدّ لأم المعارك سواء بالمقاطعة الاستراتيجية الشاملة التي قد تكون مكاسبها المعنوية والسياسية داخليا وخارجيا ضئيلة جدا ليس أكثر أو بالمشاركة الحاشدة بــ”لا” والتي أكاد أجزم أنها ستكسبها مع حلفائها وبفارق كبير؟

الخيار الثاني…

ينقسم هذا الخيار إلى قسمين، أحدهما المشاركة بــ”لا” والثاني المقاطعة الشاملة، وقد تقرّر النهضة معاقبة سعيد ومن معه والثأر لنفسها مما فعلوه بها وببعض قياداتها وتحشد حشودها من القواعد والاتباع والمناصرين والداعمين والمساندين والحلفاء وقد يفوق حشدها عدد من صوّتوا لقيس سعيد في الدور الثاني، فحقيقة الميدان اليوم غير تلك التي يفاخر بها أنصار الرئيس سعيد فأتباع هذا الأخير خسروا عديد المرّات معركة الشارع، ولم يؤكّدوا حجمهم المبالغ فيه افتراضيا… النهضة على يقين أن قيس سعيد لن يتراجع عن خياراته حتى ولو كلفه الأمر هزيمة مذلّة في كل المعارك السياسية القادمة…كما تدرك أنه غير قادر على إخراج البلاد مما هي فيه بل سيكون سببا في تأزم الأوضاع في كل مناحي الحياة أكثر مما هي عليه، وأنه سيتحمّل لوحده تبعات كل ما حصل منذ 14 جانفي فهو من اختار الانقلاب عليهم وتحمّل كل مسؤوليات الدولة بمفرده وهو من سيأخذ على عاتقه وزر كل الخراب الذي عاشته البلاد… لذلك لن تغامر بمساندته…

تدرك قيادات النهضة ومن تحالفوا معها ان المقاطعة ليست السلاح الأمثل في معركة تعتبر أهمّ معاركها السياسية على الإطلاق، لكنها ومن معها يهدفون باختيارهم للمقاطعة رفضا لدستور سعيد، إلى تحقيق مكاسب معنوية وسياسية أهمّها تعرية وكشف حقيقة انقلاب سعيد للراي العام الداخلي والعالمي، فالمقاطعة حسب رأي العديد من قيادات النهضة ومن معهم في التحالف المعارض هي الوسيلة الأمثل لكشف نوايا سعيد الحقيقية للرأي العام العالمي وجميع المراقبين للاستفتاء، وقد تؤكّد بالحجج والأدلّة وبما سيقع لو اختار سعيد فعلا اعلان نتائج الاستفتاء بمن حضر حتى وإن كانوا بعدد ضئيل جدّا، وقد تثبت بذلك ما يدور في الأوساط المعارضة للرئيس حول إمكانية “تزوير” نتائج الاستفتاء والتحكّم في  مساره النهائي من خلال التعنّت في عدم تحديد عتبة نسبة المشاركة، فأغلب الاستفتاءات التي وقعت في بلدان القارة الافريقية تمّ تحديد عتبة نسبة المشاركة فيها، ففي استفتاء تقرير مصير جنوب السودان سنة 2011 بلغت نسبة المشاركة 60 بالمائة وهي النسبة القانونية المطلوبة للاعتراف بشرعية نتائج الاستفتاء، وقد اشرفت على مراقبة ذلك الاستفتاء مؤسسة جيمي كارتر…

لكن النهضة ومن معها لم ينتبهوا لأمر قد لا يكون في صالح نواياهم وما يريدونه من المقاطعة فالمقاطعة سلاح دو حدّين، فقد تختار بعض الأطراف الأخرى المعارضة لدستور سعيد المشاركة بــ”لا” وقد تنهزم لضعف حجمها الانتخابي في غياب النهضة ومن معها أمام أتباع ومساندي قيس سعيد ليكسب الاستفتاء شرعية رغم نسبة المشاركة التي قد لا تصل إلى 20 بالمائة من نسبة الناخبين المسجلين…وهذا ما قد يفسد الأمر على النهضة…وهو الأمر الذي لم تتفطّن إليه وغفلت عن دراسته جيّدا…فالمقاطعة الجزئية للناخبين لن تكون في صالح معارضي دستور سعيد بل ستخدم سعيد وتكسبه موقعة الدستور…

وتميل بعض الأطراف في حركة النهضة وبعض المكونات المتحالفة معها في معارضة انقلاب سعيد إلى المشاركة الحاشدة بــ”لا” وإغراق الصناديق بـــ”لا” لضرب شرعية قيس سعيد التي يفاخر بها وتأكيد أن هذا الأخير لم يكن ليفوز بقرطاج لو اختارت الأحزاب دعم منافسه في الدور الثاني…وبالتالي إعادته إلى حجمه الانتخابي الطبيعي…لكن هذا الخيار سيكون حينيّا وستفرضه أحداث يوم الاستفتاء ومعطيات الميدان ومكاتب الاقتراع…

الدستوري الحرّ والمقاطعة المنتظرة…

تشير كل المعطيات الواردة من قلاع الدستوري الحرّ إلى أن المقاطعة هي السلاح الذي اختارته عبير ورفاقها في مواجهة دستور سعيد، وقد تلتقي لأول مرّة مع حركة النهضة في هذا الخيار…ورغم أن التقاء الحزب الأول والثاني في عمليات سبر الآراء قد يفرغ الصناديق من محتواها ويرسل صورة سيئة عن الاستفتاء من خلال مكاتب خالية من كل حياة ( وهو ما قد يثير غضب سعيد) فإن مشاركتهما بـــ”لا” سيقلبان بها المشهد السياسي رأسا على عقب… فالدستوري الحرّ لن يكتفي بقواعده الرسمية في مواجهته لدستور سعيد وانقلابه بل سيكون مدعوما ومسنودا من طيف واسع من الذين اكتووا بنار احدى عشرة سنة من التخبّط والمراوحة في مستنقع الفشل والمعروف عن “الدساترة” و”الــتجمعيين” الوقوف مع بعضهم البعض والتآزر في المعارك المصيرية…وسيكون مساندا أيضا ممن اختاروا الصعود إلى الربوة فهؤلاء قد يختارون هذا التوقيت للخروج من انغلاقهم على أنفسهم وسلبيتهم والاسهام في درء الأسوأ لبلاد كانت قبل 14 جانفي في وضع اقتصادي واجتماعي وسياسي أفضل بكثير مما هي عليه الآن، وأفضل بأشواط مما ينتظرها من دستور كشف في نسخته المنشورة بالرائد الرسمي عن رائحة لم يألفها الشعب التونسي…

الاتحاد…وسياسة أنا وبعدي الطوفان…

أما الاتحاد الذي طالبته زعيمة الدستوري الحرّ بعدم السماح بتنظيم الاستفتاء سيكون وفيّا لمصالحه…ولن يختار ما قد يُخْسره مكاسبه التي افتكها منذ 14 جانفي، فالاتحاد ابتز الشعب والدولة وكل الحكومات وتلاعب بمصير العاطلين والعمال طيلة احدى عشرة سنة ولم يكفه ذلك بل أصبح يطالب بالشراكة الكاملة مع كل الحكومات المتعاقبة على القصبة…الاتحاد بقياداته الحالية والتي سبقتها نسي شعار “التشغيل” الذي رفعه شباب حراك ما قبل 14 جانفي واكتفى بتفعيل شعار” زيدني في الشهرية” فأغرق البلاد وأحبط العباد …الاتحاد بقياداته الحالية سيكون وفيّا لمصالحه ولن يتخلّى عنها ابدا…فيكفي أن يقرّر الرئيس إلغاء الاقتطاع الآلي ليجد الطبوبي ورفاقه يدقّون بابه طلبا في ودّه ورضاه…وما ستعطي يُمناه…

الغريب في أمر الاتحاد هو أنه لا يزال يتباهى بقوّته الجماهيرية وكأنهم من الرعيّة أو القطيع والحال أنهم خليط من قواعد كل الأحزاب، فلو قرروا يوما عدم الأخذ بما يقرره والعودة لأوامر أحزابهم لبقي الطبوبي ورفاقه دون سند ودون دعم ممن يفاخرون بأنهم خيمتهم الكبرى…فالمعركة الحالية ليست بالأساس معركة سكان ساحة محمد على ولذلك اختار الطبوبي ترك الحرية لمنخرطي الاتحاد في تحديد موقفهم من دستور الرئيس…لأنه في قرارة نفسه يدرك أن منخرطي الاتحاد لا يأتمرون سياسيا لأوامر سكان ساحة محمد علي…ولسائل ان يسأل ما الذي فعله الاتحاد في مواجهة مراسيم قرطاج…لا شيء غير الصراخ…في شرفة المقرّ الرسمي …

خلاصة ما يجري… لا يمكن مقارنة حجم مساندي دستور الرئيس مع حجم معارضيه …فالفارق شاسع بينهما، فلو اختارت معارضة الدستور المشاركة الشاملة بــ”لا” فستكون النتيجة كارثية إلى ابعد الحدود…وسيضطرّ ساكن قرطاج إلى التراجع درءا للأسوأ ومهادنة بقيّة الأطراف حتى موعد الانتخابات الرئاسية القادمة …الذي قد يتحوّل إلى موعد سابق لأوانه… 

لكن لو اختار كل الطيف المعارض للدستور المقاطعة سيجد الرئيس نفسه وجها لوجه مع انتصار كاسح ومذلّ للبقية، وسيعتبره الخارج حتى وإن شابته بعض الشوائب اعترافا بشرعية انقلاب سعيد، وقد يكسب من خلال ذلك عودة الودّ بين حكومته وبعض المنظمات والدول المانحة…

شخصيا أعتبر المقاطعة سلاحا ذا حدين وهي نفس السلاح الذي كان بن علي يكسب به كل مواعيده الانتخابية، فبن علي لم يكن يزوّر الانتخابات كما يزعم من عارضوه ولم يكن في حاجة إلى تزويرها، بل كان ضعف المعارضة وعزوف نصف عدد الناخبين واعتبارهم أن النتيجة محسومة مسبقا هو الذي يعطي الأغلبية الكاسحة لبن علي وحزبه…وهنا لا يمكن المقارنة تماما فالفارق شاسع بين الرجلين فبن علي كان رجل دولة خدم البلاد لأكثر من أربعين سنة وتتلمذ على الزعيم بورقيبة ومن خصاله التي تميّز بها اختياره للكفاءات على رأس كل مؤسسات الدولة…وعدم ترك رجاله لمصيرهم…فحتى وإن عاقب أحدهم بإعفائه فإنه يبحث له عن موقع آخر تستفيد منه الدولة…ثم قد يعيده في مرحلة إلى موقع قريب منه للاستفادة من خبرته التي صقلها بالإشراف على عديد المواقع الهامة في الدولة…ومما ميّز بن علي في اختياره للكفاءات أنه كان يختارهم أيضا ممن يختلف معهم وممن عارضوه…

وهنا يمكن القول أن دستور سعيد وإن مرّ فسيمرّ بسبب غباء معارضيه، فمقاطعة معارضيه ستترك له الساحة شاغرة وخالية من كل مقاومة سياسية، وسيكون هذا الدستور أقصر الدساتير عمرا، فمن قاطعوا استفتاء الدستور لن يسمحوا لأنفسهم بمقاطعة الانتخابات الرئاسية التي قد تصبح سابقة لأوانها إن اختلطت بعض الأوراق، وحينها لا أظنّ ان قيس سعيد سيعود للجلوس على كرسي قرطاج من خلال ما أتاه في عهدته هذه، فالرئيس لم يقم بما ينفع الناس ولم يلتفت يوما إلى ما يخرجهم مما هم فيه…فالشعب حين يجوع ويشعر بالإحباط ويبكي أولاده الذين ماتوا غرقا…وأولاده الذي يرزحون تحت استيطان البطالة…لن يهتمّ بدستور يعترف بحقوقه ولا يعمل بها…وسيختارون رئيسا جديدا يلتفت جدّيا إلى مشاغلهم ومشكلاتهم ويهتمّ بمستقبل أبنائهم …وحين يختارون رئيسا جديدا سيكون أول ما سيأتيه إلغاء العمل بالدستور “القيساوي” نسبة إلى قيس سعيد، واقتراح مشروع دستور جديد أو العودة إلى دستور من الدساتير القديمة مع تعديل بعض فصولها….

خلاصة ما ستعيشه تونس في السنوات القادمة…الجائع لا يذهب إلى صناديق الاقتراع من أجل دستور لا يدفع حتى ثمن كفنه…يوم يموت جوعا…الشعب في حاجة إلى ما ينفع الناس…وينزع عنهم اليأس…

                                                

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

وهْجُ نار

خليفة ولد عمّي والانتخابات المحليّة … وحمار سعد زغلول (2)

نشرت

في

كانت الساعة تشير إلى الرابعة فجرا حين تمّ قصف باب منزلي طرقا من مجهول …فالطرق كان أشبه بالقصف الذي نسمع صوته في نشرات أخبار القنوات العربية الإخبارية التي تنقل إلينا مباشرة مشاهد الخراب والموت والدمار في جنوب فلسطين…الحمد لله أني لم أكن نائما في تلك الساعة فأنا تعودت على ترك الفراش باكرا جدّا لإعداد فطور صباح قططي والقطط الصديقة والشقيقة واللاجئة من الأنهج المجاورة الباحثة عن بقايا أكل لإطفاء جوعها…

محمد الأطرش
محمد الأطرش

خرجت مسرعا إلى الباب الخارجي لأرى من الطارق، فكان خليفة صاحب الحمار… لم يفاجئني حضوره في تلك الساعة فنحن في ليلة فرز أصوات الانتخابات المحليّة والأكيد أن “خلفون” لم ينم إلى حدّ الساعة وجاءني مباشرة من مركز فرز الأصوات ليبشرني…

ارتمى عليّ خليفة صاحب الحمار واحتضنني أقصد عصرني يمنة ويسرة حتى كاد يكتم أنفاسي فصرخت بأعلى صوتي وقلت: “سيبني قتلتني يا منجوه…” …فردّ: “ربحت يا ولد عمّي ربحت…جبت أكثر من خمسين بالمائة مالاصوات…صرفڨتهم وهردتهم جبتهم يدورو وخليت الكوني والشعلاء يلعبوا في الزربوط والبتشي…وينها الحاجة باش نعلمها …؟؟” أجبت على عجل: “لا لا الحاجة؟؟؟ لا تحضنها لا تمدلها ايدك يا جلف… تحب تكسرلها ضلوعها…قوللها من بعيد راني ربحت وسكر جلغتك…”…

نظرت إليه وسألته أين الحمار يا صاحب الحمار؟؟ فقال كالعادة خلف شجرة “الكلاتوس” يتنفس الصعداء بعد حملة انتخابية أرهقته وكسرت ظهره من كثرة ما جاب بي كل أرجاء الدشرة …قلت لحظة أذهب إلى الحمار أهنئه بهذا الفوز الساحق وأعود…نظر إلي وقال “اشنوة تهني الحمار …تي شكون ربح انا والا هو…؟؟؟ مخيبك ولد عمّي” قلت: “هو من كان سببا في فوزك اليوم لو لم يكن هو إلى جانبك وسندك الأكبر وداعمك الوحيد المصاحب في كل أيام الحملة لما فزت بهذه النتيجة الساحقة؟؟”…

 جاءت الحاجة مسرعة وهي تقول: “اش ثمّة شنهي هالحس يا ولد عمي…وشكون ها البغل اللي يدق في الباب هكاكه يعطيه مدفع ان شاء الله…” سمعها السيد النائب وأقصد خليفة فقال: “أنا يا حاجة …سامحيني جيت طاير مالفرحة حبيت نعلمكم انتو الاولانين لأنكم انتم الاولانين اللي ما شككتوش في قدرتي على الفوز بالأغلبية المطلقة…توه أنا بغل يا حاجة حرام عليك…؟؟ وعلاه يا حاجة تدعي علي بمدفع…؟؟” نظرت إليه المرأة ضاحكة وقالت: “سامحني خلفون نائبنا التحفون …نسخايله واحد آخر…ايا امالا نضربلها زغراطة بالقوي خلي الدشرة الكل يفيقوا يا خلفون..” قاطعتها وقلت: ” لا..لا…تزغرط توّه فاش قام الناس راقدة وانت تزغرط…اش يقولوا علينا الناس؟؟؟” 

اختنقت الزغروطة في حلق الحاجة ونظرت إلى النائب صاحب الحمار وقالت: ” تي وينه البهيم يا خلفون…خليني نهنيه مسكين اش عانى منك وهزّك على ظهره…؟؟” نظر إليها غاضبا وقال: ” اشبيكم انتو الكل عالبهيم …تهنوه يخي قولولي أنا والا هو النائب؟؟”…نظرت إليه ضاحكا وقلت:” اشنوة خلفون تغير مالبهيم…يخي موش هو السند متاعك وأكبر داعم لحملتك…يخي ما هزكش على ظهره ايامات وليالي…شبيك اليوم باش تنكر فضل البهيم عليك…موش حرام عليك راهو بكمة…؟؟” فرك خليفة ذقنه بيده اليسرى وقال: “صحيح هو اللي عانى معايا وهزني على ظهره…وما ننكرش فضل البهيم واش خصّ لوكان عندنا برشة بهايم كيفو…لكن موش لدرجة تنسوني جملة…راني جيتكم نحب نتفاهم معاكم كيفاش باش نعمل زردة واحتفال وحفل استقبال على شرف هذا الفوز العظيم يا أولاد عمّي..”.

اقتربت من الحاجة وطلبت منها إعداد فطور صباح “قمقوم” للنائب صاحب الحمار فالرجل متعب من سهرة فرز الأصوات ثم توجهت لخليفة وقلت: “تعال رتّح فخّار ربي…ونقعدوا نبرمجوا الحفل وشكون تستدعاله؟؟” جلس خليفة إلى جانبي مرهقا شارد الذهن وكأنه في مكان آخر ليس بيننا …وكأنه يحمل أوزار كل الدنيا…قلت له: “شبيك تخمّم لاباس أمورك فسفس هاك وليت نائب…وتوه عاد باش تاخذلنا كرهبة تطنطن وتولي اجتماعات وسفرات للعاصمة ولقاءات مع المسهولين الكبار…” ضحك وقال: “لا…كرهبة لا…بهيمي هو نصف ديني …هو اللي هزني وقت اللي ركايبي فرغوا …بهيمي عشيري ما نبدلاش بخردة حديد لوكان يعطوني مال الدنيا…” ضحكت وتمتمت خوفا من أن يسمعني النائب صاحب الحمار “وعلاه انت اش تسوى من غير البهيم…يا بهيم..” نظر إلي خليفة وقال ” اش اتمتم…بربي؟؟” قلت: ” لا لا لا شيء …”.

جاءت الحاجة بفطور الصباح فنظرت إليها قائلا: “ما تنسيش فطور البهيم يا حاجة؟؟” أجابتني: “اشنوة حتى هو قهوة وحليب زادة…؟؟” قلت: لا لا لكن شوية ڨرط هوكه شريت على ما يواتي بالة ڨرط محطوطة وراء الڨاراج مساهمة مني ودعم استراتيجي ولوجستي لخلفون…وصُبيلَه شوية ماء راهو عطشان مسكين اش عانى من بلاء”…أنهى خليفة فطور صباحه النيابي فبالأمس كان خليفة مولى البهيم واليوم أصبح النائب صاحب الحمار…ونظر إلي وقال: “اعطيني فكرة على البرنامج ولد عمّي تعرفني جهلوت ما فاهم حتى كعبة ولوكان موش البهيم هزّ معايا ثقل الحملة كاملة راني توّه نجر في أذيال الخيبة…”.

فكرت قليلا وقلت: “اسمعني جيدّا…أولا يلزمك تكتب كلمة ترحيبية بالحضور باهي…وتنادي العمدة يحضر وكان لزم المعتمد…باهي…(كان خليفة يهزّ راسه كلما سمع كلمة باهي …فيعيدها محركا رأسه خلفا وأماما…ويضيف: حاضر..)…ثانيا يلزمنا نعرفوا قداه من واحد صوتوا في الدشرة الكل…باهي…ونعرفوا نسبتهم من عدد الناخبين …ويلزمنا نعرفوا اشكون صوتولك انت والبهيم بالذات…باهي”…هنا قاطعني خليفة في حالة غضب وقال: “اشنوة صوتولي انا والبهيم.. بصراحة كثرتولها ولد عمّي…أنا المترشح راهو…والبهيم مساند رسمي وداعم…وعضدي الأيمن…اكهو…” نظرت إليه وقلـت: “يا خليفة بربي قلّي موش الناس الكل في الشارع وعندهم مدّة يقولوا شوفوا النائب خليفة والبهيم متاعه يخي انتو قاسمين…انت وليت معروف ببهيمك…نهار اللي يشوفوك وحدك باش يسالوك عالبهيم وينه…ونهار اللي يشوفوا البهيم وحده ما نتصورش باش يسألوه عليك…خاطر هو ولى اشهر منّك بصراحة…باهي…وخليني نكمل البرنامج حسب وجهة نظري باهي..”

نظر إليّ خليفة وقال: “باهي ولد عمّي كمّل …كملّ…” وهنا تدخلت الحاجة لتقول: ” يا خلفون خلّي ولد عمّك يكمّل راهو طيارة في تنظيم الاستقبالات وحفلات التوسيم والانْتِخَيْبَات…” ضحكت وقلت للحاجة “انتخابات…انتخابات يا حاجة موش انتِخَيْبَاتْ…باهي” حركت رأسها كالنائب وقالت: أوكي…وضحكت… نظرت مرّة أخرى إلى النائب صاحب الحمار وقلت “نسألك وتجاوبني أوكي خلفون..” قال نعم …

قلت: كم عدد الناخبين المسجلين الكلّ في الدشرة حسب ما أعلموكم هناك في مركز الفرز؟

خليفة: 112 ناخب…البقية ثمة اللي ماتوا وثمة اللي حرقوا العام اللي فات وثمة اللي ما حبوش يسجلوا…

أضفت: كم صوّتوا ؟؟

خليفة: 10 صوّتوا…والبقية ثمّة اللي ما فيبالهمش…وثمة اللي ممتنعين…وثمّة اللي نسوا…

قلت: كم صوّتوا لك وللبقيّة…

خليفة: 8 صوّتوا لي …علي ولد حفصية…واحمد ولد مغلية…وحمّه ولد العمياء…ومرت عمر ولد الحفيانة…وسعد ولد شوشانة…وأنا صوتت لروحي …وأنت والحاجة…

قلت: كيفاش عرفت اللي هما صوتولك انت؟؟

خليفة: ماني اتفقت معاكم اللي يصوتلي يدخل صبعه للأخر في المحبرة…

قلت: يا مهف… وضحكت وضحكنا معا…

قلـت: هذوما نسموهم “المنعوتون بالصبع”…هوكه صوابعهم فيها الحبار لتوّه باهي…وشكون صوت للكوني وللشعلاء؟؟

خليفة: كل واحد صوّت لروحه…

قلت: اذن موش مشكل حتى هما يجوا في الحفل باهي…باش الناس الكل تتوافق وتتصالح بالمناسبة باهي خلفون…

خليفة: باهي ولد عمّي…والكلمة شكون باش يكتبها؟؟

قلت: انت النائب وانت المعني الأول بكتابة نصّ الكلمة برّه ارتاح شوية وبعد قوم حضر أمور الحفل…واشري اش لازمو الكل…حلو ومشروبات…واعمل عشاء خاص بــ”المنعوتين بالصبع”…أذبح فيه كان تحب علوش والا حتى جدي باهي…

خليفة: بااااااهي ولد عمي اما انت مهف في البرمجة…

قلت: استناني أولا انت اش ناوي حفل استقبل على شرف الكل والا كان على شرف “المنعوتين بالصبع”؟؟

خليفة: لا لا الكل أنا مع المصالحة الشاملة…أما “المنعوتون بالصبع” نقَعْدُوهُمْ في بقعة باهية ومع بعضهم…خاطر ناوي نعطيهم قفيفة فيها حثيويلة صغيرة مللي كتبه ربي…شوية فارينة وسكر وقهوة وروز وزيت زيتونة وزيت الحكومة…ودبيبزة كونوليا جابهملي ولد خوي من سوق ليبيا …باهي…انت فاهمني …تي من كل زوجين اثنين…باهي…

قلت: أيا امالا برّه روّح وبعد طل عليّ نقروا كلمة الترحيب ونصلحهالك وتحفظها من راسك خير مالورقة باهي خلفون…وبالله ما تنساش ترتّح شوية البهيم راهو تاعب مسكين…وحتى هو راهو فرحان بالنتيجة خاصة وهو أكثر واحد تعب عليها…هنا نظر لي خليفة معاتبا بعيونه…وقال اَيَّه بَهْنَاكُمْ…

خرج خليفة مسرعا نحو الحمار وغادر المنزل إلى مقرّ سكناه لإعداد مراسم الحفل وكتابة كلمة الترحيب…فنادتني الحاجة وقالت: “برّه شوف تلقاش هدية باش نهزوها معانا لخلفون راهو نائب محلي محطوط على كريمة…(قاطعتها وقلت: شنوّه…) ثم واصلت الحاجة لتقول…لا لا نفدلك…وبالنسبة للبهيم تو نهزوله شوية من بالة الڨرط اللي جبتها كمساهمة في الحملة الانتخابية لخلفون التحفون…

خرجت مسرعا بعد ان ارتديت معطفا فالطقس بارد بعض الشيء…وقصدت السوق، وأنا في طريقي اعترضني الحاج أحمد ابن خالتي فاحتضنني قائلا: “مبروك على خلفون…وربي يخليله البهيم ..” ضحكت وقلت: “يبارك فيك يا حاج…أما البهيم امشي هنيه وحدك…” ورويت له كيف أن حمار خلفون كان الأكثر حماسا والأكثر دعما لخليفة فلولاه لما نجح خليفة في تجاوز خصومه…

واصلت طريقي وتركت الحاج أحمد صحبة رفقة طيبة من أهالي الدشرة …وكنت كلما اقتربت من مجموعة في مقهى أو في الشارع يتحدثون …أقول كلما اقتربت من مجموعة أسمعهم يتحدثون عن “بهيم النائب” وفطنته ورؤيته السياسية ونجاحه في لمّ شمل سكان الدشرة…اقتربت من بعضهم وسألتهم ما الأمر يا جماعة فقال أحدهم: “هاتفنا منذ قليل السيد النائب خليفة ودعانا إلى حفل استقبال الليلة ولم يستثن أحدا من أهالي وسكان الدشرة حتى أولئك الذين لم ينتخبوه ولم يذهبوا لمكتب الاقتراع…وسنذهب جميعنا صراحة إلى منزل السيّد النائب وكلنا شوق لرؤيته ورؤية الحمار الذي أوصله إلى نيابتنا في المجلس المحلّي…وعلينا جميعا أن نفاخر بما أتاه هذا الحمار وصبره خلال شهر كامل من الحملة الانتخابية، كيف لا ونحن عشنا معه كامل مدّة الحملة ورأيناه يجوب الدشرة طولا وعرضا دون أن يشتكي مما يحمله على ظهره ودون ان يطالب بأجر أو بامتيازات كبيرة…هذا ما يمكن اعتباره صراحة نضالا…فحمار النائب ناضل من أجل إيصال صاحبه إلى المجلس المحلّي وقد يناضل من أجل إيصاله إلى مراتب اكبر وأعلى …فنعم الحمار هذا…إنه البهيم الوطني الذي وجب أن نفاخر به”

نظرت إليه وقلت: أنا الآن هنا لأشتري هدية صغيرة للحمار أو للبهيم كما نسميه…وهدية أخرى لصاحب الحمار نائبنا العزيز خلفون التحفون…واخترت أن تكون الهدية ربطة عنق ما رأيكم؟؟” نظر إلي جميع من بساحة السوق وقالوا “نحن أيضا سنفعل مثلك يا ابن عم صاحب الحمار…” قلت متمتما…”حتى أنا وصلني اللقب واصبح يتذيّل اسمي…يا لبخت هذا البهيم وصاحبه..” فكّرت في ما يمكن أن أهديه آخر لخليفة فقلت لا شيء يحتاجه اليوم غير ربطة عنق جميلة من مغازة عمّ الجيلاني قشّابية…وكان الأمر كذلك ثم مررت بأحد باعة العلف واشتريت “بالة” ڨرط لبهيمنا المناضل والمساند الرسمي لنائبنا المحلّي…على أن أسدّد ثمنها على قسطين…

عدت إلى المنزل بعد أكثر من ساعتين بالسوق فوجدت النائب في انتظاري وهو يمسك ورقة بيضاء وليست بالبيضاء وكأنه ذلك الورق الذي عند الجزار الخاص بلفّ اللحم…اقتربت منه وقلت: “هل كتبت شيئا للترحيب؟” قال: “لا، صراحة لم أجد الكلمات…” قلت: “هات الورقة سأكتب الكلمة، فقط عليك حفظها…” وكتبت…

إخوتي الحضور…أهالي دشرتنا الكرام…

أتوجّه إليكم أنتم يا من انتخبتموني وأقصدكم أنتم “المنعوتين بالصبع” …أقول أتوجه إليكم وأنتم بقية من جاؤوا ليشرفونني في هذا الحفل الكريم وهم لم يكونوا هناك في مكاتب الاقتراع، بالشكر والثناء على دعمكم ومساندتكم طيلة أيام الحملة الانتخابية…كما لا يفوتني أن أنوّه بدعمكم ومحبتكم لي ولحماري العزيز وسندي الأكبر في هذه المعركة…فلولا مساندتكم لما أمكن لي ولحماري العزيز والمناضل مواصلة مشوار الحملة…فهو الذي كان يسجل في ذاكرته كل المنازل التي زرناها وكان يرفض الذهاب إلى منازل زرناها سابقا…فحماري هو ذاكرتي وذاكرة سكان الدشرة الكرام وهو سندي وملهمي في هذه الرحلة السياسية الشاقة…وهو الذي وجب أن أفاخر بما أتاه وما فعله من أجل أن أكون انا هنا …وبهذه المناسبة أجدّد تمسكي بالشرعية الدولية في ما يخصّ ما يقع الآن في جنوب فلسطين المحتلة…وأندّد بالإبادة التي يتعرّض إليها الشعب الفلسطيني…وأندّد أيضا بالقتل الممنهج للصحفيين…كما لا يفوتني أن أندّد بما تتعرّض له الحيوانات الأليفة وخاصة الحمير من قتل وتهجير في العديد من الأماكن في العالم العربي وبعض الدول الأخرى…أخاطبكم نائبا عنكم في مجلسنا المحلّي الموقّر…

عاشت دشرتنا…عاش سكان دشرتنا

وعاش حماري سندي وأخي في الكفاح…

والسلام عليكم

نظر إلي خليفة وقال: ” لماذا أتيت على ذكر الحمار في الكلمة الترحيبية؟” قلت: “أنا كنت في السوق وسمعتهم يتحدثون بإطناب عن الحمار ونضاله معك لإيصالك حيث انت يا خليفة فذكر الحمار في الكلمة الترحيبية أصبح ضروريا حتى لا تُنعت بناكر الجميل…أليس كذلك؟؟” ضحك صاحب الحمار وقال: “لست ناكرا للجميل…سألقي الكلمة على الحضور بعد حفظها عن ظهر قلب…”

تناولنا طعام الغداء ثم قلت للنائب لنذهب إلى منزلك فمراسم الحفل تبدأ بعد ساعتين، وصلنا إلى منزل النائب المحترم، ربط خليفة حماره بشجرة وراء المنزل بمكان يبعد عنه قرابة العشرين مترا ثم دخلنا المنزل لنعدّ العدة وليحفظ خليفة كلمته الترحيبية ليلقيها على ضيوفه في حفل الاستقبال…

خرجنا أمام المنزل حين حانت ساعة استقبال الضيوف…بدأ “المنعوتون بالصبع” يتوافدون على منزل خليفة…وصلوا جميعهم وأدخلهم السيّد النائب إلى بهو المنزل الذي فرش بأجمل الزرابي يتجاذب معهم أطراف الحديث…ونوّه جميعهم بالحمار ونضالاته وحرصه الشديد على إنجاح صاحبه وإيصاله إلى حيث ترشح، ووصل الأمر بأحدهم إلى اقتراح تمثال تخليدا لموقعة الحمار أمام مغازة عمّ الجيلاني قشّابية لتكون في واجهة الساحة مدخل الدشرة ولتكون شاهدا على العصر وعلى “التوافق” والتعايش اللذين تعيشهما دشرتنا…فجأة سمعنا تصفيقا حارا لا أحد منّا يعلم مصدره…قلت للحاجة “بره شوف منين هالحس ووين التصفيق هذا…”

أسرعت الحاجة وراء منزل خليفة لتجد حشدا من أكثر من مائة شخص من نساء ورجال الدشرة حول حمار النائب يصفقون ويتغنون بنضالاته…عادت الحاجة إلينا وهي في حالة من الذهول وقالت “يريدونكم هناك حول الحمار …يريدون الاحتفال هناك…” التفتّ إلى خليفة وقلت…تعال إلى حيث الحمار ألم أقل لك إن الحمار هو الذي أدار رقاب كل سكان الدشرة…ذهبنا إلى حيث ينتظرنا أغلب سكان الدشرة…هناك وجدنا أغلب السكان بهواتفهم النقالة يخلّدون الذكرى في صورة “سلفي” مع الحمار المناضل…ولا أحد منهم فكّر في أخذ صورة مع النائب المحتفى به…نظرت إلى يمين الحمار فرأيت يا لهول ما رأيت، رأيت سورا مبنيا ببالات الڨرط التي أتى بها سكان الدشرة لحمار النائب…وقلت في خاطري: يا بختك يا حمار…

اقتربنا من الحشد الكبير من ضيوف الحمار…عفوا ضيوف النائب… رفع خليفة يده طالبا بعض الهدوء وقال هل تسمحون لي بإلقاء كلمة ترحيبية بهذا الحضور الكريم…وبدأ خلفون في إلقاء كلمته وكان كلما ذكر الحمار صفّق كل من هم هناك وزغردت كل النسوة الحاضرات …ووصل الأمر ببعضهم بالهتاف بالحياة للحمار وصاحب الحمار…وطالب أحدهم الآخر بأن يرفع الحمار على الاعناق…حينها وفي تلك اللحظة وكأني بالحمار يفهم ما يقال حوله نهق نهقتين بأعلى صوته فتفاعل الجمهور معه بالتصفيق والهتاف والتفت إليه مصفقا داعيا له بطول العمر …وأسرع بعض الشباب من الموجودين بين الحضور إلى الحمار ورفعوه على الأعناق وسط تصفيق حار من جميع من جاؤوا لهذا الحفل…

التفتّ يمنة أبحث عن خليفة وجدته حزينا باكيا يتمتم كلاما لم افهمه…مسكته من يده وقلت: “ما بك يا ابن العمّ…شبيك تبكي؟؟” قال: “من جاؤوا لتكريم الحمار أكثر ممن ذهبوا لانتخابي…وفي الأخير رفعوا الحمار على الاعناق وأنا أخطب فيهم…أتريدني ان اصرخ معهم “يعيش الحمار… يعيش الحمار…فمن النائب ومن الحمار هو أم أنا؟؟”…

غادرت منزل النائب أنا والحاجة بعد انتهاء الحفل وبعد أن ودعت ابن عمّي وضيوفه الكرام …في الصباح قصدت السوق باحثا عن بعض احتياجات المنزل ثم قصدت سوق الدواب للسؤال عن ثمن خروف فوجدته…من؟…أي نعم وجدته…ابن عمّي متنكرا في لباس فلاّح عارضا حماره المناضل للبيع…ومعه كمية الڨرط التي غنمها من سكان الدشرة في غزوة الانتخابات المحلية… فصرخت في ابن عمّي قائلا:” تهون عليك العشرة؟؟؟…”…

أكمل القراءة

وهْجُ نار

أتأتون اليوم ما كنتم تنهون بالأمس عنه؟؟

نشرت

في

الإقرار بتزوير الانتخابات في الأردن - سواليف

غريب أمر هذه البلاد وبعض شعب هذه البلاد وخاصة بعض من جعلوا من هذا الفضاء وسيلة لتصفية حساباتهم والانتقام ممن لا يتفقون معهم…

محمد الأطرش
محمد الأطرش

فمجرّد ألاّ تكتب مادحا لما يسمونها “ثورة” بمناسبة حلول ذكراها يقذفك بعضهم بأقبح الكلام…دون أن يبدأ حديثه بالسلام…أسأل ألستم أنتم من يشتكي اليوم من اسقاطات ما تعتبرونها ثورة وتبعات كل من جلسوا على كراسي الحكم بعدها…ألستم أنتم اليوم من تنعتون سنواتها بسنوات الخراب؟؟ إذن…ما ذنبي إن لم يكتب قلمي حرفا واحد يمجّد فيه ما يسمونها “ثورة” فكيف تريدون منّي أن اشكر الخراب ومن أتى بالخراب ومن صنع الخراب؟؟ ألم تكتبوا في أوراقكم أن “ثورة” تونس كما تقولون هي من صُنع الغرب وعرّابها تعرفونه وأهدافها تعلمونها…فلم تريدون منّي أن أحتفل بذكرى حلول سنوات الخراب وما أتاه العرّاب؟؟ ألم ترفعوا أصواتكم كثيرا وطويلا منادين بالديمقراطية؟؟ أليست الديمقراطية هي أن يسمح لي بأن أصفق لمن أريد وأمدح من أريد وأن أرفض ما اريد وأختلف مع من أريد وأختار من أريد ليحكمني؟؟ فهل عدتم يا جماعة الديمقراطية عمّا كنتم تصرخون وتطالبون به وتدعون إليه؟؟ وهل أصبحت الديمقراطية عيبا ومن الكبائر وستعاقبون عليها يوم الحشر؟؟

 يا عجبي على نسبة الغباء المرتفعة في رؤوس بعض أغبياء الوطن من الذين يركضون أحيانا على “حافرين” ويصفّقون دون وعي منهم…في تونس بعد حادثة “صاحب البرويطة” إن التحيت سيقولون عنك “نهضاوي”…إن استمعت لمدح الرسول سيقولون إخواني…إن سكرت يقولون عنك ماركسي ملحد…إن شكرت القديم يقولون عنك “زلم” ويهجرونك…إن شتمت القديم سيقول البعض عنك خائن وعميل ومتلون كالحرباء…إن كتبت يوما عن مآثر الماضي سيقولون عنك مستبد وتعشق الجلاد وسياط الجلاّد…إن كتبت سوءا عن منظومات ما بعد من يسمونها “ثورة” سينعتونك بالعمالة لفرنسا وبعض الدول الشقيقة والصديقة…وإن انتقدت رئيس البلاد أو حكومة رئيس البلاد سيصرخون في وجهك ويقولون أنت ضدّ الحكومة وأنت من دعاة إسقاط الحكومة ووجب جلدك إن لزم الأمر، فانتقاد الحكومة ومن يرأس الحكومة ومن يعمل بالحكومة من الذنوب التي لن يغفرها لك الاتباع …

ألم يفعلوا هم ذلك سابقا ولا أحد رفع صوته ليقول لهم ما أنتم “فاعلون”؟؟ اليوم إن التقيت أحد خصومهم وأقصد من يرون أنهم أرفع منك درجة وأقرب منك إلى الصواب وأنهم على حقّ وأنت على باطل…و”باطل يا حمّة باطل”…سيقولون عنك لست منا فأغرب عنّا…إن شكرت أحد من يكرهون سيقولون عنك “مرتزق وبائع لذمته” وربما يتهمونك بالخيانة والتآمر…إن انتقدت أحد من يشيطنون سيقولون عنك كل موبقات الدنيا ولن تسلم من القصص الخيالية…إن انتقدت الاتحاد سيقولون عنك ما لم يقله مالك في الخمر…وإن شكرت الاتحاد سيقولون عنك ما لم يقله مالك في الخمر أيضا…فلن تسلم إن شكرت مما عاناه مالك…ولن تسلم إن انتقدت مما تكبده مالك…هم يتعاملون معك بسياسة “ڨاتلك … ڨاتلك”…وفي تونس أيضا إن شاهدوك كئيبا سيقولون “من عمايله”…وإن شاهدوك ضاحكا سيقولون “يضحك وحده هبل”….وإن شاهدوك تعرج سيقولون “محلاها فيه”…وإن شاهدوك سعيدا سيقولون “الأكيد تحيّل على احدهم”….في تونس لن تسلم من ألسنتهم أبدا حتى وأنت تحت التراب…

في تونس اليوم إن تأففت من عدم توفر السكر سيقولون عنك معارض ووجب ردعك…وإن تألمت لغياب الحليب سيقولون عنك تبحث عن خرابها…وإن قلت أين الزيت يا أصحاب الزيت فسينعتونك بالخائن الذي لا يحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد…لذلك لم أعد أستغرب كل الضجيج الذي يقوم به بعض من لم يعوا إلى يومنا هذا ما تعنيه حقّا كلمة “ديمقراطية”…ولن أستغرب حجم الاستهبال والاستحمار والاستغباء الذي يعتري المشهد ….فالاستغباء والاستحمار في أيامنا هذه طغى على كل مفاصل…وتفاصيل الحياة، فظلال بعض من يؤثثون المشهد الاتصالي والتواصلي اليوم أولئك الذين خرجوا علينا رافعين لواء الديمقراطية وهم اليوم يرفضونها…وأولئك الذين خرجوا علينا رافعين لواء الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ويرفضون ما كانوا عليه… ويأتون اليوم مثله ويمنعونك من رفض ما كانوا هم يرفضونه…

هؤلاء ومن معهم وزبانيتهم وبعض من يحسبون على الإعلام والبعض من فصيل “الخرونيكارات” والبعض من رجال الإعلام وغيرهم من الذين يسبحون في فضاءات التواصل، أقول ظلال هؤلاء جميعا أصبحت ظلاًلا طويلة الأذنين… هؤلاء “المستحمرون” في الأرض… “الملهمون” في هتك أعراض الناس حسب الطلب وبعد دراسة الجدوى… سيخلدون في ذاكرة التاريخ “بغالا وحميرا”…فلكل تاريخ بهائمه ولكل مرحلة بغالها… وفي تونسنا العزيزة سجّل لنا التاريخ الكثير منهم…منهم من قضى نحبه ومنهم من لا يزال ينهق…هؤلاء هم رموز الجهل والنهيق النشاز…هؤلاء هم رموز الكذب والخداع…هؤلاء لا ينطقون صدقا…بل ينهقون كذبا…

لأمثال هؤلاء أقول… إن البدلة “المشحوطة” لن تظهر أناقتك بل ستظهر تلك التي يقال عنها “وحدة توزن ووحدة تقرطس” وأقصد المصون “المؤخرة”…وربطة العنق لا تصنع من كل من يلبسها رجلاً …بل قد تصنع حمارا بربطة عنق وسروال يثقبه ذيل يتدلى…وأضيف أنا لست من جيل الأغبياء والمغفلين…أولئك الذين باعوا ملابسهم الداخلية…مقابل كأس نبيذ في خمارة شارع الحريّة او شارع قرطاج…أنا ممن يحبون البلاد كل أيام الأسبوع…وحتى يوم الاحد كما قال شاعرنا رحمه الله “أولاد أحمد”…أنا ممن يحبونها اليوم…وغدا وبعد غد…أنا لست من الذين يتسلقون السلم …نحو الأسفل…أنا من الذين يؤمنون ان تونس قادرة أن تعود تؤنس كما كانت لو فقط نزعنا من صدورنا ما علق بها من أدران الحقد والكراهية…نحن شعب واحد وسنبقى…وإن حاول بعض “الذرّي” الإيقاع بيننا وبين بعضنا…بنشرهم لثقافة الحقد والفتنة…تعالوا نعِشْ معا…ونختلف معا…في وطن واحد يجمعنا في الخير وللخير معا… تعالوا ففي اختلافنا حاضر أجمل…ومستقبل لأحفادنا أفضل…

فلم كنتم تصرّون على النهي عن شيء…وتأتون اليوم مثله؟؟ أتأتون اليوم ما كنتم تنهون بالأمس عنه؟؟

أكمل القراءة

وهْجُ نار

بلقاسم بوطحش… والديمقراطية… والقضية الفلسطينية…

نشرت

في

أحلام مستحيلة» كاريكاتير بريشة «سحر عيسي»

استضافني أحد الأصدقاء إلى سهرة كروية في أحد مقاهي المدينة لمشاهدة دربي برشلونة وجيرونا، وافقت وأنا المتيّم بالبارسا والعاشق لطريقة لعبها منذ أيام كرويف رحمه الله ورزق أهله وذويه وابنه جوردي وزوجته جميل الصبر والسلوان…والمال الوفير…وكما يعلم الجميع خسرت البارسا وخسرت انا رهاني مع صديقي العاشق للريال…غادرت المقهى في وضع نفسي غير مريح، كيف لا وأنا الذي كان يتمنى اقتراب البارسا من الريال وجيرونا في انتظار الانقضاض على صدارة الترتيب…

محمد الأطرش
محمد الأطرش

وأنا أقترب من منزلي في ليلة باردة كبرد صحراء سيبيريا فاجأني بلقاسم بوطحش أحد أصدقاء السوء من الذين يمارسون يوميا لعبة الغياب عن الوعي مع سابقية الاضمار والترصّد، واقسم كعادته حين يحاصرني ان أقبل منه سيجارة ناسفة وأقاسمه الغياب عن الوعي…رفضت…وتمنعت…لكنه وقف منتصبا وهو الذي لا يقوى على الوقوف واقسم برأس غالية بنت أحمد …قلت “ومن تكون غالية هذه يا ابن الحرام؟” قال: “صديقتي في غيبتي عن الوعي البارحة…” ضحكت وقلت صديقة في الحلم يا لغرابتك يا ابن الحرام…لا أستغرب إن قلت لي يوما أنك وغالية تزوجتما وأنجبتما أبناء افتراضيين في الحلال …تنازلت عن رفضي أخذا بخاطر غالية بنت أحمد واحتضنت شفتاي سيجارته الملغومة المحشوة سُمّا لا أعرف اين سيأخذني هذه المرّة…ونطقت بالشهادتين فقد أتجاوز مجرّد الغياب عن الوعي إلى حيث لا يمكن العودة قبل يوم الحشر…

لم تدم فترة الانتظار طويلا حتى غبت عن الوعي ودخلت عالما آخر…وفجأة ودون تخطيط مسبق أجد نفسي مع حشد بعشرات الآلاف في ساحة القصبة نصفّق ونصرخ بأعلى اصواتنا “الله واحد الله واحد حكومتنا ما كيفها حدّ”… نظرت يمنة ويسرة وأسفل واعلى والتفتّ خلفي…حشد رهيب لم أر مثله في حياتي قط… سألت أحدهم وكان مرفوعا على الأعناق من قبل شابين يصرخان عاليا كالجميع…ويرددان في تناسق كبير وتام وبنغمة جميلة ورائعة “الله واحد الله واحد…” أقول سألت أحدهم وكان مرفوعا على الأعناق “ما الذي يحدث …أش ثمّة صاحبي”…التفت إلي ضاحكا وقال: “ألم تسمع بما قاله رئيس الحكومة؟ ألم تبلغك قرارات الدولة؟؟” قلت “لا، وماذا قررت الحكومة ونحن في ساحتها؟؟”

نظر في اتجاهي نظرة استغراب وقال: ” وين عايش انت…قررت الحكومة تشغيل 666 ألف عاطل عن العمل… والتعويض لعائلات كل من ماتوا دون أن يشتغلوا يوما واحدا وهم من أصحاب الشهائد” وماذا أيضا؟ قال: ” تمتيع كل سكان البلاد بالتغطية الاجتماعية وتمكين أصحاب الأمراض المزمنة من العلاج مجانا في كل المؤسسات الصحية حتى الخاصة منها…” لم أتمالك نفسي وانطلقت في نوبة تصفيق وصراخ بأعلى صوتي في تناسق تام مع من هم حولي “الله واحد الله واحد…اش اسمه ما كيفو حدّ…الخ…الخ…” ثم نظرت إلى صديقي سائلا:” هو اش اسمه سيدنا رئيس الحكومة…” أجابني “تي بره هكاكه بره هكاكه…من غير ذكر الأسماء…”

 ثم واصلت وقلت: “وماذا آخر يا صديقي؟؟؟” قال: “الزيادة في الأجور بنسبة أكثر من 66 في المائة من قيمة الأجور الحالية…ورفع قيمة منحة الإنتاج إلى أكثر من ستة آلاف دينار لكل الشغالين في جميع القطاعات…” نظرت إليه مستغربا…وقلت: “هاهي جنّة …يا دين الزكش…” فقال ” لا لا انتظر البقية…قرض لكل عائلة دون فوائض لشراء سيارة بـــ 9 خيول ونصف يقع تسديده على عشرات السنين…” كاد الخبر يغيبني عن الوعي وقلت “تسعة خيول ونصف يا دين الزكش…معناها تسعة خيول وبهيّم صغير…وزززززز في ساعة نكون في العاصمة…

وماذا آخر يا صاحبي؟؟؟” فنظر إلي صديقه الذي يحمله على الأعناق وقال: “تمكين كل من لا يملك مسكنا من منزل بثلاث غرف وقاعة جلوس يدفع ثمنه على 66 سنة وإن مات يدفع ورثته ما تبقى من المبلغ …” قلت: “رائع وجميل وهل تقع مساعدة من يريدون اكمال نصف دينهم؟؟” قال: “نعم طبعا ستتكفل الدولة بكل مصاريف الزواج…وتتكفل في ما بعد بمصاريف ولادة الأبناء وختان الذكور منهم ودراستهم حتى تخرجهم من الجامعة مع إمكانية ارسالهم إلى دولة أوروبية لمواصلة الدراسة لمن يتفوقون في الامتحانات النهائية…”

وهنا سألته: ” هل وفرت الحكومة الزيت…والحليب والفارينة والسكر والخبز…وهل جمدّت الأسعار ؟؟” أجاب: ” اللي فاتك اغرب…عملت برنامج القفّة العائلية توزعها شركة حكومية على كل سكان البلاد مرتين في الأسبوع…وتكون مليئة بالخضر والغلال وكل ما تحتاجه العائلة لثلاثة أيام ومجانا…” نظرت إليه وأنا أكاد أفقد عقلي مما اسمعه عن قرارات الحكومة أطال الله عمرها وملأ خزائنها تفاحا ومالا وخضروات وفارينة…أقول نظرت إليه وقلت: “وتوكّل فينا زادة…ملاّ حكومة وملاّ هي… هل أنا أحلم أم هي الحقيقة يا صديقي؟؟؟ بالله عليك أجبني واصدقني القول؟؟؟” قال: “أتكذبني يا هذا؟؟” قلت: “حاشى أن افعل ذلك…فقط أنا مستغرب من كل هذا الذي يقع في البلاد؟؟؟” قال لي وهو يبتسم: “انتظر لتسمع بقية القرارات والإجراءات…” قلت: “وماذا أيضا؟؟؟” قال:” إطلاق سراح كل المساجين دون استثناء وإفراغ كل السجون في كامل أنحاء الجمهورية باستثناء المحكومين في جرائم قتل…”

جلست أرضا من هول حجم ما سمعت وقلت: “ماذا…حتى الكوني ولد الحولاء مرت خليفة الاعوج اللي عطى طريحة لعمّ الرتيمي بياع اللاڨمي وغشّه في بيدون قيشم في رمضان اللي فات؟؟؟” قال: “الجميع ما لم يقتلوا أحدا…” قاطعته لأقول” الكوني ڨتل نخلة راهو والنخلة متاع عمّي الصحبي شراها من عمّي الصادق من 66 عام التالي…” وهنا أضاف:” وقد أعلنت الدولة المصالحة الشاملة بين جميع فئات ومكونات المشهد السياسي والاجتماعي وبدء مرحلة جديدة من الديمقراطية الشاملة وإعادة هيكلة المشهد السياسي وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها يشارك فيها الجميع دون استثناء…” نظرت إليه وقلت “احلف…براس أمك…”

نظر إلي ورفع يده ليضربني…صارخا تكذّب فيّا يا اش اسمك…” فأسرعت بالاعتذار وقلت: “والله لا يا صاحبي…أما شيء كبير تحكي فيه…تي انا عندي سنين نطالب بالمصالحة الشاملة لأنها المخرج الوحيد والاسلم لما وصلنا اليه من 14 جانفي…وراس أمي وأمك وامهات المسلمين والمسلمات…والمؤمنين والمؤمنات لا نكذّب فيك يا صلاح…” ضحك وقال: ” ما اسميش صلاح يعطك ضربة بمفتاح…ولا تنس قرار الحجّ لكل كبير في العائلة والذي تجاوز عقده السابع على كاهل الدولة والحكومة…”

هنا وقفت وقفزت عاليا…وأنا اصرخ “جو …صبيّح باش يحجّ بعد سنوات الخمر والسلتيا…وعمّ الهادي الراجل الطيب كيف كيف…جو …نكلمهم توّه نبشرهم زعمة والا من بعد …” أضفت وسألته: ” هل تدفن الدولة من يموت من شعبها…؟؟ أجاب: “نعم وتعمل دعوة للجميع لحضور الجنازة حسب قيمة الميت…وتتكفل بمن يقول آمين عند الدعاء” قلت: ” هاهي دولة حلال هذه يا دين الزكش…خليني نكلّم عمّ الهادي وصبيّح على الحجّ مجانا ودون عناء…” نظر إلى صديقي وقال: “خلي من بعد كمّل مسيرة التوحيد…والله واحد الله واحد…حكومتنا ما كيفها حدّ…” نظرت اليه مبتسما ضاحكا في حالة ازبهلال قصوى وقلت: “حكومة ترسلنا إلى مناسك الحج على كاهلها هذه حكومة مسلمة حكومة يجب أن تبقى مدى الحياة…وصرخت … الله واحد عليك يا سيدنا…ويا تاج راسنا…يا زميمنا…الله يطول في عمرك وعمر العائلة…والصغار…وبقية أفراد العائلة …وأنسابك زادة كان لزم طبعا يا سيدنا…”…

استرجعت بعض الأنفاس بعد ساعة كاملة من الصراخ والتوحيد…ونظرت إلى صاحبي وقلت: “تنجمش تقلي منين جابت حكومتنا ودولتنا الفلوس هذه الكلّ يا خوي الغالي…؟؟” وضع يده اليمنى على كتفي وقال:” اسمعني مليح يا صاحبي…بعد اللي صار في غزّة فيبالك بالقمّة العربية…أكيد…العرب ومن تحالف معهم قرروا قرارات ثورية وقرروا مهاجمة إسرائيل …الأردن من الجهة الشرقية بمساعدة العراق وايران ودعم جوي من الباكستان…وسوريا مدعومة بحزب الله والجيش اللبناني من الشمال…والسعودية ومصر وبقية الدول العربية من الجنوب والبحر غربا…ايران استهدفت المستوطنات بصواريخ بعيدة المدى…مع دخول الاستشهاديين من جنوب لبنان ومن هضبة الجولان…المغرب أغلقت مضيق جبل طارق بــ”الياجور” واليمن أغلقت كل مداخل خليج عدن بالالغام بمساعدة دجيبوتي والاسطول السادس السوداني…ثم اخترقت الجيوش العربية كل الخنادق وحقول الألغام التي زرعتها إسرائيل وحاصروا كل المدن الكبرى وصولا إلى العاصمة تل ابيب…

طالبت الولايات المتحدة بوقف اطلاق النار ودعت إلى التهدئة وعقد جلسة في مجلس الأمن لدراسة تدهور الوضع في الشرق الأوسط…وطالبت بعدم قصف المدنيين والالتزام بمعاهدات جينيف وحقوق الانسان…وطالبت بفتح المعابر لإدخال المساعدات الغذائية والأدوية للـ “شعب” الإسرائيلي…كما طالبت بإطلاق سراح طاقم السفينة الإيريترية التي احتجزته قوات اليمن الحوثي الموحّد وجيش الصومال الشعبي بعد اكتشاف شحنة من الذخيرة موجهة إلى القوات الاسرائيلية…رفضت الدول العربية التهدئة وقالت لا للتسوية…وتقدمت نحو القدس مع دعم جوي من القوات المصرية والسعودية والاماراتية وقصف مدفعي وصاروخي متواصل لكل مطارات إسرائيل من الجانب الإيراني على مدى شهر ونصف الشهر…تمّ على إثره القبض على أغلب القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية… وتمّ اعلان وقف الحرب بعد استعادة كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة…”

 استمعت الى صاحبي وأنا مشدوه وفي حالة غريبة لم أحرك جفنا…ولم أغيّر نسق تنفسي مرّة واحدة، هي فقط دقات قلبي التي أصبحت اسرع كثيرا مما كانت عليه وأسرع من سيارة التسعة خيول التي ستوفرها الحكومة للشعب ونظرت إلى صاحبي وقلت: وأنا أتمتم “بالياجور؟ أبَيْ…احلف…” كنت على يقين ان “الكفّ” سيأتيني وسيحيلني إلى حالة أخرى من اللاوعي…وكان الامر كذلك، قصفني صديقي الذي لا أعرفه بــ”شلبوق” عنقودي قاصم فجّر خدّي الأيمن واسقطني أرضا… استفقت من الغيبوبة والسقطة واعتذرت من صديقي الذي لا اعرفه…نظرت إلى صاحبي وسألته: لم تقل لي من اين جاءت الحكومة بكل هذا المال الذي تغدقه علينا…؟؟ ضحك وقال: “هو كغنيمة حرب حكومتنا أطال الله مقامها هناك حيث هي كان دورها سياسيا في هذه الحرب فكان التخطيط الديبلوماسي من حكومتنا ومفاوضات مجلس الأمن أيضا…بفضل ذكاء كفاءاتنا وخبرتهم في معالجة القضايا والنزاعات الإقليمية” واضفت: “وليبيا والجزائر وبقية الدول ماذا كان دورهم في هذه الحرب؟؟؟” قال: “ليبيا والجزائر كانتا هما جيش الاحتياط والإمدادات بالمحروقات…أما الكويت وعمان والبحرين فكان دورهما لوجستيا (كسكروتات) و(كراب) و(بيتزا) للجنود العرب”…وهنا سألته: “ويعملوا مقلوب وملاوي زعمة…؟؟؟” ضحك وواصل حديثه: “وقطر كان دورها إعلاميا وكلفت (الجزيرة) بإيهام العالم بما ليس موجودا…”..

في تلك اللحظة مرّ بجانبي تاجر متجوّل يجرّ عربته ويبيع موزا سألته “بكم الصبع يا حاج؟؟” قال الموزة بــ100 مليم يا كبدي…” صعقت من إجابته وقلت: “بمائة مليم …يا دين …درا شنوة…هات عشرة يا بوقلب…وبربي منين الموز هذا؟؟ ” أجاب “هذا من الشيلي …تشري والا لا خوي؟؟” قلت: “طبعا هات خلي نتذكروا بينوشيه صديقنا الله يرحمه وينعمه ويبارك فيه…حتى الموز عندهم بلاش غادي…” حين عرفت ثمن الموزة تأكدت من صدق كل ما قاله لي الصديق الغريب الذي “شلبقني” بضربة لن أنساها…وعرفت أن حكومتنا حكومة حلال أطال الله عمرها…”

التفتّ إلى حيث محطة الحافلات وبدأت أدندن أغنية “حكومتنا تشبه القمر..انشاء الله بطول العمر…حكومتننننننننا…” وفي تلك اللحظة شعرت وكأن راسي ينفجر من شدّة ارتطام جسم صلب بمؤخرته…وسمعت صوت زوجتي وهي تسألني “حكومتنا تشبه القمر…علاه عندك حكومة أخرى غيري…يا اش اسمك..؟؟؟” رفعت رأسي نحوها وقلت “أين أنا؟؟؟ شبيك يا حكومة يا قمقومة ودمدومة”…( زوجتي اسميها كأغلب أبناء هذا الشعب “الحكومة”…وذلك بسبب استحالة تغييرها مهما أخطأت وتقاعست في خدمة الشعب والشعب هو أنا وبقية العائلة)…قالت:” اشبيك راقد في العتبة وتغني حكومتنا….موش وصيتك البارح تعمل دورة كبيرة تلقاش سكر والا فارينة والا زيت والا قهوة توه عندي جمعة ما دخلوش الدار…يخي وين مشيت تتطلفح حتى الصبح؟؟؟”

نظرت إليها ورأسي يكاد ينفجر من الارتطام…ورويت لها كل الحكاية…فأطلقت عقيرتها بالدعاء “برّه الله يهلكك يا بلقاسم يا بوطحش…حررت فلسطين…وعملت مصالحة شاملة…وأوهمتنا بالديمقراطية…الله يهلكك…” نظرت إليها وانا أتوجع من الارتطام…وقلت “آمين…آمين…يا حكومتي …”…فأضافت “ادخل نصبلك شوية سبيريتو على هاك الكردوغة خلي تتفشّ…” حينها عرفت حجم الكارثة …واثار العدوان…يا حليلي نا…كردوغة…

أكمل القراءة

صن نار