تابعنا على

مِنْظ ... نار

“البوز” … تسويق أم إثارة مستهجنة ؟

نشرت

في

كثيرا ما نسمع و نرى في عديد البرامج الإذاعية و التلفزية مشاحنات و تلاسنا غريبا بين الضيوف، فهذا يهدّد بمغادرة المكان و الآخر يغادره فعلا و تتكوّن ” جبهيّة ” لاستلطافه و إرجاعه حيث كان، و في ذات الوقت ترى على الجهة الأخرى المتلقّي يشدّ أنفاسه و يجفّ حلقه من هول المفاجأة ليصبح الأمر و بعد حين حدثا تتناقله الألسن و أحاديث المجالس المصغّرة و الكبيرة. و على أنقاض كلّ هذا نسمع الكلمة الطنّانة “بوزBuzz ” و أنّ فلانا  ” يعمل في البوز ” و “رد بالك الحكاية الكل راهي بوز” و جملا كثيرة من هذا القبيل، و يعتقد القائمون على هذا الفعل التسويقي أنّهم و بهذه الطريقة قد استحوذوا على متابعة أعداد كبيرة من المتلقّين تضمن لهم السبق في استطلاعات الرأي و بالتالي مداخيل إشهارية محترمة.

مولدي الهمامي Hamammi Mouldi
مولدي الهمّامي

و لست أدري هل أن المتلقّي الكريم و حتى الفاعلين وراء المصدح و الكاميرا قد استوعبوا جيّدا مختلف المفاهيم و المعاني و الأسباب و المسبّبات و النتائج المحتملة لفعل البوز أم أن الجميع انساق وراء تيّار جارف أدخلنا في فوضى الطّنين و التي طالت كل المجالات تقريبا بما في ذلك المجال السياسي. و الفضول هنا يدفعنا إلى التساؤل عن البوز و ما هو أصلا ؟ و هل هذا الذي نراه و نسمعه بالفعل هو البوز كما خطّط له واضعوه و من كتبوا فيه مؤلّفات و مقالات كثيرة ؟  

 الكلمة هي عبارة انكليزية و تنطق “باز” و تعني الطنين الذي تحدثه حشرات مثل النحل و غيرها، و الطنين هنا يعني الجلبة والضجيج لجلب الانتباه، و قد انتشرت مع انتشار و تنامي وسائل التواصل الإجتماعي في العالم . 

 استعملت الكلمة بالأساس حسب الكثير من المصادر كمبدأ للتسويق عوضا عن عمليات الإشهار العاديّة التي يقول أصحاب هذا المنهج إنها لم تعد تفي بالغرض إلى جانب كلفتها الباهظة. في الولايات المتحدة الأمريكية و منذ سنة 2010 بدأت مفاهيم الطنين تتطوّر خصوصا مع كلّ من Seth Godin الذي كان مكلّفا و لسنوات بالتسويق في محرّك البحث العملاق Yahoo ، و رجل الأعمال الأمريكي Mark Hughes، و يمكن القول أنهما من وضعا أسسا مستحدثة لهذا النوع الجديد من التسويق الذي يعتمد على البوز، قد يطول شرح الأدبيّات لكن سنقتصر المسألة عند النقاط التالية، فالأوّل وضع أرضية هذا التسويق في كتابه الذي ترجم إلى الفرنسية وعنوانه  Les (secrets du marketing viral ) يقول فيه بالخصوص إن الطنين التسويقي يعني جلب الإنتباه، و اعتماد الاستفزاز، و خلق نوع من الجدل و ردّة فعل قويّة لدى المتلقّي أي المستهلك… و المبدأ العام يتلخّص في الجملة التالية إنّ تمكين الجماهير من موضوع يستحقّ الحديث عنه، فهم سيتحدّثون عنه لا محالة، هكذا هي الطبيعة البشرية . 

أمّا الثاني فإنّه حدّد ستة عناصر للبوز التسويقي في كتابه “Buzzmarketing”  يعتبرها سرّ النجاح في العمليّة التسويقيّة و هي على التوالي :

– الحديث عن المسكوت عنه بمعنى تحدّث عن مواضيع لا يجرؤ أحد على إثارتها

– مواضيع غير عاديّة لم يألفها النّاس  

– إثارة المواضيع التي تدخل ضمن نطاق ما يعرف بالفضائح التي من شأنها أن تصدم الجمهور لكن دون الخروج على العادات و الأخلاق التي ألفها المجتمع.

 – اعتماد المرح في إثارة المواضيع مع تكرار ذلك باستمرار  

 – العمل من أجل الحصول على إعجاب المتلقّين من خلال أعمال لافتة  

– إيهام المتلقّي بمشاركته أسرارا لأنّه سيتصرف من ذلك المنطلق أي يعتبر نفسه محلّ ثقة.

ينظر الكثير إلى البوز على أساس أنّه أمر مستهجن بل ويصفونه أحيانا بالتافه بسبب ما يعتبرونه آثارا سلبية لهذه العمليّة التي تأخذ الشكل التلقائي و الحال أنّها مدروسة من خلال السيناريو المحبوك الذي يتعمّد اللجوء إلى هذا الفعل خصوصا في الكثير من البرامج التلفزية و الصفحات الرقميّة التي ترغب في الإنتشار أكثر فأكثر و بسرعة جنونيّة لا تترك للمتلقّى وقتا للتدبّر و إعمال العقل، ممّا يسمح ببروز من لا يستحقّ البروز و صعود من لا يستحقّ الصعود .. و كل هذا نراه متبوعا بانهيار في مجموعة من المقاييس الموضوعية التي تراكم حولها الاتّفاق المجتمعي في مجالات كالفنّ و الجمال و الثقافة و العلوم إلى غير ذلك .  قد يتبادر إلى أذهاننا سؤال منطقي مفاده هل توجد علاقة بين البوز كفعل تسويقي و بين الإشاعة و التي ترمي في جانب منها إلى جعل الناس يتشاركون الحديث و المعلومات عن موضوع معيّن.

 في الأصل إن الإشاعة كما هو متعارف عليه هي الأخبار التي يتناقلها النّاس، دون تحديد مصدرها و هي أيضا الترويج لمعلومات تفتقر إلى المصداقيّة، و ترمي إلى إلحاق ضرر بشخص أو بمجموعة من الناس… فالإشاعة سلبيّة في كلّ الحالات و لها مضارّ كبيرة على المجتمعات و استقرارها. أمّا البوز و كما بيّنّا سالفا فإنّه ينطلق من أمر واقع مهما كان نوعه سلعة أو خدمة أو أفكارا قصد نشرها لدى فئة من المجتمع أو لدى المجتمع كلّه. و رغم الفرق الواضح بين الفعلين، فإن تقنيّة البوز طوّعت الإشاعة لفائدتها في المجال التسويقي و جعلتها واحدة من أساسياتها لسرعة انتشارها و الأمثلة كثيرة و عديدة …

و تكفي الإشارة إلى نشر إشاعة حول شخصيّة معيّنة فقدت الكثير من وهجها المجتمعي لتعود تلك الشخصيّة إلى الواجهة و المنطلق هو إشاعة على شكل بوز.

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مِنْظ ... نار

عندما يعتذر مجرم سفّاح … من يصدّقه؟

نشرت

في

النصب التذكاري لضحايا الإبادة الألمانية في ناميبيا

يعرف العالم الغربي عندنا بأنّه عالم متقدّم ينعم بالديمقراطيّة وبالرفاه ويحقق نسب نموّ عالية، ويعود الفضل إليه في الكثير من الاختراعات والإنجازات التي استفادت منها البشرية جمعاء،

مولدي الهمامي Hamammi Mouldi
مولدي الهمامي

وهو قبلة لكل الباحثين عن حياة أفضل، ولكلّ الهاربين من الفقر والظلم والقهر، ويجازف الآلاف بأرواحهم من أجل الوصول إليه، ويسافر إليه الآلاف من شباب العالم النامي لمواصلة دراساتهم العليا في جامعاته العريقة، وهو في الأغلب سفر بتذكرة ذهاب فقط ، إذ هم محط أنظار الشركات والمؤسّسات هناك للإستفادة من علمهم ونبوغهم… كما يسافر إلى الغرب الأثرياء والرؤساء والملوك للتداوي في مستشفياته ومصحّاته التي تتوفّر فيها أحدث تكنولوجيا الفحص والتشخيص والعلاج…

في الغرب، الشوارع نظيفة وواسعة ووسائل النقل بأنواعها توضع على ذمّة المواطنين، وتكثر المنتزهات والملاهي والمقاهي ودور السينما والمسارح، ويزدهر النشر وطباعة الكتب والمجلات والصحف، وفي الغرب القانون يسري على الجميع، والجميع يحترم القانون ، هذا هو الغرب الذي نعرف والذي نتخيّله وتلك هي الصورة التي نراها في التلفزات عن الغرب…لكن توجد صورة أخرى وراء الستار فيها من البشاعة ما لا يوصف إنّها صورة الغرب المتوحّش الذي مازال يرزح تحت ذلك الإرث الثقيل والثقيل جدّا إذ لا يستوعبه العقل البشري ولا يرى له سببا…

منذ أيام وفي حركة مفاجئة لأغلبنا تقدّمت ألمانيا الديمقراطية باعتذار رسمي إلى دولة ناميبيا عن الإبادة الجماعية التي نفّذها جنودها فيما بين سنوات 1904 و1908 والتي راح ضحيّتها قرابة 65 ألفا من قبيلة هيريرو وعشرة آلاف من قبيلة ناما وتسلّمت وبالمناسبة دولة ناميبيا جماجم لعدد من ضحايا تلك الإبادة كان الالمان يحتفظون بها في متاحف خاصّة.

وبعيدا عن التسوية التي جرت بين ألمانيا وناميبيا حول هذا الملف فإن الرئيس الفرنسي بدوره وفي حركة مفاجئة هو الآخر أقرّ بمسؤوليّة فرنسا عن الإبادة الجماعية، التي حدثت ضد قبيلة التوتسي سنة 1994.”.ليضيف خلال زيارته إلى رواندا إنّ فرنسا وإن لم يكن لها دور مباشر في عمليّة الإبادة  إلاّ انّها وقفت إلى جانب نظام قاتل وإجرامي في رواندا.. نحن كلنا تخلينا عن مئات الآلاف من الضحايا وتركناهم فريسة لهذه الدائرة الجهنمية”.

ويبدو أن التطهير العرقي وعمليات الإبادة والقتل الجماعي هي ممارسات أوجدها الغرب لبسط سيطرته بصفة كلّية على بلدان دخلها بقوّة السلاح وقهر أهلها من منطلقات عنصرية واستعمارية بحتة…لقد فعلت فرنسا ما فعلت في الجزائر الشقيقة وفي تونس والمغرب، وفي كل البلدان التي استعمرتها إذ عاثت فيها قتلا وترهيبا وجنّدت شبابها عنوة للقتال ضد أعدائها في حروب لم يختاروها وليس لهم بها أي علاقة ، ونهبت خيراتها وبنت مجدها عل كاهل مستعمراتها.

وكذلك فعلت كل البلدان الإستعمارية دون استثناء مثل هولندا وبلجيكا وغيرها، فبريطانيا العظمى حتى وهي تغادر الهند في أواخر الأربعينات من القرن الماضي عمل رئيس وزرائها تشرشل من خلال عملية رسم الحدود على تمزيق وحدة السكان والأراضي وقد جسّد فيلم ” آخر نائب للملك في الهند “ للمخرجة الهندية غورندر شادها الذي أنجز سنة 2017 تلك الحقبة المأساويّة بحرفيّة عالية،

ثمّ لا ننسى إبادة الهنود الحمر أي السكان الأصليين لأمريكا على أيدي البيض الذين سكنوها غصبا، واختطاف الآلاف من الأفارقة  وتسخيرهم كعبيد للعمل في حقول القطن بالجنوب الأمريكي، وكذلك ما جرى في دولة جنوب إفريقيا من ميز عنصري وتنكيل بالسكان الأصليين…  

 هذا الغرب الرسمي الذي بدأ يوزّع اعتذاراته هنا وهناك نجده في المقابل لم يشعر بأي حرج وهو يتحدّث عن أحقيّة الكيان الصهيوني في “الدفاع عن نفسه” ، ولم يجد أي حرج وهو الذي لعب دورا رئيسيا في أصل هذه المأساة من خلال إعطائه لمن لا يستحق ما لا يملك في الإصداع بقول الحق، وغابت عنه الكلمات لإدانة الإبادة الجماعية المتواصلة في حق الشعب الفلسطيني انطلاقا من ذات الدواعي التوسّعيّة الإستعمارية…

ومازلت شعوب عديدة في العالم تنتظر اعتذارا رسميا من الدول المستعمرة قد يساهم في التخفيف من وطأة الماضي الثقيل.. وما الذي يمنع هذا الغرب الذي مازال يدّعي أنّه يعلّمنا أسس الديمقراطية ويدرّسنا مواد حقوق الإنسان من الإعتذار ويكتب صفحة جديدة في التاريخ البشري تعيد شيئا من التوازن إلى العلاقات بين الدول.

أكمل القراءة

مِنْظ ... نار

وطني الذي لم أعد أعرف

نشرت

في

نظرت في كل الاتجاهات وسرت عبر دروب عديدة وامتطيت الهضاب وأسطح البنايات الشاهقة وأعالي الأشجار وتنقّلت بين سائر المدن والقرى والمساكن المتناثرة هنا وهناك، ومشيت في الحقول والوديان وركبت السيارات والحافلات ووسائل النقل بأنواعها وبحثت في كل الثنايا.

مولدي الهمامي Hamammi Mouldi
مولدي الهمامي

لم أعد أعرف أمكنة ألفتها حتى صارت هي أنا وأنا هي ولم أتبيّن الوجوه التي تملؤ ذاكرتي بحبّها للحياة وللعمل والبذل، فأين أنت يا وطني الذي أعرف..أين أنت يا وطني الذي ملأت كياني منذ زمن حليب أمي، أين أنت يا وطني الذي علّمتني كيف تعشق الأوطان بنسائمك وأمطارك وسحبك، بشواطئك وبحارك ووديانك، بأناسك الطيّبين هم الجود والكرم الذين حرثوا أرضك وزرعوها بعد أن نزعها الأجداد بالعزم والفداء من المستعمر الغاشم،

أين أنت يا وطني بأعراسك ومواسم أفراحك التي لا تنتهي، أين أنت يا وطنا الطبيعة فيه هبة من الله جعلت فصولنا أربعة، وفي كل فصل تجود الأرض بخيراتها فأين صيفك الذي هو الحياة وفرحتها والسماء وصفاؤها ، والشواطئ وزرقتها ، والسهرات وبهجتها ، أين صيفك يا وطني الذي تفوح منه رائحة السنابل وهي تحصد، والفاكهة وهي تطيب وتقطف، أين خريفك يا وطني خريف السواعد وهي تحرث وتزرع قوت أبنائك.

أين شتاؤك يا وطنا بسحبه وأمطاره والليالي البيض والليالي السود اللّي ينبت فيها كل عود وربيعك الذي كان يكسو أرضك يا وطني بالأقحوان والزهور وشقائق النعمان…

أين أنت يا وطني الذي لفّني في رايته الحمراء وجعل همّتي تسكن مع الأهلّة والنجوم…

أين مدرستي ومعهدي وجامعتي وأساتذتي وأقراني وزملائي … دماء الحياة في شرايينك يا وطني

أين طبرقة بمرجانها ، و نابل بأسواقها وفخارها ،والحمامات بمنتجعها ،وسوسة حيث البحر يعانق زرقة السماء، وصفاقس وزيتها وزيتونها، وقابس ورمّانها وبهاء حنائها، وجربة التي افتتن بها أوليس، وتطاوين وقصورها البربرية، أين واحات في الجريد وقفصة وقبلي معجزة الحياة في قلب الصحراء، أين القيروان وسجّادها، و تستور و مالوفها وجنانها، أين سهول جندوبة وسليانة ومرتفعات الكاف وبحيرتها، وسباسب القصرين وغلة سيدي بوزيد ، أين رائحة الفل والياسمين التي تفوح من مساكننا ومن قلوبنا، أين لياليك الزاهية،  أين أعيادك التي ترفع فيها راياتك لتعانق أشعة الشمس وترفرف في الأفق على مدى البصر، أين أعيادك التي بها نفرح   وأطفالنا …

 لقد أصبحنا يا وطني قطّاع طرق، ومنافقين في حبّك، ونمعن في ذلك ، وبتنا جرادا يأتي على الأخضر واليابس، ونأكل بعضنا وننهش، لقد فصلناك عن أجسادنا فتحوّلت إلى صحراء تتسوّل الماء وأرضا لا تنتج ، ووجها حزينا  حفرته التجاعيد هي أخاديد الفقر والأمراض، وجسدا أنهكته العلل والسنوات العجاف.. جعلناك يا وطني كما وصف أديبنا الكبير محمود المسعدي منحدرا لجبل أخشب غليظ حزيز نباته كالإبر، أرضه ظمأى و سماؤه صفراء و غباره كثيف.

فأين أجدك حتى أسألك كيف الاعتذار يا وطني …؟؟

أكمل القراءة

مِنْظ ... نار

ومن المقامات ما لم يكتبه الهمذاني ولا الحريري!

نشرت

في

حدّثنا أحدهم قال…”كناّ مجموعة من التجّار على رأس قافلة بالسلع حافلة، أدركنا المساء ونحن في قلب الصحراء، فقرّرنا الإستراحة عند مشارف واحة وأنخنا الجمال ووضعنا عنها الأحمال ونصبنا الخيام وأعددنا من الطعام ما حضر وستر وبينما نحن نتسامر وندخّن بعض السجائر، سمعنا صوت خيول قادمة من بعيد وهي تقترب وصهيلها يزيد …

مولدي الهمامي Hamammi Mouldi
مولدي الهمامي

فقمنا على عجل نستجلي الخبر، فإذا بكوكبة من الفرسان كأنّهم من نسل الشيطان، وقد استلّوا سيوفهم وهم يصيحون ويرعدون ويزبدون ، فانتابنا خوف شديد وسلّمنا الأمر للحميد المجيد ، فأحاطوا بنا من كل الزوايا وأغلقوا كل الثنايا، فتقدّم زعيمهم هو يفرك العنينين كأنّه لم ينم ملء الجفنين، وصاح ماذا تفعلون ومن أين أنتم آتون ؟؟ فقال أحدنا وأنتم من أنتم ؟؟ قال نحن المهرّبون، فقال صاحبنا وماذا تريدون بالله عليكم فالرفاق حائرون ونحن تجار صغار لا علاقة لنا بالتهريب لا من بعيد ولا من قريب،

“ثم ماذا تهرّبون نخشى أن تكون الممنوعات فيلحقنا الأذى ونحن أبرياء فقال لا تخافوا وضحك ضحكة صفراء وأمر أصحابه بالنزول وفكّ الأحمال عن البغال و الخيول ثم قال هل عندكم طعام  قلنا نعم شيئا من الخبز والزيتون فقال يا لها من عيشة المغبون، وبعد زمن قصير انصرف الجمعان كلّ إلى مكانه لأخذ قسط من الراحة، وأفقنا فجرا فلم نر للجماعة أثرا…فاعددنا العدّة للرحيل، وانطلقنا نحثّ الخطى ونقصّر الطريق بالغناء والإبل تجيبنا بالرغاء، حتى بلغنا ظهرا المدينة، فاستوقفنا العسس عند القنطرة وطلبوا منّا جوازات المرور حتى نتمكّن من العبور، وفرضوا علينا تنبري بدينار وضرورة الإستظهار بالبي سي آر…

فأخرجنا الوثائق  من بين الأحمال بصعوبة وكانت كلّها مضروبة…وبعد زمن قصير دخلنا سوق المدينة وبدت لنا كئيبة حزينة ، وفرشنا البضاعة وبقينا على تلك الحال ساعة أو بعض الساعة …وفجأة سمعنا جلبة ناحية السوق وعرك ومعروك ورأينا الناس في هيجان كأنّهم حجارة بركان يفرّون من المكان كأنّ بهم مسّ من الجان فسألنا أحدهم فقال لنا اهربوا إلى فجّ بعيد إنّه الكوفيد، وإذا برجل أحاط  به رجال الحماية وأدخلوه أقرب بناية وبقينا نحن في أمكنتنا متسمّرين منتظرين تطوّر الأحداث ، ولبسنا الكمّامات، وتركنا بين بعضنا مسافات، ثم كثر الهرج والمرج وهاجت الخلايق وماجت وتحوّلت السوق إلى حلبة نزاع وصراع واختلط الحابل بالنابل وتناثرت الخضر والغلال والأقفاف والسلال، والفراخ  تقاقي بين السواقي، والديكة تصيح في مهبّ الرّيح ،

كانت الخراف  تهرول هنا وهناك كأنّها جزء من العراك ، وحمار ينهق ورجل يشهق ما يلحق، وآخر إذا ما طلّع ساق فالأخرى تغرق، والمشهد  كلّه يمكن وصفه بالسريالي فكأنّه لوحة لسلفادور دالي، فقرّرنا الرحيل في الآن قبل فوات الأوان، لكن الفضول كان أكبر منّا، وأردنا معرفة ماذا يجري حتّى ندري ما لا ندري، وكلّما مرّ بجانبنا أحد بادرناه بالسؤال عن الحال لكن لا أحد يعرف السبب حتى يبطل العجب، وبينما نحن في حيرة وغصرة أقبل علينا أحد المهرّبين وقد ألفنا وألفناه ورمى علينا الصحبة وبها رميناه وألقى التحيّة في الحين وقال ألا تعلمون  ماذا يحدث…

فقلت بالله عليك أسرع فأنا أعاني بسبب شدّة العطش من الشهّيقة، قال وما الشهيقة ، قلت هي تعرف عندكم  بالفوّاقة، فقال لا تعجبوا إنّها الفوضى الخلاقة، ثم ضحك حتى بانت أسنانه وطلع لسانه، وانصرف وانصرفنا .

أكمل القراءة

صن نار