تابعنا على

جور نار

عندما يتزامن احتفال اللباس التقليدي مع اليوم العالمي للرياضيات… يفوز الكبّوس وينتكس “السّينوس” !

نشرت

في

14 مارس هو اليوم العالمي للرياضيات، و 16 مارس اليوم الوطني للّباس التقليدي التونسي : حدثان مهمّان عشناهما خلال الفترة الأخيرة ولكن ليس بنفس النكهة ولا بنفس الرّوح وذات درجة الإقبال.

منصف الخميري Moncef Khemiri
منصف الخميري

ازدانت جميع ساحات مدارسنا خلال الأسبوع الماضي بجميع أنواع الحُليّ والجبّة والبرنوس والشاشيّة فوق الرؤوس والسّراويل المطرّزة والصدريّات المبرقشة في سياق الاحتفال باليوم الوطني للّباس التقليدي، وهو تقليد محمود لأنه يُعزّز الشعور بالانتماء ويُبرز عناصر بديعة في هويّتنا الوطنية وموروثنا الثقافي، ولكن عندما يتزامن الاحتفال واسع النطاق رسميا وإعلاميا ومدرسيّا بزينة المظهر وزخارف الملبس مع غياب مطلق وصمت مُطبق إزاء حدث جلل خصّص له المجتمع الدولي يوما عالميا وهو اليوم العالمي للرياضيات (وما أدراك ما الرياضيات) … يُصبح الأمر مدعاة للحيرة والتساؤل عمّا يجعل وزارة في حجم ومكانة ورمزيّة وزارة التربية في وجدان جميع التونسيين، لا تعير اهتماما لهذا الحدث الكوني وخاصة في تونس بالذات المُشرفة مدارسها على تطليق الرياضيات بالثلاث.

إن كان الأمر عفويا ومن قبيل السّهو، فعذرا حقا لأن البلدان لا يسيّرها العفويون والمزاجيون والانفعاليون، وإن كان التعتيم مقصودا فتلك مصيبة أكبر وأبشع.

أية قيمة للرياضيات ولماذا اليوم العالمي للرياضيات ؟

لا يمكن الاجتهاد في باب الوقوف على مكانة الرياضيات وأهميتها، لأن فوائدها ودورها في بناء العقل وتطوير جميع مجالات العلوم الأخرى أضحت من المسلّمات والحقائق العلمية البديهية التي أكّدها مسار الانسانية الطويل في اكتشاف ما به، تطوّر الطب والفلك والصناعة والفلاحة والملاحة وصولا إلى الحوْسبة والاتصالات والحروب الالكترونية والقذائف المسيّرة … والقدرة على كتابة نصوص أدبية وشعرية في نفس مستوى ما كتبه المتنبي وبودلير و”إدغار آلان بُو” بواسطة تطبيقات الذكاء الاصطناعي الجهنّمية الجديدة.

فالرياضيات تُدرّب على التفكير وحلّ المشاكل، والرياضيات تغذّي التفكير النقدي وتصقله أي تنمية القدرة على تطوير شكّ عقلاني يسمح بالتثبّت من أية معلومة، والتمييز بين ما هو خاطئ وما هو صحيح بناءً على برهنة موضوعية وعلمية دقيقة، والتدريب على التصرف في وضعيات مركّبة وإكساب القدرة على إجراء تحليل جيد قبل اتخاذ أي قرار أو القيام بأي ردّ فعل…

والرياضيات تسمح كذلك بتطوير المهارات المنطقية وإضفاء مرونة حيويّة على الخلايا الدماغيّة. كما تُفيد الرياضيات في حلّ عدد لا محدود من مشاكل الحياة اليومية، مثل إجراء الحسابات المالية والعمليات التجارية وتقييم هوامش الربح والخسارة وعمليات القيْس وإعداد الأطعمة حسب مقادير مدروسة، وأشغال الزراعة والنّجارة والحِدادة والبناء والتبليط وقيس الأراضي ومدّ الجسور وتوزيع المواريث…  فكلها أنشطة بشرية تستدعي منطقا وعقلا حاسِبًا وفق قواعد رياضية مضبوطة.

لماذا نبكي واقع الرياضيات في تونس ؟

لا يخفى على أحد اليوم التراجع المأساوي الذي يشهده واقع دراسة الرياضيات وتدريسها في تونس اليوم، خاصة في ضوء المؤشّرات التالية :

___الانكماش المُريع لشعبة الرياضيات كمسلك تخصّصي في التعليم الثانوي في كل المؤسسات التربوية دون استثناء، وبصفة خاصة في الجهات الداخلية التي ترتفع فيها نسبة المدرّسين غير المختصين والمدرّسين النوّاب والمعوّضين، والجهات التي لا تتوفّر فيها ظروفا موضوعية مُشجّعة على استقرار إطار التدريس وبالتالي تشكّل نواة صلبة ضامنة لعناصر جودة التكوين وبهجته (والنواة الصّلبة أو الكُتلة الحاسمة في الاقتصاد هي العتبة أو الحجم الذي معه تتحقق وفرة المردود والإنتاجية).

___المعاناة الحقيقية التي تواجهها مجالس الأقسام في نهاية كل سنة دراسية، من أجل إيجاد الحدّ الأدنى الذي يسمح ببناء قسم أو قسميْ رياضيات على أقصى تقدير في كل معهد، مما يؤدّي حتما إلى ضعف شديد في نسبة التوجيه خصوصا نحو شعبة الرياضيات ونحو الشعب العلميّة بصورة عامة.

___ثبوت العلاقة الطرديّة بين ضعف نسب التوجيه نحو الرياضيات والشعب العلمية بصورة عامة وبين نسب النجاح في الباكالوريا.  فكلما زادت نسبة المُقبلين على التوجيه نحو هذه الشعب زادت نسبة النجاح في الباكالوريا، وكلما تقلّصت (مقابل ارتفاع التوجيه نحو الآداب والاقتصاد) تدنّت نسب النجاح في الباكالوريا. (تذكر الأرقام سنويا في هذا السياق أن الجهات الأعلى ترتيبا في الباكالوريا هي الجهات الحائزة على أعلى نسب التوجيه في الرياضيات والشعب العلمية والعكس بالعكس).

___الالتحاق بالشعب الجامعية المُثمّنة اجتماعيا وشُغليّا مثل الطب والهندسة واختصاصات المحاسبة والمالية والتصرف (في مؤسسات أكاديمية بعينها) والاختصاصات حول الإعلامية وتطوير التطبيقات والبرمجة… أصبح حِكرا على جهات ومؤسسات تربوية معيّنة حيث تزدهر نسبيا شعبة الرياضيات. خاصة أن “سوق الدروس الخصوصية” تنتعش بشكل كبير جدا في الجهات التي يكون فيها مستوى العيش والقدرة على الاستثمار في دراسة الأبناء أكبر، مقارنة مع غير ها من الجهات.

___ترسّخ فكرة “غول الرياضيات المُخيف” في أوساطنا المدرسية لأن مناهج تدريسها مُنفّرة وملمح مدرّسيها بصفة عامة في خصومة أبديّة مع منهج التّيسير وإضفاء أبعاد لعبيّة وتطبيقية من الحياة اليومية… إضافة إلى أن مقياس الرياضيات مُعتمَد في منظومة توجيهنا المدرسي “العتيدة” في كل الشعب باستثناء الاداب… بمعنى أن التلميذ الذي يبلغ السنة الثانية من التعليم الثانوي بمؤهلات محدودة في الرياضيات توصد في وجهه كل الأبواب باستثناء واحد فقط… لا يؤدّي حقيقة إلى آفاق واعدة.  

ماذا كان بوسع وزارة التربية أن تفعل ؟

أقول بدءًا إنني لا أطالب وزارة التربية بأن تُطلق العنان لاحتفالات وفعاليّات فكرية وبحثيّة ودراسية (وترفيهيّة لِم لا ؟!) حول الحِساب والرياضيات تكون موجّهة إلى كل الأعمار وكل الفئات، في محاولة لنزع رداء الوحش عن مادّة من أمتع المواد وأذكاها لو نعرف كيف نقدّمها للناس وكيف نفكّ رموزها وكيف ننزع عنها قِناع الغلظة والقساوة … بل أطالبها فقط بأن تتوقّف ولو قليلا عند هذا الحدث الكوْني، وتُشعرنا بأن للتونسيين دولة تواكب نسق تطور العالم وتولي أهمية لما يحدّد اليوم درجة نموّ المجتمعات وما سيحدد مستقبلا المستوى الذي سيكون عليه رفاه الشعوب.

كان بوسع وزارة التربية :

أن توجّه تحيّة لمعلّمي الحِساب وأساتذة الرياضيات ومتفقّديها تُثني فيها على مجهوداتهم المبذولة في سبيل الذّود عن هذا الجواد المدرسي الأصيل والحفاظ عمّا تبقّى من جذوة مهدّدة بالانطفاء والاضمحلال النهائي، وتُلفت انتباههم فيها كذلك إلى المخاطر التي تتهدّد عرينهم بحكم مناخ النفور العام إزاء الرياضيات وتداعيات صورتها القاتمة على نفسية أبنائنا خاصة خلال فترة الامتحانات.

 وأن تُطلق خطة وطنية من أجل تجويد تدريس الرياضيات وإعادة الاعتبار لشعبة الرياضيات في تونس التي كانت تستوعب إلى حدّ وقت غير بعيد خُمُس الموجّهين في التعليم الثانوي (في حين لا تسجّل اليوم أكثر من ثُمُن أو عُشُر ما يُوجّه نحو الاداب أو الاقتصاد والتصرف في جهات كثيرة).

وأن تدعو متفقدي المادّة وأساتذتها ومُعلّميها إلى تنظيم ورشات جهوية وإقليمية ووطنية لتدارس معضلة الرياضيات، وتشخيص العوامل التي حوّلتها عبر السنين إلى حاجز مُعيق وسببا من أسباب الفشل والانقطاع المدرسيين.

وأن تُطلق شعارا وطنيّا على هذا اليوم العالمي يكون نابعا من خصوصياتنا المحلية ويتم الاشتغال عليه وتقديم المقترحات بخصوصه مثل (الفتيات والرياضيات) أو (الرياضيات والعلوم التجريبية : هل يمكن إدماجهما؟) أو كذلك (الرياضيات في شعبة الاقتصاد أية أهمية؟) أو الرياضيات عند العرب القُدامى، الخ…

وأن يتمّ تنظيم أولمبياد وطنية للرياضيات تُرصد لها جوائز مُحفّزة بشكل حقيقي لا تستهدف التلاميذ “النوابغ” في الرياضيات فحسب، بل خاصة أولئك التلاميذ الذين يُبدون نفورا وتوجّسا وخوفا تجاه هذه المادّة.

ملاحظة أخيرة : يتّفق عديد الدّارسين حول العالم أن دراسة الرياضيات تكون أنفع وذات مساهمة أكبر في بناء شخصية متوازنة ورياديّة للتلميذ والطالب عندما تقترن بدراسة الفنون و/أو الرياضة… لأن ذلك يجعله يكتشف أبعادا أخرى لم يكن ليعرفها لو ظل حبيسا في عالم العلامات والرموز المجرّدة.

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

“زيدها شويّة”… أو كيف نُواجه سعير الأرقام في تونس

(من خلال أمثلة حيّة)

نشرت

في

ذكّرني التغيير الذي حصل مؤخّرا على رأس المعهد الوطني للإحصاء (احتمالا على خلفية دكتاتورية الأرقام التي لا تُجامل ولا تُعادي) بجملة من الأحداث والوقائع التي عشتُها شخصيا في أكثر من موقع والمُثبِّتة لعقليةٍ تشكّلت في بلادنا منذ العهود السابقة.

منصف الخميري Moncef Khemiri
منصف الخميري

 مفادُ هذه العقلية  كسْر المحرار إذا باح بنتائج لا تتطابق مع انتظارات المسؤول السياسي، والهروب بصناديق الاقتراع عندما كان يتوقع طلبة التجمع الحاكم عدم الفوز  في انتخابات المجالس العلمية كما كان يحصل في الجامعة التونسية… وعقلية “زيدها شوية” هذه نجد لها أثرا أيضا في نسيج العلاقات الأسرية وفي تعاطي عموم الناس مع الظواهر المختلفة وتفاصيل حياتهم اليومية، لأن الترقيع في ثقافتنا أعلى صوتا دائما من المعالجة الجذرية لمصادر أوجاعنا، وآليات والتسكين والتخفيف والتليين والتقليل والتمسكين منوالٌ قائم بذاته في رُبوعنا.

فعلى سبيل المثال عندما يُنتهك حقّ البنت في الميراث، لا يُجمِعُ أغلب الناس على إرجاع الحق إلى أصحابه بل يجنحون إلى المحافظة على الوضع القائم مع إضافة جملة ترقيعية  “زيدها شوية ووخيّان كيف آمس كيف اليوم” … وعندما تعوجّ حيطان البنّائين المُبتدئين تجد دائما من يحاول التنسيب بشكل ماكر “ثمة شوية عوَج صحيح آما توة باللّيقة تتسوى” … وعندما يعجز بعض الأطباء عن تشخيص مرض ما بدقّة، يسقطون في ما يُشبه تقليعات التنمية البشرية  “والله ما عندك شيْ، المشكل الكل في راسك، عندك برشة هلواس. آقف قدام المراية وصيح مانيش مريض توة ترتاح”…

المثال الأول : نسب النجاح في السنة الأولى بكلية العلوم

في بداية الألفية الجديدة، طلب المسؤول الأول عن مكتب الدراسات والتخطيط والبرمجة التابع للديوان بوزارة التعليم العالي، من رئيس مصلحة متابعة النتائج الجامعية (السيد ت.ع وهو من روى لي تفاصيل الحادثة) مدّه بنتائج آخر السنة الجامعية بالنسبة إلى كلية العلوم بتونس، فلمّا لاحظ أن نسبة النجاح العامة (في كل الاختصاصات مجتمعة) تراجعت خلال ذلك العام من 33 إلى 27 % أشعل سيجارة وسحب منها نفسا عميقا كمن يبحث عمّا يُساعده على ابتلاع نسبة التراجع التي سيُسأل عنها أمام وزيره آنذاك…ثم قال له في شبه توسّل “لا شويّة بالكل سامحني سي فلان، من رايي تزيدها شوية”.

المثال الثاني : في نفس الوزارة

في 2007، عندما انطلق تطبيق منظومة إمد على مراحل وكانت شهادة الأستاذية ماتزال قائمة جزئيا ريثما تحلّ محلّها شهادة الإجازة، طلب الوزير من المدير العام للشؤون الطالبية مدّه بإحصائيات حول مدى إقبال التلاميذ الناجحين الجدد في الباكالوريا على الإجازات الجديدة مقارنة بإقبالهم على الأستاذيات. ولمّا كانت النتائج الأوّلية مؤكدة لتوجّه الناجحين في الباكالوريا أغلبيّا نحو اختيار شهادة الأستاذية بدلا من الإجازة الجديدة، وبالتالي مُخيّبة لآمال من كان يتوقّع أن “إصلاح إمد” سيُعطي أُكله مباشرة بعد الشروع في إنفاذه بما يبرّر وجاهة الاختيار وسلامته، تمّ التشكيك في سلامة الأرقام فأعيد الاحتساب من جديد لتستقر نتائجه على نفس ما عبّر عنه المسح الأوّل، فلم تبق لديهم أية ذريعة سوى تسجيل ذلك على حساب ضعف الإعلام وجهل الأغلبية الساحقة من الأولياء بمزايا النظام الجديد… “وعلى أية حال توة نزيدوها شوية نسبة الإقبال على الإجازات في التدخلات الإعلامية دون تقديم أرقام دقيقة حول المسألة” … كانت هذه هي الفتوى التي أوجدوها للخروج من المأزق.

المثال الثالث : مشاركة التلاميذ التونسيين في تقييم “بيزا”  الدولي

كانت تونس من أولى الدول العربية التي تشارك في البرنامج الدولي لتقييم الطلاب “بيزا”، وذلك منذ سنة 2003، وهو تقييم دولي لقيس قدرة الطلاب في سن 15 عامًا (أي نهاية السنة التاسعة أساسي لدينا) على استخدام معارفهم ومهاراتهم في القراءة والرياضيات والعلوم لمواجهة تحديات الحياة الواقعية كل 3 سنوات. سنة 2015 احتلت تونس المرتبة 65 على 70 دولة مشاركة في الاختبارات (رتبة تقاسمتها تونس مع لبنان ضمن هذا التقييم الذي شمل عيّنة من 540 ألف تلميذ من مختلف أنحاء العالم).

وبدلا من مُواجهة الأسباب العميقة التي أدّت إلى تصنيف تلاميذنا التونسيين في ذيل الترتيب العالمي وهو مؤشر تُنكّس له الأعلام الوطنية لأنه يعكس وضع الوهن الموجع الذي باتت عليه منظومتنا التربوية، اختارت دولتنا أن تُقاطع هذه المحطة التقييمية الكونية مُفرغةً المحرار من زئبقه وضخّه ضمن خطابها الرسمي القائل بأن المؤشرات التي ينبني عليها التقييم صُنعت على مقاس التلميذ الأوروبي والسنغافوري والياباني وليس على مقاس التلميذ التونسي الذي يدرس ضمن بيئة خصوصية ووفق برامج ومناهج خصوصية !

المثال الرابع : 0.4 نسبة نموّ ليست من شِيمنا

دوّن المؤرّخ الجامعي نورالدين الدڨي على صفحته الرسمية يوم 23 مارس ما يلي :

“المعلوم أن المعهد الوطني للإحصاء لا يستنبط الأرقام؛ وليس مطلوبا منه تزويقها؛ فمهمته حسب نصوصه الـتأسيسية : “جمع المعلومات الإحصائية الخاصة بالبلاد و معالجتها و تحليلها و نشرها بالتنسيق مع الهياكل العمومية الأخرى”، وما نشره المعهد مؤخرا عن نسبة النمو الاقتصادي بتونس لسنة 2023 التي حددها ب 4 .0 بالمائة، وعن نسب البطالة : 4 .16 بالمائة، هو انعكاس أمين لقدرات الجهاز الإنتاجي الوطني…”

لكن وكما أسلفنا بالنسبة إلى الأمثلة السابقة، بدلا من مُعالجةٍ رصينة ومتأنية للأسباب الحقيقية والعميقة التي أدّت إلى هذه النتائج الموضوعية، تمّ اللجوء إلى إجراء تحوير على رأس هذه المؤسسة الوطنية ذات الطابع التقني والخِبري الصرف التي ظلّت علاقتها بصاحب القرار السياسي على مرّ السنوات منذ تأسيسها سنة 1969 مُتأرجحة بين نشر الأرقام كما هي أو في أسوإ الأحوال التعتيم عليها وعدم الإدلاء بها قصد التداول العام ولكن (وحسب شهادة عديد الكفاءات التي مرّت بنهج الشّام وتعمل اليوم بمؤسسات دولية وإقليمية مرموقة) لم يحدث أن تمّ تزوير الأرقام أو التلاعب بها.

أستعيد في النهاية ما قاله أحد المفكّرين “يمكنك أن تراوغ رجال الشرطة لكنه من الصعب جدا مراوغة بداهة الإحصائيات”.

.

أكمل القراءة

جور نار

إنت وما جاب العود… عن مسلسلات رمضان

نشرت

في

أخبار مسلسلات رمضان 2024: مواعيد عرض مسلسل فلوجة 2 بطولة ريم الرياحي في  رمضان 2024 والقنوات الناقلة - المشهد

عبد القادر المقري:

لي شبه يقين أن مسلسلاتنا التونسية (تماما كسينمائنا) محظوظة حظا يكسر الحجر كما يقال … فهي أقرب ما تكون إلى تلاميذ ذات فترة من عمر وزارة التربية، وهي تجربة المقاربة بالكفايات … لا أحد يأخذ صفرا، لا أحد يسقط في امتحان، لا أحد يعيد عامه، ولا أحد يتم طرده لضعف النتائج …

عبد القادر المقري Makri Abdelkader
عبد القادر المقري

بل لا قياس أساسا لأي جهد … الكل ناجح، والكل ممتاز، والكل متفوق، والكل نابغة بني ذبيان … والدليل أننا عند نهاية مهرجان من مهرجاناتنا أو عرض فيلم من أفلامنا، لا تسمع سوى الشكر، ولا تقرأ سوى المدح، و لا ترى سوى الحمد على نعمة السينما والذين أدخلوها إلى تونس … تماما كما يحصل عقب كل رمضان مع أعمالنا الدرامية، إن وُجدت … فدائما عندك جوائز لأحسن عمل، وأفضل مخرج، وأبرع ممثل، و أقوى سيناريو، وأكبر وأجمل وأبهى وأمتع وأروع … يا دين الزكش، كما يقول صديقي سلامة حجازي … يعني كل بلاد العالم (بما فيها هوليوود وبوليوود وقاهرة وود ودمشق وود) تنجح فيها أعمال وتفشل أعمال، إلا عندنا فيبدو أننا الفرقة الناجية …

… أو فرقة ناجي عطا الله !

هذه السنة، أتاح لي زميل مسؤول بإحدى الإذاعات أن أتفرج على قسم كبير من مسلسلين تونسيين مرة واحدة… قلت أتاح لي بعد أن رجاني مشكورا أن أدلي برأيي في هذا وذاك، وأنا اليائس منذ أعوام من مستوى مسلسلاتنا خاصة حين جنح معظمها إلى تقليد عمل أعتبره كارثة فنية بكل المقاييس، وهو مسلسل “مكتوب” … وصار الكل يستنسخ منه استنساخ أهل الغناء والمسرح لعرضي النوبة والحضرة طوال الثلاثين سنة الأخيرة … وكيف لا يفعلون وهم وجدوا الوصفة السهلة التي لا تكلّف تعبا ولا وجع رأس … فمثلما بإمكانك أنجاز “عرض” فني لا نص فيه ولا فكرة مبتكرة بل تكديس جملة من أغاني التراث وإلصاق بعضها ببعض، بإمكان الواحد أن “يبيض” مسلسلا لا قصة فيه ولا حوار ولا سيناريو… فقط عندك ركام من عارضي وعارضات الأزياء، يقولون في ما بينهم كلاما من الحزام فما أدنى منه، ويعيشون في بذخ لا تحلم به أميرة خليجية، ويستبيحون القوانين أصغرها وأكبرها، ولا قيم توقفهم ولا منطق ولا نواميس مجتمع … عكعك وهي حالّة معك، كما يردد شباب هذه الأيام …

إذن أخذا بخاطر صديقي، تفرجت صاغرا في اثنين من أعمالنا المعروضة لرمضان هذا العام، قائلا لعل الأمور تحسنت عمّا تركتها، وربما ظلمت مبدعينا الفتيان وهم يفتحون البلدان ويغزون الفضاء في غفلة مني … وبما أن ذلك فاتني على المباشر، فقد لجأت إلى التساجيل التي تبث على الإنترنت، وأطوي الأرض طيا حتى أرى أكثر ما يمكن ولا أتسرع في الحكم على أحد … رأيت إذن جزءا كبيرا من مسلسل “فلوجة 2” على الحوار التونسي، وجزءا مماثلا من “رقوج 1” (بما أنهم يبرمجون لجزء ثان على ما سمعت) … وأعطيت رأيي في حدود ما شاهدت، وواصلت بعد ذلك باقي الحلقات حتى تكتمل الفكرة وأكون بدوري من المحتفلين ختاما بأفضل عمل وممثلين ومخرجين إلى آخر الليستة … وعلى حق …

نبدأ بفلّوجة … هو أولا استمرار لقصة السنة الماضية التي أثارت أكثر من ضجة لدى رجال التعليم ونسائه … والسبب أن احداث المسلسل تدور في وحوالي معهد ثانوي فيه كل شيء إلا الدراسة … مخدرات في قارعة الطريق، علاقات جنسية بوها كلب بين الجميع والجميع، ولادات خارج إطار الزواج وغير ذلك … والعجيب أن احتجاج المربين قابلته عاصفة تبريرية كانت دائما السند الرئيسي لسامي الفهري ومسلسلاته … من نوع: أليس هذا واقعنا؟ ألا تحدث يوميا مثل هذه الفضائح؟ هل ما زال عندنا تعليم؟ ألم يهبط مستوى مؤسساتنا التربوية منذ زمن؟ هل نغطي عين الشمس بالغربال؟ أما كفاكم نفاقا؟؟ … ويصل التبرير إلى ذروته بالتهجم على الأساتذة أنفسهم … “ماهي جرايركم” … “ما هو من جرة” انغماسكم في الدروس الخصوصية وإهمالكم لعملكم الأصلي … “ماهي نقاباتكم” وإضراباتكم ومطالبكم وزياداتكم المتلاحقة، وبسببها أفلست المعاهد وصارت بؤرا فاسدة، فيما هرب الجميع إلى التعليم الخاص… وغير ذلك وغير ذلك …

ولم يقل أحد من هؤلاء لسامي الفهري: وأنت، ما غايتك من الترويج لهذه المظاهر؟

وبقطع النظر عن صحة كل هذا في المطلق، والإحصائيات التي ما زالت لصالح التعليم العمومي في الباكالوريا وغيرها مهما حصل … فإن هذا التعميم يظلم كثيرا من أهل التعليم الأوفياء وجهدهم في إنجاح تلاميذهم وتمكينهم من مستوى جيد دون مقابل عدا مرتب شهري بعرق الجبين … كما يحط هذا التقييم الشمولي من قدر أبنائنا وبناتنا المربين والمربيات الأشراف وأغلبهم يتمسك بفضائلنا وأخلاقنا … فهل كل أساتذتنا متحرشون بتلميذاتهم كما في المسلسل، وهل كل أستاذاتنا ومديرات معاهدنا شغلهن الشاغل إقامة علاقات جنسية مع هذا التلميذ أو ذاك الرجل العابر؟ …

وحتى إن حصلت بعض حالات فماذا تمثل نسبتها؟ 1 بالمائة؟ اثنان؟ ثلاثة بالمائة ولا أعتقد ذلك وسط مئات آلاف من منظوري وزارة التربية … ومن يقول أكثر عليه بإجبار الوزارة على التحقيق العاجل ويكون معها فيه، ثم أين منظمات الأولياء والتربية والأسرة؟ لو كانت معاهدنا على شاكلة معهد سامي الفهري، فمن الأحرى غلق مؤسساتنا التعليمية وإحالة ميزانية الوزارة نحو قطاعات أكثر احتياجا كالشؤون الاجتماعية أو الثقافة أوالفلاحة والصيد البحري … بل ربما نضع كل ما نملك بين يدي الأمن والقضاء حتى يقضيا القضاء المبرم على الداء الذي استفحل ويهدد بنسفنا من الجذور …

فلوجة في جرئه الثاني لم يشذ عنه في الجزء الأول … لا بل هو يستمر في شذوذه الآخر … عن كل ما هو مجتمع وأعراف وقيم ولنقُلْ أيضا، مسؤولية … فالعمل الدرامي ليس مجرد نقل للواقع (هذا إذا كان واقعا) بل فيه طرح ورسالة وتأثير مباشر خاصة مع طغيان الصورة ووسائل الاتصال الحديثة … الفهري ومرؤوسته سوسن الجمني، يتملّحان طولا وعرضا بما يمكن أن ينتج في مجتمعنا من تغيير سلوكات جراء ما يعرضانه في كل مسلسل …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

هل ستقع المواجهة بين إيران والكيان الصهيوني؟

نشرت

في

الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين - هل تملك اسرائيل ان توجه  ضربتها الى إيران؟

لم تكن التهديدات من هذا الطرف او ذاك توحي بخطر شن حرب بين إيران و اسرائيل، ذلك ان طهران كانت عمليا تتفادى مواجهة مباشرة مع اسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة وتعي بان الكيان اللقيط لا يعدو أن يكون إحدى ثكنات القوة الأعظم.

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari
محمد الزمزاري

و لم يتهور الايرانيون المعروف عنهم العمل بصمت و عقلانية و تقبل بعض الخسائر المفترضة و المنتظرة مقابل تنويع مواطىء اقدامهم و تركيز مواقع قد تخدمهم لاحقا دون أي تسرع عاطفي ممثل في رد فعل غير محسوب الهدف او النتائج … لقد دفعت إيران قرابين كثيرة منذ التسعينات ضحايا لاغتيالات الموساد و المخابرات الأمريكية المتعاونة من تفجير مراكز نووية إلى اغتيال علماء او قيادات عسكرية هامة و الظاهر ان الإيرانيين يرسمون أهدافهم الاستراتيجية على المدى الطويل والتي يعتبرونها اهم بكثير من صراعهم مع الكيان الصهيوني… وقد نجحت لحد الان السياسة الإيرانية في تركيز اذرع في عدد من البلدان العربية ذات مكانة استراتيجية هامة مثل سوريا و العراق ولبنان و اليمن، وهي ساعية اليوم لغرس امتداد لها بالأردن، كما عمدت خلال هذه الأسابيع إلى دعم حكومة السودان ومدها بالطائرات المسيرة التي قلبت موازين المعارك ضد قوى الدعم السريع.

لكن الحدث الذي جد اخيرا و الذي تمثل في ضرب الصهاينة للقنصلية الإيرانية بسوريا والقضاء على واحد من اكبر القيادات الحربية و التنسيقية قد يؤجج ما كان كامنا بين الكيان وطهران. فإسرائيل ترغب منذ سنوات في توريط حلفائها الأمريكان في حرب ضد إيران وقد تراءت لنتنياهو فرصة سانحة للدفع نحو هذه الحرب المرغوب فيها اولا و لتمديد بقائه في الحكم و إتمام خططه النازية من تهجير و مجازر و تدمير لغزة و لاحقا للضفة الغربية، وهنا لم يبق لإيران بد من رد فعل قوي لحفظ ماء الوجه و تأديب الكيان الذي تجاوز الخطوط الحمراء و ضرب القنصلية الإيرانية التي تمثل سيادتها و صورة قوتها أمام الجميع وخاصة لدى اذرعها وأنصارها في المنطقة.

ومنذ ساعات أعلنت المخابرات الروسية عن تحديد ضربات او حرب خاطفة ممكنة الوقوع قريبا جدا و دعت مواطنيها لملازمة الحذر بالشرق الأوسط وخاصة بالكيان الصهيوني و منذ اكثر من ساعة دعت الولايات المتحدة مواطنيها في الأرض المحتلة وتل أبيب خاصة الى نفس الحذر. اذن فالوضع قابل جدا لوقوع حدث هام مدمر ليس باسرائيل فقط لكن أيضا بايران اعتمادا على ان الكيان الصهيوني يرغب فعليا في خلق مواجهة مع ظهران ستقودها الولايات المتحدة دون شك.

هل ستصدر الضربة الإيرانية انطلاقا من قاعدة احد اذرعها؟ هل سيكون الهدف محطة ديمونة النووية او ايلات او تل ابيب؟ اظن ان ضرب تل أبيب مستبعد مما يبعث على الظن بان الهدف المحتمل هو: إما إحدى السفارات الاسرائيلية في بلد خليجي او قصف إحدى المدن او المطارات الكبرى بالكيان الصهيوني. فيما يبدو أن الولايات المتحدة لا ترغب حاليا في خلق بؤرة حرب جديدة مكلفة قبل انتخابات نوفمبر القادم و لن تصل اية ضربة مهما كانت صدمتها إلى دفع بايدن إلى رد فعل ضد إيران …

أكمل القراءة

صن نار