تابعنا على

منبـ ... نار

مفارقات تونسية[1]: تساؤلات حول الشعبوية وعقلية المؤامرة

“الاعتقاد في نظرية المؤامرة… أخطر مؤامرة !”

نشرت

في

Dossier – Montée des risques et populisme - Revue Risques

ما هي الشعبوية؟ ما هي أهم سمات الخطاب الشعبوي؟ أين ومتى ظهرت؟ لماذا تزدهر في أوقات معيّنة؟ لماذا يركز الشعبويون على نظريات المؤامرة؟ ما هي أشهر نظريات المؤامرة؟ ما مدى صحة القول بوجود المؤامرات؟ ما هو الموقف الملائم إزاء ما ينتشر في تونس وفي العالم من نظريات المؤامرة؟

د. مصطفى الشيخ الزوالي

برزت الشعبوية في فترات تاريخية مختلفة وهي مرتبطة بالتحولات المتسارعة والأزمات الكبرى، سواء كانت أوبئة أو أزمات اقتصادية.، مثال ذلك مع الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 1929 حيث ظهرت الشعبوية في شكلها الفاشي مع موسوليني في إيطاليا وهتلر في ألمانيا وفرانكو في إسبانيا… مع الأزمة المالية الكبرى لسنة 2008، وإلى الوقت الحاضر، مرورا بأزمة الكوفيد 19، عرفت الشعبوية رواجا كبيرا في بقاع مختلفة من العالم:  في الولايات المتحدة الأمريكية مع ترامب ، في روسيا مع بوتين، في فرنسا مع حزب الجبهة الوطنية لمارين لوبان، وفي المجر، اليونان… إلخ.

من أهم ما يميز خطاب الشعبويين عموما، أنهم يدعون تمثيل مصالح الأغلبية الشعبية ضد النخب، وسواء كانوا في الحكم أم خارجه، فهم يتخذون من شعار “محاربة الفساد” محورا أساسيًا في مواجهة “خصومهم” من النخب المعارضة أو الحاكمة المنفصلة عن مشاكل السكان. من أقوال أشهر الشعبويين : «تحتاج بلادنا إلى  قائد عظيم… أنا الوحيد القادر على إصلاح نظام الخراب في واشنطن” (ترامب)، “نحن الشعب. من أنتم؟” (اردوغان). “سنجعل ألمانيا عظيمة مرة أخرى” (هتلر)

أما نظريات المؤامرة فهي كذلك، عادة ما تزدهر في وقت الأزمات والأحداث الاجتماعية الصادمة المؤثرة والضخمة (الاغتيالات، الحروب، الأوبئة، الأزمات الاقتصادية، الثورات….) وهي تزدهر بسبب ميل الناس في السياقات المذكورة إلى افتراض الأسوأ، كما تستند إلى الغريزة القديمة التي تنزع على تقسيم العالم إلى فئتين: نحن و هم.

تتعدد الأخبار التي يصدقها بعض القائلين بنظريات المؤامرة مثل التشكيك في “النزول على القمر”  والقول بأن “العلماء يكذبون على الناس” وما قيل حول هجمات 11 سبتمبر  2001، مقتل الأميرة ديانا، اغتيال جون كينيدي، كوفيد-19، إلخ [2]… سأكتفي هنا بتقديم رأيي في نظرية المؤامرة فيما يتعلق بالمثال الأول، باعتباره من المسائل التي باتت محسومة بالنسبة إلى كل من يؤمن بالعلم وبقدرة العقل على التمييز بين العلم والخرافة. لكن رغم ذلك لا يزال هناك من يؤمن بان “الأرض مسطحة” ولا يتردد في التصريح بذلك، لأن السياق الراهن يشهد تراجعا كبيرا عما تحقق من انتشار للأفكار العلمية والنظريات الفكرية التي حررت الانسان من الخرافات والشعوذة والكثير من المعلومات الخاطئة. وهنا نتساءل: هل من قبيل الصدفة أن تنتشر عقلية المؤامرة كلما  زادت نسبة التخلف في بلد ما وزادت معه  التفسيرات الخرافية والتآمرية.

بالنسبة لنظريات المؤامرة التي تتعلق بمسائل مثيرة لجدل طويل يصعب حسمه، أشير إلى أنه يمكن تصنيف المواقف الموجودة في كل مجتمع، إزاءها، إلى ثلاثة أنماط كبرى: القبول المطلق/ الرفض المطلق وموقف ثالث هو الأقرب إلى الصواب في كثير من الحالات، حيث لا يمكن، إذا سلمنا بتعقد الظواهر الاجتماعية والتاريخية، وسلمنا بقدرة البشر، أفرادا وجماعات، على بناء واقعهم وصناعة مستقبلهم، أن نسلم بوجود مؤامرات شاملة محركة لكل الأحداث في مجتمع معين، أو في العالم بأسره. ما يمكن أن نقر به هو خطط واستراتيجيات لجماعات متنوعة من أصحاب النفوذ والمصالح في الداخل والخارج، تتحرك في اتجاهات مختلفة وتتصارع فيما بينها ويسعى كل منها إلى ضمان هيمنته ومصالحه بطرق مختلفة تنفيذا لمخططاته ورهاناته، كلما سنحت الفرصة لذلك وقد ينجح كل منهم أو بعضهم، بدرجات متفاوتة في تحقيق مآربه، لكن دون أن يعني ذلك طبعا التحكم الكامل في كل الظواهر والأحداث.

من المعطيات والحجج التي يمكن تقديمها في بناء الخطاب المناهض لعقلية المؤامرة وكل خطاب شعبوي:

  1. نظريات المؤامرة، كغيرها من الأفكار التبسيطية للوقائع والظواهر، موجودة منذ القدم وفي كل المجتمعات، لكن اليوم مع وسائل التواصل الحديثة، تمكنت من الانتشار السريع ويسّرت لأصحاب العقول المتماثلة أن يترابطوا وينشروا أفكارهم وبالتالي تراجع دور النخب في التأثير على مجريات الأمور في المجتمعات. لقد تطورت “صناعة التلاعب بالجماهير” وأصبح انتشار المعلومات المضللة والمعلومات الخاطئة ممكنا إلى حد كبير جدا.
  2. التسليم المطلق بنظريات المؤامرة التي يعتمدها الشعبويون، يعني إقرارا بأن غالبية أفراد المجتمع، دون إرادة حرة، لا يملكون مصيرهم وغير قادرين على تغيير واقعهم بأنفسهم، هم في حالة “قصور” و “عجز”، ينتظرون مساعدة البطل الشعبوي الذي سينقذهم من “فساد المتآمرين”.
  3. في سياق السلط التي يمنحها البطل الشعبوي لنفسه” كمنقذ تاريخي للوطن”، تحت شعار “تحقيق إرادة الشعب”  يمكن أن يتم التراجع عن كثير من الحقوق الأساسية  كحرية الرأي والتعبير وتكوين الجمعيات وقد تفقد المؤسسات الديمقراطية دورها في تنظيم الحياة السياسية وتكثر التجاوزات لمبدأ الفصل بين السلط الثلاث، ومبدأ المساءلة القانونية .
  4. الشعبوية تميز بين الناس وتقسّمهم إلى “نحن” و”هم”، “الأخيار والأشرار”، “صالحين وفاسدين”،  “مع الشعب وضد الشعب”، وهذا يمس من حق عديد المواطنين في المشاركة في إدارة الشأن العام ويتعارض مع مبادئ مثل عدم التمييز واحترام التنوع والإدماج وعدم الإقصاء والتهميش

وأختم برواية حادثة عشتها شخصيا في التسرع بالإقرار بنظرية المؤامرة، إلى حين معرفتي بحقيقة الأمر مؤخرا وهو ما دفعني إلى كتابة هذا النص : كشف دليل التوجيه الجامعي لسنة 2009 ، أن وزارة التعليم العالي قد اتخذت قرارا بدمج الإجازتين الأساسيتين في التاريخ والجغرافيا في إجازة واحدة.  كما ألغت “الإجازة الأساسية في علم الاجتماع”. من الآراء والكتابات التي اطلعت عليها في سياق التفاعل مع القرار المذكور، أن تلك القرارات جاءت في “إطار تطبيق منظومة إمد” ولها “مقاصد مباشرة” وأخرى “خفية“. أما “المقاصد المباشرة” “فهي “استهداف الكليات العريقة التي تُدرّس التاريخ والجغرافيا والمعروفة بتمسكها بالمبادئ السامية للتعليم العالي وتسيير المؤسسات الجامعية وبالحريات الأكاديمية والاستقلالية الفكرية والتي كثيرا ما يكون أساتذتها سباقين في معارضة السياسة المسقطة والقرارات الزجرية والفوقية للوزارة… أما المقاصد الخفية فهي  لتهميش التكوين الأساسي في الجامعة التونسية وتنفيذ مشروع القضاء على علوم الإنسان والمجتمع في إطار منظومة تربوية معولمة وتقسيم دولي للأدوار لا يسند منها لبلدان العالم الثالث إلا دور مستهلك الأفكار والقيم التي تنتج وتصاغ في البلدان المهيمنة…” [3] وغير ذلك من الخطاب الذي تبنّيتُه حينها ولم أشك لحظة في وجود مؤامرة ، وطنيا ودوليا، وراءه .

ما من شك في صحة القول بوجود منظومة رأسمالية عالمية لتقسيم العمل، وهي ترجع في نشأتها، إلى أكثر من أربعة قرون[4]، موظفة مجلوبات العلوم والتكنولوجيا لتجدد نفسها وتضمن استمرار هيمنتها على العالم، وما من شك أيضا في تراجع الاهتمام بالعلوم الاجتماعية بداية من تسعينات القرن الماضي في عديد الدول، لكن واقعيا، لا علاقة مباشرة لكل ذلك بما حدث في تونس سنة 2009 ولا صلة مباشرة له بأية مؤامرة لا دولية ولا وطنية. فقد علمت مؤخرا عبر أحد أصدقائي، ممن كان مطلعا على دواليب وزارة التعليم العالي، بخبر الحادثة التي وقعت زمن حكم بن علي، بين وزير تعليم عال وعميد لإحدى الكليات بالعاصمة، حيث لاحظ الوزير خلال زيارته للكلية لائحة نقابية معلقة ببهو الكلية متضمنة لتشهير بسياسة وزارة الإشراف ودعوة للإضراب. فطلب من العميد إزالتها، رفض العميد ذلك، فنشأ حوار ساخن بين الطرفين أصر فيه كل منهما على موقفه. ويبدو أن الوزير لم ينس تلك الحادثة التي أثارت غضبه، إذ تبيّن لاحقا أنه تدخل في عمل إحدى لجان التأهيل الجامعي القطاعية قُبيل إصدار دليل التوجيه الجامعي2009، بفرض مجموعة من “القرارات الانتقامية” ظهرت جليا في دليل قائمة الشعب التي تضمنها دليل التوجيه الجامعي لتلك السنة [5].


[1]   سبق أن نشرنا بجلنار أربع “مفارقات تونسية”، تحمل العناوين التالية:  

“تساؤلات حول الديمقراطية والانتخابات في تونس اليوم”

” تساؤلات حول دور النقابات في تونس زمن الانتقال الديمقراطي”

 “الجدل المتجدد حول التعليم النموذجي في تونس”

و”تساؤلات حول اختبارات مناظرتي (السيزيام” والنوفيام) في تونس”

[2]  انظر قائمة نظريات المؤامرة بموسوعة ويكيبيديا

[3]  دون اسم للكاتب، جريدة “الطريق الجديد” التونسية عدد 145 الصادرة يوم 12 سبتمبر 2009، ص5

[4] كما علّمني ذلك جيدا الأستاذ فرج اسطنبولي، في إطار شهادة علم اجتماع التنمية سنة 1990

[5]  كان للوزير نفسه موقف غاضب أيضا من عميد آخر، رفض الانصياع إلى قبول قائمة من 7 طلبة أمر الرئيس السابق زين العابدين بن علي بترسيمهم بكلية الطب بتونس، كما تعوّد أن يفعل سنويا، لكن العميد رفض ذلك وفضح الأمر عبر تعليق القائمة الاسمية للطلبة السبعة الذين تم رفض تسجيلهم( مع ذكر معدلات نجاحهم في الباكالوريا.)

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

منبـ ... نار

تكريما لروحك يا “جاد”… أعلِنُك رئيسا رمزيا

نشرت

في

Ouvrir la photo

توفيق العيادي:

كان جاد نصيرا للمرضى والعجّز والفقراء ولم يطلب يوْما نصرتهم لكسْب أو منصب أو مغنمٍ له، وقد هبّ الناس لتوديعه لأنهم أحسّوا فعلا بعظيم خسارتهم في موته.

Ouvrir la photo
توفيق العيادي

لم أعرف جاد الهنشيري إلا عن طريق الصدفة ومن خلال برامج تلفزية دُعِيَ لها ضيفا كممثل للأطباء الشبان، ولم ألتقه مطلقا، فقط استمعت إليه أكثر من مرّة وهو يُلقي بهمّه الذي هو همّ الفقراء على مسامع التونسيات والتونسيين، ويقطفُ من روحه أمَلاً يُرسِله لهم جميعا درْءً لأحزانهم التي فاقت كل معايير القيس وأدوات الأكيال والأوزان، وثـقُـل عليْهم حِمْلُ الهموم التي ناءتْ بها الأعناق، والمرارة على محيّا جادٍ بادية لا تُخطئها العين ويتدفّق الصدّق من بين موجات صوته المَغْصوص كَغُصَصِ كل الشباب الحالم على هذه الأرض، ولا تخلو غصّة جاد من معنىً يؤطّره مبدأ أساسيّ يشُدّ الحلم وينير الطريق ويُحفّز على المسير وتجشّم الصّعاب، مبدأ فحواه أنه : ” بمقدورنا أن نكون أفضل .. يجب أن نكون أفضل”، رغم الاستهجان والاعتراف بحجم الفساد الذي نخر معظم القطاعات والفئات في هذا الوطن.

لكَمْ نحن في حاجة ماسّة إلى شابّ جادٍّ كما “جاد” يتوهّج عزما وحبا وصدقا، ولسنا في حاجة إلى “عـتْـڤـة” قديمة كما بعض من فاق السبعين وغنِم من العهديْن ويريد اليوْم أن يستزيد … مات “جاد” رحمه الله وأغدق على أهله وصحبه الكثير من الصبر والسّلوى. لكنّ القِيَم التي حملها جادّ وحلُم بها وحمّلها لمنْ بعْدِه من الصّحْب والرّفقة، لا تزال قائمة، فأمثال جاد من الشباب الأوفياء والخلّص للوطن بكل مكوّناته سيّما البسطاء منهم، موجودون بالعشرات، بل بالآلاف وفي كل ربوعه، وما على الوطن إلاّ أن يَجِدّ في طلبهم والبحث عنهم وأن يُصدّرهم مواقع الريادة والقرار ،وإن حَجَبَهُمْ عنّا تعفّـفهم،

إذا كنا نريد فعلا المضيّ في الطريق المفضي إلى المشروع الحرّ وجبَ أن نغادر خصومات كسب العواطف واِستمالة الأهواء ونعراتِ التحامق، ونمضي في تسابق نحو كسب العقول وتهذيبها وتنظيفها من كل الشوائب العالقة بها لعهود .. ولذلك أقول للمشتغلين بالسياسة والمتكالبين على استدرار الشعب لتدبير شأنه العام والاستحكام برقابه، إن السياسيّ الناجح هو الذي يُبينُ للناس ما فيه من فضائل وما هو عليه من إقتدار وليس نجاح السياسي رهين عرض نقائص الخصم والتشنيع عليه وتعظيم مساوئه وإن كان له فيها نفع.

ونذكّر السياسي أيضا أن الجدارة بالحكم لا تتوقّف عند حدّ الفوز بالتفويض من الإرادة الشعبيّة عامة كانت أو مطلقة، كما أن النوايا الطيّبة لا تكفي لمزاولة السلطة، بل يبقى صاحب السلطة في حاجة إلى تأكيد شرعيّته بحسن إدارة الحكم الذي ينعكس وجوبا على أحوال الناس، وهذا لا يتمّ لهم بواحدٍ بل بكثيرين ومن أمثال “جاد الهنشيري” تضحية وصدقا ومروءة …

رحل جاد وبقي أثره فينا، وتكريما لروحك يا “جاد” واِنحيازا لكلّ قيَمِ الجدارة والصدق والإنسانيّة والجدوى، والتي مثّلتها باقتدار، أعْـلِنُـكَ “رئيسا” رمزيّا وشرفيّا بالغياب لهذا الوطن الحزين … ليطمئن السياسيون، فـ”جاد” لن ينهض من غيبته الأبديّة، وستكون قيمه تقضّ مضاجعكم كلّما اجتمعت لشخصٍ خشية أن يُبعثر حسابات الرّبح مِمّا تمِزّون من دماء الوطن.

أكمل القراءة

منبـ ... نار

هل تتخلص تونس من مكبلات صندوق النقد الدولي و تبحث عن مصادر بديلة؟ (2)

نشرت

في

Compétitivité des exportations en Afrique : La Tunisie classée 2 ème -  Tunisie

عرفت تونس أزمات اقتصادية ومالية متفاقمة بعيد ثورة 14 جانفي، وتتالت هذه الأزمات و امتدت آثارها السلبية الى اليوم رغم القطع مع المنظومة البائدة إثر حراك 25 جويلية.

فتحي الجميعي

إلا أن الانتهازيين و أصحاب المصالح والسابحين عكس تيار النهوض بالبلاد عطلوا عملية الإصلاح وعملوا على إفشالها وذلك بكل السبل، فبقيت تونس رهينة الديون المتراكمة والمجَدْولة، وسياسات الجذب الى الخلف كالتهريب والمضاربة وتبييض الأموال. غير أن الإرادة الصادقة، والإيمان القوي بضرورة تغيير حال البلاد إلى الأفضل جعلها لا تنحني إلى الابتزازات، ولا تخضع للشروط.

فرغم توصلها في أكتوبر 2022 الى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي تحصل بموجبه على تمويل بقيمة 1.9 مليار دولار، لكن الاتفاق النهائي تعثر تحت طائلة الشروط القاسية كرفع الدعم، خفض الأجور و بيع مؤسسات عامة متعثرة. ولم يقف الأمر عند ذلك الحد بل تم وضع تونس ضمن القائمة السلبية لأول مرة من قبل هذا الصندوق، الأمر الذي صعب على بلادنا النفاذ الى الأسواق المالية العالمية.

وتفاديا للوقوع في صدمات اجتماعية واقتصادية، نجحت تونس بفضل تطور صادراتها، وعائدات السياحة، وتحويلات التونسيين بالخارج، وتنويع شركائها التجاريين إضافة إلى اعتمادها على الاقتراض الداخلي، والاكتتابات المتتالية لدى بورصة تونس، وانخراط التونسيين في هذه العملية، وهو نوع من الوعي الوطني والدفاع عن حرمة تونس، و نتيجة لذلك تحقق توازن مالي لدى البلاد هذا من ناحية، و من ناحية أخرى أعطت درسا لصندوق النقد الدولي بإمكانية التخلي عن خدماته عند الاقتضاء وخاصة عند المساس بأمنها القومي.

ورغم أن الفضاء الطبيعي  لتونس هو الفضاء الإفريقي والعربي والأوروبي باعتبار أن ثلثي المبادلات التجارية معه، إلا أنها عبرت عن انفتاحها على كل الفرص التي تمكن من تسريع وتطوير مناخ الأعمال ونسق النمو في اشارة إلى مجموعة “البريكس”.

إن تونس  مازالت منفتحة على الحوار مع صندوق النقد الدولي لكن دون إملاءات أو شروط تهدد السلم الاجتماعي. وإن تعذر ذلك فتونس مستعدة للانضمام الى بريكس للحصول على التمويلات اللازمة.

أكمل القراءة

منبـ ... نار

هل تتخلص تونس من مكبلات صندوق النقد الدولي وتبحث عن مصادر بديلة؟

نشرت

في

تونس-صندوق النقد الدولي: السلطات التونسيّة تلتزم باحتواء كتلة الاجور في  حدود 15 بالمائة من الناتج في 2022 - إدارتي

رغم الصعوبات الاقتصادية والمالية التي تفاقمت لأسباب معلنة وأخرى مجهولة، ما تزال تونس صامدة ورافضة لشروط صندوق النقد الدولي، موفية بالتزاماتها المالية تجاه دائنيها إذ بلغت نسبة خلاص الديون إلى موفى شهر جويلية 2023 48%. فهل يؤشر هذا على إرادة من تونس للتخلص من هيمنة القطب الواحد وانفتاحها في تعاملاتها المالية و التجارية على أسواق جديدة؟

فتحي الجميعي

يتأهب العالم لإرساء نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب بعد إزاحة نظام القطب الواحد والمتمثل في الهيمنة الامريكية المطلقة على جميع القطاعات ومعظم الدول وحليفها الاستراتيجي الاتحاد الاوروبي. وقد ساهمت الحرب الروسية- الاوكرانية الى حد بعيد في ظهور قطب اقتصادي وعسكري جديد، خاصة بعد بداية التقارب الروسي-الصيني والمضي قدما في تركيز “بركس” بنك التنمية الجديد والمكون من أسماء الدول الأكثر نموا اقتصاديا بالعالم وهي البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب افريقيا.

وقد اتفق رؤساء هذه الدول على مواصلة التنسيق في أكثر القضايا الاقتصادية العالمية الآنية، وتتالت اللقاءات على المستوى الأعلى لزعماء دول البركس BRICS منذ سنة 2008 قصد مزيد التشاور والتنسيق، وتواصلت الى سنة 2023 مع العلم ان مساحة هذه الدول تمثل 40% من اليابسة وعدد سكانها يقارب 40% من سكان العالم.

و بالعودة إلى تونس و رغم توقيعها مع الاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم لإرساء شراكة استراتيجية و شاملة، والتزام هذا الأخير بمساعدتها على بناء نموذج تنمية مستدام و غير إقصائي، و دعم ميزانيتها بمبلغ سيمنح كاملا بعنوان سنة 2023. وامام انفتاح روسيا على رفع نسق التبادل التجاري بينها ودول المغرب العربي، واعتماد مصر كبوابة لتنمية هذا التبادل مع اعتماد العملات المحلية بديلا عن الدولار، وإعراب تونس عن استيراد الحبوب من روسيا باسعار تفاضلية والتزام هذه الأخيرة بتسهيل المعاملات وتنشيطها هذا من ناحية، و من ناحية أخرى وبحصول الجمهورية التونسية على قرض ميسر بقيمة 1200 مليون دينار ومنحة بقيمة 300 مليون دينار من السعودية وسعيها إلى رفع قيمة صادراتها وفي مقدمتها مادة الفوسفات. هل تتخلى عن التعامل مع صندوق النقد الدولي في انتظار ارساء بركس وبداية التعامل معه كشريك اقتصادي ومالي؟ …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

صن نار