تابعنا على

ومْض نار

نجاة ملايكي: أزمة اتصال و تواصل

نشرت

في

عندما تكون الأزمة شاملة اقتصادية و اجتماعية و سياسية و صحية، كالتي نعيشها، و تتطور إلى إحباط و غضب شعبي ينفلت إلى أعمال عنف و شغب و اعتداء على أملاك الغير، فإن الاستجابة السريعة للأزمة من قبل السلطة (الحكومة و الرئاسة و البرلمان) و من الأحزاب  والبرلمانيين تعدّ مسألة أساسية في تهدئة الأوضاع و بث الطمأنينة بخطاب مقنع و ذكي و صادق يبرز القدرة على إيجاد الحلول العملية.  ذلك أن التواصل المنقوص مع الناس من شأنه أن يسبب المزيد من الالتباس و عدم الثقة في قدرة السلطة على إدارة الأزمة و السيطرة عليها بقوة الاقتراح و إعطاء أمل حقيقي للناس.

نجاة ملايكي Najet Mlaiki
نجاة ملايكي

ن المتابع للظهور الإعلامي لكل من رئيسي الدولة و الحكومة في غياب لرئيس البرلمان الذي اكتفى ببيان حزبي خشبي أراد من خلاله تسجيل حضور باهت لم يقدم أية مقترحات أو حلول للأزمة – و قد يكون فهم أنه جزء منها باعتبار الشعارات التي رفعت ضده يومي الثلاثاء و الأربعاء أمام مقر وزارة الداخلية –  يبرز له جليا وجود أزمة تواصل مع الشعب و ارتباك  كبير و ضعف في الخطاب المقنع و القادر على امتصاص غضب الشعب.

 فقد اختار رئيس الدولة بعد صمت طويل و غياب عن الأحداث الخطيرة الدائرة،  منطقة المنيهلة للتخاطب لأول مرة مع الناس باللهجة الدارجة دون أن يقدم أية حلول أو بصيص أمل … مثلما ظهر بعده بيوم رئيس الحكومة الذي خرج عبر وسائل الإعلام بعد أربع ليال من الانفلات الخطير و الاعتداءات على أملاك الناس و الإيقافات الكبيرة للشباب و القصّر المشاركين في أعمال العنف،  مخيرا اللغة العربية بما تضمنه النص المقروء من أخطاء لغوية.

لكن لماذا لم يُطمْئن هذا الخطاب الناس فانتقدوه و تواصلت بعده أعمال الشغب، و خرج المحتجون هذه المرة بكثافة إلى شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة رمز الثورة، رافعين العديد من الشعارات التي منها “الشعب يريد إسقاط النظام” و “لا خوف لا رعب السلطة بيد الشعب ” فضلا عن الشعار المعروف ضدّ الغنوشي و الذي ذكّر به النائب المنجي الرحوي في جلسة البرلمان يوم الثلاثاء المنقضي ليبين أن سياسة الإسلامويين هي من بين أسباب الاحتقان … إلا أن النائب الثاني لرئيس البرلمان أغلق المصدح فيما كان رئيس البرلمان  قد ظهر في حوار مع تلفزة أجنبية و انفلت لسانه مصرحا بأن حليفه “سيخرج من السجن معززا مكرما” مما أثار غضب جمعية القضاة التي اعتبرت ذلك تدخلا في القضاء.

 فعادة ما ينتظر الناس عند الأزمات خطب المسؤولين لتهدئة الأوضاع و تقديم الحلول و طمأنة الناس و قد كان من المتوقع أن يكون رئيس الحكومة سريعا في هذا الظهور خصوصا و قد كان غياب رئيس الجمهورية ملحوظا، لكنه خرج للناس بعد ثلاث ليال كاملة من العنف و الرعب و يبدو من خلال كلمته أنه لا يعتمد على سياسية اتصالية و تواصلية علمية و مدروسة، فقد كان يقرأ ورقات بما احتوته من أخطاء لغوية جعلته لا ينظر إلى مخاطبيه إلا نادرا … علما بأن النظر للمخاطب ضروري لبث الثقة و الطمأنينة و الإقناع، ذلك أن التواصل المنقوص و الارتباك الواضح و الاقتصار على معلومات عامة و خطاب فضفاض من شأنه عدم الإقناع و إحداث المزيد من الالتباس و الإشارة إلى فقدان السيطرة.

فقد ردّد رئيس الحكومة عديد المرات كلمة “أتفهم” مما جعل المتابعين يستعيدون خطاب بن علي قبل سقوط النظام الذي ردّد فيه عبارة “فهمتكم” اقتداء بخطاب شارل ديغول في الجزائر سنة 1958 أمام المستعمرين الفرنسيين عندما قال عبارته الشهيرة “فهمتكم” و كانت من أكثر الخطب السياسية غموضا.

كان من المفروض أن لا تعاد هذه الكلمة خصوصا في غياب أية إجراءات إضافية في هذا الخطاب، لامتصاص غضب الناس حتى و لو كانت بسيطة من قبيل الإعلان عن اقتناء ملايين اللقاحات التي ـ بدلا عنه ـ  أعلن عنها بعد ساعات قليلة وزير الصحة المقال … فضلا عن إمكانية التشاور مع وزير الشؤون الاجتماعية لتقديم أي جديد يبرز السعي للبحث عن حلول من ذلك على سبيل المثال تقديم بطاقات علاج مجانية للشباب المعوز و العاطل عن العمل.. مثلما كان بإمكانه التكفل بالإعلان عن إطلاق سراح القصر الموقوفين… و غيرها من الإجراءات حتى يكون الخطاب عمليا و ناجعا و حاملا لمشروع، و لا يكتفي بإلقاء المسؤولية على الحكومات المتعاقبة.

إن إدارة الأزمات تستوجب على الحكومات تشكيل فريق متخصص في الغرض والتواصل مع المواطنين ولم لا إنشاء خلية إحاطة عبر الانترنت لدحض الإشاعات و مواجهة التضليل و الرد السريع على القضايا المطروحة  فضلا عن إعداد الظهور الإعلامي المقنع و  المميز و القادر فعلا على امتصاص غضب الناس … و لنا في ظهور الدكتورة نصاف بن علية خير مثال على ذلك إذ  رغم ظهورها الإعلامي الكبير فإنها لم تنجح في إقناع الناس بدليل تفاقم أزمة كورونا … و اكتفت خلال حملتها الإعلامية بالتخويف و بنبرة الكارثة و رددت كلمة الموت عديد المرات إلى أن أصبحت كلمة عادية و لم تقدم أي تصور علمي أو تثقيف صحي … مثلما كان من الضروري أن تترك لغيرها فرص الظهور لأن الناس ملوا نفس الخطاب.

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ومْض نار

برج السدرية … لتكن تونس خضراء بحق !

نشرت

في

تواصل جمعية السدرية للبيئة والتنمية المستدامة للأسبوع الثاني على التوالي جهودها الكبيرة لتشجير الحدائق المعدة لذلك وما يتطلبه بعث مساحات خضراء بالضاحية الجنوبية …

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari
محمد الزمزاري

وقد شملت الحملة شارع المغرب الممتد من المركب الجامعي إلى حدود شارع الجزائر الموصل إلى محطة الرياض للقطارات. و تم ذلك بفضل تدخل المصالح البلدية التي تفاعلت ايجابيا مع رجاءات المواطنين بغراسة الأشجار بالمساحات المعدة لذلك والتي كانت لسنوات ونظريا في حكم المناطق الخضراء غير أنها بقيت دون انجاز عديد السنوات كما ذكرنا سابقا، وظلت طويلا مناطق سوداء تغمرها المزابل و بؤر الناموس و ترتع فيها شتى الحشرات وحتى الزواحف احيانا.

كما تولت هذه الجمعية النشيطة التي تراسها السيدة فاطمة الزموري إنقاذ جزء من الأشجار ووضع التربة الصالحة وتم خلال يوم أمس غرس مساحة المفترق بين شارع المغرب و شارع تونس بالاشجار المتنوعة. كما كان للمؤسسات الخاصة حضورها مثلما حصل مع مسؤول إحدى المساحات التجارية القريبة الذي التزم برعاية الغراسات والعمل على سقيها دوريا …

وخلال نفس هذا اللقاء مع رئيسة الجمعية واعضاء مكتبها مع هذا المسؤول تم التطرق إلى مقترح متعلق بامكانية استغلال قطعة أرض تابعة لمحيط المساحة التجارية المذكورة لتركيز ملاعب للأطفال على حساب تلك الشركة واستعمالها مجانيا من قبل الأطفال الصغار المصحوبين باسرهم.

كما لا يفوتنا بأن هذه المبادرة الجمعياتية لم يخل طريقها من بعض الصعوبات البسيطة لكن المعطلة مثل أكداس الخردوات التي أعاقت المواصلة في غرس الأشجار كما شكلت تلوثا عاما سواء على حافة الشارع ككل او فوق أرضية المساحة المعدة للغراسة وترسيخ بيئة سليمة. ويقيننا أن المصالح البلدية النشيطة بسليمان ستسارع بإزالة هذه العقبة تشجيعا على جودة حياة المتساكنين واحتراما لجمالية المحيط

أكمل القراءة

ومْض نار

إلى متى الانتظار؟؟؟

نشرت

في

تعد الوقفة الاحتجاجية التي نظمها بعض أتباع حزب النهضة وعدد من نواب المجلس المجمد وأهاليهم أمام المسرح البلدي تحت مسمى العودة إلى المسار “الديمقراطي”  ودعوة الرئيس إلى التراجع عن القرارات الاستثنائية ليوم 25 جويلية التي احتفى بها  جل  أفراد الشعب التونسي، دليلا آخر على المحاولات اليائسة لهذه الشرذمة للدوس على خيارات شعب ملّهم ولفظهم بعد أن يئس منهم وأنهكته سياستهم الفاشلة وتدميرهم الممنهج لمقدرات البلاد وسمعتها.

نجاة ملايكي Najet Mlaiki
نجاة ملايكي

هؤلاء ورغم تجندهم لهذه الوقفة ومحاولاتهم التعبئة لها إلا أن عددهم كان هزيلا ودالا على أن الشعب الحقيقي الذي يحاولون التكلم باسمه ويسوّقون صورة له مخالفة لإرادته، هو في الواقع ذلك الذي انتفض ضدهم وقال لهم “ارحلوا دون رجعة”. فقد سعى هؤلاء للاستقواء بالأجنبي  رافعين لافتات مكتوبة باللغة الانكليزية والفرنسية تحمل عبارات من قبيل ” لنحمِ الديمقراطية والدستور” في محاولة منهم للفت نظر الخارج والتأليب ضد إرادة الشعب.

ومن المضحكات المبكيات أن قناة الجزيرة القطرية قد ركزت على هذه اللافتات بالذات في تغطيتها المباشرة والواسعة لما أسمته بـ “المظاهرات” ضد  الرئيس التونسي قيس سعيد ، وعنونته بالدعوات للعودة للدستور وللديمقراطية. وإمعانا من هذه القناة في الكذب وتزييف الواقع قسمت شاشتها “المباشرة” إلى قسمين قسم ركز على الواقفين على مدرجات المسرح البلدي ولافتاتهم المكتوبة باللغات الأجنبية فيما ركز القسم الثاني من الشاشة على مظاهرة قديمة جمعت أعدادا كبيرة من مناصري القضية الفلسطينية وقدّمتها القناة على كونها “مظاهرات حاشدة” ضدّ قرارات 25 جويلية وتم إغفال قطع صوت المتظاهرين الذين ينادون “عملاء الصهيونية هزوا يديكم ع القضية … التطبيع لا لا عودة….” ! كما حاورت القناة تونسيا إخوانيا يعيش في لندن قدمته على أنه محلل سياسي ذكر أن المشاركين في هذه الوقفة التي أسماها بالمظاهرة، يعدون بالآلاف… هذا وتجندت  هذه القناة الاخوانية المنحازة، لمواصلة بث برامج مناهضة لقرارات 25 جويلية أعلنت عنها في ومضاتها الاشهارية.

ولئن تجمع أيضا في الضفة المقابلة من شارع الحبيب بورقيبة بعض أنصار قرارات 25 جويلية  بصفة تلقائية تحت شعار لا للعودة إلى 24 جويلية الا أن المطلوب هو أن لا يستمر سكوت القصر وأن يحسم الرئيس الأمر لصالح الإرادة الشعبية ويقطع الطريق أمام الصائدين في الماء العكر الذين بدؤوا يستثمرون هذا التردد لصالحهم ويعتبرونه فرصة للعودة وللتأليب داخليا وخارجيا ودافعا لتقسيم الشعب، خصوصا وأن مرور ما يفوق الخمسين يوما عن قرارات 25 جويلية يعدّ فترة طويلة تثير قلق الذين ساندوا هذا التوجه وبدأت تشعرهم بالخوف على هذا المسار الجديد المستهدف من المتربصين بتونس ممن حكموا البلاد طيلة عشر سنوات وكانت حصيلتهم  دمار عقود من الزمن، إلى جانب الحالمين بدولة الخلافة الذين يحلمون بالتموقع  واستثمار هذا البطء  في اتخاذ القرار، والذي قد يفسر بكونه عجزا وضعفا.

أكمل القراءة

ومْض نار

مشيخة البرلمان تدار بعصا الشيخ … بقلم: نجاة ملايكي

نشرت

في

كان من المفروض أن يمثل مجلس النواب أهم سلطة تكرس الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير وتبادل الآراء والمواقف والتشاور وتفرض الأمن والأمان وتعطي صورة ناصعة ومشرفة عن تونس، لكن أصبح هذا الهيكل وللأسف عبارة عن مؤسسة حزبية تتحكم فيها حركة النهضة وأتباعها بطريقتهم الخاصة وتحول بفعل ذلك إلى مرتع لمن لا صلة لهم بالمجلس سوى الولاء للأطراف العنيفة والمتشددة داخله.

نجاة ملايكي Najet Mlaiki
نجاة ملايكي

لقد أعطى البرلمان التونسي برئاسة راشد الغنوشي الفاشلة صورة قاتمة ومهينة ومخجلة عن تونس ليس فقط لدى التونسيين بل خاصة لدى من يتابع من بعيد نتائج ما سمي بالثورة، مثلما خيّب آمال الشعب التونسي الذي اعتقد  أنه انتفض لتحسين مؤسساته وتنمية اقتصاده وتطوير ظروف عيشه، لا ظروف عيش قيادات حزب النهضة وأتباعه ومواليه على حساب بقية أبناء الشعب المفقر واليائس، حتى أن أحد نواب المعارضة قد طالب الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بالتحقيق في مصادر نموّ الثروات لدى بعض النواب.

كما أصبح هذا البرلمان عبئا اقتصاديا ثقيلا على البلاد وعلى المواطنين لكثرة مصاريفه وكلفته العالية في مقابل هزالة نشاطه وكثرة ضجيجه وإساءته للبلاد وتغيّب الكثير من النواب عن أداء مهامهم  وواجباتهم وتعمدهم عدم إكمال النصاب لإسقاط العديد من الجلسات، فضلا عن تسبّبه في أزمات سياسية زادت في تعطيل الإصلاحات الاقتصادية وباتت تشكل خطرا على مستقبل البلاد.

وأدت خدمة رئيس البرلمان لمصلحته الحزبية الضيقة على حساب مصلحة الوطن وتقدم التشريعات والبرامج الإصلاحية التي تخدم البلاد، إلى تقسيم البرلمان إلى “هذا معي وهذا ضدي” وأصبح رئيس البرلمان محرّضا وشاهدا صامتا عما يحدث من عنف ممنهج داخل مبنى السلطة التشريعية بدليل  سكوته على زيادة منسوب العنف وترؤسه لمكتب مجلس أقصى من حضوره بالقوة، رئيسة كتلة الدستوري الحر مسخّرا في ذلك إداريين  في سابقة خطيرة مارست فيها رئاسة المجلس بالوكالة،  سياسة المليشيات والعصا الغليظة باستخدام موظفي الدولة ضد نائب شعب، في مشهد مقزّز لم يزد رئيسة الحزب الدستوري الحر إلا ثباتا وقوة واستقطابا للمزيد من الأنصار بدليل النجاح الكبير للقائها بأهل الجنوب في صفاقس  الذي أجرته مباشرة بعد حادثة تطويق كل مداخل مكتب المجلس بالإداريين ومنعها من أداء مهامها  ، ولم يزد شعبية رئيس البرلمان إلا انحدارا وسخطا من المتابعين الشرفاء لما يحدث في المجلس من عنف ضد المعارضة الحرة وضد المرأة فضلا عن عدم احترام الإجراءات وخرق القوانين.

و من المبكيات المضحكات، مشاركة رؤساء الكتل لرئيس المجلس في اتخاذ مجموعة من القرارات الرامية لإسكات زميلتهم رئيسة كتلة الدستوري الحر بمنعها من حضور مكتب المجلس ومنعها من أخذ الكلمة خلال ثلاث جلسات متتالية.

والغريب أن بقية النواب يشاركون بالصمت على هذه التجاوزات وكل منهم لا يتحرك إلا إذا مورس العنف ضده، فيجد نفسه ضعيفا في مواجهته، حتى أنهم لم يدافعوا بتاتا عن مقترحات الحزب الدستوري الحر الداعي إلى وجوبية التناصف بين الجنسين في تركيبة المحكمة الدستورية، وإلى فتح باب الترشح لكل من تتوفر فيه الشروط وليس لكل من تدعمه الكتل البرلمانية (مما يضع المترشح تحت رحمة الكتل)، وأن يدخل القانون حيز التنفيذ فور نشره بالرائد الرسمي وليس بعد استكمال الدورات القادمة التي لا تخدم سوى النهضة المدعومة بعناصرها المتوفرة في التركيبة الحالية.

لقد تحوّل البرلمان إلى مشيخة تدار بالعصا وبالقوة وبالعنف وتحولت فيه الكلمة الحق والصوت الناقد إلى عصيان يستوجب العقاب بالإخراس والبلطجة  واستعمال الإداريين ضد النواب وخلق الفتنة ونشر الكره، حتى وإن خالف ذلك النظام الداخلي للمجلس.

أكمل القراءة

صن نار