تابعنا على

جور نار

مولاي، ألا يجب أن تعترف … أنك اضفت خرابا على الخراب ؟

نشرت

في

مولاي أمير المؤمنين،

تعال نعرف حقيقة ما نحن عليه ومن أوصلنا إلى ما نحن فيه…ألست أنت من أعلن الحرب على الجميع منذ جلوسك على العرش؟ ألست انت من لم يكتب خطابا واحدا يوحّد الأمة حوله، وحول مصير واحد يجمعها…

محمد الأطرش Mohamed Alatrash
محمد الأطرش

فمن غيرك اوصلنا إلى ما نحن فيه؟ الست ساكن القصر الأكبر من قصور الحكم؟ الست انت كما يقال ويقول ويزعم أتباعك وكل من يفقهون معنى الدولة، الست أنت رمز الدولة؟ اي نعم رمزها وقائدها… ألا يجب ان يكون رمز الدولة قائدا… موحّدا… جامعا… محتضنا للجميع تحت خيمته، فلماذا نبحث عن خيمة أخرى نجتمع تحتها لتحمينا من التشتّت والانقسام والفتنة وأنت خيمتنا التي نستظلّ بظلها من شمس أزمة حارقة؟ الست انت خيمتنا التي كنّا نظنّ أنها ستجعلنا جسدا واحدا نحارب الأزمة ونصلح حال البلاد ونسعد العباد؟

مولاي،

 لنعترف أولا أنك أخطأت في كل ما أتيت وفي كل حساباتك، قد يكون من هم حولك سببا في هذه البليّة، وقد يكون جهلك بحقيقة وضع البلاد وواقع الحكم هما أيضا سبب سلوكك العدائي المجانب للصواب، وقد يكون حلمك غير المنطقي لدولة على مقاس احلامك وأحلام أفلاطون، سبب استعدائك لجميع من شاركوك الحكم ومن حكموا الدولة قبلك، ولا غرابة أن تكون غيرتك من تاريخ بورقيبة وسجله، ونجاح بن علي ومسيرته رغم أخطائهما في الجانب السياسي سببا في ما أخطأت فيه، قد يكون… وقد يكون، لكن في الأخير أنت من سيتحمّل لوحده تبعات أخطائه وما سيكون، ووحدك من سيكتب التاريخ انه فشل في قيادة الامة إلى شاطئ الأمان…ووحدك من سيكتب التاريخ أنه لم ينجح في أي أمر أتاه من أجل بلاده وشعبه…

مولاي،

 لنعترف ثانيا أنك كنت تبحث عن الاستحواذ على كل مفاصل الحكم منذ جلوسك على العرش…ولنعترف أيضا أنك فعلت كل ما يجب لتصل إلى ما نحن فيه اليوم…الست أنت من أتى بالفخفاخ فخسرنا قرابة السنة نحاول الإفلات من الفِخاخ، وعشنا في خصام وعراك وتخبّط بلا موجب…ألست أنت من أتى بالمشيشي بعده ثم زرعت في طريقه كل الألغام فلم يتقدّم خطوة واحدة إلى مرفأ النجاة والسلام…ألست انت من رفض له تعيين بعض كفاءات دولة بن علي خوفا من أن ينجح في ما أخفق فيه الفخفاخ قبله ويقطع الطريق أمام تفعيلك للفصل الذي يسمح لك بالحكم منفردا مستبدا بالرأي والقرار، ألم نكن جميعنا نبحث عن الخروج من الأزمة فكيف نقطع امام من يعمل من اجل ذلك الهدف الطريق ولأية غاية نفعل ذلك؟؟ ألست انت من رفض للمشيشي كل تحوير وزاري فتركته يعمل بحكومة عرجاء مبتورة الذيل وبعض الأرجل…قد يقول بعض رجالك واتباعك وزبانيتك “أأصبحت اليوم يا هذا تدافع عن حكومة المشيشي؟” وسأجيب وبكل غرور أنا أكثر من عارض حكومة المشيشي ورفاقه الأغبياء…بشهادة المشيشي والبعض من رفاقه الحمقى…

مولاي،

تعال نحاسب بعضنا البعض عمّا اتيناه وفعلناه من أجل هذه البلاد وهذا الشعب وأنت أولى بالحساب والعتاب من الشعب…ألم تبحث عن ذرائع لتفعيل الفصل 80 من الدستور؟ ألم تترك المشيشي وحكومته يحاربون وباء “الكوفيد” مجردين من كل اسلحتهم، ثم وبعد أن استحوذت على الحكم منفردا جاء كل الدعم من الاشقاء والاحباب…وتحركت “ماكينة” الدعم الخارجي من الأصدقاء والاصحاب، ألم يكن من الأجدر أن تتحرك “ماكينة” الدعم الخارجية منذ يوم غزو الوباء، وانت الذي يشرف عليها وعلى من فيها؟

مولاي،

تعال لنعترف ثالثا أنك اصطنعت حروبا واهية لا موجب لها فحاربت الاحتكار ولم نر شيئا مما أوهموك كما كنّا نظنّ…حاربت مجلس النواب بمن فيه وعرفنا غايتك يوم الخامس والعشرين من شهر جويلية الحزين…أعلنت الحرب على الفساد ولم تجد فاسدا واحدا تدخله السجن…أعلنت الحرب على خصومك فملأت الإقامات الجبرية بهم فخرجوا وكأن شيئا لم يكن، أبرياء من كل ما كنت وكنّا نظنّ…خسرت كل حروبك ولم تنجح في إصلاح حالنا وحال البلاد…ألم يحن الوقت لنقول “أين نحن سائرون؟”…ألم يحن الوقت لنقول لك نحن الشعب ” إلى اين تأخذنا مولانا؟؟”

مولاي،

تعال نتحدث عن مشروعك السياسي الذي تريد فرضه على البلاد والعباد…ألم تفشل استشارتك؟ ألم يقاطع شعب الأحزاب استشارتك؟ ألم تعارض الأحزاب استشارتك؟ فعن أي شعب تتحدث حين تصرخ في كل خطبك “الشعب يريد” ألا يجب أن نعترف اليوم أن الشعب لا يريد ما تريد ولن يقبل ابدا بما تريد حتى وإن حكمته غدا بيد من حديد…

مولاي،

ألم تعلن الحرب على الأحزاب فكيف ستضمن مبايعة شعب الأحزاب وأنت تهددهم كل لحظة بالخراب…فمن أوصلك اين انت ومن اجلسك على عرش البلاد أليس شعب الأحزاب الذي أعلنت الحرب عليها ورفعت في وجوهها معاول ومراسيم الهدم والخراب؟ مولاي هل حقّا قادر أنت على إلغاء الأحزاب…وهي التي فتحت أمامك كل الأبواب…؟ لنعترف مولاي أنك خسرت كل معاركك وتسببت في جزء من كل هذا الخراب…كما وجب أن نعترف أنت أنك لم تجد جنّة موصدة الأبواب… ولنعترف نحن وأنت مولاي أنك أضفت خرابا على الخراب…

مولاي،

ألست أنت من اختار طالبتك ودللتها وبجّلتها وأكرمتها، وأغلقت في وجه غيرها من كفاءات البلاد كل الأبواب؟ فلِمَ تشتكي اليوم من غدرها وغدر جميع الأصدقاء والأحباب؟ مولاي ألم تتخلّص من كل من أوصلوك وفتحوا لك الأبواب؟ ألم تتنكر لجميل الحركات والمنظمات والأحزاب؟ فكيف اليوم تستغرب كل هذا الخراب وغدر الاحباب؟

مولاي،

يحاول اليوم اتباعك ايهامك بأن خصومك سيحرقون البلاد…ويجوّعون العباد…وأنت تعلم مولاي من يفعل كل ذلك ومن يصنع ويضمر للغد الأسباب…ألم يفعلوها يوم الخامس والعشرين من جويلية الحزين وفتحوا لك كل الأبواب…بما أحدثوه من خراب…ألم يصنعوا لك الأسباب…والذرائع وموجبات ما نحن فيه اليوم من خراب…؟ فلا تتبع أهواءهم مولاي…فهم زبانية الخراب…وافتح خيمتك لكل المنظمات والحركات والأحزاب…فدون ذلك لن يجني هذا الشعب غير الخراب…ولن ترث أجيالنا القادمة غير الأحقاد والخراب والعذاب…

مولاي،

اقرأ هذه القصّة وأعد قراءتها…مرّة وأخرى بعد الأخرى…فأنا أريد أن يحفظ أبناء فقراء هذا الوطن وجميعنا من الفقراء …أقول كم أتمنى أن يحفظ أبناء فقراء هذه الأرض ملامح وجهك ليشكروك يوم نلتقي جميعنا …يوم الحساب أمام صاحب الحساب…فاقرأ مولاي…اقرأ ولا تقل ما أنا بقارئ…

“سأل صحفي الملياردير النيجيري فيمي أوتيدولا في مقابلة هاتفية، “سيدي، ما الذي تتذكره والذي جعلك أسعد رجل في الحياة؟”

قال فيمي:

“مررت بأربع مراحل من السعادة في الحياة وفهمت أخيرًا معنى السعادة الحقيقية.”

كانت الخطوة الأولى هي تجميع الثروة والوسائل، لكن في تلك المرحلة، لم أحصل على السعادة التي أردتها وتمنيتها…ثم جاءت المرحلة الثانية من جمع الأشياء الثمينة، لكنني أدركت أن تأثير هذا الشيء مؤقت أيضًا، وأن وهج الأشياء الثمينة لا يدوم طويلاً…

ثم جاءت الخطوة الثالثة للحصول على خطط كبيرة، كان هذا عندما كنت أمتلك 95٪ من إمدادات “المازوت” في نيجيريا وإفريقيا، كنت أيضًا أكبر مالك سفن في إفريقيا وآسيا، لكن حتى هنا، لم أكن سعيدا كما كنت أعتقد وأتمنى…

كانت الخطوة الرابعة عندما طلب مني أحد أصدقائي شراء كرسي متحرك للأطفال المعوقين، وكان عددهم حوالي 200 طفلا…وبناءً على طلب الصديق، اشتريت الكراسي المتحركة على الفور…لكن الصديق أصرّ على أن أرافقه لأسلم الكراسي المتحركة للأطفال، فذهبت معه وهناك، سلّمت هذه الكراسي المتحركة لهؤلاء الأطفال بيدي، رأيت وهج السعادة الغريب على وجوه هؤلاء الأطفال، رأيتهم جميعًا جالسين على كراسي متحركة، يتجولون ويستمتعون…كانوا سعداء …كان الأمر كما لو أنهم وصلوا إلى مكان نزهة حيث تقاسموا الفوز بالجائزة الكبرى…حينها شعرت بفرح حقيقي بداخلي، شعرت بسعادة لم أعرفها من قبل ابدا… وعندما قررت المغادرة، أمسك أحد الأطفال بساقي…حاولت إفلات رجلي بلطف لكن الطفل نظر إلى وجهي وشد ساقي…انحنيت وسألت الطفل: هل تحتاج أي شيء آخر بُنيْ؟ الجواب الذي أعطاني إياه هذا الطفل لم يجعلني سعيدًا فحسب، بل غيّر أيضًا تمامًا موقفي تجاه الحياة، أتدري ما قاله لي هذا الطفل قال:”أريد أن أتذكر وجهك حتى أتعرف عليك عندما ألتقيك في الجنة وأشكرك مرة أخرى…أمام الله”

مولاي،

ألا تحفّزك هذه القصّة الواقعية لتكون مثل رجل الأعمال هذا؟ ألا يمكن أن تجعل أطفال فقراء هذا البلد يحفظون ملامحك ليشكروك يوم الحساب…؟ ألا يمكن أن تعيد كل حساباتك الخاطئة، وأنا أجزم أنها خاطئة، وتفتح خيمتك لكل أطياف هذا البلد؟ حفاظا على وحدة هذا البلد…درءا للفتنة بين أبناء هذا البلد؟ هل كان من الضروري ان تكون قاسيا مع شركائك مستعديا خصومك ومن أوصلوك إلى حيث أنت الى تلك الدرجة؟ هل كان يجب أن نضحي بتاريخ ومكتسبات البلاد لأنك لم تكن فيه ولم تكن من بُناته، لكي تبني تونس أخري موجودة في مخيلتك ومخيّلة زبانية تفسير مشروعك فقط؟ هل كان من الأسلم ان تبحث عن إقامة نظام على مقاسك، قاعدي الشكل، شمولي المحتوى، يعد على الناس أنفاسهم؟

مولاي،

الحكم الفردي التسلطي أو الدكتاتورية لا تبني وطنا ابدا… وإن كنت حقّا تريد ان تبني وطنا قويا عادلا ديمقراطيا فكيف تطالبنا في كل خطبك بالولاء الأعمى…كيف تطالبنا بأن نكون رهن استشارتك ورهن استفتائك ورهن انتخاباتك لنبايعك ملكا على البلاد والعباد…كيف تحارب خصومك وشعبك…كل شعبك، وتهدده بالويل والثبور إن فشلت استشارتك العرجاء وسقط استفتاؤك الغريب العجيب…المريب…؟؟

مولاي،

لا تفعل فغدا ينفضّون من حولك ويتركونك وحيدا… وقد نبكي، وتبكي غدا دماً على تونس التي أضعناها كما لم نُضِع وطنا…فتعال نحتفل غدا بوطن انقذناه معا…من أجل مستقبل احفادنا…غدا وبعد غد…معا…تعال نمسك يدك…وتمسك يدنا…من أجل أجمل غدنا…

أكمل القراءة
تعليق واحد

1 Comment

  1. نجاح

    7 مايو 2022 في 08:38

    ليته يطّلع على هذا الخطاب، ليته يعي أنّه حقّا يسيء إلينا جميعا.
    لِم هذا التّعنّت؟ لِم هذا الإصرار على الإساءة إلى توتس والتّونسيّين؟

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

“زيدها شويّة”… أو كيف نُواجه سعير الأرقام في تونس

(من خلال أمثلة حيّة)

نشرت

في

ذكّرني التغيير الذي حصل مؤخّرا على رأس المعهد الوطني للإحصاء (احتمالا على خلفية دكتاتورية الأرقام التي لا تُجامل ولا تُعادي) بجملة من الأحداث والوقائع التي عشتُها شخصيا في أكثر من موقع والمُثبِّتة لعقليةٍ تشكّلت في بلادنا منذ العهود السابقة.

منصف الخميري Moncef Khemiri
منصف الخميري

 مفادُ هذه العقلية  كسْر المحرار إذا باح بنتائج لا تتطابق مع انتظارات المسؤول السياسي، والهروب بصناديق الاقتراع عندما كان يتوقع طلبة التجمع الحاكم عدم الفوز  في انتخابات المجالس العلمية كما كان يحصل في الجامعة التونسية… وعقلية “زيدها شوية” هذه نجد لها أثرا أيضا في نسيج العلاقات الأسرية وفي تعاطي عموم الناس مع الظواهر المختلفة وتفاصيل حياتهم اليومية، لأن الترقيع في ثقافتنا أعلى صوتا دائما من المعالجة الجذرية لمصادر أوجاعنا، وآليات والتسكين والتخفيف والتليين والتقليل والتمسكين منوالٌ قائم بذاته في رُبوعنا.

فعلى سبيل المثال عندما يُنتهك حقّ البنت في الميراث، لا يُجمِعُ أغلب الناس على إرجاع الحق إلى أصحابه بل يجنحون إلى المحافظة على الوضع القائم مع إضافة جملة ترقيعية  “زيدها شوية ووخيّان كيف آمس كيف اليوم” … وعندما تعوجّ حيطان البنّائين المُبتدئين تجد دائما من يحاول التنسيب بشكل ماكر “ثمة شوية عوَج صحيح آما توة باللّيقة تتسوى” … وعندما يعجز بعض الأطباء عن تشخيص مرض ما بدقّة، يسقطون في ما يُشبه تقليعات التنمية البشرية  “والله ما عندك شيْ، المشكل الكل في راسك، عندك برشة هلواس. آقف قدام المراية وصيح مانيش مريض توة ترتاح”…

المثال الأول : نسب النجاح في السنة الأولى بكلية العلوم

في بداية الألفية الجديدة، طلب المسؤول الأول عن مكتب الدراسات والتخطيط والبرمجة التابع للديوان بوزارة التعليم العالي، من رئيس مصلحة متابعة النتائج الجامعية (السيد ت.ع وهو من روى لي تفاصيل الحادثة) مدّه بنتائج آخر السنة الجامعية بالنسبة إلى كلية العلوم بتونس، فلمّا لاحظ أن نسبة النجاح العامة (في كل الاختصاصات مجتمعة) تراجعت خلال ذلك العام من 33 إلى 27 % أشعل سيجارة وسحب منها نفسا عميقا كمن يبحث عمّا يُساعده على ابتلاع نسبة التراجع التي سيُسأل عنها أمام وزيره آنذاك…ثم قال له في شبه توسّل “لا شويّة بالكل سامحني سي فلان، من رايي تزيدها شوية”.

المثال الثاني : في نفس الوزارة

في 2007، عندما انطلق تطبيق منظومة إمد على مراحل وكانت شهادة الأستاذية ماتزال قائمة جزئيا ريثما تحلّ محلّها شهادة الإجازة، طلب الوزير من المدير العام للشؤون الطالبية مدّه بإحصائيات حول مدى إقبال التلاميذ الناجحين الجدد في الباكالوريا على الإجازات الجديدة مقارنة بإقبالهم على الأستاذيات. ولمّا كانت النتائج الأوّلية مؤكدة لتوجّه الناجحين في الباكالوريا أغلبيّا نحو اختيار شهادة الأستاذية بدلا من الإجازة الجديدة، وبالتالي مُخيّبة لآمال من كان يتوقّع أن “إصلاح إمد” سيُعطي أُكله مباشرة بعد الشروع في إنفاذه بما يبرّر وجاهة الاختيار وسلامته، تمّ التشكيك في سلامة الأرقام فأعيد الاحتساب من جديد لتستقر نتائجه على نفس ما عبّر عنه المسح الأوّل، فلم تبق لديهم أية ذريعة سوى تسجيل ذلك على حساب ضعف الإعلام وجهل الأغلبية الساحقة من الأولياء بمزايا النظام الجديد… “وعلى أية حال توة نزيدوها شوية نسبة الإقبال على الإجازات في التدخلات الإعلامية دون تقديم أرقام دقيقة حول المسألة” … كانت هذه هي الفتوى التي أوجدوها للخروج من المأزق.

المثال الثالث : مشاركة التلاميذ التونسيين في تقييم “بيزا”  الدولي

كانت تونس من أولى الدول العربية التي تشارك في البرنامج الدولي لتقييم الطلاب “بيزا”، وذلك منذ سنة 2003، وهو تقييم دولي لقيس قدرة الطلاب في سن 15 عامًا (أي نهاية السنة التاسعة أساسي لدينا) على استخدام معارفهم ومهاراتهم في القراءة والرياضيات والعلوم لمواجهة تحديات الحياة الواقعية كل 3 سنوات. سنة 2015 احتلت تونس المرتبة 65 على 70 دولة مشاركة في الاختبارات (رتبة تقاسمتها تونس مع لبنان ضمن هذا التقييم الذي شمل عيّنة من 540 ألف تلميذ من مختلف أنحاء العالم).

وبدلا من مُواجهة الأسباب العميقة التي أدّت إلى تصنيف تلاميذنا التونسيين في ذيل الترتيب العالمي وهو مؤشر تُنكّس له الأعلام الوطنية لأنه يعكس وضع الوهن الموجع الذي باتت عليه منظومتنا التربوية، اختارت دولتنا أن تُقاطع هذه المحطة التقييمية الكونية مُفرغةً المحرار من زئبقه وضخّه ضمن خطابها الرسمي القائل بأن المؤشرات التي ينبني عليها التقييم صُنعت على مقاس التلميذ الأوروبي والسنغافوري والياباني وليس على مقاس التلميذ التونسي الذي يدرس ضمن بيئة خصوصية ووفق برامج ومناهج خصوصية !

المثال الرابع : 0.4 نسبة نموّ ليست من شِيمنا

دوّن المؤرّخ الجامعي نورالدين الدڨي على صفحته الرسمية يوم 23 مارس ما يلي :

“المعلوم أن المعهد الوطني للإحصاء لا يستنبط الأرقام؛ وليس مطلوبا منه تزويقها؛ فمهمته حسب نصوصه الـتأسيسية : “جمع المعلومات الإحصائية الخاصة بالبلاد و معالجتها و تحليلها و نشرها بالتنسيق مع الهياكل العمومية الأخرى”، وما نشره المعهد مؤخرا عن نسبة النمو الاقتصادي بتونس لسنة 2023 التي حددها ب 4 .0 بالمائة، وعن نسب البطالة : 4 .16 بالمائة، هو انعكاس أمين لقدرات الجهاز الإنتاجي الوطني…”

لكن وكما أسلفنا بالنسبة إلى الأمثلة السابقة، بدلا من مُعالجةٍ رصينة ومتأنية للأسباب الحقيقية والعميقة التي أدّت إلى هذه النتائج الموضوعية، تمّ اللجوء إلى إجراء تحوير على رأس هذه المؤسسة الوطنية ذات الطابع التقني والخِبري الصرف التي ظلّت علاقتها بصاحب القرار السياسي على مرّ السنوات منذ تأسيسها سنة 1969 مُتأرجحة بين نشر الأرقام كما هي أو في أسوإ الأحوال التعتيم عليها وعدم الإدلاء بها قصد التداول العام ولكن (وحسب شهادة عديد الكفاءات التي مرّت بنهج الشّام وتعمل اليوم بمؤسسات دولية وإقليمية مرموقة) لم يحدث أن تمّ تزوير الأرقام أو التلاعب بها.

أستعيد في النهاية ما قاله أحد المفكّرين “يمكنك أن تراوغ رجال الشرطة لكنه من الصعب جدا مراوغة بداهة الإحصائيات”.

.

أكمل القراءة

جور نار

إنت وما جاب العود… عن مسلسلات رمضان

نشرت

في

أخبار مسلسلات رمضان 2024: مواعيد عرض مسلسل فلوجة 2 بطولة ريم الرياحي في  رمضان 2024 والقنوات الناقلة - المشهد

عبد القادر المقري:

لي شبه يقين أن مسلسلاتنا التونسية (تماما كسينمائنا) محظوظة حظا يكسر الحجر كما يقال … فهي أقرب ما تكون إلى تلاميذ ذات فترة من عمر وزارة التربية، وهي تجربة المقاربة بالكفايات … لا أحد يأخذ صفرا، لا أحد يسقط في امتحان، لا أحد يعيد عامه، ولا أحد يتم طرده لضعف النتائج …

عبد القادر المقري Makri Abdelkader
عبد القادر المقري

بل لا قياس أساسا لأي جهد … الكل ناجح، والكل ممتاز، والكل متفوق، والكل نابغة بني ذبيان … والدليل أننا عند نهاية مهرجان من مهرجاناتنا أو عرض فيلم من أفلامنا، لا تسمع سوى الشكر، ولا تقرأ سوى المدح، و لا ترى سوى الحمد على نعمة السينما والذين أدخلوها إلى تونس … تماما كما يحصل عقب كل رمضان مع أعمالنا الدرامية، إن وُجدت … فدائما عندك جوائز لأحسن عمل، وأفضل مخرج، وأبرع ممثل، و أقوى سيناريو، وأكبر وأجمل وأبهى وأمتع وأروع … يا دين الزكش، كما يقول صديقي سلامة حجازي … يعني كل بلاد العالم (بما فيها هوليوود وبوليوود وقاهرة وود ودمشق وود) تنجح فيها أعمال وتفشل أعمال، إلا عندنا فيبدو أننا الفرقة الناجية …

… أو فرقة ناجي عطا الله !

هذه السنة، أتاح لي زميل مسؤول بإحدى الإذاعات أن أتفرج على قسم كبير من مسلسلين تونسيين مرة واحدة… قلت أتاح لي بعد أن رجاني مشكورا أن أدلي برأيي في هذا وذاك، وأنا اليائس منذ أعوام من مستوى مسلسلاتنا خاصة حين جنح معظمها إلى تقليد عمل أعتبره كارثة فنية بكل المقاييس، وهو مسلسل “مكتوب” … وصار الكل يستنسخ منه استنساخ أهل الغناء والمسرح لعرضي النوبة والحضرة طوال الثلاثين سنة الأخيرة … وكيف لا يفعلون وهم وجدوا الوصفة السهلة التي لا تكلّف تعبا ولا وجع رأس … فمثلما بإمكانك أنجاز “عرض” فني لا نص فيه ولا فكرة مبتكرة بل تكديس جملة من أغاني التراث وإلصاق بعضها ببعض، بإمكان الواحد أن “يبيض” مسلسلا لا قصة فيه ولا حوار ولا سيناريو… فقط عندك ركام من عارضي وعارضات الأزياء، يقولون في ما بينهم كلاما من الحزام فما أدنى منه، ويعيشون في بذخ لا تحلم به أميرة خليجية، ويستبيحون القوانين أصغرها وأكبرها، ولا قيم توقفهم ولا منطق ولا نواميس مجتمع … عكعك وهي حالّة معك، كما يردد شباب هذه الأيام …

إذن أخذا بخاطر صديقي، تفرجت صاغرا في اثنين من أعمالنا المعروضة لرمضان هذا العام، قائلا لعل الأمور تحسنت عمّا تركتها، وربما ظلمت مبدعينا الفتيان وهم يفتحون البلدان ويغزون الفضاء في غفلة مني … وبما أن ذلك فاتني على المباشر، فقد لجأت إلى التساجيل التي تبث على الإنترنت، وأطوي الأرض طيا حتى أرى أكثر ما يمكن ولا أتسرع في الحكم على أحد … رأيت إذن جزءا كبيرا من مسلسل “فلوجة 2” على الحوار التونسي، وجزءا مماثلا من “رقوج 1” (بما أنهم يبرمجون لجزء ثان على ما سمعت) … وأعطيت رأيي في حدود ما شاهدت، وواصلت بعد ذلك باقي الحلقات حتى تكتمل الفكرة وأكون بدوري من المحتفلين ختاما بأفضل عمل وممثلين ومخرجين إلى آخر الليستة … وعلى حق …

نبدأ بفلّوجة … هو أولا استمرار لقصة السنة الماضية التي أثارت أكثر من ضجة لدى رجال التعليم ونسائه … والسبب أن احداث المسلسل تدور في وحوالي معهد ثانوي فيه كل شيء إلا الدراسة … مخدرات في قارعة الطريق، علاقات جنسية بوها كلب بين الجميع والجميع، ولادات خارج إطار الزواج وغير ذلك … والعجيب أن احتجاج المربين قابلته عاصفة تبريرية كانت دائما السند الرئيسي لسامي الفهري ومسلسلاته … من نوع: أليس هذا واقعنا؟ ألا تحدث يوميا مثل هذه الفضائح؟ هل ما زال عندنا تعليم؟ ألم يهبط مستوى مؤسساتنا التربوية منذ زمن؟ هل نغطي عين الشمس بالغربال؟ أما كفاكم نفاقا؟؟ … ويصل التبرير إلى ذروته بالتهجم على الأساتذة أنفسهم … “ماهي جرايركم” … “ما هو من جرة” انغماسكم في الدروس الخصوصية وإهمالكم لعملكم الأصلي … “ماهي نقاباتكم” وإضراباتكم ومطالبكم وزياداتكم المتلاحقة، وبسببها أفلست المعاهد وصارت بؤرا فاسدة، فيما هرب الجميع إلى التعليم الخاص… وغير ذلك وغير ذلك …

ولم يقل أحد من هؤلاء لسامي الفهري: وأنت، ما غايتك من الترويج لهذه المظاهر؟

وبقطع النظر عن صحة كل هذا في المطلق، والإحصائيات التي ما زالت لصالح التعليم العمومي في الباكالوريا وغيرها مهما حصل … فإن هذا التعميم يظلم كثيرا من أهل التعليم الأوفياء وجهدهم في إنجاح تلاميذهم وتمكينهم من مستوى جيد دون مقابل عدا مرتب شهري بعرق الجبين … كما يحط هذا التقييم الشمولي من قدر أبنائنا وبناتنا المربين والمربيات الأشراف وأغلبهم يتمسك بفضائلنا وأخلاقنا … فهل كل أساتذتنا متحرشون بتلميذاتهم كما في المسلسل، وهل كل أستاذاتنا ومديرات معاهدنا شغلهن الشاغل إقامة علاقات جنسية مع هذا التلميذ أو ذاك الرجل العابر؟ …

وحتى إن حصلت بعض حالات فماذا تمثل نسبتها؟ 1 بالمائة؟ اثنان؟ ثلاثة بالمائة ولا أعتقد ذلك وسط مئات آلاف من منظوري وزارة التربية … ومن يقول أكثر عليه بإجبار الوزارة على التحقيق العاجل ويكون معها فيه، ثم أين منظمات الأولياء والتربية والأسرة؟ لو كانت معاهدنا على شاكلة معهد سامي الفهري، فمن الأحرى غلق مؤسساتنا التعليمية وإحالة ميزانية الوزارة نحو قطاعات أكثر احتياجا كالشؤون الاجتماعية أو الثقافة أوالفلاحة والصيد البحري … بل ربما نضع كل ما نملك بين يدي الأمن والقضاء حتى يقضيا القضاء المبرم على الداء الذي استفحل ويهدد بنسفنا من الجذور …

فلوجة في جرئه الثاني لم يشذ عنه في الجزء الأول … لا بل هو يستمر في شذوذه الآخر … عن كل ما هو مجتمع وأعراف وقيم ولنقُلْ أيضا، مسؤولية … فالعمل الدرامي ليس مجرد نقل للواقع (هذا إذا كان واقعا) بل فيه طرح ورسالة وتأثير مباشر خاصة مع طغيان الصورة ووسائل الاتصال الحديثة … الفهري ومرؤوسته سوسن الجمني، يتملّحان طولا وعرضا بما يمكن أن ينتج في مجتمعنا من تغيير سلوكات جراء ما يعرضانه في كل مسلسل …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

هل ستقع المواجهة بين إيران والكيان الصهيوني؟

نشرت

في

الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين - هل تملك اسرائيل ان توجه  ضربتها الى إيران؟

لم تكن التهديدات من هذا الطرف او ذاك توحي بخطر شن حرب بين إيران و اسرائيل، ذلك ان طهران كانت عمليا تتفادى مواجهة مباشرة مع اسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة وتعي بان الكيان اللقيط لا يعدو أن يكون إحدى ثكنات القوة الأعظم.

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari
محمد الزمزاري

و لم يتهور الايرانيون المعروف عنهم العمل بصمت و عقلانية و تقبل بعض الخسائر المفترضة و المنتظرة مقابل تنويع مواطىء اقدامهم و تركيز مواقع قد تخدمهم لاحقا دون أي تسرع عاطفي ممثل في رد فعل غير محسوب الهدف او النتائج … لقد دفعت إيران قرابين كثيرة منذ التسعينات ضحايا لاغتيالات الموساد و المخابرات الأمريكية المتعاونة من تفجير مراكز نووية إلى اغتيال علماء او قيادات عسكرية هامة و الظاهر ان الإيرانيين يرسمون أهدافهم الاستراتيجية على المدى الطويل والتي يعتبرونها اهم بكثير من صراعهم مع الكيان الصهيوني… وقد نجحت لحد الان السياسة الإيرانية في تركيز اذرع في عدد من البلدان العربية ذات مكانة استراتيجية هامة مثل سوريا و العراق ولبنان و اليمن، وهي ساعية اليوم لغرس امتداد لها بالأردن، كما عمدت خلال هذه الأسابيع إلى دعم حكومة السودان ومدها بالطائرات المسيرة التي قلبت موازين المعارك ضد قوى الدعم السريع.

لكن الحدث الذي جد اخيرا و الذي تمثل في ضرب الصهاينة للقنصلية الإيرانية بسوريا والقضاء على واحد من اكبر القيادات الحربية و التنسيقية قد يؤجج ما كان كامنا بين الكيان وطهران. فإسرائيل ترغب منذ سنوات في توريط حلفائها الأمريكان في حرب ضد إيران وقد تراءت لنتنياهو فرصة سانحة للدفع نحو هذه الحرب المرغوب فيها اولا و لتمديد بقائه في الحكم و إتمام خططه النازية من تهجير و مجازر و تدمير لغزة و لاحقا للضفة الغربية، وهنا لم يبق لإيران بد من رد فعل قوي لحفظ ماء الوجه و تأديب الكيان الذي تجاوز الخطوط الحمراء و ضرب القنصلية الإيرانية التي تمثل سيادتها و صورة قوتها أمام الجميع وخاصة لدى اذرعها وأنصارها في المنطقة.

ومنذ ساعات أعلنت المخابرات الروسية عن تحديد ضربات او حرب خاطفة ممكنة الوقوع قريبا جدا و دعت مواطنيها لملازمة الحذر بالشرق الأوسط وخاصة بالكيان الصهيوني و منذ اكثر من ساعة دعت الولايات المتحدة مواطنيها في الأرض المحتلة وتل أبيب خاصة الى نفس الحذر. اذن فالوضع قابل جدا لوقوع حدث هام مدمر ليس باسرائيل فقط لكن أيضا بايران اعتمادا على ان الكيان الصهيوني يرغب فعليا في خلق مواجهة مع ظهران ستقودها الولايات المتحدة دون شك.

هل ستصدر الضربة الإيرانية انطلاقا من قاعدة احد اذرعها؟ هل سيكون الهدف محطة ديمونة النووية او ايلات او تل ابيب؟ اظن ان ضرب تل أبيب مستبعد مما يبعث على الظن بان الهدف المحتمل هو: إما إحدى السفارات الاسرائيلية في بلد خليجي او قصف إحدى المدن او المطارات الكبرى بالكيان الصهيوني. فيما يبدو أن الولايات المتحدة لا ترغب حاليا في خلق بؤرة حرب جديدة مكلفة قبل انتخابات نوفمبر القادم و لن تصل اية ضربة مهما كانت صدمتها إلى دفع بايدن إلى رد فعل ضد إيران …

أكمل القراءة

صن نار