تابعنا على

جور نار

بعد عودة القروي إلى السجن: هل يريد ساكن قرطاج تفجير كتلة قلب تونس؟؟

… و هل تعيش البلاد حرب استنزاف سياسية بين القصور؟؟

نشرت

في

الآن و قد عاد نبيل القروي إلى السجن لفترة قد تكون وجيزة، بحجة إساءة تفعيل أحد فصول المجلة الجزائية، أو لفترة قد تطول إلى أجل غير مسمى لأسباب لا يعلمها الجميع، فما الذي سيحدث في المشهد السياسي؟؟ و هل يمكن فعلا اعتبار عودة القروي إلى السجن بمثابة الزلزال السياسي الذي قد يخلط كل الأوراق و ربما يعيدنا إلى مربّع لم نكن نريد العودة إليه؟؟ لن نبحث في حيثيات التهمة الموجّهة لنبيل القروي فالأمر من اختصاص القضاء لكن سنبحث عن تبعات هذا الإيقاف على مشهد سياسي يعيش على أرض رخوة منذ انتخابات 2019…

أين ساكن قرطاج مما وقع؟

محمد الأطرش Mohamed Alatrash
محمد الأطرش

يشتمُّ بعضهم رائحة ساكن قرطاج في ما وقع للقروي لكن هل يمكن فعلا لساكن قرطاج أن يتدخّل في إجراء قضائي كالذي حدث لغريمه؟ و ما فائدة ذلك إن تمّ فعلا؟؟ جميعنا يعلم أن ساكن قرطاج خسر معركة القصبة بعد أن افتكت منه النهضة و من معها من اختاره للجلوس على كرسي القصبة، فساكن قرطاج خرج على الجميع نافخا صدره متباهيا باختياره لرجل اعتبره إلى حدود بعض السويعات قبل الإعلان عن تشكيلة حكومته الرجل الأمين و الوفي، ثم حين عرف أن من اختاره اختار الابتعاد عن ظلّه ليستظل بظلّ الأحزاب أعلن عليه و على الأحزاب حربا قد تطول رحاها إلى آخر هذه العهدة السياسية، إن لم يقع فضّ الاشتباك بحلّ المجلس…فما الذي جعل البعض إذن يشتَمُّ رائحة قرطاج في ما جرى للقروي؟؟ أخطاء ساكن القصر و عدم قراءته لأبسط جزئيات نشاطه و تبعاتها هي من أوقعت به في دائرة الشكّ عند بعض الملاحظين و المتابعين للشأن السياسي بالبلاد، فمجرّد لقاء محمد عبو أحد أكثر الرافضين لنبيل القروي و حزبه وأحد أكبر الرافعين للواء مقاومة الفساد ساعات قبل إصدار بطاقة الإيداع للقروي يعتبر خطأ اتصاليا غير مدروس و غير محمود العواقب، في شكله و في محتواه، لكن يمكن أن يعتبره البعض أيضا دليلا على أن ساكن قرطاج لا يعلم بما سيقع للقروي، فلو كان على بينة مما سيقع للقروي لأجَلَ لقاء عبو إلى موعد لاحق تجنبا للشبهات… فما حقيقة لقاء عبو بساكن قرطاج يا ترى…هل ذهب لمدّ الرئيس ببعض ملفات فساد لضرب بعض خصومه أو بعض من كانوا سببا في خروجه المذلّ من حكومة الفخفاخ أم ذهب فقط لغاية لا نعلمها و لهدف لا يعلمه غير ساكن قرطاج؟ فالرجل لم يعد له أي دور في الحياة السياسية و أعلن انسحابه منها فهل أصبح اليوم يلعب دور الوسيط في بعض القضايا؟؟ أم أصبح مُخْبرا عالي المقام برتبة وزير “مطرود”؟؟… و ما حقيقة بعض الأخبار التي تقول إن ساكن قرطاج قد يكون التقى بعض الأطراف الأخرى التي لها علاقة مباشرة بملف نبيل القروي و إنه على علم بما سيقع له ؟؟

و يشتَمُّ البعض الآخر رائحة ساكن قرطاج في ما وقع لرئيس قلب تونس بسبب موقفه من مبادرة الاتحاد أيضا، و قد سبق أن عبر سعيد عن رفضه الجلوس حول طاولة الحوار مع من أسماهم بــ”الفاسدين” و جميعنا يعلم أنه يقصد قلب تونس و رئيسه بما قاله، فهل وصل الأمر بساكن قرطاج إلى البحث عن طريقة يُبعد بها حجر العثرة أمام تبنيه لمبادرة الاتحاد؟؟ هذا ما عبّر عنه بعض الفاعلين في المشهد السياسي مباشرة بعد إيقاف نبيل القروي، خاصة أن الجميع على علم بأن التيار الديمقراطي و حركة الشعب يؤيدان مبادرة الاتحاد على أن يكون ساكن قرطاج راعيا لها و حاضنها الأول. و قد يكون عرض الاتحاد لمبادرته على ساكن باردو و استجداؤه العلني لرئيس المجلس لتبنيها و إعلان المجلس حاضنا لها سببا في غضب ساكن قرطاج و إرباكه. فإشراف مجلس النواب على الحوار الوطني، سيخرج ساكن قرطاج نهائيا من المشهد، و سيفقده زمام المبادرة نهائيا، وفرصة العودة إلى صدارة القرار السياسي في البلاد… هذا ما دار في خلد بعض الفاعلين الكبار في مشهد سياسي متأزم و قابل في كل لحظة للانفجار، فهم يعلمون بأن ساكن قرطاج لن يهدأ قبل استعادة ما افتكّ منه، فوضع يده على القصبة سيكون هدفه الأكبر خلال قادم الأشهر، و قد يعمل أيضا على عدم استئثار ساكن باردو بأية مبادرة للخروج من الأزمة دون أن يكون هو راعيها و حاضنها الأول و الأكبر لكن بشروطه …خلاصة ما قد يضمره ساكن قرطاج ” لن تخرجوا من الأزمة دون رعايتي و دون اشرافي على ما تفعلون و بشروطي”…إذن لا أمل في مبادرة لا يكون ساكن قرطاج حاضنا و مشرفا عليها بشروطه، و قد يعمل على وأد كل المبادرات التي قد تضمن لهذه الحكومة و التحالف الداعم لها البقاء طويلا على كراسيهم. و قد يكون ما وقع للقروي إحدى آليات إرباك جسد خصوم ساكن قرطاج السياسي و قد يكون ما وقع للقروي صاروخا أطلقته منصات ساكن قرطاج بهدف خلط الأوراق من جديد و إعادة الإبن الضال إلى حضن والده…و إلغاء كل احتمال لتبني رئيس مجلس باردو مبادرة الحوار الوطني التي حوّل وجهتها الطبوبي من قصر قرطاج إلى باردو بعد أن شعر بلامبالاة ساكن القصر الأكبر…

هل يقع خلط الأوراق من جديد في قادم الأيام؟؟

لسائل أن يسأل هل أن مجرّد إيقاف نبيل القروي سيلغي حجم حزبه السياسي في المشهد؟؟ و هل سيتسبب في انفجار الحزام السياسي لرئيس الحكومة ؟؟ و هل يكون هذا هو الهدف الأكبر وراء إيقاف نبيل القروي؟؟ كما أن البعض يتساءل هل أن المشيشي على علم بما وقع قبل وقوعه، خاصة أن تبعات ما وقع قد تذهب بحكومة المشيشي و تعيد خلط الأوراق من جديد، فالكتلة النيابية خرجت لتُطَمئن المشيشي على أنها ستواصل دعمها و وقوفها خلف حكومته دون أن نستمع لموقف واحد من هذا الأخير حول ما وقع…و دون أن تنتظر موقفا داعما لرئيسها من ساكن القصبة و كأني بالمشيشي لا يبالي بسقوط حزامه السياسي أو تفجيره.

يؤكّد تمسك كتلة قلب تونس بمواصلة دعم حكومة المشيشي إدراك نوابها لخطورة ما جرى عليها، و على تماسكها و على حزب قلب تونس عموما … فهم يعلمون أن جرحى حكومة الفخفاخ تأبطوا شرا بحكومة المشيشي و حزامها السياسي، و يعلمون جيدا أن الحرب ستكون على أشدّها بين من كانوا يمثلون نواة حكومة الفخفاخ (التيار الديمقراطي و حركة الشعب) و حكومة المشيشي بحزامها السياسي و البرلماني الحالي، فهؤلاء يعلمون جيدا أن قلب تونس هو من كان سببا وراء كل ما جرى لحكومة الفخفاخ، لذلك خيّروا التريّث في التعامل مع ما وقع و انتظار تطورات القضية في الأيام القادمة.

فنواب كتلة قلب تونس يعلمون أن الكتلة الديمقراطية  لن تنضمّ أبدا للحزام السياسي لحكومة المشيشي و لن تنجح في ذلك قبل إبعاد قلب تونس من الحزام، و كتلة الدستوري الحر لن تغامر بذلك أيضا حتى و إن خرجت النهضة من الحزام، و أن حكومة المشيشي قد تسقط في أول امتحان لها دون دعم نواب كتلة قلب تونس، و قد يكون هذا ما يبحث عنه خصومها من “جرحى” حكومة الفخفاخ و ساكن قرطاج في صورة عدم تمكنهم من إعادة المشيشي إلى حضن ساكن قرطاج، كما يدركون خطورة التخلي عن دعم هذه الحكومة على مستقبل الحزب و مستقبل نواب الكتلة في قادم الأشهر…خلاصة موقف كتلة قلب تونس سحب للبساط من تحت أقدام الراغبين في تفجيرها لغاية خلط الأوراق من جديد لصالح بعض الأطراف الأخرى، و قد يكون ساكن قرطاج أحد أهمّ أطرافها، و قد يكون محمّد عبّو أحد أهم مهندسي هذا الخلط المرتقب في صورة النجاح في إبعاد كتلة قلب تونس عن التواجد ضمن الحزام السياسي لحكومة المشيشي.

نواب كتلة قلب تونس و أطماع البعض؟؟

أسعدت بطاقة إيداع نبيل القروي بعض الساكنين تحت قبّة مجلس باردو و خارجه و أغضبت البعض الآخر، فبعض الأطراف خارج المجلس و بعض النواب المستقلين أو من الذين استقلوا عن أحزابهم بعد فوزهم بمقاعد تحت قبة باردو يبحثون عن بعث ثقل سياسي تحت قبّة باردو من خلال مضاعفة حجم كتلهم، و يأملون دعمها خلال قادم الأيام ببعض نواب كتلة قلب تونس لذلك هم يعملون جدّيا على تفجير هذه الأخيرة ليستأثروا بنصيب الأسد من نوابها، و ليكونوا جزءا من الحزام الداعم لحكومة المشيشي عوضا عنها و جزءا من سلطة القرار في البلاد، فالجميع يبحث عن تواجد هام بهذا الحزام لضمان العديد من المكاسب على مستوى التعيينات في مفاصل الدولة و ضمان وصول آمن للموعد الانتخابي القادم.

النهضة و الخوف على موقعها في الحكم و مصير رئيسها…

لسائل أن يسأل ما دخل النهضة في ما يجري، و هل لغياب كتلة قلب تونس لو اختلطت الأوراق و انفجرت الكتلة، التأثير الكبير على حركة النهضة و حجمها بالبرلمان؟؟ نعم سيكون التأثير كبيرا و سيكون خطيرا على كرسي رئاسة المجلس…فالنهضة لن تستفيد أبدا من انفجار كتلة قلب تونس، و لن تتمكن من الحفاظ على كرسي رئاسة المجلس دون دعم الحزام الحالي لحكومة المشيشي، فانقلاب المشهد البرلماني و خسارة الأغلبية الداعمة للمشيشي و لرئيس المجلس سيقلب المشهد رأسا على عقب و قد يعود الحديث عن حلّ المجلس إلى صدارة عناوين الصحف و أخبار القنوات و نقاشات منابر الحوارات… لذلك لن تغامر كتلة النهضة أبدا بالخروج عن دائرة الحكم و لن تنسحب من الحزام البرلماني و السياسي لرئيس الحكومة فهذا الحزام هو أيضا حزام الأمان لموقع رئيسها في رئاسة المجلس؟ و قد يسعى  المشيشي في قادم الأيام إلى ضمان دعمها من خلال تحقيق بعض مطالبها و تعيين مرشحيها على رأس بعض مفاصل الدولة جهويا و محليا، و ربما ضمن تشكيلته الحكومية المنتظر تحويرها في قادم الأسابيع بغاية الحفاظ على كرسي القصبة و قطع الطريق نهائيا أمام أطماع ساكن قرطاج في إعادته إلى حضنه. خلاصة القول لن تقبل النهضة بانفجار كتلة قلب تونس دون ضمانات بالإبقاء على شيخها جالسا على كرسي رئاسة المجلس كلفها ذلك ما كلّفها، لأن في ذلك خسارتها لمكانتها و موقعها في الحكم، و خسارتها لرمزية شيخها في رئاسة المجلس و إسقاطات ذلك على قادم المحطّات الانتخابية… فالواضح أن ما وقع و يقع لا يخرج عن نطاق الحرب الدائرة بين القصرين، و جرحى حكومة الفخفاخ يبحثون عن أمر يُرغم المشيشي و يدفعه إلى العودة إلى حضن ساكن قرطاج من خلال تفجير كتلة قلب تونس، و إرغام النهضة و بقية الحزام الداعم للمشيشي دون قلب تونس و دون ائتلاف الكرامة على التعامل من جديد مع التيار و حركة الشعب و محاولة إيجاد أرضية توافق جديدة بدعم و مساندة من ساكن ساحة محمد علي و ذلك من خلال تبني مبادرته للحوار الوطني…و تعيينه في موقع متقدّم مع المشرفين عليها…

خلاصة ما يجري…

من الواضح اليوم أن ساكن قرطاج بدأ في تحريك منصات صواريخه نحو خصومه…و من الواضح أن كتلة قلب تونس تفطنت لما يخطّط له هذا الأخير صحبة جرحى حكومة الفخفاخ فخيّرت التعامل بلامبالاة مع ما وقع لرئيس حزبها في انتظار ما قد تشهده الساحة السياسية في قادم الأسابيع. و الأكيد أن ساكن قرطاج لم يقرأ حسابا للعداء الكبير الذي أصبح عنوان العلاقة بين من خيروا البقاء في حضنه (التيار و حركة الشعب) و بقية الأحزاب الممثلة تحت قبة باردو فمحمد عبو و من معه أعلنوا الحرب على كل من صوتوا لحكومة المشيشي و أغرقوا المشهد الإعلامي بالأخبار المفبركة و الإشاعات التي لا أساس لها من الصحة و لم يتركوا بابا واحدا مفتوحا للمصالحة، كما لم يقرأ حسابا لتجربة الغنوشي خلال العهدة السياسية الماضية فالشيخ تعلّم عن ساكن قرطاج السابق كيف يناور و كيف يعبر حقل الألغام التي زرعت في طريقه، و الغنوشي يدرك أن ضربه و ضرب حركة النهضة و إرغامه على الرضوخ لما يريده ساكن قرطاج، يمرّ عبر ضرب قلب تونس و كتلته، فإضعاف الحزام السياسي الداعم لحكومة المشيشي هو الحلّ الوحيد أمام ساكن قرطاج لتحويل وجهة المشيشي من جديد و إرغامه على العودة إلى حضنه “ذليلا”…و هذا ما يفسّر موقف كتلة قلب تونس و خيارها التريّث و عدم التسرّع في أخذ موقف متهوّر و معاد لحكومة المشيشي من خلال إعلانها البقاء ضمن مكونات الحزام السياسي لهذه الحكومة و مواصلة دعمها …و قد يكون للقاء بعض نواب كتلة قلب تونس ببعض قيادات حركة النهضة بعد إعلان إصدار بطاقة الإيداع في حقّ نبيل القروي الدور الكبير في كبح جماح غضب كتلة القروي… فهل فشلت صواريخ ساكن قرطاج في الوصول إلى أهدافها المعلنة و غير المعلنة، أم أن بطاريات الصواريخ المضادة التي سلمتها النهضة لكتلة قلب تونس كانت أكثر دقّة من صواريخه…و السؤال اليوم هل يطلق ساكن قرطاج دفعة جديدة من صواريخه العابرة للقصور على أهداف أخرى في قادم الأيام، أم يترك الأمر في يد وحداته الخاصة بقيادة محمد عبو و من معه، فهؤلاء يتقنون جيدا القصف العشوائي…؟؟؟

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

“زيدها شويّة”… أو كيف نُواجه سعير الأرقام في تونس

(من خلال أمثلة حيّة)

نشرت

في

ذكّرني التغيير الذي حصل مؤخّرا على رأس المعهد الوطني للإحصاء (احتمالا على خلفية دكتاتورية الأرقام التي لا تُجامل ولا تُعادي) بجملة من الأحداث والوقائع التي عشتُها شخصيا في أكثر من موقع والمُثبِّتة لعقليةٍ تشكّلت في بلادنا منذ العهود السابقة.

منصف الخميري Moncef Khemiri
منصف الخميري

 مفادُ هذه العقلية  كسْر المحرار إذا باح بنتائج لا تتطابق مع انتظارات المسؤول السياسي، والهروب بصناديق الاقتراع عندما كان يتوقع طلبة التجمع الحاكم عدم الفوز  في انتخابات المجالس العلمية كما كان يحصل في الجامعة التونسية… وعقلية “زيدها شوية” هذه نجد لها أثرا أيضا في نسيج العلاقات الأسرية وفي تعاطي عموم الناس مع الظواهر المختلفة وتفاصيل حياتهم اليومية، لأن الترقيع في ثقافتنا أعلى صوتا دائما من المعالجة الجذرية لمصادر أوجاعنا، وآليات والتسكين والتخفيف والتليين والتقليل والتمسكين منوالٌ قائم بذاته في رُبوعنا.

فعلى سبيل المثال عندما يُنتهك حقّ البنت في الميراث، لا يُجمِعُ أغلب الناس على إرجاع الحق إلى أصحابه بل يجنحون إلى المحافظة على الوضع القائم مع إضافة جملة ترقيعية  “زيدها شوية ووخيّان كيف آمس كيف اليوم” … وعندما تعوجّ حيطان البنّائين المُبتدئين تجد دائما من يحاول التنسيب بشكل ماكر “ثمة شوية عوَج صحيح آما توة باللّيقة تتسوى” … وعندما يعجز بعض الأطباء عن تشخيص مرض ما بدقّة، يسقطون في ما يُشبه تقليعات التنمية البشرية  “والله ما عندك شيْ، المشكل الكل في راسك، عندك برشة هلواس. آقف قدام المراية وصيح مانيش مريض توة ترتاح”…

المثال الأول : نسب النجاح في السنة الأولى بكلية العلوم

في بداية الألفية الجديدة، طلب المسؤول الأول عن مكتب الدراسات والتخطيط والبرمجة التابع للديوان بوزارة التعليم العالي، من رئيس مصلحة متابعة النتائج الجامعية (السيد ت.ع وهو من روى لي تفاصيل الحادثة) مدّه بنتائج آخر السنة الجامعية بالنسبة إلى كلية العلوم بتونس، فلمّا لاحظ أن نسبة النجاح العامة (في كل الاختصاصات مجتمعة) تراجعت خلال ذلك العام من 33 إلى 27 % أشعل سيجارة وسحب منها نفسا عميقا كمن يبحث عمّا يُساعده على ابتلاع نسبة التراجع التي سيُسأل عنها أمام وزيره آنذاك…ثم قال له في شبه توسّل “لا شويّة بالكل سامحني سي فلان، من رايي تزيدها شوية”.

المثال الثاني : في نفس الوزارة

في 2007، عندما انطلق تطبيق منظومة إمد على مراحل وكانت شهادة الأستاذية ماتزال قائمة جزئيا ريثما تحلّ محلّها شهادة الإجازة، طلب الوزير من المدير العام للشؤون الطالبية مدّه بإحصائيات حول مدى إقبال التلاميذ الناجحين الجدد في الباكالوريا على الإجازات الجديدة مقارنة بإقبالهم على الأستاذيات. ولمّا كانت النتائج الأوّلية مؤكدة لتوجّه الناجحين في الباكالوريا أغلبيّا نحو اختيار شهادة الأستاذية بدلا من الإجازة الجديدة، وبالتالي مُخيّبة لآمال من كان يتوقّع أن “إصلاح إمد” سيُعطي أُكله مباشرة بعد الشروع في إنفاذه بما يبرّر وجاهة الاختيار وسلامته، تمّ التشكيك في سلامة الأرقام فأعيد الاحتساب من جديد لتستقر نتائجه على نفس ما عبّر عنه المسح الأوّل، فلم تبق لديهم أية ذريعة سوى تسجيل ذلك على حساب ضعف الإعلام وجهل الأغلبية الساحقة من الأولياء بمزايا النظام الجديد… “وعلى أية حال توة نزيدوها شوية نسبة الإقبال على الإجازات في التدخلات الإعلامية دون تقديم أرقام دقيقة حول المسألة” … كانت هذه هي الفتوى التي أوجدوها للخروج من المأزق.

المثال الثالث : مشاركة التلاميذ التونسيين في تقييم “بيزا”  الدولي

كانت تونس من أولى الدول العربية التي تشارك في البرنامج الدولي لتقييم الطلاب “بيزا”، وذلك منذ سنة 2003، وهو تقييم دولي لقيس قدرة الطلاب في سن 15 عامًا (أي نهاية السنة التاسعة أساسي لدينا) على استخدام معارفهم ومهاراتهم في القراءة والرياضيات والعلوم لمواجهة تحديات الحياة الواقعية كل 3 سنوات. سنة 2015 احتلت تونس المرتبة 65 على 70 دولة مشاركة في الاختبارات (رتبة تقاسمتها تونس مع لبنان ضمن هذا التقييم الذي شمل عيّنة من 540 ألف تلميذ من مختلف أنحاء العالم).

وبدلا من مُواجهة الأسباب العميقة التي أدّت إلى تصنيف تلاميذنا التونسيين في ذيل الترتيب العالمي وهو مؤشر تُنكّس له الأعلام الوطنية لأنه يعكس وضع الوهن الموجع الذي باتت عليه منظومتنا التربوية، اختارت دولتنا أن تُقاطع هذه المحطة التقييمية الكونية مُفرغةً المحرار من زئبقه وضخّه ضمن خطابها الرسمي القائل بأن المؤشرات التي ينبني عليها التقييم صُنعت على مقاس التلميذ الأوروبي والسنغافوري والياباني وليس على مقاس التلميذ التونسي الذي يدرس ضمن بيئة خصوصية ووفق برامج ومناهج خصوصية !

المثال الرابع : 0.4 نسبة نموّ ليست من شِيمنا

دوّن المؤرّخ الجامعي نورالدين الدڨي على صفحته الرسمية يوم 23 مارس ما يلي :

“المعلوم أن المعهد الوطني للإحصاء لا يستنبط الأرقام؛ وليس مطلوبا منه تزويقها؛ فمهمته حسب نصوصه الـتأسيسية : “جمع المعلومات الإحصائية الخاصة بالبلاد و معالجتها و تحليلها و نشرها بالتنسيق مع الهياكل العمومية الأخرى”، وما نشره المعهد مؤخرا عن نسبة النمو الاقتصادي بتونس لسنة 2023 التي حددها ب 4 .0 بالمائة، وعن نسب البطالة : 4 .16 بالمائة، هو انعكاس أمين لقدرات الجهاز الإنتاجي الوطني…”

لكن وكما أسلفنا بالنسبة إلى الأمثلة السابقة، بدلا من مُعالجةٍ رصينة ومتأنية للأسباب الحقيقية والعميقة التي أدّت إلى هذه النتائج الموضوعية، تمّ اللجوء إلى إجراء تحوير على رأس هذه المؤسسة الوطنية ذات الطابع التقني والخِبري الصرف التي ظلّت علاقتها بصاحب القرار السياسي على مرّ السنوات منذ تأسيسها سنة 1969 مُتأرجحة بين نشر الأرقام كما هي أو في أسوإ الأحوال التعتيم عليها وعدم الإدلاء بها قصد التداول العام ولكن (وحسب شهادة عديد الكفاءات التي مرّت بنهج الشّام وتعمل اليوم بمؤسسات دولية وإقليمية مرموقة) لم يحدث أن تمّ تزوير الأرقام أو التلاعب بها.

أستعيد في النهاية ما قاله أحد المفكّرين “يمكنك أن تراوغ رجال الشرطة لكنه من الصعب جدا مراوغة بداهة الإحصائيات”.

.

أكمل القراءة

جور نار

إنت وما جاب العود… عن مسلسلات رمضان

نشرت

في

أخبار مسلسلات رمضان 2024: مواعيد عرض مسلسل فلوجة 2 بطولة ريم الرياحي في  رمضان 2024 والقنوات الناقلة - المشهد

عبد القادر المقري:

لي شبه يقين أن مسلسلاتنا التونسية (تماما كسينمائنا) محظوظة حظا يكسر الحجر كما يقال … فهي أقرب ما تكون إلى تلاميذ ذات فترة من عمر وزارة التربية، وهي تجربة المقاربة بالكفايات … لا أحد يأخذ صفرا، لا أحد يسقط في امتحان، لا أحد يعيد عامه، ولا أحد يتم طرده لضعف النتائج …

عبد القادر المقري Makri Abdelkader
عبد القادر المقري

بل لا قياس أساسا لأي جهد … الكل ناجح، والكل ممتاز، والكل متفوق، والكل نابغة بني ذبيان … والدليل أننا عند نهاية مهرجان من مهرجاناتنا أو عرض فيلم من أفلامنا، لا تسمع سوى الشكر، ولا تقرأ سوى المدح، و لا ترى سوى الحمد على نعمة السينما والذين أدخلوها إلى تونس … تماما كما يحصل عقب كل رمضان مع أعمالنا الدرامية، إن وُجدت … فدائما عندك جوائز لأحسن عمل، وأفضل مخرج، وأبرع ممثل، و أقوى سيناريو، وأكبر وأجمل وأبهى وأمتع وأروع … يا دين الزكش، كما يقول صديقي سلامة حجازي … يعني كل بلاد العالم (بما فيها هوليوود وبوليوود وقاهرة وود ودمشق وود) تنجح فيها أعمال وتفشل أعمال، إلا عندنا فيبدو أننا الفرقة الناجية …

… أو فرقة ناجي عطا الله !

هذه السنة، أتاح لي زميل مسؤول بإحدى الإذاعات أن أتفرج على قسم كبير من مسلسلين تونسيين مرة واحدة… قلت أتاح لي بعد أن رجاني مشكورا أن أدلي برأيي في هذا وذاك، وأنا اليائس منذ أعوام من مستوى مسلسلاتنا خاصة حين جنح معظمها إلى تقليد عمل أعتبره كارثة فنية بكل المقاييس، وهو مسلسل “مكتوب” … وصار الكل يستنسخ منه استنساخ أهل الغناء والمسرح لعرضي النوبة والحضرة طوال الثلاثين سنة الأخيرة … وكيف لا يفعلون وهم وجدوا الوصفة السهلة التي لا تكلّف تعبا ولا وجع رأس … فمثلما بإمكانك أنجاز “عرض” فني لا نص فيه ولا فكرة مبتكرة بل تكديس جملة من أغاني التراث وإلصاق بعضها ببعض، بإمكان الواحد أن “يبيض” مسلسلا لا قصة فيه ولا حوار ولا سيناريو… فقط عندك ركام من عارضي وعارضات الأزياء، يقولون في ما بينهم كلاما من الحزام فما أدنى منه، ويعيشون في بذخ لا تحلم به أميرة خليجية، ويستبيحون القوانين أصغرها وأكبرها، ولا قيم توقفهم ولا منطق ولا نواميس مجتمع … عكعك وهي حالّة معك، كما يردد شباب هذه الأيام …

إذن أخذا بخاطر صديقي، تفرجت صاغرا في اثنين من أعمالنا المعروضة لرمضان هذا العام، قائلا لعل الأمور تحسنت عمّا تركتها، وربما ظلمت مبدعينا الفتيان وهم يفتحون البلدان ويغزون الفضاء في غفلة مني … وبما أن ذلك فاتني على المباشر، فقد لجأت إلى التساجيل التي تبث على الإنترنت، وأطوي الأرض طيا حتى أرى أكثر ما يمكن ولا أتسرع في الحكم على أحد … رأيت إذن جزءا كبيرا من مسلسل “فلوجة 2” على الحوار التونسي، وجزءا مماثلا من “رقوج 1” (بما أنهم يبرمجون لجزء ثان على ما سمعت) … وأعطيت رأيي في حدود ما شاهدت، وواصلت بعد ذلك باقي الحلقات حتى تكتمل الفكرة وأكون بدوري من المحتفلين ختاما بأفضل عمل وممثلين ومخرجين إلى آخر الليستة … وعلى حق …

نبدأ بفلّوجة … هو أولا استمرار لقصة السنة الماضية التي أثارت أكثر من ضجة لدى رجال التعليم ونسائه … والسبب أن احداث المسلسل تدور في وحوالي معهد ثانوي فيه كل شيء إلا الدراسة … مخدرات في قارعة الطريق، علاقات جنسية بوها كلب بين الجميع والجميع، ولادات خارج إطار الزواج وغير ذلك … والعجيب أن احتجاج المربين قابلته عاصفة تبريرية كانت دائما السند الرئيسي لسامي الفهري ومسلسلاته … من نوع: أليس هذا واقعنا؟ ألا تحدث يوميا مثل هذه الفضائح؟ هل ما زال عندنا تعليم؟ ألم يهبط مستوى مؤسساتنا التربوية منذ زمن؟ هل نغطي عين الشمس بالغربال؟ أما كفاكم نفاقا؟؟ … ويصل التبرير إلى ذروته بالتهجم على الأساتذة أنفسهم … “ماهي جرايركم” … “ما هو من جرة” انغماسكم في الدروس الخصوصية وإهمالكم لعملكم الأصلي … “ماهي نقاباتكم” وإضراباتكم ومطالبكم وزياداتكم المتلاحقة، وبسببها أفلست المعاهد وصارت بؤرا فاسدة، فيما هرب الجميع إلى التعليم الخاص… وغير ذلك وغير ذلك …

ولم يقل أحد من هؤلاء لسامي الفهري: وأنت، ما غايتك من الترويج لهذه المظاهر؟

وبقطع النظر عن صحة كل هذا في المطلق، والإحصائيات التي ما زالت لصالح التعليم العمومي في الباكالوريا وغيرها مهما حصل … فإن هذا التعميم يظلم كثيرا من أهل التعليم الأوفياء وجهدهم في إنجاح تلاميذهم وتمكينهم من مستوى جيد دون مقابل عدا مرتب شهري بعرق الجبين … كما يحط هذا التقييم الشمولي من قدر أبنائنا وبناتنا المربين والمربيات الأشراف وأغلبهم يتمسك بفضائلنا وأخلاقنا … فهل كل أساتذتنا متحرشون بتلميذاتهم كما في المسلسل، وهل كل أستاذاتنا ومديرات معاهدنا شغلهن الشاغل إقامة علاقات جنسية مع هذا التلميذ أو ذاك الرجل العابر؟ …

وحتى إن حصلت بعض حالات فماذا تمثل نسبتها؟ 1 بالمائة؟ اثنان؟ ثلاثة بالمائة ولا أعتقد ذلك وسط مئات آلاف من منظوري وزارة التربية … ومن يقول أكثر عليه بإجبار الوزارة على التحقيق العاجل ويكون معها فيه، ثم أين منظمات الأولياء والتربية والأسرة؟ لو كانت معاهدنا على شاكلة معهد سامي الفهري، فمن الأحرى غلق مؤسساتنا التعليمية وإحالة ميزانية الوزارة نحو قطاعات أكثر احتياجا كالشؤون الاجتماعية أو الثقافة أوالفلاحة والصيد البحري … بل ربما نضع كل ما نملك بين يدي الأمن والقضاء حتى يقضيا القضاء المبرم على الداء الذي استفحل ويهدد بنسفنا من الجذور …

فلوجة في جرئه الثاني لم يشذ عنه في الجزء الأول … لا بل هو يستمر في شذوذه الآخر … عن كل ما هو مجتمع وأعراف وقيم ولنقُلْ أيضا، مسؤولية … فالعمل الدرامي ليس مجرد نقل للواقع (هذا إذا كان واقعا) بل فيه طرح ورسالة وتأثير مباشر خاصة مع طغيان الصورة ووسائل الاتصال الحديثة … الفهري ومرؤوسته سوسن الجمني، يتملّحان طولا وعرضا بما يمكن أن ينتج في مجتمعنا من تغيير سلوكات جراء ما يعرضانه في كل مسلسل …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

هل ستقع المواجهة بين إيران والكيان الصهيوني؟

نشرت

في

الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين - هل تملك اسرائيل ان توجه  ضربتها الى إيران؟

لم تكن التهديدات من هذا الطرف او ذاك توحي بخطر شن حرب بين إيران و اسرائيل، ذلك ان طهران كانت عمليا تتفادى مواجهة مباشرة مع اسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة وتعي بان الكيان اللقيط لا يعدو أن يكون إحدى ثكنات القوة الأعظم.

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari
محمد الزمزاري

و لم يتهور الايرانيون المعروف عنهم العمل بصمت و عقلانية و تقبل بعض الخسائر المفترضة و المنتظرة مقابل تنويع مواطىء اقدامهم و تركيز مواقع قد تخدمهم لاحقا دون أي تسرع عاطفي ممثل في رد فعل غير محسوب الهدف او النتائج … لقد دفعت إيران قرابين كثيرة منذ التسعينات ضحايا لاغتيالات الموساد و المخابرات الأمريكية المتعاونة من تفجير مراكز نووية إلى اغتيال علماء او قيادات عسكرية هامة و الظاهر ان الإيرانيين يرسمون أهدافهم الاستراتيجية على المدى الطويل والتي يعتبرونها اهم بكثير من صراعهم مع الكيان الصهيوني… وقد نجحت لحد الان السياسة الإيرانية في تركيز اذرع في عدد من البلدان العربية ذات مكانة استراتيجية هامة مثل سوريا و العراق ولبنان و اليمن، وهي ساعية اليوم لغرس امتداد لها بالأردن، كما عمدت خلال هذه الأسابيع إلى دعم حكومة السودان ومدها بالطائرات المسيرة التي قلبت موازين المعارك ضد قوى الدعم السريع.

لكن الحدث الذي جد اخيرا و الذي تمثل في ضرب الصهاينة للقنصلية الإيرانية بسوريا والقضاء على واحد من اكبر القيادات الحربية و التنسيقية قد يؤجج ما كان كامنا بين الكيان وطهران. فإسرائيل ترغب منذ سنوات في توريط حلفائها الأمريكان في حرب ضد إيران وقد تراءت لنتنياهو فرصة سانحة للدفع نحو هذه الحرب المرغوب فيها اولا و لتمديد بقائه في الحكم و إتمام خططه النازية من تهجير و مجازر و تدمير لغزة و لاحقا للضفة الغربية، وهنا لم يبق لإيران بد من رد فعل قوي لحفظ ماء الوجه و تأديب الكيان الذي تجاوز الخطوط الحمراء و ضرب القنصلية الإيرانية التي تمثل سيادتها و صورة قوتها أمام الجميع وخاصة لدى اذرعها وأنصارها في المنطقة.

ومنذ ساعات أعلنت المخابرات الروسية عن تحديد ضربات او حرب خاطفة ممكنة الوقوع قريبا جدا و دعت مواطنيها لملازمة الحذر بالشرق الأوسط وخاصة بالكيان الصهيوني و منذ اكثر من ساعة دعت الولايات المتحدة مواطنيها في الأرض المحتلة وتل أبيب خاصة الى نفس الحذر. اذن فالوضع قابل جدا لوقوع حدث هام مدمر ليس باسرائيل فقط لكن أيضا بايران اعتمادا على ان الكيان الصهيوني يرغب فعليا في خلق مواجهة مع ظهران ستقودها الولايات المتحدة دون شك.

هل ستصدر الضربة الإيرانية انطلاقا من قاعدة احد اذرعها؟ هل سيكون الهدف محطة ديمونة النووية او ايلات او تل ابيب؟ اظن ان ضرب تل أبيب مستبعد مما يبعث على الظن بان الهدف المحتمل هو: إما إحدى السفارات الاسرائيلية في بلد خليجي او قصف إحدى المدن او المطارات الكبرى بالكيان الصهيوني. فيما يبدو أن الولايات المتحدة لا ترغب حاليا في خلق بؤرة حرب جديدة مكلفة قبل انتخابات نوفمبر القادم و لن تصل اية ضربة مهما كانت صدمتها إلى دفع بايدن إلى رد فعل ضد إيران …

أكمل القراءة

صن نار