تابعنا على

وهْجُ نار

قيس سعيد … الرجل الذي خسر كل رهاناته !

نشرت

في

لسائل أن يسأل ماذا غنم الشعب التونسي وأجياله الحاضرة والقادمة من كل ما حصل وما فعلناه منذ ديسمبر 2010؟ هل حققنا مطلبا واحدا مما كان يصرخ به من خرجوا على منظومة بن علي رحمه الله؟ لا أظنّ اننا حققنا ما كان الشباب العاطل والمهمّش يتمناه ويريده…لا أظنّ أننا أنقذنا شبابنا من الضياع والموت غرقا في المتوسط…لا أظنّ أننا أنقذنا شبابنا من عذاب ووجع الإحباط الذي كان ولا يزال يعانيه إلى يومنا هذا…

محمد الأطرش Mohamed Alatrash
محمد الأطرش

لا أظنّ أننا مسحنا دموع يتامى وثكالى من ماتوا خلال حراك ديسمبر2010 /جانفي 2011…ولا أظنّ أننا داوينا جراح من اصيبوا خلال نفس الحراك…ولا أظنّ أننا حققنا ما كان يتمناه من ماتوا في تلك الايام…نعم لم نحقّق شيئا غير ظلم بعض إخوتنا…وشيطنة بعض أهالينا…وإفراغ البلاد من كفاءاتها…ورفع منسوب الحقد بيننا…والانقسام مللا وطوائف…نحن لم نغنم غير حرية الصراخ والنباح وهتك الأعراض، فما تصورناه كسبا ثمينا، وأقصد حرية الرأي والتعبير انقلب إلى نقمة أتت على الأخضر واليابس وجعلت من المظلوم ظالما، ومن الظالم مظلوما، واصابت شعبا باسره بحالة من الغثيان الحقدي قد لا نجد لها حلاّ ولا دواء ونحن على هذه الحال، وقد تنقلب حرية الرأي والتعبير غدا وفي قادم الأيام إلى جريمة يعاقب عليها “مولانا” وقد يلبسنا لو خرجنا عن النصّ وناقشنا أمره ومراسيمه “الكِمَامَة” ويغلق افواهنا إلى يوم القيامة، إن بقي جالسا على كرسي أوصلناه نحن إليه بعد أن خدعنا بسيجارة “كريستال” ونصف رغيف من الخبز محشوّ ببعض المرق ورقائق البطاطا والتنّ…وفنجان قهوة “كابوسان” و”اكسبريس” نصف ساخنة في بعض الأحيان الأخرى…وابتسامة وضعها ظلما بين شفتيه في الإقامة الجبرية… ومنعها من الخروج علينا لنسعد بها ونصفّق له…

تعالوا لنعود إلى أيام ما يسمونها “ثورة” وكيف أخطأنا الطريق وسلكنا سبيلا كان لا يجب أن نسلكها…فلم نكن في حاجة إلى كل ذلك الخراب، وكل تلك الجثث التي ودّعناها ودفناها ولا تلك المظالم التي كتبناها ولا تلك الدموع التي ذرفناها…كنّا في حاجة إلى بعض الإصلاحات على مستوى الحريات والتعددية السياسية، ليصلح حالنا وحال أجيالنا القادمة…لم نكن في حاجة إلى الإلقاء بأبنائنا في المتوسط لتأكلهم حيتانه، ولا في حاجة إلى ارسال أبنائنا إلى بؤر التوتّر…لم نكن في حاجة إلى رفع منسوب الحقد بيننا، ولا إلى الثأر لأنفسنا من أهلنا وبني عمومتنا… ألم يطالب شباب “الثورة” بالتشغيل والكرامة؟ هل حققنا له جزءا ولو كان صغيرا مما كان يطالب به؟؟ لا…وألف لا…فجميعنا انساق وراء مطالبه وأطماعه وأنانيته وثأره وتصفية حساباته وحقده الدفين، جميعنا هرول وراء البحث عن نصيبه من الكعكة…فالموظف والعامل والأجير خرجوا واعتصموا ليس بحبل الله جميعا طبعا، بل أمام مؤسساتهم يطالبون بالزيادة في أجورهم بأكثر من النصف…فنكّلوا بمؤجريهم وبرؤسائهم في العمل، وسحلوا بعضهم وأطردوا البعض الآخر…وشوهوا وهتكوا عرض إخوتهم وأبناء عمومتهم…

ورؤساء المصالح أيضا خرجوا علينا رافعين شعار المطالبة بالخطط الوظيفية التي كانت حكرا على من كان يصرخ بحياة الرئيس وأهل الرئيس وعائلة الرئيس واصهار الرئيس …(رحم الله الرئيس ومن كانوا من اهل الرئيس)…هؤلاء جميعا وجدوا في سكان ساحة محمد علي خير حافز وخير مساعد، وأحسن معين، وأكبر مشجع وداعم وحاضن لما عاثوا به فسادا في الأرض…ألم يغلقوا الطرق وشرايين البلاد لأشهر فصفّق لهم أعضاء نقاباتهم الأساسية…ألم يكوّنوا عصابات تقطع الطرق أمام من كان يذهب شمالا وجنوبا…فتوقفت كل حركة تجارية واقتصادية في البلاد لأشهر، بل لسنة كاملة دون نقصان واسعدوا بذلك كل أعضاء جامعاتهم النقابية…ألم يغلقوا مواقع إنتاج الفوسفات وأخرجونا من التصنيف العالمي الذي كان يميزنا عن غيرنا من البلدان المنتجة لهذه المادة، فنالوا رضى أعضاء نقاباتهم الجهوية والوطنية…ألم يغلقوا أبواب المئات من المصانع وغيرها من مصادر ثروات البلاد مطالبين بالزيادة في الأجور والمنح والحوافز فنالوا شهادات تقدير من أعضاء نقاباتهم الاساسية…ألم يعتصموا بحبل إيقاف الإنتاج أمام كل مؤسسات البلاد لنفس الأهداف فشربوا مع أعضاء نقاباتهم الأساسية على نخب هذه البليّة…

ألم يغلقوا بعض المؤسسات التي بعثت في بلادنا من مئات المستثمرين الأجانب فأجبروهم على الهروب خوفا على ارواحهم وممتلكاتهم واستثماراتهم، فاستوطنوا بلدانا شقيقة وصنعوا ربيعها وتركوا لنا ربيع الخراب…ألم يرهبوا السياح بما فعلوه والخراب الذي صنعوه، فأصبحت بلادنا وجهة غير مضمونة وغير آمنة فحوّلوا وجهة كل سياح وكالات الاسفار إلى مقاصد أخرى صنعوا مجد سياحتها وملؤوا خزائنها بالعملة الصعبة وتركونا في “عيشة” صعبة…

نعم فعلوا وبالصمت فعلنا معهم كل ذلك، ولم نرأف بحال الوطن…وشباب الوطن …فنسينا مطالبه…ونسينا من ماتوا منه…ومن ماتوا من رجال أمننا وجيشنا…ومن ظلموا منهم …ومن أطردوا منهم…ومن حرموا منهم من الحرية ظلما…ومن سجنوا منهم انتقاما وثأرا…ومن ماتوا ظلما وعدوانا…نسينا ما كان يجمعنا…نسينا حتى صلة رحمنا…فالأخ لم يغفر لأخيه…والابن لم يغفر لأبيه…واستوطنت الأحقاد قلوبنا…فانتفخت كتلة الأجور مرتين عمّا كانت عليه…ولم يغنم عاطل واحد منها مليما واحدا…فالعاطل بقي عاطلا…والعامل انتفخت أجرته…والمسؤول غيّروا له سيارته…

نعم نكّلوا فعلا، ونكّلنا صمتا بالوطن…فتمّت إبادة أكثر من ثلثي كفاءات البلاد التي لم تعلن الولاء لمن جاؤوا “غزاة” لحكم هذا للوطن…واستوطن السذج والأغبياء والانتهازيون و”الثوار” كل مواقع القرار…وابعدوا أغلب بناة الوطن والدار…فهلكت المؤسسات وغرقت البلاد في ظلام الحقد…وطغت عقلية الانتقام والثأر من كل قديم عقول كل الذين استولوا على مفاصل الحكم والسلطة، فوزعوا الغنائم والخطط الوظيفية والمواقع على اتباعهم ومن ناصروهم ومن اعلنوهم البيعة والولاء…فانتشر الاحتقان في أغلب الجهات، وسط صمت حكومي رهيب…فبعض القديم يدافع عن قديمه حفاظا على ما بناه، والقادم من وراء البحار ومن خلف القضبان يريد الحفاظ على مكاسبه وما غنمت يمناه…والحكام لا يحركون ساكنا…خوفا على كراسيهم ومواقعهم وسياراتهم الفاخرة…وقفز الراكبون على “الثورة” يطالبون بالسكوت والصبر…فالمشاريع حسب ما يقولون آتية والخير سيغرق البلاد…وسنعيش تخمة من الازدهار والأرقام الايجابية…هكذا كان يقول حكامنا الجدد على منابر الكذب والبهتان وبيع الأوهام للشعب…وقد وصل الكذب بأحد الأبواق إلى ذكر إنجازات قديمة ونسبتها إلى إنجازات “الثورة” المزعومة…فحتى كذبهم ليس في مستوى طموحات هذا الشعب…والغريب أننا كنا نقرأ يوميا عن مشاريع ضخمة وأكداس من الأموال سترصد لتنفيذها…فأغرقت وسائل الإعلام التي غيّروا اسمها بين ليلة وضحاها، أقول أغرقت وسائل الإعلام المشهد في ممارسات وحملات تضليلية وأساليب وخدع ملتوية وعاشت البلاد والشعب المسكين حلقة أخرى من سلسلة عنوانها الكذب على هذا الشعب الغارق في الفقر والتهميش، كل هذا ليس سوى تغطية عن جهل كبير بواقع الحكم، وسذاجة غريبة في طرح البدائل لإصلاح حال البلاد وإنجاز الوعود التي ملأت أسماع من خرجوا مطالبين بالإصلاح والتغيير…فغرقت البلاد في موجة من الأرقام الخيالية لمشاريع وهمية لم تساهم في الخروج من الأزمة التي نعيشها جميعا، بل ساهمت في التأسيس لمجتمع أكثر فسادا وأكثر جشعا وأكثر حقدا وأكثر ظلما وتمييزا وتفرقة… كل هذا البؤس في كيفية تسيير البلاد كشف للشعب جهل الحكام الجدد وعدم قدرتهم على إيجاد البدائل التي صرخوا بها طويلا …وعجزهم التام عن الخروج بالبلاد مما هي فيه…

وانقلب الوطن إلى ساحة حرب بين من يحكمون اليوم وبعض من حكموا بالأمس وبين قطاع الطرق والانتهازيين وبين جماعة البين بين…فلا أحد هادن الآخر…ولا أحد اعطى مهلة للآخر…فأغلقت مواقع الإنتاج لسنوات…وأعتصم البعض بمداخل العديد من المؤسسات لأشهر…وأضرب الآلاف من العمال والموظفين لأشهر عديدة… واكتشف الشعب الخديعة الكبرى وصُدم بجهل أغلب مكونات معارضة بن علي لواقع الحكم وآليات تسيير شؤون الدولة…فلم ير شيئا مما كان يسمعه في حراك ما قبل الرابع عشر من جانفي…فاين هي معارضة بن علي التي أغرقت اسماع الشعب بالوعود والامنيات؟؟ أين بدائلها…أين ما كانت تصرخ به ليلا نهارا…أين برامجها…أين “بكائياتها” على الأوضاع …وأين ما كانت تطالب به للشعب؟؟ ألم يصرخوا طويلا رافعين شعار “سنجعل من البلاد جنة ولا أحد سيشتكي من الخصاصة…ومن البطالة…ومن الظلم…وسنعيد إلى كل مواطن كرامته “المفقودة””…هكذا وعدوا الشعب في “سكرتهم الثورية” وهم يكذبون…لأنهم لواقع الحكم لا يعلمون ولا يفقهون…فهم لم يحكموا يوما ولحقيقة السلطة يجهلون…ويوم مسكوا بزمام السلطة والحكم حاولوا إيهامنا بأنهم على طهارتهم “المزعومة” سيحافظون…وعلى نزاهتهم “المشبوهة” سيثبتون…وكل إغراءات السلطة والجاه سيقاومون…هكذا وعدوا فماذا فعلوا يا ترى؟؟ انقلبوا على أغلب وعودهم يوم اصطدموا بحقيقة السلطة والحكم…وبدأت أيادي بعضهم وأقول بعضهم تغازل الحرام سرا وجهرا…فأطبقت بكل قبضتها على مفاصل الحكم تفعل به ما تريد…وبدأت لعبة المراوحة بين إظهار النزاهة جهرا…والانخراط في الفساد سرّا…ثم تنقّلت من سرّية الحرام والخيانة إلى علنيته…فأصبح الفساد محلّ تفاخر…والخيانة حديث مجالسهم…

لنعترف أيضا أن قطاع طرق المرحلة الأولى وثوار الوقت البديل ما بعد الحراك لم يهادنوا كل حكومات ما بعد 14 جانفي إلى يومنا هذا…فحاربوهم…وعرقلوهم…وساوموهم…حتى نالوا موقعا متقدّما… “شراكتهم في الحكم”…فمن كانوا قطاعا للطرق هم من كانوا وراء إضعاف الدولة، وانتفاخ كتلة الأجور، وهم من أصبحوا شركاء في الحكم بنصيب كامل لا نقصان فيه، وهم من كانوا يجالسون الحكومة في بيتها يساومونها على طريقة ذبحها…وذبح الوطن…هؤلاء خانوا البلاد حين أوقفوا آلة الإنتاج بغلق أبوابها والاعتصام امام مداخلها ومنع عمالها…هؤلاء خانوا البلاد حين فرضوا خياراتهم على الدولة وعاثوا في مؤسساتها فسادا… هؤلاء خانوا البلاد طولا وعرضا وخنقوا أنفاسها…وإلى الأمس هم يفعلون…وغدا سيواصلون…

ثم جاء مولانا وخلناه جميعا مصلحا …جامعا…مدركا لخطورة أوضاع البلاد …فخاب ظنّنا جميعا فمن كنّا نظنّه مجمّعا وموحّدا وجدناه مقسّما…حاقدا على كل من حكموا قبله…منتقما من كل من نجح قبله…ناكرا جميل كل من نال صوته…مولانا جاءنا بمعاول الهدم…جاء يريد إعادة البناء ليكون البناء على مقاسه…ليسجل البناء باسمه في تاريخ بناة الوطن…فكيف لمن يخرّب وطنه ويهدم البناء أن يكون اسما في تاريخ هذا الوطن…خلناه جاء ليصلح أوضاع البلاد والعباد…فلم نر شيئا مما كنا نأمل…لم يتحدّث يوما عن أزمة صناديقنا الاجتماعية…لم يتحدّث يوما عن مشكلة مؤسساتنا العمومية…لم نسمعه يوما يتناول أوضاع حوضنا المنجمي الذي خسرناه، وخسرنا ما كان يدره على خزينة الدولة من رصيد كان يكفينا للخروج مما نحن فيه…لم نره يوما يبحث عن حلول لإصلاح حال فلاحتنا واقتصادنا وتجارتنا…لم نسمع منه يوما حديثا عن الأوضاع الاجتماعية وعن مشكلة البطالة وعن مناطق الظلّ …وعن بؤر الفقر والعطش والجوع…لم يتحدّث يوما عن كيفية إصلاح إدارة الشأن العام …ولا عن طرق تحديثه…

مولانا جاءنا لينتقم …وليصنع الفراغ حوله…بتدابير استثنائية لا صلة لها بالديمقراطية… جاءنا بعقلية هدم كل مكوّنات المشهد الذي كانت وراء وصوله قرطاج…جاءنا بمعول هدم كل ما بناه من حكموا قبله من بورقيبة وصولا إلى عهدة التوافق مرورا بكل من حكموا البلاد…جاءنا متوعدا الدستور بالحرق وبتفتيت الأوصال والفصول، إلا ما كان صالحا لمولانا ورغبة مولانا…جاءنا مفاخرا بمن وضعوا اسمه في صناديق الاقتراع مفاخرا بشرعيتهم وشرعية حجمهم متناسيا أنهم هم ايضا من صنعوا شرعية المجلس الذي ألغاه وجمّد ساكنيه…ومتناسيا أنهم هم قواعد الأحزاب التي اعلن عليها الحرب وهددها بالويل والثبور وعظائم الأمور… جاءنا مستوليا على كل السلطات، التنفيذية والتشريعية والقضائية والرقابية…فهو السلطان وهو الحاكم بأمره…وهو أمير المؤمنين وغير المؤمنين…

مولانا لم يختلف عمّن سبقوه في الحكم كثيرا …فهم أخذوا نصيبهم وقسموا كعكة السلطة والدولة…وهو استولى على كل السلطات وكل الدولة ولم يترك شيئا لاحد…هم نكّلوا ببعض من سبقهم وانتقموا من بعض من حكم قبلهم، وهو نكلّ بالكل وهدّد الجميع واستعدى من كانوا معه وانقلب على شركائه…هم أسسوا لسياسات الأحقاد وهو أسس لسياسات أنا أو لا أحد وإلغاء الآخر تماما… قرأت مرّة عن أحد حكماء الصين حكمة تتداولها الأجيال إلى يومنا هذا…يقول هذا الحكيم بأن هناك أربعة أنواع من الزعماء أو الرؤساء: رؤساء نضحك منهم، ورؤساء نكرههم، ورؤساء نحبهم، ورؤساء لا نعلم كيف ولماذا أصبحوا رؤساء…ونحن اليوم نعيش غريبة من غرائب دهرنا فهؤلاء جميعهم اجتمعوا في قصر قرطاج منذ 14 جانفي….فكم ضحكنا من “فوفو” وأقصد فؤاد المبزع الذي جاءت به الصدفة لقصر قرطاج مع احترامنا لشخصه، وكم كره بعضنا المرزوقي بسبب بعض تصرفاته غير المعهودة لدى من سكنوا القصر قبله مع احترامنا لشخصه ايضا، وكم أحب أغلبنا واثنى على قائد السبسي خاصة بعد وفاته وبعد ما جاءت به انتخابات 2019 وبعد ما وقع في جويلية الماضي، وأعترف أننا اليوم وبعد تسعة اشهر من “انقلاب” جويلية (استغرب حقيقة لم لا يقولها مولانا علنا “نعم انقلبت على الحكم بالدستور الذي جاء بي لقصر قرطاج”) …أقول أعترف أننا اليوم لا نعلم كيف ولماذا اصبح قيس سعيد رئيسا للبلاد؟ فإن جاء لإصلاح حال البلاد والعباد فما هكذا يكون الإصلاح…وإن جاء لإخراجنا مما نحن فيه فما هكذا تكون عملية الإخراج…

فإصلاح أوضاع البلاد لا يكون باستعداء الخصوم ولا الشركاء ولا يكون بإلغاء الآخر وضرب كل مكتسبات الدولة منذ الاستقلال…كما أن الإصلاح لا يكون بهدم كل البناء على رأس من يعيشون تحته، ولا يكون بالتأسيس لبناء جديد يرفضه اغلب سكان البيت…كما أن الإصلاح لا يكون بوجوه كانت نسيا منسيا ولا أحد يعرف لها دورا في سابق المراحل…كما لا أحد يعرف لها موقفا استثنائيا …فلا أحد ممن هم اليوم حول ساكن قرطاج له مرجعية نضالية في أي مكوّن من مكوّنات المشهد السياسي الحالي ولا من سبقه، ولا أحد  ممن هم حول قيس سعيد واجه الموت مناضلا ومدافعا عن موقف سياسي او حقوقي، ولا أحد منهم عانى من ويلات المعتقلات والسجون، فمن أي فصيل جاء بهم ساكن قرطاج…فمن هم حتى يمكنهم قيس سعيد من قطف ثمار ما لم يغرسوه وما لم يساهموا في بنائه وتشييده؟

والآن وبعد أن عرف “مولانا” حجم أتباعه وعدم قدرتهم على الحشد يوم الحشد فهل سيواصل سياساته الاستعدائية والاستعلائية على كل من يتحرّك على أرض هذا الوطن؟ أم يعترف بخسارته لكل رهاناته ويراجع جميع خياراته…فما يأتيه اليوم رئيس البلاد وسلطانها يهدّد وحدة الدولة واستمرارها خاصة وهي تعيش أزمة مالية واقتصادية خانقة لم ينجح في درئها مولانا بل ساهم في استفحالها بحالة الانقسام التي كان سببا فيها منذ استحواذه على جميع السلطات …فهل سيواصل مولانا ومن هم حوله وضع كل بيضهم في سلّة واحدة …أم يختارون التراجع والانسحاب خوفا من دفع فاتورة الحساب… يوم الحساب…فهم من سيتحمّل تبعات كل فشل قادم…وكل خراب…

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

وهْجُ نار

خليفة ولد عمّي والانتخابات المحليّة … وحمار سعد زغلول (2)

نشرت

في

كانت الساعة تشير إلى الرابعة فجرا حين تمّ قصف باب منزلي طرقا من مجهول …فالطرق كان أشبه بالقصف الذي نسمع صوته في نشرات أخبار القنوات العربية الإخبارية التي تنقل إلينا مباشرة مشاهد الخراب والموت والدمار في جنوب فلسطين…الحمد لله أني لم أكن نائما في تلك الساعة فأنا تعودت على ترك الفراش باكرا جدّا لإعداد فطور صباح قططي والقطط الصديقة والشقيقة واللاجئة من الأنهج المجاورة الباحثة عن بقايا أكل لإطفاء جوعها…

محمد الأطرش
محمد الأطرش

خرجت مسرعا إلى الباب الخارجي لأرى من الطارق، فكان خليفة صاحب الحمار… لم يفاجئني حضوره في تلك الساعة فنحن في ليلة فرز أصوات الانتخابات المحليّة والأكيد أن “خلفون” لم ينم إلى حدّ الساعة وجاءني مباشرة من مركز فرز الأصوات ليبشرني…

ارتمى عليّ خليفة صاحب الحمار واحتضنني أقصد عصرني يمنة ويسرة حتى كاد يكتم أنفاسي فصرخت بأعلى صوتي وقلت: “سيبني قتلتني يا منجوه…” …فردّ: “ربحت يا ولد عمّي ربحت…جبت أكثر من خمسين بالمائة مالاصوات…صرفڨتهم وهردتهم جبتهم يدورو وخليت الكوني والشعلاء يلعبوا في الزربوط والبتشي…وينها الحاجة باش نعلمها …؟؟” أجبت على عجل: “لا لا الحاجة؟؟؟ لا تحضنها لا تمدلها ايدك يا جلف… تحب تكسرلها ضلوعها…قوللها من بعيد راني ربحت وسكر جلغتك…”…

نظرت إليه وسألته أين الحمار يا صاحب الحمار؟؟ فقال كالعادة خلف شجرة “الكلاتوس” يتنفس الصعداء بعد حملة انتخابية أرهقته وكسرت ظهره من كثرة ما جاب بي كل أرجاء الدشرة …قلت لحظة أذهب إلى الحمار أهنئه بهذا الفوز الساحق وأعود…نظر إلي وقال “اشنوة تهني الحمار …تي شكون ربح انا والا هو…؟؟؟ مخيبك ولد عمّي” قلت: “هو من كان سببا في فوزك اليوم لو لم يكن هو إلى جانبك وسندك الأكبر وداعمك الوحيد المصاحب في كل أيام الحملة لما فزت بهذه النتيجة الساحقة؟؟”…

 جاءت الحاجة مسرعة وهي تقول: “اش ثمّة شنهي هالحس يا ولد عمي…وشكون ها البغل اللي يدق في الباب هكاكه يعطيه مدفع ان شاء الله…” سمعها السيد النائب وأقصد خليفة فقال: “أنا يا حاجة …سامحيني جيت طاير مالفرحة حبيت نعلمكم انتو الاولانين لأنكم انتم الاولانين اللي ما شككتوش في قدرتي على الفوز بالأغلبية المطلقة…توه أنا بغل يا حاجة حرام عليك…؟؟ وعلاه يا حاجة تدعي علي بمدفع…؟؟” نظرت إليه المرأة ضاحكة وقالت: “سامحني خلفون نائبنا التحفون …نسخايله واحد آخر…ايا امالا نضربلها زغراطة بالقوي خلي الدشرة الكل يفيقوا يا خلفون..” قاطعتها وقلت: ” لا..لا…تزغرط توّه فاش قام الناس راقدة وانت تزغرط…اش يقولوا علينا الناس؟؟؟” 

اختنقت الزغروطة في حلق الحاجة ونظرت إلى النائب صاحب الحمار وقالت: ” تي وينه البهيم يا خلفون…خليني نهنيه مسكين اش عانى منك وهزّك على ظهره…؟؟” نظر إليها غاضبا وقال: ” اشبيكم انتو الكل عالبهيم …تهنوه يخي قولولي أنا والا هو النائب؟؟”…نظرت إليه ضاحكا وقلت:” اشنوة خلفون تغير مالبهيم…يخي موش هو السند متاعك وأكبر داعم لحملتك…يخي ما هزكش على ظهره ايامات وليالي…شبيك اليوم باش تنكر فضل البهيم عليك…موش حرام عليك راهو بكمة…؟؟” فرك خليفة ذقنه بيده اليسرى وقال: “صحيح هو اللي عانى معايا وهزني على ظهره…وما ننكرش فضل البهيم واش خصّ لوكان عندنا برشة بهايم كيفو…لكن موش لدرجة تنسوني جملة…راني جيتكم نحب نتفاهم معاكم كيفاش باش نعمل زردة واحتفال وحفل استقبال على شرف هذا الفوز العظيم يا أولاد عمّي..”.

اقتربت من الحاجة وطلبت منها إعداد فطور صباح “قمقوم” للنائب صاحب الحمار فالرجل متعب من سهرة فرز الأصوات ثم توجهت لخليفة وقلت: “تعال رتّح فخّار ربي…ونقعدوا نبرمجوا الحفل وشكون تستدعاله؟؟” جلس خليفة إلى جانبي مرهقا شارد الذهن وكأنه في مكان آخر ليس بيننا …وكأنه يحمل أوزار كل الدنيا…قلت له: “شبيك تخمّم لاباس أمورك فسفس هاك وليت نائب…وتوه عاد باش تاخذلنا كرهبة تطنطن وتولي اجتماعات وسفرات للعاصمة ولقاءات مع المسهولين الكبار…” ضحك وقال: “لا…كرهبة لا…بهيمي هو نصف ديني …هو اللي هزني وقت اللي ركايبي فرغوا …بهيمي عشيري ما نبدلاش بخردة حديد لوكان يعطوني مال الدنيا…” ضحكت وتمتمت خوفا من أن يسمعني النائب صاحب الحمار “وعلاه انت اش تسوى من غير البهيم…يا بهيم..” نظر إلي خليفة وقال ” اش اتمتم…بربي؟؟” قلت: ” لا لا لا شيء …”.

جاءت الحاجة بفطور الصباح فنظرت إليها قائلا: “ما تنسيش فطور البهيم يا حاجة؟؟” أجابتني: “اشنوة حتى هو قهوة وحليب زادة…؟؟” قلت: لا لا لكن شوية ڨرط هوكه شريت على ما يواتي بالة ڨرط محطوطة وراء الڨاراج مساهمة مني ودعم استراتيجي ولوجستي لخلفون…وصُبيلَه شوية ماء راهو عطشان مسكين اش عانى من بلاء”…أنهى خليفة فطور صباحه النيابي فبالأمس كان خليفة مولى البهيم واليوم أصبح النائب صاحب الحمار…ونظر إلي وقال: “اعطيني فكرة على البرنامج ولد عمّي تعرفني جهلوت ما فاهم حتى كعبة ولوكان موش البهيم هزّ معايا ثقل الحملة كاملة راني توّه نجر في أذيال الخيبة…”.

فكرت قليلا وقلت: “اسمعني جيدّا…أولا يلزمك تكتب كلمة ترحيبية بالحضور باهي…وتنادي العمدة يحضر وكان لزم المعتمد…باهي…(كان خليفة يهزّ راسه كلما سمع كلمة باهي …فيعيدها محركا رأسه خلفا وأماما…ويضيف: حاضر..)…ثانيا يلزمنا نعرفوا قداه من واحد صوتوا في الدشرة الكل…باهي…ونعرفوا نسبتهم من عدد الناخبين …ويلزمنا نعرفوا اشكون صوتولك انت والبهيم بالذات…باهي”…هنا قاطعني خليفة في حالة غضب وقال: “اشنوة صوتولي انا والبهيم.. بصراحة كثرتولها ولد عمّي…أنا المترشح راهو…والبهيم مساند رسمي وداعم…وعضدي الأيمن…اكهو…” نظرت إليه وقلـت: “يا خليفة بربي قلّي موش الناس الكل في الشارع وعندهم مدّة يقولوا شوفوا النائب خليفة والبهيم متاعه يخي انتو قاسمين…انت وليت معروف ببهيمك…نهار اللي يشوفوك وحدك باش يسالوك عالبهيم وينه…ونهار اللي يشوفوا البهيم وحده ما نتصورش باش يسألوه عليك…خاطر هو ولى اشهر منّك بصراحة…باهي…وخليني نكمل البرنامج حسب وجهة نظري باهي..”

نظر إليّ خليفة وقال: “باهي ولد عمّي كمّل …كملّ…” وهنا تدخلت الحاجة لتقول: ” يا خلفون خلّي ولد عمّك يكمّل راهو طيارة في تنظيم الاستقبالات وحفلات التوسيم والانْتِخَيْبَات…” ضحكت وقلت للحاجة “انتخابات…انتخابات يا حاجة موش انتِخَيْبَاتْ…باهي” حركت رأسها كالنائب وقالت: أوكي…وضحكت… نظرت مرّة أخرى إلى النائب صاحب الحمار وقلت “نسألك وتجاوبني أوكي خلفون..” قال نعم …

قلت: كم عدد الناخبين المسجلين الكلّ في الدشرة حسب ما أعلموكم هناك في مركز الفرز؟

خليفة: 112 ناخب…البقية ثمة اللي ماتوا وثمة اللي حرقوا العام اللي فات وثمة اللي ما حبوش يسجلوا…

أضفت: كم صوّتوا ؟؟

خليفة: 10 صوّتوا…والبقية ثمّة اللي ما فيبالهمش…وثمة اللي ممتنعين…وثمّة اللي نسوا…

قلت: كم صوّتوا لك وللبقيّة…

خليفة: 8 صوّتوا لي …علي ولد حفصية…واحمد ولد مغلية…وحمّه ولد العمياء…ومرت عمر ولد الحفيانة…وسعد ولد شوشانة…وأنا صوتت لروحي …وأنت والحاجة…

قلت: كيفاش عرفت اللي هما صوتولك انت؟؟

خليفة: ماني اتفقت معاكم اللي يصوتلي يدخل صبعه للأخر في المحبرة…

قلت: يا مهف… وضحكت وضحكنا معا…

قلـت: هذوما نسموهم “المنعوتون بالصبع”…هوكه صوابعهم فيها الحبار لتوّه باهي…وشكون صوت للكوني وللشعلاء؟؟

خليفة: كل واحد صوّت لروحه…

قلت: اذن موش مشكل حتى هما يجوا في الحفل باهي…باش الناس الكل تتوافق وتتصالح بالمناسبة باهي خلفون…

خليفة: باهي ولد عمّي…والكلمة شكون باش يكتبها؟؟

قلت: انت النائب وانت المعني الأول بكتابة نصّ الكلمة برّه ارتاح شوية وبعد قوم حضر أمور الحفل…واشري اش لازمو الكل…حلو ومشروبات…واعمل عشاء خاص بــ”المنعوتين بالصبع”…أذبح فيه كان تحب علوش والا حتى جدي باهي…

خليفة: بااااااهي ولد عمي اما انت مهف في البرمجة…

قلت: استناني أولا انت اش ناوي حفل استقبل على شرف الكل والا كان على شرف “المنعوتين بالصبع”؟؟

خليفة: لا لا الكل أنا مع المصالحة الشاملة…أما “المنعوتون بالصبع” نقَعْدُوهُمْ في بقعة باهية ومع بعضهم…خاطر ناوي نعطيهم قفيفة فيها حثيويلة صغيرة مللي كتبه ربي…شوية فارينة وسكر وقهوة وروز وزيت زيتونة وزيت الحكومة…ودبيبزة كونوليا جابهملي ولد خوي من سوق ليبيا …باهي…انت فاهمني …تي من كل زوجين اثنين…باهي…

قلت: أيا امالا برّه روّح وبعد طل عليّ نقروا كلمة الترحيب ونصلحهالك وتحفظها من راسك خير مالورقة باهي خلفون…وبالله ما تنساش ترتّح شوية البهيم راهو تاعب مسكين…وحتى هو راهو فرحان بالنتيجة خاصة وهو أكثر واحد تعب عليها…هنا نظر لي خليفة معاتبا بعيونه…وقال اَيَّه بَهْنَاكُمْ…

خرج خليفة مسرعا نحو الحمار وغادر المنزل إلى مقرّ سكناه لإعداد مراسم الحفل وكتابة كلمة الترحيب…فنادتني الحاجة وقالت: “برّه شوف تلقاش هدية باش نهزوها معانا لخلفون راهو نائب محلي محطوط على كريمة…(قاطعتها وقلت: شنوّه…) ثم واصلت الحاجة لتقول…لا لا نفدلك…وبالنسبة للبهيم تو نهزوله شوية من بالة الڨرط اللي جبتها كمساهمة في الحملة الانتخابية لخلفون التحفون…

خرجت مسرعا بعد ان ارتديت معطفا فالطقس بارد بعض الشيء…وقصدت السوق، وأنا في طريقي اعترضني الحاج أحمد ابن خالتي فاحتضنني قائلا: “مبروك على خلفون…وربي يخليله البهيم ..” ضحكت وقلت: “يبارك فيك يا حاج…أما البهيم امشي هنيه وحدك…” ورويت له كيف أن حمار خلفون كان الأكثر حماسا والأكثر دعما لخليفة فلولاه لما نجح خليفة في تجاوز خصومه…

واصلت طريقي وتركت الحاج أحمد صحبة رفقة طيبة من أهالي الدشرة …وكنت كلما اقتربت من مجموعة في مقهى أو في الشارع يتحدثون …أقول كلما اقتربت من مجموعة أسمعهم يتحدثون عن “بهيم النائب” وفطنته ورؤيته السياسية ونجاحه في لمّ شمل سكان الدشرة…اقتربت من بعضهم وسألتهم ما الأمر يا جماعة فقال أحدهم: “هاتفنا منذ قليل السيد النائب خليفة ودعانا إلى حفل استقبال الليلة ولم يستثن أحدا من أهالي وسكان الدشرة حتى أولئك الذين لم ينتخبوه ولم يذهبوا لمكتب الاقتراع…وسنذهب جميعنا صراحة إلى منزل السيّد النائب وكلنا شوق لرؤيته ورؤية الحمار الذي أوصله إلى نيابتنا في المجلس المحلّي…وعلينا جميعا أن نفاخر بما أتاه هذا الحمار وصبره خلال شهر كامل من الحملة الانتخابية، كيف لا ونحن عشنا معه كامل مدّة الحملة ورأيناه يجوب الدشرة طولا وعرضا دون أن يشتكي مما يحمله على ظهره ودون ان يطالب بأجر أو بامتيازات كبيرة…هذا ما يمكن اعتباره صراحة نضالا…فحمار النائب ناضل من أجل إيصال صاحبه إلى المجلس المحلّي وقد يناضل من أجل إيصاله إلى مراتب اكبر وأعلى …فنعم الحمار هذا…إنه البهيم الوطني الذي وجب أن نفاخر به”

نظرت إليه وقلت: أنا الآن هنا لأشتري هدية صغيرة للحمار أو للبهيم كما نسميه…وهدية أخرى لصاحب الحمار نائبنا العزيز خلفون التحفون…واخترت أن تكون الهدية ربطة عنق ما رأيكم؟؟” نظر إلي جميع من بساحة السوق وقالوا “نحن أيضا سنفعل مثلك يا ابن عم صاحب الحمار…” قلت متمتما…”حتى أنا وصلني اللقب واصبح يتذيّل اسمي…يا لبخت هذا البهيم وصاحبه..” فكّرت في ما يمكن أن أهديه آخر لخليفة فقلت لا شيء يحتاجه اليوم غير ربطة عنق جميلة من مغازة عمّ الجيلاني قشّابية…وكان الأمر كذلك ثم مررت بأحد باعة العلف واشتريت “بالة” ڨرط لبهيمنا المناضل والمساند الرسمي لنائبنا المحلّي…على أن أسدّد ثمنها على قسطين…

عدت إلى المنزل بعد أكثر من ساعتين بالسوق فوجدت النائب في انتظاري وهو يمسك ورقة بيضاء وليست بالبيضاء وكأنه ذلك الورق الذي عند الجزار الخاص بلفّ اللحم…اقتربت منه وقلت: “هل كتبت شيئا للترحيب؟” قال: “لا، صراحة لم أجد الكلمات…” قلت: “هات الورقة سأكتب الكلمة، فقط عليك حفظها…” وكتبت…

إخوتي الحضور…أهالي دشرتنا الكرام…

أتوجّه إليكم أنتم يا من انتخبتموني وأقصدكم أنتم “المنعوتين بالصبع” …أقول أتوجه إليكم وأنتم بقية من جاؤوا ليشرفونني في هذا الحفل الكريم وهم لم يكونوا هناك في مكاتب الاقتراع، بالشكر والثناء على دعمكم ومساندتكم طيلة أيام الحملة الانتخابية…كما لا يفوتني أن أنوّه بدعمكم ومحبتكم لي ولحماري العزيز وسندي الأكبر في هذه المعركة…فلولا مساندتكم لما أمكن لي ولحماري العزيز والمناضل مواصلة مشوار الحملة…فهو الذي كان يسجل في ذاكرته كل المنازل التي زرناها وكان يرفض الذهاب إلى منازل زرناها سابقا…فحماري هو ذاكرتي وذاكرة سكان الدشرة الكرام وهو سندي وملهمي في هذه الرحلة السياسية الشاقة…وهو الذي وجب أن أفاخر بما أتاه وما فعله من أجل أن أكون انا هنا …وبهذه المناسبة أجدّد تمسكي بالشرعية الدولية في ما يخصّ ما يقع الآن في جنوب فلسطين المحتلة…وأندّد بالإبادة التي يتعرّض إليها الشعب الفلسطيني…وأندّد أيضا بالقتل الممنهج للصحفيين…كما لا يفوتني أن أندّد بما تتعرّض له الحيوانات الأليفة وخاصة الحمير من قتل وتهجير في العديد من الأماكن في العالم العربي وبعض الدول الأخرى…أخاطبكم نائبا عنكم في مجلسنا المحلّي الموقّر…

عاشت دشرتنا…عاش سكان دشرتنا

وعاش حماري سندي وأخي في الكفاح…

والسلام عليكم

نظر إلي خليفة وقال: ” لماذا أتيت على ذكر الحمار في الكلمة الترحيبية؟” قلت: “أنا كنت في السوق وسمعتهم يتحدثون بإطناب عن الحمار ونضاله معك لإيصالك حيث انت يا خليفة فذكر الحمار في الكلمة الترحيبية أصبح ضروريا حتى لا تُنعت بناكر الجميل…أليس كذلك؟؟” ضحك صاحب الحمار وقال: “لست ناكرا للجميل…سألقي الكلمة على الحضور بعد حفظها عن ظهر قلب…”

تناولنا طعام الغداء ثم قلت للنائب لنذهب إلى منزلك فمراسم الحفل تبدأ بعد ساعتين، وصلنا إلى منزل النائب المحترم، ربط خليفة حماره بشجرة وراء المنزل بمكان يبعد عنه قرابة العشرين مترا ثم دخلنا المنزل لنعدّ العدة وليحفظ خليفة كلمته الترحيبية ليلقيها على ضيوفه في حفل الاستقبال…

خرجنا أمام المنزل حين حانت ساعة استقبال الضيوف…بدأ “المنعوتون بالصبع” يتوافدون على منزل خليفة…وصلوا جميعهم وأدخلهم السيّد النائب إلى بهو المنزل الذي فرش بأجمل الزرابي يتجاذب معهم أطراف الحديث…ونوّه جميعهم بالحمار ونضالاته وحرصه الشديد على إنجاح صاحبه وإيصاله إلى حيث ترشح، ووصل الأمر بأحدهم إلى اقتراح تمثال تخليدا لموقعة الحمار أمام مغازة عمّ الجيلاني قشّابية لتكون في واجهة الساحة مدخل الدشرة ولتكون شاهدا على العصر وعلى “التوافق” والتعايش اللذين تعيشهما دشرتنا…فجأة سمعنا تصفيقا حارا لا أحد منّا يعلم مصدره…قلت للحاجة “بره شوف منين هالحس ووين التصفيق هذا…”

أسرعت الحاجة وراء منزل خليفة لتجد حشدا من أكثر من مائة شخص من نساء ورجال الدشرة حول حمار النائب يصفقون ويتغنون بنضالاته…عادت الحاجة إلينا وهي في حالة من الذهول وقالت “يريدونكم هناك حول الحمار …يريدون الاحتفال هناك…” التفتّ إلى خليفة وقلت…تعال إلى حيث الحمار ألم أقل لك إن الحمار هو الذي أدار رقاب كل سكان الدشرة…ذهبنا إلى حيث ينتظرنا أغلب سكان الدشرة…هناك وجدنا أغلب السكان بهواتفهم النقالة يخلّدون الذكرى في صورة “سلفي” مع الحمار المناضل…ولا أحد منهم فكّر في أخذ صورة مع النائب المحتفى به…نظرت إلى يمين الحمار فرأيت يا لهول ما رأيت، رأيت سورا مبنيا ببالات الڨرط التي أتى بها سكان الدشرة لحمار النائب…وقلت في خاطري: يا بختك يا حمار…

اقتربنا من الحشد الكبير من ضيوف الحمار…عفوا ضيوف النائب… رفع خليفة يده طالبا بعض الهدوء وقال هل تسمحون لي بإلقاء كلمة ترحيبية بهذا الحضور الكريم…وبدأ خلفون في إلقاء كلمته وكان كلما ذكر الحمار صفّق كل من هم هناك وزغردت كل النسوة الحاضرات …ووصل الأمر ببعضهم بالهتاف بالحياة للحمار وصاحب الحمار…وطالب أحدهم الآخر بأن يرفع الحمار على الاعناق…حينها وفي تلك اللحظة وكأني بالحمار يفهم ما يقال حوله نهق نهقتين بأعلى صوته فتفاعل الجمهور معه بالتصفيق والهتاف والتفت إليه مصفقا داعيا له بطول العمر …وأسرع بعض الشباب من الموجودين بين الحضور إلى الحمار ورفعوه على الأعناق وسط تصفيق حار من جميع من جاؤوا لهذا الحفل…

التفتّ يمنة أبحث عن خليفة وجدته حزينا باكيا يتمتم كلاما لم افهمه…مسكته من يده وقلت: “ما بك يا ابن العمّ…شبيك تبكي؟؟” قال: “من جاؤوا لتكريم الحمار أكثر ممن ذهبوا لانتخابي…وفي الأخير رفعوا الحمار على الاعناق وأنا أخطب فيهم…أتريدني ان اصرخ معهم “يعيش الحمار… يعيش الحمار…فمن النائب ومن الحمار هو أم أنا؟؟”…

غادرت منزل النائب أنا والحاجة بعد انتهاء الحفل وبعد أن ودعت ابن عمّي وضيوفه الكرام …في الصباح قصدت السوق باحثا عن بعض احتياجات المنزل ثم قصدت سوق الدواب للسؤال عن ثمن خروف فوجدته…من؟…أي نعم وجدته…ابن عمّي متنكرا في لباس فلاّح عارضا حماره المناضل للبيع…ومعه كمية الڨرط التي غنمها من سكان الدشرة في غزوة الانتخابات المحلية… فصرخت في ابن عمّي قائلا:” تهون عليك العشرة؟؟؟…”…

أكمل القراءة

وهْجُ نار

أتأتون اليوم ما كنتم تنهون بالأمس عنه؟؟

نشرت

في

الإقرار بتزوير الانتخابات في الأردن - سواليف

غريب أمر هذه البلاد وبعض شعب هذه البلاد وخاصة بعض من جعلوا من هذا الفضاء وسيلة لتصفية حساباتهم والانتقام ممن لا يتفقون معهم…

محمد الأطرش
محمد الأطرش

فمجرّد ألاّ تكتب مادحا لما يسمونها “ثورة” بمناسبة حلول ذكراها يقذفك بعضهم بأقبح الكلام…دون أن يبدأ حديثه بالسلام…أسأل ألستم أنتم من يشتكي اليوم من اسقاطات ما تعتبرونها ثورة وتبعات كل من جلسوا على كراسي الحكم بعدها…ألستم أنتم اليوم من تنعتون سنواتها بسنوات الخراب؟؟ إذن…ما ذنبي إن لم يكتب قلمي حرفا واحد يمجّد فيه ما يسمونها “ثورة” فكيف تريدون منّي أن اشكر الخراب ومن أتى بالخراب ومن صنع الخراب؟؟ ألم تكتبوا في أوراقكم أن “ثورة” تونس كما تقولون هي من صُنع الغرب وعرّابها تعرفونه وأهدافها تعلمونها…فلم تريدون منّي أن أحتفل بذكرى حلول سنوات الخراب وما أتاه العرّاب؟؟ ألم ترفعوا أصواتكم كثيرا وطويلا منادين بالديمقراطية؟؟ أليست الديمقراطية هي أن يسمح لي بأن أصفق لمن أريد وأمدح من أريد وأن أرفض ما اريد وأختلف مع من أريد وأختار من أريد ليحكمني؟؟ فهل عدتم يا جماعة الديمقراطية عمّا كنتم تصرخون وتطالبون به وتدعون إليه؟؟ وهل أصبحت الديمقراطية عيبا ومن الكبائر وستعاقبون عليها يوم الحشر؟؟

 يا عجبي على نسبة الغباء المرتفعة في رؤوس بعض أغبياء الوطن من الذين يركضون أحيانا على “حافرين” ويصفّقون دون وعي منهم…في تونس بعد حادثة “صاحب البرويطة” إن التحيت سيقولون عنك “نهضاوي”…إن استمعت لمدح الرسول سيقولون إخواني…إن سكرت يقولون عنك ماركسي ملحد…إن شكرت القديم يقولون عنك “زلم” ويهجرونك…إن شتمت القديم سيقول البعض عنك خائن وعميل ومتلون كالحرباء…إن كتبت يوما عن مآثر الماضي سيقولون عنك مستبد وتعشق الجلاد وسياط الجلاّد…إن كتبت سوءا عن منظومات ما بعد من يسمونها “ثورة” سينعتونك بالعمالة لفرنسا وبعض الدول الشقيقة والصديقة…وإن انتقدت رئيس البلاد أو حكومة رئيس البلاد سيصرخون في وجهك ويقولون أنت ضدّ الحكومة وأنت من دعاة إسقاط الحكومة ووجب جلدك إن لزم الأمر، فانتقاد الحكومة ومن يرأس الحكومة ومن يعمل بالحكومة من الذنوب التي لن يغفرها لك الاتباع …

ألم يفعلوا هم ذلك سابقا ولا أحد رفع صوته ليقول لهم ما أنتم “فاعلون”؟؟ اليوم إن التقيت أحد خصومهم وأقصد من يرون أنهم أرفع منك درجة وأقرب منك إلى الصواب وأنهم على حقّ وأنت على باطل…و”باطل يا حمّة باطل”…سيقولون عنك لست منا فأغرب عنّا…إن شكرت أحد من يكرهون سيقولون عنك “مرتزق وبائع لذمته” وربما يتهمونك بالخيانة والتآمر…إن انتقدت أحد من يشيطنون سيقولون عنك كل موبقات الدنيا ولن تسلم من القصص الخيالية…إن انتقدت الاتحاد سيقولون عنك ما لم يقله مالك في الخمر…وإن شكرت الاتحاد سيقولون عنك ما لم يقله مالك في الخمر أيضا…فلن تسلم إن شكرت مما عاناه مالك…ولن تسلم إن انتقدت مما تكبده مالك…هم يتعاملون معك بسياسة “ڨاتلك … ڨاتلك”…وفي تونس أيضا إن شاهدوك كئيبا سيقولون “من عمايله”…وإن شاهدوك ضاحكا سيقولون “يضحك وحده هبل”….وإن شاهدوك تعرج سيقولون “محلاها فيه”…وإن شاهدوك سعيدا سيقولون “الأكيد تحيّل على احدهم”….في تونس لن تسلم من ألسنتهم أبدا حتى وأنت تحت التراب…

في تونس اليوم إن تأففت من عدم توفر السكر سيقولون عنك معارض ووجب ردعك…وإن تألمت لغياب الحليب سيقولون عنك تبحث عن خرابها…وإن قلت أين الزيت يا أصحاب الزيت فسينعتونك بالخائن الذي لا يحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد…لذلك لم أعد أستغرب كل الضجيج الذي يقوم به بعض من لم يعوا إلى يومنا هذا ما تعنيه حقّا كلمة “ديمقراطية”…ولن أستغرب حجم الاستهبال والاستحمار والاستغباء الذي يعتري المشهد ….فالاستغباء والاستحمار في أيامنا هذه طغى على كل مفاصل…وتفاصيل الحياة، فظلال بعض من يؤثثون المشهد الاتصالي والتواصلي اليوم أولئك الذين خرجوا علينا رافعين لواء الديمقراطية وهم اليوم يرفضونها…وأولئك الذين خرجوا علينا رافعين لواء الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ويرفضون ما كانوا عليه… ويأتون اليوم مثله ويمنعونك من رفض ما كانوا هم يرفضونه…

هؤلاء ومن معهم وزبانيتهم وبعض من يحسبون على الإعلام والبعض من فصيل “الخرونيكارات” والبعض من رجال الإعلام وغيرهم من الذين يسبحون في فضاءات التواصل، أقول ظلال هؤلاء جميعا أصبحت ظلاًلا طويلة الأذنين… هؤلاء “المستحمرون” في الأرض… “الملهمون” في هتك أعراض الناس حسب الطلب وبعد دراسة الجدوى… سيخلدون في ذاكرة التاريخ “بغالا وحميرا”…فلكل تاريخ بهائمه ولكل مرحلة بغالها… وفي تونسنا العزيزة سجّل لنا التاريخ الكثير منهم…منهم من قضى نحبه ومنهم من لا يزال ينهق…هؤلاء هم رموز الجهل والنهيق النشاز…هؤلاء هم رموز الكذب والخداع…هؤلاء لا ينطقون صدقا…بل ينهقون كذبا…

لأمثال هؤلاء أقول… إن البدلة “المشحوطة” لن تظهر أناقتك بل ستظهر تلك التي يقال عنها “وحدة توزن ووحدة تقرطس” وأقصد المصون “المؤخرة”…وربطة العنق لا تصنع من كل من يلبسها رجلاً …بل قد تصنع حمارا بربطة عنق وسروال يثقبه ذيل يتدلى…وأضيف أنا لست من جيل الأغبياء والمغفلين…أولئك الذين باعوا ملابسهم الداخلية…مقابل كأس نبيذ في خمارة شارع الحريّة او شارع قرطاج…أنا ممن يحبون البلاد كل أيام الأسبوع…وحتى يوم الاحد كما قال شاعرنا رحمه الله “أولاد أحمد”…أنا ممن يحبونها اليوم…وغدا وبعد غد…أنا لست من الذين يتسلقون السلم …نحو الأسفل…أنا من الذين يؤمنون ان تونس قادرة أن تعود تؤنس كما كانت لو فقط نزعنا من صدورنا ما علق بها من أدران الحقد والكراهية…نحن شعب واحد وسنبقى…وإن حاول بعض “الذرّي” الإيقاع بيننا وبين بعضنا…بنشرهم لثقافة الحقد والفتنة…تعالوا نعِشْ معا…ونختلف معا…في وطن واحد يجمعنا في الخير وللخير معا… تعالوا ففي اختلافنا حاضر أجمل…ومستقبل لأحفادنا أفضل…

فلم كنتم تصرّون على النهي عن شيء…وتأتون اليوم مثله؟؟ أتأتون اليوم ما كنتم تنهون بالأمس عنه؟؟

أكمل القراءة

وهْجُ نار

بلقاسم بوطحش… والديمقراطية… والقضية الفلسطينية…

نشرت

في

أحلام مستحيلة» كاريكاتير بريشة «سحر عيسي»

استضافني أحد الأصدقاء إلى سهرة كروية في أحد مقاهي المدينة لمشاهدة دربي برشلونة وجيرونا، وافقت وأنا المتيّم بالبارسا والعاشق لطريقة لعبها منذ أيام كرويف رحمه الله ورزق أهله وذويه وابنه جوردي وزوجته جميل الصبر والسلوان…والمال الوفير…وكما يعلم الجميع خسرت البارسا وخسرت انا رهاني مع صديقي العاشق للريال…غادرت المقهى في وضع نفسي غير مريح، كيف لا وأنا الذي كان يتمنى اقتراب البارسا من الريال وجيرونا في انتظار الانقضاض على صدارة الترتيب…

محمد الأطرش
محمد الأطرش

وأنا أقترب من منزلي في ليلة باردة كبرد صحراء سيبيريا فاجأني بلقاسم بوطحش أحد أصدقاء السوء من الذين يمارسون يوميا لعبة الغياب عن الوعي مع سابقية الاضمار والترصّد، واقسم كعادته حين يحاصرني ان أقبل منه سيجارة ناسفة وأقاسمه الغياب عن الوعي…رفضت…وتمنعت…لكنه وقف منتصبا وهو الذي لا يقوى على الوقوف واقسم برأس غالية بنت أحمد …قلت “ومن تكون غالية هذه يا ابن الحرام؟” قال: “صديقتي في غيبتي عن الوعي البارحة…” ضحكت وقلت صديقة في الحلم يا لغرابتك يا ابن الحرام…لا أستغرب إن قلت لي يوما أنك وغالية تزوجتما وأنجبتما أبناء افتراضيين في الحلال …تنازلت عن رفضي أخذا بخاطر غالية بنت أحمد واحتضنت شفتاي سيجارته الملغومة المحشوة سُمّا لا أعرف اين سيأخذني هذه المرّة…ونطقت بالشهادتين فقد أتجاوز مجرّد الغياب عن الوعي إلى حيث لا يمكن العودة قبل يوم الحشر…

لم تدم فترة الانتظار طويلا حتى غبت عن الوعي ودخلت عالما آخر…وفجأة ودون تخطيط مسبق أجد نفسي مع حشد بعشرات الآلاف في ساحة القصبة نصفّق ونصرخ بأعلى اصواتنا “الله واحد الله واحد حكومتنا ما كيفها حدّ”… نظرت يمنة ويسرة وأسفل واعلى والتفتّ خلفي…حشد رهيب لم أر مثله في حياتي قط… سألت أحدهم وكان مرفوعا على الأعناق من قبل شابين يصرخان عاليا كالجميع…ويرددان في تناسق كبير وتام وبنغمة جميلة ورائعة “الله واحد الله واحد…” أقول سألت أحدهم وكان مرفوعا على الأعناق “ما الذي يحدث …أش ثمّة صاحبي”…التفت إلي ضاحكا وقال: “ألم تسمع بما قاله رئيس الحكومة؟ ألم تبلغك قرارات الدولة؟؟” قلت “لا، وماذا قررت الحكومة ونحن في ساحتها؟؟”

نظر في اتجاهي نظرة استغراب وقال: ” وين عايش انت…قررت الحكومة تشغيل 666 ألف عاطل عن العمل… والتعويض لعائلات كل من ماتوا دون أن يشتغلوا يوما واحدا وهم من أصحاب الشهائد” وماذا أيضا؟ قال: ” تمتيع كل سكان البلاد بالتغطية الاجتماعية وتمكين أصحاب الأمراض المزمنة من العلاج مجانا في كل المؤسسات الصحية حتى الخاصة منها…” لم أتمالك نفسي وانطلقت في نوبة تصفيق وصراخ بأعلى صوتي في تناسق تام مع من هم حولي “الله واحد الله واحد…اش اسمه ما كيفو حدّ…الخ…الخ…” ثم نظرت إلى صديقي سائلا:” هو اش اسمه سيدنا رئيس الحكومة…” أجابني “تي بره هكاكه بره هكاكه…من غير ذكر الأسماء…”

 ثم واصلت وقلت: “وماذا آخر يا صديقي؟؟؟” قال: “الزيادة في الأجور بنسبة أكثر من 66 في المائة من قيمة الأجور الحالية…ورفع قيمة منحة الإنتاج إلى أكثر من ستة آلاف دينار لكل الشغالين في جميع القطاعات…” نظرت إليه مستغربا…وقلت: “هاهي جنّة …يا دين الزكش…” فقال ” لا لا انتظر البقية…قرض لكل عائلة دون فوائض لشراء سيارة بـــ 9 خيول ونصف يقع تسديده على عشرات السنين…” كاد الخبر يغيبني عن الوعي وقلت “تسعة خيول ونصف يا دين الزكش…معناها تسعة خيول وبهيّم صغير…وزززززز في ساعة نكون في العاصمة…

وماذا آخر يا صاحبي؟؟؟” فنظر إلي صديقه الذي يحمله على الأعناق وقال: “تمكين كل من لا يملك مسكنا من منزل بثلاث غرف وقاعة جلوس يدفع ثمنه على 66 سنة وإن مات يدفع ورثته ما تبقى من المبلغ …” قلت: “رائع وجميل وهل تقع مساعدة من يريدون اكمال نصف دينهم؟؟” قال: “نعم طبعا ستتكفل الدولة بكل مصاريف الزواج…وتتكفل في ما بعد بمصاريف ولادة الأبناء وختان الذكور منهم ودراستهم حتى تخرجهم من الجامعة مع إمكانية ارسالهم إلى دولة أوروبية لمواصلة الدراسة لمن يتفوقون في الامتحانات النهائية…”

وهنا سألته: ” هل وفرت الحكومة الزيت…والحليب والفارينة والسكر والخبز…وهل جمدّت الأسعار ؟؟” أجاب: ” اللي فاتك اغرب…عملت برنامج القفّة العائلية توزعها شركة حكومية على كل سكان البلاد مرتين في الأسبوع…وتكون مليئة بالخضر والغلال وكل ما تحتاجه العائلة لثلاثة أيام ومجانا…” نظرت إليه وأنا أكاد أفقد عقلي مما اسمعه عن قرارات الحكومة أطال الله عمرها وملأ خزائنها تفاحا ومالا وخضروات وفارينة…أقول نظرت إليه وقلت: “وتوكّل فينا زادة…ملاّ حكومة وملاّ هي… هل أنا أحلم أم هي الحقيقة يا صديقي؟؟؟ بالله عليك أجبني واصدقني القول؟؟؟” قال: “أتكذبني يا هذا؟؟” قلت: “حاشى أن افعل ذلك…فقط أنا مستغرب من كل هذا الذي يقع في البلاد؟؟؟” قال لي وهو يبتسم: “انتظر لتسمع بقية القرارات والإجراءات…” قلت: “وماذا أيضا؟؟؟” قال:” إطلاق سراح كل المساجين دون استثناء وإفراغ كل السجون في كامل أنحاء الجمهورية باستثناء المحكومين في جرائم قتل…”

جلست أرضا من هول حجم ما سمعت وقلت: “ماذا…حتى الكوني ولد الحولاء مرت خليفة الاعوج اللي عطى طريحة لعمّ الرتيمي بياع اللاڨمي وغشّه في بيدون قيشم في رمضان اللي فات؟؟؟” قال: “الجميع ما لم يقتلوا أحدا…” قاطعته لأقول” الكوني ڨتل نخلة راهو والنخلة متاع عمّي الصحبي شراها من عمّي الصادق من 66 عام التالي…” وهنا أضاف:” وقد أعلنت الدولة المصالحة الشاملة بين جميع فئات ومكونات المشهد السياسي والاجتماعي وبدء مرحلة جديدة من الديمقراطية الشاملة وإعادة هيكلة المشهد السياسي وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها يشارك فيها الجميع دون استثناء…” نظرت إليه وقلت “احلف…براس أمك…”

نظر إلي ورفع يده ليضربني…صارخا تكذّب فيّا يا اش اسمك…” فأسرعت بالاعتذار وقلت: “والله لا يا صاحبي…أما شيء كبير تحكي فيه…تي انا عندي سنين نطالب بالمصالحة الشاملة لأنها المخرج الوحيد والاسلم لما وصلنا اليه من 14 جانفي…وراس أمي وأمك وامهات المسلمين والمسلمات…والمؤمنين والمؤمنات لا نكذّب فيك يا صلاح…” ضحك وقال: ” ما اسميش صلاح يعطك ضربة بمفتاح…ولا تنس قرار الحجّ لكل كبير في العائلة والذي تجاوز عقده السابع على كاهل الدولة والحكومة…”

هنا وقفت وقفزت عاليا…وأنا اصرخ “جو …صبيّح باش يحجّ بعد سنوات الخمر والسلتيا…وعمّ الهادي الراجل الطيب كيف كيف…جو …نكلمهم توّه نبشرهم زعمة والا من بعد …” أضفت وسألته: ” هل تدفن الدولة من يموت من شعبها…؟؟ أجاب: “نعم وتعمل دعوة للجميع لحضور الجنازة حسب قيمة الميت…وتتكفل بمن يقول آمين عند الدعاء” قلت: ” هاهي دولة حلال هذه يا دين الزكش…خليني نكلّم عمّ الهادي وصبيّح على الحجّ مجانا ودون عناء…” نظر إلى صديقي وقال: “خلي من بعد كمّل مسيرة التوحيد…والله واحد الله واحد…حكومتنا ما كيفها حدّ…” نظرت اليه مبتسما ضاحكا في حالة ازبهلال قصوى وقلت: “حكومة ترسلنا إلى مناسك الحج على كاهلها هذه حكومة مسلمة حكومة يجب أن تبقى مدى الحياة…وصرخت … الله واحد عليك يا سيدنا…ويا تاج راسنا…يا زميمنا…الله يطول في عمرك وعمر العائلة…والصغار…وبقية أفراد العائلة …وأنسابك زادة كان لزم طبعا يا سيدنا…”…

استرجعت بعض الأنفاس بعد ساعة كاملة من الصراخ والتوحيد…ونظرت إلى صاحبي وقلت: “تنجمش تقلي منين جابت حكومتنا ودولتنا الفلوس هذه الكلّ يا خوي الغالي…؟؟” وضع يده اليمنى على كتفي وقال:” اسمعني مليح يا صاحبي…بعد اللي صار في غزّة فيبالك بالقمّة العربية…أكيد…العرب ومن تحالف معهم قرروا قرارات ثورية وقرروا مهاجمة إسرائيل …الأردن من الجهة الشرقية بمساعدة العراق وايران ودعم جوي من الباكستان…وسوريا مدعومة بحزب الله والجيش اللبناني من الشمال…والسعودية ومصر وبقية الدول العربية من الجنوب والبحر غربا…ايران استهدفت المستوطنات بصواريخ بعيدة المدى…مع دخول الاستشهاديين من جنوب لبنان ومن هضبة الجولان…المغرب أغلقت مضيق جبل طارق بــ”الياجور” واليمن أغلقت كل مداخل خليج عدن بالالغام بمساعدة دجيبوتي والاسطول السادس السوداني…ثم اخترقت الجيوش العربية كل الخنادق وحقول الألغام التي زرعتها إسرائيل وحاصروا كل المدن الكبرى وصولا إلى العاصمة تل ابيب…

طالبت الولايات المتحدة بوقف اطلاق النار ودعت إلى التهدئة وعقد جلسة في مجلس الأمن لدراسة تدهور الوضع في الشرق الأوسط…وطالبت بعدم قصف المدنيين والالتزام بمعاهدات جينيف وحقوق الانسان…وطالبت بفتح المعابر لإدخال المساعدات الغذائية والأدوية للـ “شعب” الإسرائيلي…كما طالبت بإطلاق سراح طاقم السفينة الإيريترية التي احتجزته قوات اليمن الحوثي الموحّد وجيش الصومال الشعبي بعد اكتشاف شحنة من الذخيرة موجهة إلى القوات الاسرائيلية…رفضت الدول العربية التهدئة وقالت لا للتسوية…وتقدمت نحو القدس مع دعم جوي من القوات المصرية والسعودية والاماراتية وقصف مدفعي وصاروخي متواصل لكل مطارات إسرائيل من الجانب الإيراني على مدى شهر ونصف الشهر…تمّ على إثره القبض على أغلب القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية… وتمّ اعلان وقف الحرب بعد استعادة كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة…”

 استمعت الى صاحبي وأنا مشدوه وفي حالة غريبة لم أحرك جفنا…ولم أغيّر نسق تنفسي مرّة واحدة، هي فقط دقات قلبي التي أصبحت اسرع كثيرا مما كانت عليه وأسرع من سيارة التسعة خيول التي ستوفرها الحكومة للشعب ونظرت إلى صاحبي وقلت: وأنا أتمتم “بالياجور؟ أبَيْ…احلف…” كنت على يقين ان “الكفّ” سيأتيني وسيحيلني إلى حالة أخرى من اللاوعي…وكان الامر كذلك، قصفني صديقي الذي لا أعرفه بــ”شلبوق” عنقودي قاصم فجّر خدّي الأيمن واسقطني أرضا… استفقت من الغيبوبة والسقطة واعتذرت من صديقي الذي لا اعرفه…نظرت إلى صاحبي وسألته: لم تقل لي من اين جاءت الحكومة بكل هذا المال الذي تغدقه علينا…؟؟ ضحك وقال: “هو كغنيمة حرب حكومتنا أطال الله مقامها هناك حيث هي كان دورها سياسيا في هذه الحرب فكان التخطيط الديبلوماسي من حكومتنا ومفاوضات مجلس الأمن أيضا…بفضل ذكاء كفاءاتنا وخبرتهم في معالجة القضايا والنزاعات الإقليمية” واضفت: “وليبيا والجزائر وبقية الدول ماذا كان دورهم في هذه الحرب؟؟؟” قال: “ليبيا والجزائر كانتا هما جيش الاحتياط والإمدادات بالمحروقات…أما الكويت وعمان والبحرين فكان دورهما لوجستيا (كسكروتات) و(كراب) و(بيتزا) للجنود العرب”…وهنا سألته: “ويعملوا مقلوب وملاوي زعمة…؟؟؟” ضحك وواصل حديثه: “وقطر كان دورها إعلاميا وكلفت (الجزيرة) بإيهام العالم بما ليس موجودا…”..

في تلك اللحظة مرّ بجانبي تاجر متجوّل يجرّ عربته ويبيع موزا سألته “بكم الصبع يا حاج؟؟” قال الموزة بــ100 مليم يا كبدي…” صعقت من إجابته وقلت: “بمائة مليم …يا دين …درا شنوة…هات عشرة يا بوقلب…وبربي منين الموز هذا؟؟ ” أجاب “هذا من الشيلي …تشري والا لا خوي؟؟” قلت: “طبعا هات خلي نتذكروا بينوشيه صديقنا الله يرحمه وينعمه ويبارك فيه…حتى الموز عندهم بلاش غادي…” حين عرفت ثمن الموزة تأكدت من صدق كل ما قاله لي الصديق الغريب الذي “شلبقني” بضربة لن أنساها…وعرفت أن حكومتنا حكومة حلال أطال الله عمرها…”

التفتّ إلى حيث محطة الحافلات وبدأت أدندن أغنية “حكومتنا تشبه القمر..انشاء الله بطول العمر…حكومتننننننننا…” وفي تلك اللحظة شعرت وكأن راسي ينفجر من شدّة ارتطام جسم صلب بمؤخرته…وسمعت صوت زوجتي وهي تسألني “حكومتنا تشبه القمر…علاه عندك حكومة أخرى غيري…يا اش اسمك..؟؟؟” رفعت رأسي نحوها وقلت “أين أنا؟؟؟ شبيك يا حكومة يا قمقومة ودمدومة”…( زوجتي اسميها كأغلب أبناء هذا الشعب “الحكومة”…وذلك بسبب استحالة تغييرها مهما أخطأت وتقاعست في خدمة الشعب والشعب هو أنا وبقية العائلة)…قالت:” اشبيك راقد في العتبة وتغني حكومتنا….موش وصيتك البارح تعمل دورة كبيرة تلقاش سكر والا فارينة والا زيت والا قهوة توه عندي جمعة ما دخلوش الدار…يخي وين مشيت تتطلفح حتى الصبح؟؟؟”

نظرت إليها ورأسي يكاد ينفجر من الارتطام…ورويت لها كل الحكاية…فأطلقت عقيرتها بالدعاء “برّه الله يهلكك يا بلقاسم يا بوطحش…حررت فلسطين…وعملت مصالحة شاملة…وأوهمتنا بالديمقراطية…الله يهلكك…” نظرت إليها وانا أتوجع من الارتطام…وقلت “آمين…آمين…يا حكومتي …”…فأضافت “ادخل نصبلك شوية سبيريتو على هاك الكردوغة خلي تتفشّ…” حينها عرفت حجم الكارثة …واثار العدوان…يا حليلي نا…كردوغة…

أكمل القراءة

صن نار