تابعنا على

منبـ ... نار

صخـبُ اليسار في رواية “زهرة الصـبّـار” لعلياء التابعي

نشرت

في

  كثيرا ما يشتدّ الوجَعُ على مداخل الوطن … عادت الرّحلة وعلى متن الطائرة جيلان، الأبُ والابن، فهل هي عودة حقيقية من المنفى إلى الوطن أمْ هي مجرّدُ نُقلة، من منفى الخارج إلى منافي الدّاخل ؟؟؟ 

توفيق عيادي

  يبدأ القصّ بعد رحْلتيْن، ذهاب وعودة، وبيْنهما ترحال في وحْـل الأوجاع واسْترجاع لما كان من آمال وانكسارات وانتصارات .. هي عودة مليئة بـ”كثير من التّعب والفاتورات والأسئلة”، لتـُفتَح على إثرها الدفاتر القديمة وتـُطرح الأسئلة التي ظلـّت طويلا معـلـّـقة بلا أجوبة، وتزِفُ ساعة الحساب :”ماذا بقي؟” ، “ماذا ذهب مني  ومنك ؟” ، “وهل خسِرنا ؟” ، “ما الذي تغيّر؟” ، “ما الذي حدث؟” ، “وماذا بعد ؟” ، “من أين نبدأ الحكاية إذن ؟” … وما لم يطرح من الأسئلة أكثر بكثير مِمّا طُرِح من ثرثرة حول الحبّ والوطن.

 الحكاية إذن هي حكاية وطنٍ يتحسّس طريقه نحو التحقّق المستقل، بعد صراع مرير مع المستعمر، ويدخل في معركة البناء، مؤسسات دستورية، وقطاعات خدمية، وإعادة ترتيب للأحوال المدنية والشخصيّة، محاولات بكر و واعدة وجريئة، لا تخطئها العين التي تريد أن ترى. عَـزْمُ البناء هذا اِتـّخذ له من المدرسة قاطرة ومن “المادة الشخمة” رهانا، فنشأت معاهد وجامعات، أثمرت نخبة طلابيّة تونسيّة، توزّعت بين عاصمتيْن – تونس وباريس- ولم ينقطع بينها التواشُجُ، اِستئناسا بتجارب مختلفة، وتفاعُلا مع رؤىً عالميّة وإقليميّة وعربيّة .. فتكوّنت بموجب ذلك تيّارات و”خطوط” فكرية وسياسية متنوّعة ومتضاربة رغم اِدّعاء وحدة المصدر والمنطلق من جهة، أو تقاطع الهدف والمقصد من جهة أخرى، من أجل الإطاحة بنظام يوصف بالدكتاتوري الغاشم.

وكان “اليسار” أحد العلامات الفارقة التي اِفتتحت صراعا مع السلطة، ازدادت حدّته حين أعربت السلطة عن نية السيطرة والتوجيه والتحكم في المنظمة الطلابية (الاتحاد العام لطلبة تونس) من خلال التدخل في مؤتمراتها ومحاولات التنصيب لقيادات موالية لسلطة “حكومات الاستقلال”. واِنتهت ذروة الصراع إلى التعذيب والتجنيد والمحتشدات (رجيم معتوق) … لأنهم في تقدير السلطة، طلبة “مشاغبون” لم تغادرهم عين السلطة ولم تُـفْسِحْ لهم إلاّ بمقدار، وهذا شأن أيّة سلطة في كل المجالات، فالقول والفعل المضادّيْن لهما حدود، والسلطة أدْرى الناس وأقدرهم على وضع الحدّ. لذلك غالبا ما كانوا في نظرها مجرّد صبْيان، تـُعاملهم “مثل أطفال صغار لا يُمنعون من شيء أبدا، ولا يؤاخذون على شيء، والأدهى من ذلك: (لا يُسْمحُ) لهم بشيء أبدا”  بعبارات رولان بارت. كم هي موجعة ومريرة عذابات الترحال في القـَـصّ أو في الحلمأو في الواقع. وهل أمرّ على المرء من وقع الظلم، ظلم ‘الحبّ’ أو ظلم ‘الحُكــم’، “كالحامض ينهش كل ما يعترضه من قناعات ومبادئ وذكريات فيُبيدها”. وكمْ تأبى الذاكرة النسيان وتحِنّ إلى الأوطان، الوطن الأرض والوطن الحبّ. وعاد أحمد بعد رحلة تيْهٍ، أحسّ خلالها أن “الهاوية تحت قدميْه”، ليطرق باب الرّجاء مرّة أخرى …

  وقد خاب الرّجاء كـيْـفما ضرب أهله في الزمن و طوّحوا في الأرض، خيبة يتردّد رجْع صداها في صراع السلطة والحبّ والانتماء، وتـُـفصِحُ عنها نهايات دامية في شتى مجالات التجربة وأساسا منها العاطفية، “وقد دخل بعدها القلب في شتاء طويل” كما عبّرت عن ذلك رجاء. وليست “رجاء” إلاّ لعبة في تقدير أمّ أحمد، يلهو بها أحمد وعليه أن يحذر منها كيْ لا تـُلوّث أناقته أو يجرح النظر إليْها مطوّلا أهدابه الناعمة، أو توسّخُ أطرافه .. حتى لو صادف أن دمّرها أو ضرب بها عرض الحائط، فتتداعى وتسقط مفكـّكة، فعراقة العائلة ذات الأصول التركيّة، سليلة باشويّة مفاخِرة، وثراؤها الفاحش، يسْمحان للأمّ بأن تشتري له، بدلا منها أخرى، ترتضيها هي له وتتناسب مع العراقة العائليّة وتـُناسِبُ غروره. وإن أراد أن يختار له ما شاء من اللـُّعَـبِ التي في مستوى العائلة، لم لا؟ والطريق إلى باريس أمامه سالكة، و”اللعَب” البشريّة هناك لامعة وبراقة يخطف بهاؤها الأبصار … أمّا عن العلاقات الإنسانية، فلا يمكن أن تكون إنسانيّة، في نظر أمّ أحمد، إلاّ إذا نشأت بين عائلات برجوازية باذخة، يخضع كل شيء عندها أو يَـنتظِمُ وفقا لـِ”ايتيكيت”، تعبيرا عن الحياة الراقية أو عن “المَحْـتد الكريم” لأرستقراطية طيّبة بما يكفي من الوهم .. لكن لا تعوزها القدرة على تدمير الآخرين ولا يُضيرُها ذلك في شيء طالما أنهم من طبقات “الما دون”. وليس مثل هذه المشاعر والمواقف إلاّ تأكيدا إضافيا على هشاشة الروابط الإنسانية في مجال الحبّ كما في مجال السياسة.

     لقد طال الدّمار أعماق رجاء وكل أطرافها وأتى على الكثير من مساحات أحمد العاطفية والاجتماعية- الطبقية، بقدْرٍ أجّج داخِله الحقد على أمّه البورجوازية ربما بنفس مقدار حقده على “عادل” الثوريّ .. هزائم الحبّ والسياسة أخذت من كليْهما مأخذا عميقا، ولم تعد رجاء تدري أيّ الألوان “سيختاره تاريخهما لتحديد نقطة الهزيمة في حياتهما” المليئة بالأوجاع من فرط انكسار الحبّ وانحدار السياسة. وهي التي دلفتْ لليسار من أبواب الحبّ لا من نوافذ السياسة وهذا اعترافها – اعترافٌ لا يُنـْقِصُ من قيمة الحبّ ولا يُعلي من شأن السياسة –  حين تقول “وجدت نفسي في السياسة، في صفّ اليسار عن قلب قبل أن يكون عن وعي … وجاء الصحْو رويْدا رُويْدا، فإذا اليسارُ ليس بقلب مَحضٍ، وإذا اليسار جعْجعة وكلام يُـلقى لا يُلزمُ أحدا، وإذا اليسار موقف تمثيليّ، قبل أن يكون موقِفا من الذات، ومن الوجود. وإذا اليسارُ ليس بنقضٍ للمسلـّمات والاتّباعية، بل وكذلك سقوط وإحباط وخيانة رغم ضخامة الكلمة المضحكة”.

كم هو موجع أن تكون تلك هي صفات اليسار في أعيُن الشابّات والشبّان الذين بذلوا الكثير من الجهد وشيّدوا الكثير من الحلم وعقدوا الكثير من الأمل والعزم منذ عقود، والموجِع أكثر أن ينكسِر كل ذلك أمام أعْيُنِ كلّ “شيوخ الطرق” و”الطوائف” اليسارية، ولا حراك ولا حياء. وكأن قدَرُ اليسار المحتوم أن يظل كذلك، اِتباعية مقيتة واِنحياز أعمى وجعجعة فارغة وثرثرة بلا هوادة، يمقت بعـضه بعـضا ويُدمّر بعـضه بعضا رغم وشائج الحبّ ووحدة جذور الانتماء. ذلك هو حال “زهرة الصبّار” بعد أن نفد صبرها على الهوان وانْكسرت حبّات رحيقها وتناثرت أشلاء (عادل وأحمد ورجاء). ألمْ يقلْ أحمد في “حبيبه” عادل : “كنت أحبّه أكثر من أيّ إنسان آخر وأكثر منكِ أحيانا ولكني كنت كذلك أمقته كما لم أمقتْ كائنا. كان جزءا منّي لا بدّ لي من تدميره لأعيش فقد كان مختلفًا إلى حدّ الخطر والإزعاج”. وكأن المختلف في بعض عقليات اليسار لا بدّ له أن ينتهي حتى وإن كان “رفيقا”. 

  ذاك هو اليسار في تقديرعلياء التابعي ومن خلال شخصية “رجاء” في لقاء المحاسبة بينها وبين أحمد. يسار قاصر وعاجز في ‘أبجديات’ الحب كما في ‘أدبيات’ السياسة. فتجربة الحبّ فاشلة وتجربة الحكم مؤجلة .. وكأن هذا اليسار لم يفهم بعد “أن الحياة تكره البطولات الزائفة” وأن الأحلام التي يستعصي تحقيقها دفعة واحدة، ويظل صاحبها يحاول ويراوح بشكل سيزيفيّ دون أن يغيّر من نفسه ومن أدواته أو من أهدافه، هي محض أضغاث أحلام ترتقي يقينا إلى رتبة أوهام، وشأن الأوهام أن تـُوَلـّـد أوهاما جديدة دون أن يتحـقـق منها شيء. وهذا شأن عادل -كعضو في تنظيم- وبشهادة أحمد ذاته حين يقول عنه :” لم يكن يختلف عن أمّي في شيء وخاصّة في العمى”. عمًى متبادَل تُمثّله أم أحمد سليلة العائلة البرجوازية من جهة ويُمثله عادل من جهة التنظيمات اليسارية. ذلك هو تقاطع الأضداد كما عبّر عنه أحمد، “عَـفـَـنُ البورجوازية” و”صلف اليسار”.

 ما أحوجنا اليوم إلى “استقلالية” رجاء، تعبيرا عن يقظة الذهن ونماء الروح النقدي وتغاضِيًا عن التفاصيل المُعيقة التي تَحوّلَ اليسار بموجبها إلى سلاّتٍ عديدة يصُحّ تشبيهه بـ “يسار الطوائف”، ولكلّ طائفة أسفارها أو مسلـّماتها التي تخصّها اِنتماءً واِدّعاءً. وكثيرا ما كانت رجاء تلوم عادل “على رزمة المسلـّـمات والبديهيات التي يحملها فوق ظهره”، مسلـّمات غذتْ لدى منتسبيها تضخّم الذوات وأوهام امتلاك الحقيقة المطلقة والأبدية ورسّخت لدى الكثيرين منهم، الاعتقاد – على لسان رجاء- “أننا أحسن ما أنجبت البلاد والبقية هوامّ ورعاع لا يعقِلون”. هو توصيف واِدّعاء لا يخلو من الغرور، بل هو غرور لا يقلّ مرتبة عن الغباء الذي يستمر إلى الآن، كما أعلنت ذلك الكاتبة على لسان رجاء وبشيء من الاستنكار والتعجّب : “عادل بصراحة، أكره الغباء واليسار عندنا غبيّ … إلى حدّ الآن. وأخشى يوم المراجعات والحسابات … يوم نذرف الدمع على الوقت المهدور في الجدل العقيم والولاءات الزائفة”.

هذا الروح النقديّ الذي تسميه رجاء حينا بـ “الفوضى” وحينا آخر “تعرية”، هي فعلا تعرية لا تخصّ عادل وحده كتنظيم، وإنما هي تعرية تطال كل التنظيمات اليسارية بغاية دفعها نحو إعادة قراءة “الواقع المتفجّر” على غير الطرق الآلية المستوردة “من الصين أو من الاتحاد السوفياتي أو من ألبانيا، وليس لنا أدنى شرف في نحتها بل شرفنا في ترديدها وعبادتها”. وما الترديد والعبادة الجامدة بالشرف الحقيقي في تقدير رجاء، بل الشرف في أن نظل متيقظين ومتحفزين وجادين في مراجعة مفهوم الواقع أصلا والعمل على معاودة فهمه وفقا للمتاح من الموادّ والأدوات والممْكِـنات. وكأن دعوة رجاء ‘المستقلة’ هي دعوة “المستقلين” إلى كل “الطوائف اليسارية” الذين أغفلوا الكثير من المشترك الأعمّ واِهتمّوا بالكثير من التفاصيل، إغفال فسُدَ معه الوضع وساءت الحال، أن يثوبوا مجدّدا إلى الرشد وأن يعتقوا حق الأجيال في الحلم ويكفوا عنهم كل ضروب الكوابيس والأضغاث والأوهام.

  يبدو أن نصّ رواية “زهرة الصبّار” هو نصّ، ربّما يُدرك قارئه أكثر من كاتبته أنه لا يزال يحتفظ بألقه، حتى لكأنه كُتِبَ لغير زمانه (سبعينات وثمانينات القرن الماضي)، أو هو كـُتب للتعبير عن زماننا أكثر من التعبير عن زمانه. فكلما أعيدت قراءته نكتشف معه عُمق الرّوابط التي تشدّه إلى الحاضر اليوم، سيّما إذا تعلّق الأمر بوضع “طوائف اليسار” ذلك اليسار الذي قالت عنه رجاء وبصيغة الجمْع : ” نحن لم نتحوّل، نحن نقِف منذ سنوات في نقطة الانحدار”. وهل تعلم رجاء – ومن خلفها علياء التابعي- أن اليسار كما عهدْته منذ عقود هو لم يتحوّل ولم يتغيّر، وأنّ ما تغيّر هو نقطة الوقوف، لكن نحو مزيد من الانحدار، وفي غفلة حقيقية عن مستوجبات أو نداءات الوطن.  

كم هو محزن حال هذا اليسار، بين دفـّـتيْ هذه الرواية وفي كل فصولها، أو بين ضفّتيْ واقع البلاد قبل “الثورة” تماما كما بعدها، الهزائم ذاتها والانكسارات ذاتها. رغم مقدار التضحية وشدّة العنفوان ومنسوب الأمل البدئي وفائض الحبّ للوطن والأهل. تجاربٌ تنتهي دائما إلى المتشابه من النتائج، “ليتعمّق الشعور بالقهر” بعدها. لا أحد يدري هل هي سذاجة السياسيّ أم هو اِستكبار ‘المثقف’ أم تراه عُـتـُـوّ المُرْسَلين، وقد كانت نبّهتهم رجاء إلى ” أن الوحي لا ينزل علينا وأننا لسْـنا فوق الشبهات” والأخطاء والحسابات. كأن رجاء تريد أن تقول لنا: إن الذي يعرف جيّدا ما يريد ولا يعلم كيف يبلغ ما يريد ستكون خسارته مضاعفة وينفضّ عنه الذين من حوله. وهذا ما كان يحدث باستمرار، مناوشات هامشية مع سلطة متمترسة ومتغطرسة تنتهي بالكثير من القرابين الشبابية على عتبات غرف التعذيب أو عنابر السجون أو متاهات البطالة والمطاردة والفرز .. وكثيرا ما بقي اليسار يُحصي ‘خسائره’ دون أن يكفّ عن “الغباء”  حسب توصيف رجاء أو عن “الأعمال الطائشة” التي انتهت به إلى خسران مبين، كثيرا ما عدّدتْه رجاء وأعْياها حمله لِـثِـقـل الحزن على ما ذهب منها وتفرح للقليل الذي بقي لها ” ذهب الحبّ، ذهب الصديق، ذهب الزوج، ذهب الطفل، ذهب الإيمان … وبقي البحر”. لكن رغم فداحة الخسائر فإن الذي بقيَ لها ولنا، حلم بحجم البحر أو هي سِعة لا تضيق على أحدٍ أو هو امتداد لا يستعصي على آمل، بل هو وطن جدير بكل التضحيات مهما علا شأنها في نظرنا أو مهما مسّنا منها الضّرّ، وطن يعسُرُ أن تبنيه الطوائف بشتات من البصائر والأفكار … 

 ويبقى الوطن هو الوطن  ويظل  الجميع أبناءه مهما اختلفوا ومهما تقطعت بأصحابها السّبل وتشتتتْ شعابا، فلا أنوار باريس قدرت على ردْم الهوّة السحيقة تحت قدميْ أحمد ولا ثلج اِنكلترا كان قادرا على وقفِ نزيف المعنى عند رجاء. وحدها أرض الوطن كفيلة بتضميد الجراح، في العاصمة أو في صحراء الجنوب أو في مكثر سليانة حتى وإن كانت من المناطق المنسية في هذا الوطن .. ومهما بلغ عمق الجراح بأصحابها، ومهما بلغت قسوة الشُذّاذ على الوطن ودفعت أبناءه للانتحار، لن يخيب الرّجاء مطلقا. وستأتي بطاقة التهنئة إلى ‘رجاء’ لتعيد لها الأمل في الحب والوطن والحياة، “ويرجع كل شيء إلى مكانه الأصلي”، بطاقة كتِب عليها بخط واضح وفصيح :”غدا فجر يوم جديد”.

إذا كان فِعْل القراءة هو محاولة اِكتشافٍ وسعيٍ لاِمتلاك الحقّ في الفهم والتأويل، فإن التعليق على النص المقروء يظل أسيرا لما يسْمح لنا به الفهم وما تطيعنا فيه اللغة. ولذلك أنصح بقراءة نص رواية “زهرة الصبّار”، مع ضمان قدر من المتعة.

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

منبـ ... نار

هل تتخلص تونس من مكبلات صندوق النقد الدولي و تبحث عن مصادر بديلة؟ (2)

نشرت

في

Compétitivité des exportations en Afrique : La Tunisie classée 2 ème -  Tunisie

عرفت تونس أزمات اقتصادية ومالية متفاقمة بعيد ثورة 14 جانفي، وتتالت هذه الأزمات و امتدت آثارها السلبية الى اليوم رغم القطع مع المنظومة البائدة إثر حراك 25 جويلية.

فتحي الجميعي

إلا أن الانتهازيين و أصحاب المصالح والسابحين عكس تيار النهوض بالبلاد عطلوا عملية الإصلاح وعملوا على إفشالها وذلك بكل السبل، فبقيت تونس رهينة الديون المتراكمة والمجَدْولة، وسياسات الجذب الى الخلف كالتهريب والمضاربة وتبييض الأموال. غير أن الإرادة الصادقة، والإيمان القوي بضرورة تغيير حال البلاد إلى الأفضل جعلها لا تنحني إلى الابتزازات، ولا تخضع للشروط.

فرغم توصلها في أكتوبر 2022 الى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي تحصل بموجبه على تمويل بقيمة 1.9 مليار دولار، لكن الاتفاق النهائي تعثر تحت طائلة الشروط القاسية كرفع الدعم، خفض الأجور و بيع مؤسسات عامة متعثرة. ولم يقف الأمر عند ذلك الحد بل تم وضع تونس ضمن القائمة السلبية لأول مرة من قبل هذا الصندوق، الأمر الذي صعب على بلادنا النفاذ الى الأسواق المالية العالمية.

وتفاديا للوقوع في صدمات اجتماعية واقتصادية، نجحت تونس بفضل تطور صادراتها، وعائدات السياحة، وتحويلات التونسيين بالخارج، وتنويع شركائها التجاريين إضافة إلى اعتمادها على الاقتراض الداخلي، والاكتتابات المتتالية لدى بورصة تونس، وانخراط التونسيين في هذه العملية، وهو نوع من الوعي الوطني والدفاع عن حرمة تونس، و نتيجة لذلك تحقق توازن مالي لدى البلاد هذا من ناحية، و من ناحية أخرى أعطت درسا لصندوق النقد الدولي بإمكانية التخلي عن خدماته عند الاقتضاء وخاصة عند المساس بأمنها القومي.

ورغم أن الفضاء الطبيعي  لتونس هو الفضاء الإفريقي والعربي والأوروبي باعتبار أن ثلثي المبادلات التجارية معه، إلا أنها عبرت عن انفتاحها على كل الفرص التي تمكن من تسريع وتطوير مناخ الأعمال ونسق النمو في اشارة إلى مجموعة “البريكس”.

إن تونس  مازالت منفتحة على الحوار مع صندوق النقد الدولي لكن دون إملاءات أو شروط تهدد السلم الاجتماعي. وإن تعذر ذلك فتونس مستعدة للانضمام الى بريكس للحصول على التمويلات اللازمة.

أكمل القراءة

منبـ ... نار

هل تتخلص تونس من مكبلات صندوق النقد الدولي وتبحث عن مصادر بديلة؟

نشرت

في

تونس-صندوق النقد الدولي: السلطات التونسيّة تلتزم باحتواء كتلة الاجور في  حدود 15 بالمائة من الناتج في 2022 - إدارتي

رغم الصعوبات الاقتصادية والمالية التي تفاقمت لأسباب معلنة وأخرى مجهولة، ما تزال تونس صامدة ورافضة لشروط صندوق النقد الدولي، موفية بالتزاماتها المالية تجاه دائنيها إذ بلغت نسبة خلاص الديون إلى موفى شهر جويلية 2023 48%. فهل يؤشر هذا على إرادة من تونس للتخلص من هيمنة القطب الواحد وانفتاحها في تعاملاتها المالية و التجارية على أسواق جديدة؟

فتحي الجميعي

يتأهب العالم لإرساء نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب بعد إزاحة نظام القطب الواحد والمتمثل في الهيمنة الامريكية المطلقة على جميع القطاعات ومعظم الدول وحليفها الاستراتيجي الاتحاد الاوروبي. وقد ساهمت الحرب الروسية- الاوكرانية الى حد بعيد في ظهور قطب اقتصادي وعسكري جديد، خاصة بعد بداية التقارب الروسي-الصيني والمضي قدما في تركيز “بركس” بنك التنمية الجديد والمكون من أسماء الدول الأكثر نموا اقتصاديا بالعالم وهي البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب افريقيا.

وقد اتفق رؤساء هذه الدول على مواصلة التنسيق في أكثر القضايا الاقتصادية العالمية الآنية، وتتالت اللقاءات على المستوى الأعلى لزعماء دول البركس BRICS منذ سنة 2008 قصد مزيد التشاور والتنسيق، وتواصلت الى سنة 2023 مع العلم ان مساحة هذه الدول تمثل 40% من اليابسة وعدد سكانها يقارب 40% من سكان العالم.

و بالعودة إلى تونس و رغم توقيعها مع الاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم لإرساء شراكة استراتيجية و شاملة، والتزام هذا الأخير بمساعدتها على بناء نموذج تنمية مستدام و غير إقصائي، و دعم ميزانيتها بمبلغ سيمنح كاملا بعنوان سنة 2023. وامام انفتاح روسيا على رفع نسق التبادل التجاري بينها ودول المغرب العربي، واعتماد مصر كبوابة لتنمية هذا التبادل مع اعتماد العملات المحلية بديلا عن الدولار، وإعراب تونس عن استيراد الحبوب من روسيا باسعار تفاضلية والتزام هذه الأخيرة بتسهيل المعاملات وتنشيطها هذا من ناحية، و من ناحية أخرى وبحصول الجمهورية التونسية على قرض ميسر بقيمة 1200 مليون دينار ومنحة بقيمة 300 مليون دينار من السعودية وسعيها إلى رفع قيمة صادراتها وفي مقدمتها مادة الفوسفات. هل تتخلى عن التعامل مع صندوق النقد الدولي في انتظار ارساء بركس وبداية التعامل معه كشريك اقتصادي ومالي؟ …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

منبـ ... نار

سياسة “فرق تسد”… هدمت كل الاستراتيجيات العربية؟

نشرت

في

الجامعة العربية التي لا يريد أحد رئاستها!

إن الغرب و على امتداد التاريخ يولي الأهمية الكبرى لمصالحه في كافة أنحاء العالم، و يؤمن إيمانا راسخا بأن الكائن البشري هو كائن مقدس و خاصة إذا تعلق الأمر ببني جلدته،

فتحي الجميعي

إلا أنه و منذ تحرر البلدان المستعمرة من الاحتلال المباشر، أصبحت البلدان الغربية تفكر في غزو جديد لمستعمراتها القديمة. فوقع غزوها أولا اقتصاديا و ثقافيا ثانيا، و كان لزاما عليها إن تتبع استراتيجية “فرق تسد”. كيف ذلك؟ إن أول ما سعت إليه و بمؤامرة مع الكيان الصهيوني هو إمضاء اتفاقية “كامب دافيد”، و هذه أول ضربة للعروبة إذ شلت كل تواصل بين جل الحكومات العربية و مصر، و بذلك استطاعت إن تهدم كل الاستراتيجيات العربية التي كانت تهدف إلى تأسيس كيان عربي موحد، و إنشاء جيش عربي قادر على الوقوف في وجه الكيان الغاصب وخلق قوة اقتصادية هائلة تخلص العرب من التبعية المتواصلة للغرب،

و بذلك استطاعت البلدان الغربية و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية أن تواصل نهب خيرات الشعوب العربية و في مقدمتها النفط، و أن تجمد كل سعي لخلق أي افق سياسي لحل القضية الفلسطينية، كما استفاد الغرب من الحرب الداخلية اللبنانية و الجولان السوري المحتل للتوغل في العمق الفلسطيني.

إن إيهام العرب بأن الغرب ساع لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، هو أكذوبة كبري امتدت على أكثر من عشرين سنة وهي ما سمي بـ” المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية” من اجل حل لخلق دولتين تعيشان جنبا إلى جنب بسلام مقابل التطبيع مع إسرائيل، مما جعل الرؤساء العرب المشاركين في المبادرة يهرولون دون ” فرملة” عند كل دعوة مزعومة لهذه المفاوضات العبثية دون إدراك أنها مضيعة للوقت، وهي رهان خاسر لا محالة. و توفي أبو عمار بعد أن حقن سما فتوفيت معه القضية، و ترك ما بقي من أرض فلسطين مقسمة بين الصفة الغربية و قطاع غزة، و ظل الصراع قائما بين الفصيلين المتناحرين، و بات الفوز بالكرسي هو الهدف، و ظل الشعب الفلسطيني مقسما على غرار أرضه.

و جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر فاستغلت الولايات المتحدة الأمريكية هذا الحدث أحسن استغلال لتصبح الإمبراطورية الكبرى، مترامية الأطراف من الخليج إلى المحيط، فنشرت أساطيلها الحربية، و حركت آلتها العسكرية الجهنمية تجاه أفغانستان و العراق، و هكذا أباحت لنفسها بتعلة حماية مصالحها أن تبيد العراق بعد أن سلبته كل مقومات التقدم و الحضارة، و أجهزت عليه بإغراقه في ديون لا نهاية لها، و اقتتال لا مخرج منه، فضاع الوطن، و نكس العلم، و دنست الأرض..

و حل “الربيع العربي”، فاستبشرت الشعوب على أمل أن تبنى الأوطان على أنقاض أخرى بنيت على التبعية للغرب، و انخرام السياسات، و إذلال الشعوب. و إذا بهذه الثورات أو بعضها تنقلب إلى حروب أو اقتتال داخلي غذته الفتن، و ذكاه أصحاب المصالح، و الانتهازيون و مصاصو دماء الشعوب، و راسمو السياسات المسقطة.

إن الكيان العربي لم يوحد، و لن يتحرر من براثن التبعية المقيتة للغرب، و لن يتوحد أو يوحد مادام الجرح العربي ينزف، و ما دام الهدف هو السلطة، و مادام الحاكم يطبق سياسات الغرب و المحكوم ينفذ هذه الأجندات الأجنبية…إن الغرب هو المستفيد الوحيد في غياب الوعي العربي بالمخاطر التي تتهدده. فبداية من القرن العشرين أو منذ آواخر القرن التاسع عشر وهو وطن محتل، و شعب مقتل بآلة الغرب و جنوده، وهو الآن يقتل من جديد في غزة بنفس الآلة الصهيوأمريكية و غيرها من الدول الغربية الحليفة. فهل استطاع العرب لجم العدو و إيقاف الإبادة الجماعية في حق الشعب الفلسطيني؟؟ 

أكمل القراءة

صن نار