تابعنا على

ضوْءُ نار

الأزمة المفتعلة في تعيين كمال بن يونس على رأس “وات”

نشرت

في

على هامش الاضراب الذي يخوضه عدد كبير من أبناء وكالة تونس إفريقيا للأنباء للإحتجاج ضدّ قرار تسمية الصحفي كمال بن يونس رئيسا مديرا عاما للمؤسسة، وما رافقها من عملية منعه من تولّي مهامه بالقوّة وبعبارات “ديقاج” أعتقد أنّ هناك خللا ما في مكان ما لابدّ من تصحيحه.

محمد الهادي البديري

إنّ مسألة تعيين الرؤساء المديرين العامين والمسؤولين الأُوَل على المؤسسات العموميّة هو من الاختصاص الحصري للسلطة التنفيذية وذلك بمقتضى القانون، ولايمكن لأيّ طرف ليست له صفة أن يتدخّل في هذه التعيينات، فالقاعدة تقتضي أن يتولّى المسؤول ممارسة كامل صلاحياته ثم يحاسب على إختياراته، لكن أن يجابه المسؤول بالرفض منذ بداية إتخاذ قراره وفي بعض الأحيان قبل إتخاذ القرار فهذا يسمّى تعجيزا ولا يمكن أن ينجح في مهمّته لا رئيس حكومة ولا وزير ولا وال ولا رئيس مدير عام ولا أيّ كان.

وبعد هذا نجد من يقول لماذا الدولة ضعيفة؟ وأين هيبة الدولة؟ وهنا مكمن الدّاء… فالنقابات في تونس بعد الثورة تجاوزت دورها المتعارف عليه واستولت على عمل الحكومة، بل استولت على الدولة وصنعت دولتها داخل الدولة… وعلى شاكلة النقابات استقوى المجتمع المدني على الحكومة والدولة.

لقد كان الاتحاد العام التونسي للشغل فعلا ولمدّة سنوات كثيرة القلعة التي تحتمي بها الطبقة السياسية من الدكتاتورية وتناضل من داخلها ضد نظامي بورقيبة وبن علي، وقد شكّل هذا التمشّي وضعا غريبا وشاذا وهو أن النقابة قد برزت كبديل عن العمل السياسي والحزبي فتشوهت الساحة السياسية وتشوه النضال النقابي. وعلى هذا الأساس كانت الحكومات المتعاقبة تفاوض النقابة بصفتها حزبا سياسيا فتلبّي لها مطالب سياسية تحت مسمى نقابي.

ومن الأمثلة البارزة على ذلك هو أن إضرابات الجامعة سنة 1999 وماتلاها قد مهّدت لقبول النظام لترشح معارض جامعي من الحزب الشيوعي (محمد علي الحلواني) منافسا لبن علي في انتخابات 2004. ومن الأحداث الخطيرة التي قامت بها النقابات، محاصرة عناصر من الأمن الداخلي الحاملة للسلاح لمحكمة بنعروس بأسلحتها وأجبرت القاضي على إطلاق سراح متهمين بالتعذيب،

وقد كانت ردة فعل المجتمع السياسي باهتة ومرتعشة لم تتجاوز بيانات الشجب والتنديد لكن دون أي دفاع جدّي عن استقلال القضاء وحرمة المحكمة بل إن بعض قوى اليسار وقفت مع حق النقابات الأمنية في ما فعلت واعتبرته عملا نقابيا. وللتذكير أيضا فقد أغلقت نقابة الصحة بصفاقس المستشفى في وجه الأطباء والمرضى ومنعت تغيير إدارته إلا بمن ترضاه، كما حصلت نقابات الضمان الاجتماعي على حق التمتع بالتقاعد دون دفع المساهمات الواجبة للتقاعد.

والغريب أنه من أجل الحصول على مزيد من النفوذ السياسي تقوم النقابة بعمل الحكومة فتزايد عليها بالتقرّب من المشاغل غير النقابية للناس، ممّا فتح الباب على خلط الأوراق والأدوار في عمليّة تغول نرى بدايتها ولكن لا يمكن توقع نهاياتها، إذ هناك تيارات سياسية تتحكم في العمل النقابي وتستعمله في دور سياسي بإعتبار “النقابات التونسية ملك محجوز لليسار” وهي وسيلته منذ ما قبل الثورة لممارسة دوره السياسي وفرض مطالبه.

وعودة على موضوع تسميّة الصحفي كمال بن يونس، فلا بدّ أن تفهم نقابة وكالة تونس إفريقيا للأنباء أنّ الرئيس المدير العام تعيّنه الحكومة، ولايمكن الحكم على النّوايا، فالمعني بالأمر صحفي متمرّس وله خبرة طويلة لأكثر من أربعين عاما في الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي ويجب محاسبته لاحقا عن أدائه لمهامه وليس على قناعاته الفكرية… إضافة طبعا إلى أن تخوفات النقابة لا مبرّر لها، فالفصل بين الادارة والتحرير في كل وسائل الاعلام واقع راسخ بعد الثورة… ولذا لايمكن لأيّ كان أن يقطع يد المتهم بالسرقة قبل أن يسرق.

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ضوْءُ نار

رولان بارت … في “يوميات الحِداد”

نشرت

في

Œuvres ouvertes : Roland Barthes de la solitude du deuil au tarissement de  l'écriture / Marc Bonneval

رولان بارت (1915-1980)  أحد الأعلام الفرنسيين الكبار في التيار الفكري المُسمّى مابعد الحداثة، تنوعت أعماله لتغطي مجالات عدة، وقد أثر على تطور مدارس نظرية في كل من: البنيوية، السيميولوجيا، الوجودية، النظرية الاجتماعية، الماركسية، وما بعد البنيوية… و برزت أسهاماته واضحة في مجمل الثقافة الإنسانية .

صالح السيد

“يوميات الحداد “هى أحدث ما تُرجم إلى العربية من كتابات “رولان بارت” ضمن إصدارات المركز القومي للترجمة بالقاهرة، إعداد وتقديم “ناتالى ليجير” وقد ترجمته من الفرنسية “إيناس صادق”.

  بدأ بارت كتابة هذه اليوميات في اليوم التالى لوفاة والدته في الفترة من 26 أكتوبر 1977 وحتى 15 سبتمبر 1979، كان يكتب بالحبر وأحياناً بالقلم الرصاص على بطاقات كان يعدّها بنفسه من أوراق ذات مقاس موحد كان يُقطّعها إلى أربعة أجزاء وكان يحتفظ دائماً باحتياطي منها على منضدة عمله، وقد تم تحريرها  أساساً في باريس وأورت بالقرب من بايون وبعضها في تونس و المغرب حيث كانت تتم دعوة  بارت بانتظام للتدريس هناك . 

 و تذكر “ناتالي ليجير” أنه فى أثناء كتابة اليوميات كان بارت يقوم بتحضير دراسته عن “المحايد” في الكوليج دي فرانس وكتب “الحجرة المضيئة” وقام بتحرير الأوراق الخاصة بمشروعه “فيتانوفا- حياة جديدة” وقام بتحضير دراسته المزدوجة عن “إعداد الراوية” في الكوليج وأساس كل من هذه الأعمال الكبرى أنها تندرج كلها بوضوح تحت معنى موت الأم. (1)

كيف لبارت الذي يقول عن نفسه إنه: هوية بلا تحديد ولا جوهر ثابت، إشارة حرة، دال عائم بلا مدلول، روغان لا نهائي وانتهاك لكل التخوم والحدود، أن يقع في شَرَك الحزن ويتسربل عالمه بالحداد !؟ (2)، وهل استطاع أن يواجه الموت الذي لحق بالأم، هل تملّكته الجسارة أن يزيل الوهم عنه، أن ينفذ إلى داخله ويحيط بشموليته أو يتحرر منه؟  

 تتجسد  في يوميات الحداد نزعة كتابية تؤكد أنه لا يمكن قول كل شيء أو بالأحرى لا يمكن قول الجديد والأشد تطرفاً إلاّ بشرط التخلي عن الكلية وتدميرها، كتابة تصير متقطّعة على نحو متزايد، كتابة يشكل فيها الجزء في حد ذاته استحالة قول كل شيء، وذلك على النقيض من اختيار شكل أدبي مثل اليوميات الذي يقضي بالعكس بقول كل شيء، بالبوح بكل شيء خاص بالحياة .(3)

 وتعد هذه النزعة امتداداً لأسلوب بارت الذي يُفضّل الكتابة الشذرية لأنه يرى أن الكتابة في الحقيقة ليست شيئاً سوى البقايا الفقيرة والهزيلة للأشياء العظيمة الموجودة في دواخلنا، وأن ما ننتهي إليه في الكتابة هو الكتل الصغيرة الشاذة الغريبة بالمقارنة مع النسيج المعقد المنسجم الأجزاء الموجود داخلنا، فهو لا يشيّد بناءً كلياً كاملاً بل يعمل على ترك بقايا وفضلات متنوعة ظاهرة للعيان .(4)

 ينفتح استهلال اليوميات على طقس الرحيل، كصدمة نفسية بين جدلية الموت/الحداد،العُرس/الفرح  تلك اللفتة التي بدأها بارت في 26 من أكتوبر 1977 في اليوم التالى لوفاة الأم، بطاقة صغيرة كتب عليها التاريخ خطين فقط :

“أولى ليالي العُرس،ولكن أول ليلة حداد !”، لفتة يترك فيها غالبية المساحة إلى بياض الورق ومن خلال هذا الاختصار وعن طريق الاستخدام المنقوص للمساحة البيضاء تمنح إذناً بعدم قول كل شيء.

Invité #39. Dominique Monnoyeur. - Grégoire Delacourt.

إذا كان الموت هو الحد النهائي الذي يتحدى القيم، ويُكذّب شتى مزاعم الإنسان، ويُلقى على كل ما في وجودنا من آمال ظلال الفناء الأسود البغيض، فإن بارت بحساسيته الغنية يكشف عن كل ما تحمله هذه الواقعة في أنظارنا من معاني الغرابة واللاواقعية والاحتمالية والالتباس والشك وعدم اليقين وهي تجهز على القدرة على التعبير  والكتابة :

“هناك وقت يصبح فيه الموت حدثاً ومغامرة، وبهذا المعنى يحرك ويثير الاهتمام ويشد وينشط ويصعق ثم في يوم ما لا يعود حدثاً ولكن فترة أخرى مكدسة لا معنى لها لا تُحكى، مغتمة، ميئوس منها: حداد حقيقي غير قابل لأية جدلية سردية “

وعندما تعجز اللغة، ويتخذ اليأس منحنى درامياً،يخرج بارت من قبو الأرض العلامات الأقدم والأكثر شيوعاً، الحجر الذي هو التجريد النقي، العلامة ذاتها الأصلية التي تنسلخ من ألعاب اللغة، من الثرثرة:

“يأس: الكلمة استعراضية إلى درجة كبيرة،لكنها جزء من اللغة/الحجر”، كما يعود الحجر كإشارة فريدة، بدائية، ونهائية لكل تعبير، هذا ما يؤدي إليه الحزن المفرط: “الحزن مثل حجر .. مُعلّق في رقبتي، وفي أعماق نفسي “

تكتسب الأم عند وفاتها قيمة انطولوجية لا سبيل إلى تعويضها أو استبدالها أو الاستعاضه عنها بغيرها، وهنا يرتفع عن الموت طابع الغياب المطلق وتتبدى الأم وكأنها حاضرة أمامه وجها لوجه، ولكن ما الذي ينتمي إلى ماهية الشخص حينما يكف الجسم في غمار حدث الموت، عن أن يكون موجوداً؟

تظهر أطياف الأم في مشاهد عديدة في اليوميات، وهي تعكس حالات متباينة في العلاقة بينهما، فمنها ما يؤكد المحاكاة في السلوك إلى درجة التماهي التام مع الأم – وإن كان ذلك لا يمنع تداخل خطاب يشي بالسخرية المريرة – وهو عنف موجه ضد الذات  كأثر واضح للحزن المترسب:

“نحو السادسة مساءً: كانت الشقة دافئة ومريحة ومضيئة ونظيفة، قمت بذلك بقوة وتفان (كنت استمتع بذلك بمرارة) منذئذ وإلى الأبد أصبحت أنا نفسي أمي نفسها”.

ومن ناحية أخرى تظهر الدرجة القصوى من الحنو والشفقة – والأم تحتضر- تجاه الابن وهي تتلمّس راحته:

“كنت أتجول كيفما كان عبر الحداد، وكانت النقطة الشائكة تعود ثابتة بلا انقطاع: الكلمات التي قالتها لي في أثناء سكرات الموت والمركز المجرد والجهنمي للألم الذي يغمرني (“حبيبي ر.،حبيبي ر.”-أنا هنا- “أنت غير مستريح في جلستك”).

 فبينما يتكرر نداء الأم مرتين تأتي إجابة بارت وحيدة جافة تدل على الوجود كشيء أساسي “أنا هنا” للحي، ساعتها تجيب من على وشك الموت إنها تشفق عليه، وهو قد تحجر واستنزف القدرة على الكلام لأنه معزول عن العالم – في موطن مجرد وجهنمي من الألم- ولكن هيهات للأم أن تكف عن شفافيتها العميقة، وهو حبها الراسخ . 

كما ينتقل الحنو/الشفقة إلى منطقة جمالية، إذ تنتصب الأم -هكذا يتخيلها بارت- في رفض صارم لرداء الحداد، أو عتمة العالم، وكأنها تقول له: رفّه عن نفسك أو عش حياتك كما ينبغي :     

“معطفي حزين بنفس درجة الكوفية السوداء أو الرمادية التي كنت ألبسها دائماً، يخيل إلىّ أن ماما لم تكن تتحملها، أسمع صوتها وهي تقول لي: ضع قليلا من الألوان، لأول مرة إذن أرتدي كوفية ملونة (سكوتش)”. 

 تتبدى حالة التمزق العاطفي والنفسي والفكري لبارت بين رفض فكرة الخلود ومعاودة الإيمان بها، ويأتي هذا في إطار أن اليوميات تشكل إطارًا للاعتراض ضد حضارته والثقافة التي يسكنها وهو يلجأ إلى مساحة أخرى، مساحة تعبير مختلفة، إنه الشرق العربي -المغرب- في قرية مولاي بوسلهام الساحلية في منتصف الطريق بين الرباط وطنجة، حيث يشهد لحظة عميقة من الابتعاد عن الحاضر والثقافة الأوروبية حيث يُكتب شيء في السماء، في مساء الصيف، بتحليق السنونو ويشهد على علامة وجود الأرواح،خلودها:

“رأيت طيور السنونو تطير في مساء الصيف، قلت لنفسي – وأنا أفكر بحزن شديد في ماما- أي تخلف في عدم الإيمان بالأرواح وبخلود الأرواح ! أية حقيقة غبية هذه المادية!

_______________________________________

الهوامش :

1 – رولان بارت “يوميات الحداد “: نص وضعته وفسرته ناتالي ليجير، ترجمة إيناس صادق، المركز القومي للترجمة، الطبعة الأولي 2018م. 

2 – هكذ يتحدث بارت عن نفسه في كتابه رولان بارت بقلم رولان بارت  ص 15

3 – اريك مارتن: رولان بارت  الأدب والحق في الموت، ترجمة نسرين شكري، ص  112

4 – حوار مع رولان بارت ضمن كتاب النقد والمجتمع، ترجمة فخري صالح، ص 78

أكمل القراءة

بيئة و زراعة

سيدي بوزيد … افتتاح موسم جني الزيتون

نشرت

في

انطلق اليوم الثلاثاء غرة نوفمبر 2022 موسم جني الزيتون بولاية سيدي بوزيد. وتحتل هذه الولاية المرتبة الأولى في عدد أصول الزيتون بحوالي 14 مليون شجرة وسط مؤشرات بصابة هامة قدّرت بـ190 ألف طن زيتون بما يقابله 38 ألف طن من الزيت.

وتتصدر الولاية كذلك قائمة الإنتاج الوطني بـ21%. و قد أشرف الوالي السيد عبد الحليم حمدي على الافتتاح بإحدى ضيعات المركب الفلاحي بالطويلة.

فوزي الصالحي

أكمل القراءة

ضوْءُ نار

غدًا أفضل … و أمَلًا أبقى

نشرت

في

عام رحل، و عام حلّ … طُويت صفحة 2021 بأيامها الصعبة و الأكثر و الأقلّ صعوبة، بلغت فيها الجائحة ذروتها و أفقدتنا أحبة بلا عدد و لا عوض، ثم تراجعت تحت عزم النساء و الرجال كأنها جُفاء … و نفتح بداية من يوم غد بوّابة اثني عشر شهرا جديدا تنتظرنا و ليس علينا انتظارها … فالأحلام العذبة حين تواجهها يد ويطاولها فكر، تصبح ممكنة و تتجلّى حقيقة و ما أجمل حقائق الشعوب حين تنهض، و حين تقاوم، و حين تستمر … فلنستمرّ …

و كل عام و “جلّنار” و قرّاؤها المتزايدون خيرا و بركة، بمليون خير

لا، بل بـ 12 مليون خير !

أكمل القراءة

صن نار