تابعنا على

لمْسُ نار

قيس سعيد… لست وحدك !!

نشرت

في

قيس سعيد… لست وحدك”  هذا الشعار الذي يرفعه أنصار الرئيس إضافة إلى شعارات أخرى هو شعار رنان و لكنّه  مخاتل و حمال أوجه و يمكن قراءته من زوايا عديدة غير أني سأركز فقط على بعضها

عبير عميش

أولا : ” قيس سعيد… لست وحدك ” فالشعب معك ( و سأعود بعد حين لتحديد ماهية هذا الشعب) و يساندك في قراراتك و يكسبها مشروعية حتى و إن افتقدت الشرعية حسب بعض القراءات، يساندك خاصة في طلب المحاسبة ومكافحة الفساد الذي تكرر في خطاباتك الأخيرة و انتشى به الشعب و تخمّر بل أكثر من ذلك تطوّع في عديد المرات بنشر قائمات للمذنبين و الفاسدين حسب أهوائه ورغباته و دون أدلة قانونية على ذلك… و لكن هل ساءل الشعب يوما نفسه عن دوره في تفشي الفساد و في ضياع هيبة الدولة و لهذا الشعب ـ و أنا منه ـ أقول : 

تخيلوا معي مثلا مثلا لو أن كل موظف توجه نحو عمله في الوقت المحدد و لم يغادره إلا مع نهاية الدوام،  أو أن كل مسؤول احترم العهد و الميثاق  و لم يُسِئ استغلال منصبه و نفوذه و عامل المواطنين دون تمييز أو محاباة  فكيف سيكون حالنا!؟

تخيلوا معي مثلا مثلا لو أن كل معلم او أستاذ درّس كامل البرنامج في القسم و لم يتعامل مع تلاميذه كدجاجات تبيض ذهبا أو فضة، فكيف سيكون حالنا ؟!

تخيلوا معي مثلا مثلا لو أن كل عون أمن أو ديوانة طبق القانون دون رشوة أو محسوبية أو وساطات فكيف سيكون حالنا ؟!

تخيلوا معي مثلا مثلا  لو أن كلّ قاض حكّم ضميره قبل النطق بالحكم أو أنّ كل طبيب اعتبر المريض فردا من أسرته و قدّم له النصح و الدواء الذي يحتاج له لا غير فكيف سيكون حالنا ! ؟

تخيلوا معي مثلا مثلا لو أن كل جزار أو خضار أحب للحريف ما يحبّ لنفسه فلم يغشّ في الميزان و لا في نوع  البضاعة، أو أن كل حرفيّ أنجز عمله بإتقان و حسب الموعد المحدّدفكيف سيكون حالنا ! ؟

تخيلوا معي مثلا مثلا لو أن كل مواطن احترم قانون المرور و قواعد الانتظار في الصف و احترم البيئة و لم يساهم في تلويثها… فكيف سيكون حالنا ! ؟

تخيلوا معي مثلا مثلا لو أن كل سياسي أحبّ الوطن أكثر مما يحبّ حزبه أو منصبه و فضّل الوطن على انتماءاته الخارجية و مواقفه الإيديولوجية فكيف سيكون حالنا ! ؟

تخيلوا معي مثلا مثلا لو أن عديد الناخبين لم يبيعوا ذممهم و أصواتهم بالمقرونة و الشوكوطوم و الفلوس  فكيف سيكون حالنا ! ؟

هذه و غيرها مظاهر فساد بإمكاننا تجنبها فلماذا نحاسب الآخرين و نستثني أنفسنا؟ 

إن محاربة الفساد تقتضي انخراط الجميع في هذا التحدي فالفساد نفسه في كل الحالات و لا يمكن أن نقسمه إلى فساد صغير و فساد كبير فالفساد “الصغير” هو الذي ينتج الفساد “الكبير” و كل فاسد صغير هو مشروع فاسد كبير بحلم بنيل المغانم و المكاسب

و من هنا و لكي لا نترك قيس سعيد وحده، لابد ان ننخرط جميعنا في محاربة الفساد باعتباره مشروعا مجتمعيا قبل أن يكون ملفا قانونيا و أن نقاوم أنفسنا و ميلنا الفطري و حتى الاجتماعي  إلى ارتكاب الأخطاء و إن بدت لنا بسيطة و أن نحترم القانون و لا نستهتر بالملك العمومي.. و لا نكتفي بالشعارات.

ثانيا : “قيس سعيد… لست وحدك” فالشعب يعيش معك على هذه الرقعة من العالم و من حقه أن يعرف إلى أين تسير به و ماذا ستفعل بعد انتهاء الثلاثين يوما التي حددتها و لم يبق منها غير أربعة أيام فقط أو بلغتنا الدارجة ” الشعب يحب يعرف وين ماشين؟” و لكن قبل ذلك لا بد أن نحدد باسم  أي شعب تتحدّث و أيَّ شعب تُخاطب 

من الشعب المقصود و قد صرنا شعوبا.. أ لم  يتحدث المرزوقي قبلك  عن حراك شعب المواطنين؟  و هل ما يريده “الشعب” في صفاقس هو ما يريده “الشعب” في تطاوين أو في باجة أو المنستير أو القيروان؟ هل ما يريده “الشعب” العاطل عن العمل هو ما يريده “شعب” العمال و الموظفين؟ و هل ما يريده ” شعب ” اللاك يريده “شعب” سيدي حسين ؟ و هل ما يريده “شعب” نوفل الورتاني هو ما يريده “شعب” لطفي العبدلي؟!؟! 

إنّ الشعب متعدد و ليس واحدا فما هو الشعب الذي تتماهى معه و تلبس جبته سيدي الرئيس؟

هذا الشعب المتعدد من حقه عليك أن يشاركك في تقرير مصيره و أن يفهم و يساهم في صناعة المستقبل و خياراته فهل سيكون له ذلك و بأية آليات ستستشير الشعب  و أنت ترفض الحوار مع الأحزاب حتى تلك التي ساندتك و ارتدت عباءتك و ترفض مبادرات المنظمات رغم ما قدمته لها من تطمينات و تهزأ من كل من طالبك بخطة عمل للفترة القادمة و كأنك تقول لهم كما قالت سهام بادي منذ سنوات… ” اللي ما عجبوش يشرب من البحر” 

قيس سعيد لست وحدك و لا تكن وحدك و لا تنفرد بالرأي و السلطة فرجل واحد لا يمكنه أن يحارب بمفرده على جميع الواجهات و الجبهات و فريق المستشارين الذي يحيط بك و حتى بعض أفراد عائلتك لا يستطيعون إسنادك إسنادا تاما، فمسؤولية إدارة البلاد في مرحلة حساسة كالتي نعيشها تقتضي منك إشراك لجان تفكير و الاعتماد على مجموعة من الشخصيات الوطنية القادرة  على التخطيط و الاستشراف و تحديد الاهتمامات و الأولويات… و أولى الأولويات التي نادى بها الشباب الذي تتحدث عنه دوما هو الشغل و الخروج من الفقر فماذا أنت فاعل في هذا الملف و قد تضاعفت نسب البطالة منذ سنوات و تضخّمت كتلة الأجور و تدحرجت ميزانية الاستثمار

هل فكرت في حل لهذا المشكل و هل استشرت في ذلك أهل الاختصاص لإيجاد حلول عميقة و فعالة قادرة على تغيير الواقع؟ ماذا عن النظام السياسي و الانتخابي؟ ؟ ما مصير الهيئات و المؤسسات القائمة هل ستهدمها لتبني من جديد؟؟ أم ستعمل على إصلاحها؟؟ ماذا عن الدستور رغم هناته؟ ماذا عن الخيارات التنموية الكبرى؟ 

لست وحدك لتقرر بمفردك ما تشاء و تفرض علينا ما تريد و ما يتوافق مع أهوائك و رغباتك فيأتي إلينا و كأنّه مُنزَّل من السماء…

ثالثا : ” قيس سعيد… لست وحدك ” فالبلاد و بحكم موقعها و تاريخها تربطها عديد العلاقات مع الخارج التي  ـ أ أحببنا ام كرهنا ـ  لابدّ أن تأخذها بعين الاعتبار في قراراتك. 

فماذا عن شركاء تونس في الخارج و عن مواقفهم من سياستك الحالية؟ 

فإن كنت قادرا على دغدغة مشاعر بعض “الشعب”  بخطبك الرنانة و كلماتك النارية، فإن الدول و المؤسسات المانحة لا تتعامل إلا بلغة الأرقام و وفق ما تلمسه من مؤشرات فعلية على أرض الواقع ، فكيف ستقنعها بعدم انتهاك الحريات و أنت تستغل حالة الاستثناء لشيطنة عديد القطاعات و منع الكثيرين من السفر بسبب شبهة الانتماء أو المهنة…؟؟ 

و كيف تستطيع إقناع مستثمر أجنبي بالقدوم إلى تونس و تشغيل أمواله في ربوعها و بوجود مناخ ملائم للعمل والاستقرار و هو يرى شريكه التونسي ممنوعا من السفر لإمضاء عقد أو إبرام صفقة لأن صفته في جواز السفر رجل أعمال أو مدير شركة ؟؟

و كيف ستفعل لتواصل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي و البنك العالمي و الدول الضامنة لقروض تونس و أنت ترفض تقديم خارطة طريق طلبوها منك توضح من خلالها خطواتك المستقبلية؟؟ 

ماذا ستفعل لشعب الجائعين إن رفضت هذه المؤسسات إقراض تونس مجددا  و فرغت خزائن البلاد ـ و هي فارغة فعلا ـ  و عجزتَ عن توريد حاجيات الشعب و توفير قوته؟ هل سيصبر التونسيون على هذا الوضع كثيرا  و يواصلون قولهم : “قيس سعيد… لست وحدك” أم سيتخلَّوْن عنك و يتركونك وحدك؟؟

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لمْسُ نار

ارتكاب أمر موحش… ضدّ الشّعب !

نشرت

في

تمّ منذ يومين تسريب وثيقة سرّية تتضمّن أسماء 25 شخصيّة بين سياسيين و أمنيين و مسؤولين سابقين و حاليين و إعلاميين و فنّانين و شخصيّات عامّة بتهم التآمر على أمن الدّولة و تكوين و فاق إجرامي و ربط اتصالات مع أجانب للإضرار بالبلاد و التّدليس و مسك مدلّس …

عبير عميش

هذه تهم ـ إن صحّت ـ كفيلة بأن ترسل مقترفيها وراء الشّمس. لكنّ التهمة التي شدّت انتباهي أكثر من غيرها هي “ارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الدّولة” (و هي تهمة قديمة لم يستحدثها نظام 25 جويلية لكنّه كثيرا ما لجأ إليها في الفترة الأخيرة لمحاكمة خصومه رغم ادّعائه القطع مع الماضي و ابتكار مقاربات جديدة) و لكنّي كلّما قرأت هذه التهمة أخذت أتساءل عن شكل الأمر الموحش ضدّ رئيس الدّولة ؟ و ما الفرق بين رئيس الدّولة و باقي المواطنين فما هو إلا موظّف يسيّر دواليب الدّولة لخدمتهم ؟ و أخذت أتساءل أكثر عن معنى الأمر الموحش ؟

أ ليس تكبيل الأجيال القادمة بالديون و الاتفاق مع صندوق النّقد الدّولي على ترفيع الأسعار و رفع الدّعم دون تعديل في الأجور أمرا موحشا ضدّ فئات كبيرة من الشّعب التّونسي و استهدافا لقدراتهم الشّرائيّة ؟

أ ليس قتل الأمل في نفوس أجيال من الشّباب و دفعهم إلى الهجرة بكلّ الوسائل المشروعة و غير المشروعة أمرا موحشا ضدّ الشّعب و ضدّ مستقبل البلد ؟

أ ليس غياب المواد الأساسية و الاضطرار إلى ملاحقتها و اللهث وراءها أمرا موحشا في حق الشعب و ضد؟ كرامته و إنسانية؟

أ ليس وضع مستشفياتنا العموميّة و تدهور الخدمات الصّحّية أمرا موحشا في حق المرضى و استهزاء بحقهم في الصحة و الحياة ؟

أ ليس فقدان الأدوية الحياتية و طول فترات انتظار المرضى للحصول على أدويتهم الحياتية أمرا موحشا في حق الشعب و استنزافا لجهده و صحته ؟

أ ليست صفقات اللوالب الفاسدة و البنج المنتهي الصلوحية و أطفال الكرذونة و غياب لقاحات الكوفيد في ذروة الأزمة أمرا موحشا في حق هذا الشعب و تدميرا لكل جميل في الوطن ؟

أ ليست حالة طرقاتنا الكارثية و اهتراء وسائل نقلنا العمومي و اضطراب توقيت سفرات الحافلات و المتروات و القطارات و حتى البواخر و الطائرات أمرا موحشا في حق الشعب و حق ضيوف البلد؟

أ ليس تأخر ترتيب جامعاتنا و ضعف تصنيف بلادنا و تدهور منظومتنا التربوية أمرا موحشا في حق الشعب و مستقبل أبناء الشعب ؟

أ ليس قطع المياه لأيام طويلة في عزّ الصيف عن جهات بعينها أمرا موحشا في حق الشعب ؟

أ ليس انتشار القمامة و غياب الحلول الجذرية للنفايات في صفاقس و برج شاكير و غيرها أمرا موحشا في حق الشعب و تهديدا لصحّته و سلامته و سلامة بيئته ؟

أ ليس أمرا موحشا أن لا يعرف أهالي الحرّاقة مصير أبنائهم و لا مكان دفن جثثهم و أن تقابل احتجاجاتهم بالغازات المسيلة للدّموع و  بالرّدع الأمني العنيف ؟

أ ليس التلاعب بقائمة لاعبي المنتخب الوطني لكرة القدم و التكمبين و تغليب مصلحة بعض السماسرة و الجمعيات و الجهات و فساد الجامعة و ضعف المدرّب  أمرا موحشا في حق هذا الشعب و حرمانا له من لحظة فرحة و اعتزاز طال انتظارها ؟

أ ليس أمرا موحشا في حق الشعب أن يقوده إعلاميون مأجورون و كرونيكورات تافهون و أن تؤثث لياليه و صباحاته ببلاتوهات الدّجل و الشعوذة و البحث عن الإثارة و البوز؟

أ ليس أمرا موحشا في حقّ هذا الشعب ترشّح البعض لعضوية مجلس النواب الجديد ؟  أ ليس أمرا موجعا الاستماع إلى بعضهم  و التفكير في ما “يبشّرون” به من  تشليك للبرلمان القادم ؟

أ ليست بعض الخطابات و ما فيها من تحقير لفئات من الشعب أو من اتهامات و تخوين و توعّد و تهديد فعلا موحشا ضدّ هذا الشعب و أمرا موتّرا للأوضاع و مسمّما لأجواء الوطن ؟

أ ليس أمرا موحشا في حق الشعب، جزء كبير من الشعب أن تتلاعب البنوك بموارده فيثري أصحابها على حسابه ؟

أ ليس أمرا موحشا في حق الشعب أن تتحكم المافيات و بعض العائلات النافذة بقوته و بمصيره و أن  تفرض عليه قوانينها و تستغله لمزيد الإثراء و نفخ حساباتها

أ ليس أمرا موحشا في حق الشعب أن يرى أبناء المسؤولين يصولون و يجولون فيحطمون سيارات الدّولة أو يتنقلون بين بلدان العالم و يستمتعون بأموال الشعب دون حسيب أو رقيب ؟

أ ليس أمرا موحشا أن يرى الشّعب أنّ من ساهموا في تدميره أحرارا طلقاء يطلعون عليه عبر بلاتوهات الإعلام مواصلين السخرية منه ؟ أو يجولون بين عواصم العالم و يتمتّعون بخيراته فيما يبقى هو هنا يعاني الويلات ؟

أ ليس تعيين مسؤولين من أصحاب الولاء و ولاة ضعفاء و وزراء غير أكفاء أمرا موحشا ضدّ الشعب و استسهالا للحكم و تقزيما للنّخب ؟

أ ليس أمرا موحشا في حقّ الشّعب أن تُسلَب منه أحلامه وطموحاته و أن يفقد في 12 سنة ثقته في ما حصل و أمله في التغيير الإيجابيّ ؟

أ ليس أمرا موحشا في حقّ الشّعب أن يجد أغلب الشعب نفسه وحيدا في مواجهة منظومة تفرمه فرما و نظام يسحقه سحقا ؟

و كم من أمر موحش تمّ و يتمّ ضدّ هذا الشعب فإلى من يشتكي و إلى من يلجأ؟

فلا محكمة دستورية لتنصفه و لا محكمة إدارية قادرة على إنفاذ قراراتها و لا مجتمع مدنيّ قادر على تمثيله و لا صاحب عصمة آبِه له و لهمومه ؟

أكمل القراءة

لمْسُ نار

متى قرض الصمود الحكومي؟

نشرت

في

البنك الأوروبي للاستثمار يؤكد التزامه “بمواصلة دعم تونس” | قناة الجنوبية

يقول الخبر : “رئيس الجمهورية  يصادق على قرض جديد من البنك الأوروبي بقيمة 150 مليون يورو لدعم الصمود الغذائي”

عبير عميش

قرض الصمود الغذائي .. يا لها من شقشقة لغوية و عبارة تتواءم مع الشعارات الرنانة و الكلمات الفخمة و الفذلكات اللغوية التي مافتئت تتواتر في  خطابات الرئيس و بياناته و التي تذكرنا خاصّة بفترة الستينات وبشعارات القومية و الوحدة  العربية و الأفكار الطوباوية و الخطابات النّاريّة التي لم تصحبها قدرات فعلية و لم ترافقها استعدادات واقعية، فلم تعد على أصحابها و بلدانهم و سائر الأمة العربية إلا بالوبال و الهزائم و الخيبات والانتكاسات ..

ألم يؤكد الرئيس مرارا أنّ الأزمة داخلية و ذاتية و مردها الاحتكار و سوء التحكم في مسالك التوزيع و “وضع العصا في العجلة” و العمل على تعطيل الحكومة  من أطراف يعلمها الجميع على حدّ تعبيره؟

ألم يؤكّد في عديد المناسبات أنّ  خزائن الدولة تفيض بالأموال و لكن  انعدام العدل و سوء توزيعها هو العائق؟

فلماذا الالتجاء إلى القرض الخارجي  لتمويل استيراد الحبوب أساسا ؟ أليس هذا اعترافا ضمنيّا بخطأ تفسيرات الرئيس و اتهاماته؟  أليس اعترافا ضمنيّا بعدم توفّر السيولة الكافية من العملة الصعبة لتأمين حاجياتنا من الأسواق العالميّة؟

كم قرض (داخليّ و خارجيّ) أمضى الرئيس على مراسيم الحصول عليه منذ انفراده بالسلطة ؟

و هل يأتي يوم نحصل فيه على قرض الصمود الطاقي حتى لا تتعطل مصانعنا و مؤسساتنا وعرباتنا ومولّدات الطاقة لدينا؟

و هل يأتي يوم نحصل فيه على قرض الصمود الدوائي بعد أن صار عدد كبير من الأدوية الحياتية مفقودا من الصيدليات ،و عجز المواطنون عن توفير أدوية لأمراض خطيرة و أمراض مزمنة و علاجات للمسنين الذين خدموا الدولة طيلة عقود،  و ساهموا في صناديق الحيطة الاجتماعية على أمل الحصول على تقاعد مريح، فوجدوا أنفسهم يتمنون الموت مائة مرة في اليوم و يعيشون تقاعدا كريها قاتلا يستنزف كل ما بقي لديهم من جهد و طاقة، في طوابير الانتظار أمام مراكز البريد  و مقرات ” الكنام ” و مستشفيات الضمان الاجتماعي …

مسؤولون من الحكومة و من البنك المركزي سيتوجهون بعد حوالي أسبوع إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لمواصلة التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد أقترح على الرئيس أن يطلق عليه تسمية ” قرض الصمود الحكومي ” أو ” قرض الإنقاذ الإخشيدي ”  فهو الأمل الذي مازالت تعيش به هذه الحكومة و الرئيس من ورائها ، قبل أن يثور الشعب من جديد و هو يرى كل يوم مواد رئيسية تختفي من الأسواق و يرى قدرته تنهار و أحلامه تتلاشى …

و لكن لا أحد فكّر في أن يُطلِع هذا الشعب – الذي يريد و يعرف ما يريد – على فحوى المفاوضات و بنود الاتفاق و خاصة مدى تأثيره – إن حصل – على حياتنا و معيشتنا و قدرتنا الشرائية  مثلما لم يطلعنا أحد على بنود اتفاق قرض الصمود الغذائي و شروطه و نسبة الفوائد فيه و مدّة سداده ..

أين الشفافية و الوضوح ؟؟ لماذا تواصل هذه الحكومة (كالحكومات التي سبقتها) معاملتنا كرعايا لا كمواطنين ؟

و لماذا نتحدث عن قرض للصمود الغذائي بدل أن نتحدّث عن العمل لتحقيق الصمود الغذائي، و بدل أن نتحدّث عن زرع المساحات  المهجورة لتحقيق الصمود الغذائي، و بدل أن نبادر إلى تغيير نوع الزراعات  و إلى حسن الّتصرّف في الموارد المائية لتحقيق الصمود الغذائي

لماذا لا يبادر الرئيس إلى إصدار قوانين جديدة و هو يحكمنا بالمراسيم منذ أكثر من سنة تضمن النماء والتطوّر الاقتصاديين؟ لماذا لا يستعين بلجنة  تضمّ خبراء من الشبان ذوي النّظرة المجدّدة و التفكير البديل ورجالا ممن خدموا الدّولة في سابق الفترات و حققوا إنجازات مازلنا نعتمد بعضها كمرجعيات إلى اليوم، بدل الترويج لحلول شعبويّة  ليس لها من فائدة غير إثارة حقد السكّان على بعضهم البعض و لا يمكن أن تمثل حلولا حقيقية لوضعنا الاقتصادي فما نسبة العطور و مواد التجميل و أطعمة الحيوانات المستوردة  التي يقترح التوقف عن استيرادها من مجموع وارداتنا ؟ إنها لا تبلغ نسبة 1% من إجمالي الواردات …

و إن كنّا لا ننكر أهميّة الحلّ الحمائي في كلّ المجالات للحفاظ على العملة الصعبة و مراعاة ظروف البلاد وحماية المؤسسات التونسية،  فإنّ حلولا أخرى ممكنة هي أكثر جدوى و فاعليّة و لكنّها تحتاج شجاعة القرار والتنفيذ و كان بوسع الرئيس تطبيقها بما لديه من سلطات مطلقة تحت ظلّ حالة الاستثناء التي نعيشها، فبدل البحث عن الأموال المنهوبة في الخارج و هو ملف شائك يتطلب حله سنوات طويلة .. و بدل التركيز على الصلح الجزائي و هو ملف استهلكته  الحكومات السابقة و لم يعد تلك الدّجاجة التي تبيض ذهبا، لماذا لا يبحث الرئيس عن تغيير نمط الاقتصاد و فتح الأبواب في كلّ المجالات أمام المستثمرين الجدد؟ لماذا تبقى مجالات بعينها حكرا على عائلات و شركات دون سواها و لا يمكن لأي مستثمر جديد أن يفكّر مجرّد تفكير في اقتحامها أو الاقتراب منها ؟ لماذا تبقى الرّخص حكرا على أسماء بعينها و كراسات الشروط لا تتواءم بنودها إلا مع أسماء بعينها؟

إنّ أي تطوّر أو إصلاح للاقتصاد التوّنسي لا يمكن أن يتمّ دون محاربة هذه “الكارتيلات” التي تسيطر على مجالات بعينها ودون تغيير للقوانين التي وضعت على مقاسها لتجعلها دوما المتحكّم الوحيد في الأسواق

فهل يفعلها الرئيس و يغيّر قواعد اللعبة الاقتصادية بجرّة قلم أو بجرّة مرسوم  مثلما فعل مع قوانين اللعبة السياسية و الانتخابية ؟؟

أكمل القراءة

لمْسُ نار

بورصة التزكيات

نشرت

في

” –  يا محمّد ، يا محمّد قال لك الشّيخ إيجا صحح لي على التّزكية و جيب أولاد عمّك معاك راني معمّل عليكم و تفاهمت مع رئيس البلديّة باش غدوة يخصص لنا عون على ذمّتنا.

    – و الله سبقك الحاج عندو نهارين حكى معاي و مادام قصدني ما انّجمش نقلو لا ، ماك تعرف مزاياه مغرّقتنا عايلة كاملة

  – كيفاش عاد !، باش تنكر في عرشك و ماشي مع الحاج ؟ دبّر راسك مع الشيخ تعرف قدّاش غشو صعيب  ! … باهي يا صالح شوف لنا جماعتك خلي يجيوا يصححولنا ها الورقة باش نبداو الحملة متاعنا ، ماعادش عندنا وقت ..

 – جماعتي !! تحكي بجدّك ؟؟ ماهو في بالك ، أولادنا أكثرهم حرقوا ياخي شكون بقى فيه الدّوار ؟ و كانك على النّساء نهار خدمة عندهم ، شكون  اللي باش تسلّم في جورنيها و تجي معانا للبلديّة ؟ “

عبير عميش

هذا الحوار الذي قد يبدو لنا اليوم خياليّا أو حتى سرياليّا ، إلاّ أنّه بعد أسبوعين أو ثلاثة سيصير أصل الأحاديث و منتهاها و سيصبح الحوار الطّاغي في جلساتنا و مقاهينا و نوادينا و  محلاتنا و أسواقنا اليومية و الأسبوعية ،   بعد  نشر قانون  الانتخابات و فتح باب الترشّح للمجلس النيابي الذي سيتقلّص عدد قاطنيه من 217 نائبا إلى 161 نائبا فقط و بذلك تنخفض نسبة التمثيل النيابي نظريا من نائب لكل ّ 60 ألف ساكن تقريبا إلى نائب لكلّ  أكثر من 75 ألف ساكن   بعد أن تمّ تخفيض عدد الدوائر الانتخابية و دمج بعض المعتمديات مع بعضها البعض دون مراعاة لخصوصيات كل منطقة و نسبة حضور الجانب القبلي و العشائري فيها  و حتى عدد سكانها …أمّا واقعيا فالأمر غير ذلك تماما فبعمليّة مقارنة بسيطة نجد نائبا عن  دائرة تونس المدينة و باب سويقة  التي تعدّ 45 ألف ساكن  في حينّ أنّ منطقة  الحرايرية  التي تعدّ  119 ألف ساكن ستكون ممثلة  بمقعد واحد أيضا و نفس الشيء بالنسبة لدائرة بوعرادة و ڨعفورو الكريب و بورويس و العروسة من ولاية سليانة التي تعدّ 80 ألف ساكن  أو كذلك قرطاج و المرسى بـ 125 ألف ساكن ..

و لا يقتصر الأمر على التفاوت غير المنطقي في نسبة التمثيلية بين الدّوائر  إذ يطرح هذا القانون الانتخابي الجديد الذي أتى به سعيّد مسقطا كالعادة دون أي تشاور مع الأحزاب أو المنظمات و دون اعتبار لمواقف مسانديه قبل معارضيه ، إشكاليّات عديدة  و من أبرزها موضوع التزكيات و ما فيه من تكريس للبيروقراطية المقيتة ففي الوقت الذي يطالب فيه المواطنون بتفعيل المنظومات الالكترونية و الاستغناء عن الأوراق و الصفوف الطويلة في الإدارات يأتي هذا القانون ليعطّل شؤون المواطنين العاديين في انتظار انتهاء أصحاب التزكيات من وضع إمضاءاتهم …و لنتصوّر مثلا منطقة سيترشح عنها 5 أو 6 متنافسين فقط  ألا يعني ذلك الحاجة إلى 2000 أو 2400 تعريف بالإمضاء في كلّ دائرة ؟ هذا في أفضل الأحوال … ثمّ أ لا يعني ذلك تعطّل أعمال الممضين أيضا بسبب طوابير الانتظار ؟ أ لا يكون ذلك مطيّة لشراء التزكيات بتعويض صاحب التزكية عن غيابه عن عمله ؟ و من أدرانا أيضا أنّ البعض و لتعطيل ترشّح بعض المتنافسين لا يمضي في تزكيتين لشخصين مختلفين ليتسبب بذلك في إسقاط ترشّح المنافس …

 إنّ نظاما انتخابيّا كهذا لن يستطيع الفوز فيه إلا أصحاب الأموال الطائلة أو وجهاء العروش الكبيرة  (خاصّة بعد التنصيص على الاعتماد كلّيا على التّمويل الذّاتي و التمويل الخاص و حذف التمويل العمومي)  أو المنتمون إلى أحزاب قويّة و منظمة و مهيكلة و ممتدّة في العمق التونسي و في الوقت الحالي و بعد اهتراء الأحزاب و حتى تآكل بعضها من الدّاخل ، فإنّ أقدر حزبين على تجميع التزكيات أوّلا و على الفوز بمقاعد برلمانيّة ثانيا  هما حزب حركة النهضة و الحزب الدّستوري الحرّ (إن تراجعا في موقفهما من مقاطعة الانتخابات) نظرا إلى عدم توقفهما عن النّشاط و مواصلتهما  العمل الميداني و الاحتكاك بالنّاس.   

و لعلّ من أخطر الإشكاليات التي يطرحها هذا القانون الجديد هو تنمية روح العروشية و الولاء القبلي و العائلي و تغذية النّعرات الجهوية  التي ما فتئ المجتمع التونسي يحاول التّخلّص منها منذ عقود، وكذلك منع أصحاب الجنسيات المزدوجة من الترشح في دوائر الداخل و السّماح بذلك في دوائر الخارج …وهو إجراء ينسف مبدأ المساواة و يحرم مواطنين تونسيين من حقوقهم السياسية والمدنية، إضافة طبعا إلى ما فيه من إقصاء للنّساء و الشباب  من بلوغ  المجلس النيابي و هو ما يتعارض مع فصول الدّستور و خاصّة الفصل 51 من الدستور الجديد الذي يؤكد على التناصف …فليس للمرأة في قانون 15 سبتمبر  من قيمة إلا في مرحلة التّزكيات في حين تمّ إلغاء كلّ الضمانات القانونيّة التي تحقق لها تمثيلية محترمة داخل مجلس النّواب و تمّ  تجريدها من كلّ الآليات التي تشجعها على المشاركة في الانتخابات و في الحياة السياسية عموما…

و في صورة غياب الأحزاب  فإنّ الانتخاب على الأفراد سيعطينا مجلسا  منقسما غير متجانس لا هويّة له و  يصعب فيه التنظم في كتل برلمانية واضحة و سيفقد دوره و وظيفته التشريعية الوطنيّة، إذ سيحرص كلّ مترشّح على تقديم برامج محلية جهوية دون رؤية شاملة …فكل نائب سيحاول إرضاء ناخبيه من سكان ناحيته حتى لا تسحب منه الوكالة… هذا الإجراء الذي يمكن  أن يجعلنا في حالة انتخاب دائم و سيكون سيفا مسلطا على رقاب النواب ويقصر محاسبتهم على ناخبيهم فقط (في حدود دائرتهم الانتخابية) دون أن يكون لباقي الشّعب حق محاسبتهم… سيكون مجلسا صوريّا ، مجلسا ضعيفا متشظّيا دون رؤية استشرافيّة، مجلسا خاضعا للسلطة التنفيذية لا دور له إلا المصادقة على مشاريع الرّئيس و مراسيمه دون قدرة على الحشد و التجميع من أجل التّصويت على مشاريع مغايرة أو قوانين مختلفة… و سيكرّس المجلس بهذه الصورة – قبل أن ينضاف إليه مجلس الجهات و الأقاليم الذي سيزيد من تقزيم دوره –  فكرة الزعامة المطلقة لرئيس الجمهورية الذي يبقى دوما خارج مجال المساءلة و المحاسبة.

أكمل القراءة

صن نار