تابعنا على

جور نار

هل أعدّ قيس عُدّته … أم دخل حافي القدمين؟

نشرت

في

ما الذي حدث بالبلاد؟ من انتصر على من؟ ومن كسب رهاناته؟ وهل فكر جميعهم في الوطن؟ كلها أسئلة تراوح مكانها تبحث عمن يشفي غليلها بإجابة عقلانية ومنطقية، فجميع من غاصوا في تحليل مجريات ما حدث يوم 25 جويلية ذهبوا إلى الأمر الذي يسعدهم ويسكرهم، فألغوا من مخيّلتهم كل من يشكّكهم في “عظمة” ما حصل…

محمد الأطرش Mohamed Alatrash
محمد الأطرش

 فاليسار الغبي الذي لم يكسب معركة واحدة من معاركه، ولم يجرّب الحكم والسلطة يوما واحدا هرول يبايع ساكن قرطاج، ووجد في ما حصل انتصارا له باستثناء حمّة، الذي وكأنه شعر بقرب عودة البلاد إلى حكم الرجل الواحد والحزب الواحد، وهو الذي كان في حرب معلنة ضدّ دولة الاستقلال ورجالاتها، أما شتات اليسار ممن يردِدُون إلى يومنا هذا مقولات ماركس وخطب لينين و”شلّة الملاعين”، احتفلوا وخرجوا وصرخوا ورفعوا كؤوس الفودكا على نخب ساكن القصر، كيف لا وهم يشاهدون اليوم عدوهم اللدود راشد يتخبّط ومن معه في وضع مهين، لم يألفوه ولم يكونوا ينتظرونه…أما الأحزاب التي أخرجها المشيشي من حزام الحكم والسلطة و”السَلَطة” بفتح السين و اللام فقد شربت على نخب قيس إلى صباح اليوم الموالي، وجعلت منه المنقذ والقائد الفذّ وقد يصبح في قادم العناوين عندها “المجاهد الأكبر” كيف لا وهو من ثأر لها ممن جعلوها على الهامش…

أما عبير ومن يحوم حولها فقد تعاملوا بحذر مع الأمر في بداية الأمر، ففي بعض دواخلهم سعادة وفرحة كبيرة بانكسار أجنحة عدوهم اللدود راشد ورفاقه، لكنهم وبعد مرور أيام من غزوة “أحَدْ”(نسبة إلى يوم الأحد) شعروا وكأنهم أكبر الخاسرين من غزوة الأحد، وكأن قيس استهدفهم بشكل أو بآخر، وأضمر لهم العداء دون أن يظهره علانية، ألم يحرمهم من قوتهم اليومي الوحيد “الحرب على النهضة” فمن سيحاربون غدا للمحافظة على رصيدهم على مقياس الزرقوني، أم سيتحولون على مقياس ريختر يا ترى؟…أما من خرجوا ليصنعوا “الطاولة والكراسي” التي أصبحت مبررا وحجة وخطرا داهما لساكن القصر ليعلن انقلابه على خصومه في المنظومة، (هم في نهاية الأمر من منظومة حكم واحدة جاءت إلى السلطة بعد انتخابات 2019) أعود لأقول أما من قدّموا مبررات “الخطر الداهم” لساكن القصر فهم إلى يومنا هذا سُكارى ولم يستفيقوا من سكرتهم، والخوف أن تتحوّل سكرتهم إلى غيبوبة، يستفيقون منها على وجع كانوا يحلمون بأنه سيذهب مع صاحب الغزوة والمقام، ساكن القصور الثلاثة والمتربّع على عرش الدولة قيس سعيد…

هل أعدّ قيس عُدّته أم دخل حافي القدمين؟

يدّعي جماعة وأقلام الموالاة، في إطار عملية النفخ في غزوة الأحد وصاحبها، وتقرّبا من مولاهم ساكن القصر، أن خُطط مولاهم عصية على الفهم وغير قابلة لإخضاعها لآليات التحاليل التقليدية…يا سلام…وهل خُلق مولاهم من غير ماء وطين؟

هنا وجب على من هرولوا لبيعة سيّدهم، من رجال الإعلام، قراءة الأحداث بشكل واقعي ومنطقي…فلو كانت لمولاهم خُطط كما يدّعون، فلم كل هذا التعطيل في إعادة الروح إلى “ماكينة” الدولة؟ فهل يكفي أن يخرج علينا صانع التغيير الثاني ليقول إن الدولة تعمل بخير ولا خوف عليها حتى نصفّق ونقول “لبيك مولانا لبيك”؟ ما جرى في تونس يوم 25 جويلية أحدث صدمة لم يستفق منها أغلب الفاعلين والناشطين والمتابعين، فلا أحد كان يتصوّر أن الأمور ستصل إلى هذا المنعرج الخطير…فساكن القصر أقدم على أمر دون أن يعدّ له العدّة، ودون أن يقرأ لتبعاته حسابا، وحين جلس إلى من هم حوله يريدون إعداد العدّة صُدِمُوا بصعوبة الأمر، فتسيير شؤون دولة ليس في متناول الجميع وليس بالأمر الهين والبسيط، فالرجل أعلنها عديد المرّات أنه لن يعود إلى الوراء، وهذا يعني أنه على بينة كاملة مما ينتظره، فجميع من هرولوا وراءه يصرخون “عليك الحوت يا قيس” ينتظرون معجزة يقوم بها مولاهم تخرج البلاد مما هي فيه، وتخرجه هو من ورطة لم يكن يعرف حجمها، وتخرجهم هم من حرج قد يجعلهم يختفون عن الأنظار خجلا من احتفالهم دون سبب…ومبايعتهم لمولاهم …

ساكن القصر وصانع التغيير الثاني وضع هو ومن معه كل أوجاع الدولة والبلاد والشعب على طاولتهم، ليضعوا خارطة طريق يخرجون بها على العالم…فاصطدموا بحجم الكارثة…ديون لا يمكن خلاصها قبل عشرين سنة على الأقل…ووضع اقتصادي ينذر بالكارثة…ومؤسسات وقطاعات منتجة لم تعد تنتج…وقرابة المليون عاطل عن العمل يعوّلون على قيس ليجد لهم مورد رزق …وكفاءات لم تعد ترغب في تحمّل مسؤولية هذا الخراب…وفساد ينخر كل تفاصيل الدولة والحكم والبلاد…ووباء ذهب بأكثر من عشرين ألفا من أبناء هذه البلاد ولا يزال …واتحاد شريك في الخراب والدمار أصبح أحد أهم مشكلات الدولة…فمن أين يبدأ صانع التغيير في صناعة مجده وعزّ دولته التي أصبح يحلم بأنها ستطول وستكون في حجم دولة من صنعوا تاريخ البلاد قبل 14 جانفي…

فكّر صانع التغيير الثاني في أي ملف يفتحه، وأية مشكلة يعالجها من مشكلات البلاد فلم يجد غير النبش في الوثائق التي انتهت مدّة صلاحيتها، فعاد إلى تقرير عبد الفتاح عمر رحمه الله مُمنيا النفس بصيد ثمين يخرجه من مأزقه الاقتصادي، فالضغط على من جاؤوا في قائمة عبد الفتاح عمر ليدفعوا بالتي هي أحسن، قد يصلح بعض الشيء حال خزينة الدولة…فلما بحث في الأمر وسأل من هم أعلم منه بحقيقة ما جاء في التقرير صدم بخيبة قد تطول…فسأل معارفه عن حلّ آخر فقالوا له أليست للبلاد أموال منهوبة؟ فبحث في الأمر وتأكد مرّة أخرى أن لا شيء يؤكّد الحجم الخرافي الذي يروّج له بعض الذين يأكلون بيسارهم ويحقدون على بن علي ومن كانوا معه لتلك الأموال …فماذا سيفعل في ورطة الوضع الاقتصادي يا ترى هل سيعوّل على من وعدوه وهم في وضع لا يسمح لهم بإغراقنا بالهدايا والهبات…فكل العالم تأثر بما خلفته “الكورونا” ولايزال…أم سيُقدم على امضاء قانون الإنعاش الاقتصادي طمعا في بعض الملايين من المهربين وتجار المخدّرات والحال أنه رفع شعار محاربة هؤلاء في كل خطبه العنقودية؟

لم يجد صانع التغيير الثاني شيئا يدفعه على الحساب للسكارى لتتواصل سكرتهم “وهم فيها يعمهون” حتى اشعار آخر، غير النبش في الملفات “الشعبوية” التي تسكر الناس وتذهب بعقولهم…فأن تتحدث عن الفقراء والأغنياء فأنت ستدغدغ الفقراء وهم الأغلبية…وأن تتحدث عن الفقراء الذين لا يجدون وجبة واحدة يوميا فإنك ستُسعد الفقراء، وسيطالبونك بإعلان الحرب على الأغنياء لتثأر لهم…فكل غني في هذه البلاد أصبح اليوم مشبوها وعرضة للمنع من السفر والوضع تحت الإقامة الجبرية والرجم إن أمكن…والمساومة إن استطعنا إليها سبيلا…فلكي تكون مواطنا صالحا ترضى عنك الملائكة وصانع التغيير الثاني وأتباعه وجب عليك أن تكون فقيرا “محتحت” لا شيء في جيبك..

عقيدة الصدمة…وكيف ابتلع بعض الساسة ألسنتهم؟

صانع التغيير وكأنه قرأ لناعومي كلاين كتابها “عقيدة الصدمة” الذي تحدثت فيه عن استغلال الأزمات والكوارث…أو افتعالها والمساهمة فيها لفرض نمط من الحكم والسيطرة على الشعوب…فالتلويح منذ وصول المشيشي إلى حضن الغنوشي بأن الفساد ينخر كل تفاصيل الدولة، كان مقدّمة لما يريد أن يأتيه صانع التغيير الثاني، فالرجل تأثر كثيرا بخيانة “صبيه المشيشي” فهو من أخرجه من غبار ملفات كانت موضوعة في أرشيف الدولة، ليجعل منه مستشارا له ثم وزيرا للداخلية ثم رئيسا للحكومة ولو انتظر قليلا لأخرجه من قرطاج وأجلس في مكانه من يريد…

كل ما جاء وفعله وأتاه صانع التغيير الثاني بعد تولي المشيشي حكومة الإخوة الأعداء وأقصد قلب تونس والنهضة وغلامها الائتلاف كان بحثا عن الانتقام والثأر ليس أكثر…وكان خاتمة مطاف هذا البحث غزوة الأحد….وخروج الأتباع للصراخ “الله واحد”…فالانقلاب على جزء من المنظومة كان أشبه بحلم غير قابل للتحقيق عند البعض، وهو الأمر الذي أطال عمر الصدمة في عقول أغلب المؤثثين للمشهد السياسي…فدخلوا الكهف لا يعرفون ماذا وقع وكيف وقع…فأصابهم الهلع، فالغموض الذي يحيط بصانع التغيير الثاني ورحم الله صانع التغيير الأول غريب وغريب جدا …

لو بحثنا في مكاسب وحصيلة الغزوة لوجدنا أنها صفر…يحاذي صفرا آخر…فالذين كانوا يمنون النفس برؤية راشد الغنوشي في طريقه إلى السجن خفتت أصواتهم قليلا واختنقت “الله واحد الله واحد قيس ما كيفو حدّ” في حناجرهم وأصبحت تكاد تُسْمع…والذين كانوا يمنون النفس بانفراج اقتصادي يوفر لهم مورد رزق وانتعاش مالي أصبحوا وكأنهم من الشيعة يلطمون صدورهم وبعض الأعضاء الأخرى…والذين كانوا ينتظرون موكب النواب السجناء وهو في طريقه إلى “المرناقية” أصبحوا يبحثون عن أرقام هواتف بعض النواب ليجاملوهم خوفا من غد…فأن تسجن التبيني “الزوالي” مقارنة بالحيتان الكبيرة رغم ما أتاه فهذا لا يعتبر نصرا مبينا…وأن تسجن العياري ولو في قضية قديمة فهذا لا يعتبر نصرا وفتحا مبينا…وأن تقرر وضع بعض الأسماء (التي وحسب دراسة ممن هم حولك قد تحرك مشاعر من يكرهونهم، ويصفقون لك للأمر) تحت الإقامة الجبرية فلا أظن أن أمرا كهذا سيزيد من عدد أنصار مولانا…وأن تقرر تعيين صاحب شهادة جامعية وعاطل عن العمل واليا ببنزرت، فذلك لن يحفّز بقية العاطلين للتصفيق لك، ولمؤازرتك، فعدد الولاة في البلاد لا يتجاوز 24 واليا …وحتى وإن فعلت فهل يمكن اعتبار تلك الخطّة انتدابا؟ وأن تذهب لمخزن حديد على ملك بعض الخواص تتوعد المحتكرين وتهددهم بالحديد فذلك لن يوفّر الخبز لملايين الفقراء والمساكين…ولا أظنّ أن الحديد جُعل للأكل مع الحليب…خلاصة كل ما وقع هو أن صانع التغيير أصبح يبحث يوميا عن حدث يُلهي به أتباعه ومن بايعوه عن سؤال “وبعد يا ريس شنوة عملتلنا؟” ويجعلهم يصفقون صباحا مساء ويوم الأحد…

شخصيا ومنذ انقلاب 25 جويلية لم أقتنع تماما بأن الهدف الرئيسي لصانع التغيير الثاني كان الانقلاب الشامل على منظومته، فالرجل وحسب رأيي المتواضع كان يبحث عن استرجاع عهدة الحكم والتصرّف في شؤون السلطة التنفيذية ممن أخذوها منه غدرا، لينجز بعض وعوده لأتباعه، طمعا في ولاية ثانية قد ينجح خلالها في تنفيذ مشروعه السياسي صحبة رفيقه ” فلاديمير ألييتش أوليانوف المكّي” شهر رضا لينين…فالمشيشي ولأنه أظهر الكثير من الغباء في تصرفه وتسييره لشؤون الدولة ارتمى خوفا من السقوط في مجلس النواب في حضن الشيخ الغنوشي ومن معه، والواضح أنهم هم من أوهموه بأنهم سيسقطونه برلمانيا إن نفّذ تعليمات ساكن قرطاج وأبقى على وزرائه ضمن التشكيل الحكومي “المشيشاوي”، فأصابه الهلع فارتمى في حضن الغنوشي قائلا” ماني وليدك يا شيخنا نحب نجرب كرسي القصبة”…

أعود لأقول إن مولانا صانع التغيير الثاني لم يكن يبحث عن الانقلاب، بل كان همّه استرجاع ما له وسرق منه، وتنظيف المكان بعض الشيء ليكون في مأمن من بعض الخروج عن النص من لدن خصومه…فكان أن انتجت الصدمة وضعا غريبا، ورعبا في صفوف كل مكونات المشهد، جعلهم يبتلعون السنتهم إلى يومنا هذا…فقال كلمته الشهيرة “لا رجوع إلى الوراء”…فعن أي وراء يتحدث مولانا صانع التغيير يا ترى؟ فهو في وضع غريب لا يمكن من خلاله العودة إلى الوراء، ولا يمكنه كذلك التقدّم إلى الأمام…فعن أي وراء يتحدّث؟ فهل سيُسْعِدُ خصوم النهضة ويجرّ قياداتها إلى التحقيق؟ لا لن يفعل…فذلك يتطلب ملفا قضائيا ثقيلا ومقنعا قضائيا يسمح بذلك، ويتطلب قبل كل شيء عزيمة على تحمّل تبعات معاداة حزب عقائدي قد يختار التصعيد الشعبي لحماية مكاسبه وهذا لم يفعله غير بورقيبة وبن علي…ولا أظنّ أن مولانا يملك مثل هذه الملفات، فلو كان يملكها لما انتظر مرور الشهر الأول دون حراك…وهل سينقذ البلاد من ثورة قادمة لا محالة؟ لا لن يقدر…لأنه لن ينجح في تحقيق أي وعد من وعوده، فمشكلة البلاد أكبر وأعظم من خطاب حماسي، وشعارات جوفاء لا إنجاز بعدها…ولا أظنّ أن هذا الشعب سيصبر أكثر مما صبره مع خصومه…

خلاصة غنائم غزوة الأحد…الخاسر الأكبر هو صانع التغيير الثاني فهو من سيتحمّل تبعات كل ما يقع وسيقع بعد يوم 25 جويلية…وستطالبه جموع الشعب بما ينسيهم من سبقوه في الحكم، ولا أظنّه قادرا على تحقيق ولو واحد بالمائة مما يمكن أن يُرْضي أتباعه وأنصاره ومن بايعوه…أما النهضة ففي ظاهرها تعيش غضبا وانقساما…لكن في داخلها تعيش وضعا عاديا ومريحا قد يساهم في انقاذها من التآكل كليا، أو التشظّي سياسيا في قادم الأشهر والسنوات…فهي لن تتحمّل تبعات ما بعد 25 جويلية، ولن تدخل قياداتها السجون…وحتى وإن وصل الأمر إلى حلّها فإنها اطمأنت على مستقبل أتباعها وقد تأمرهم بإعادة الانتشار حزبيا حتى اشعار آخر…

خلاصة ما نحن فيه …

سيواصل صانع التغيير البحث عن وسائل إلهاء أتباعه وتحويل وجهتهم، ليبعدهم عن الحديث عن المكاسب، وعن برنامجه خلال قادم الأشهر والسنوات، وعن مطالبته بالنتائج والإنجازات…وسيبحث مولانا عن كل ما من شأنه إرضاء أتباعه ومواصلة تصفيقهم …وقد يأتي ببعض من أوصلوه إلى قرطاج في خطط وظيفية سامية فنصف عدد الولاة سيكون لأتباعه…ونصف عدد المعتمدين سيكون لأنصاره…ونصف الحكومة سيكون لرجالاته…ونصف كل شيء سيكون له ولمن ساندوه…فصانع التغيير الثاني اصبح مهووسا بالحكم منفردا…وأصبح يخاف الخيانات…فكم مرّة زار مقرّ وزارة الداخلية…وكم مرّة التقى فيها عناصر من المؤسسة العسكرية…رغم أنه على بينة أن مؤسستنا الأمنية لم ولن تحيد عن عقيدتها التي تربّت عليها في الدفاع عن البلاد وضمان أمنها…كما أنه على بينة من أن المؤسسة العسكرية تربّت على الانضباط والحفاظ على مكاسب الدولة وحماية حدودها…فهل سيواصل صانع التغيير الثاني طريقه إلى الأمام ويعلن الحرب على الجميع بعد أن صُدم بواقع لم يخطر على باله يوما؟ وهل سيكفي إعلانه الحرب على الجميع بإرضاء أتباعه؟ فالفقير يريد أن يعلن فكّ ارتباطه مع الفقر… والعاطل يريد أن يحتضن عملا يغنيه عن السؤال…والمظلوم يبحث عمن يرفع عنه مظلمته…والمريض يبحث عمن يداويه…وهؤلاء جميعا لن تعنيهم حرب صانع التغيير الثاني للفوز بولاية ثانية، والاستحواذ على كل مفاصل الدولة والحكم…فقط لا يريدون أن يجوعوا…فهل سيبقى صانع التغيير الأول على سُلّم الزرقوني…أم يصبح الأول على سُلم ريختر…وهل يواصل أتباعه السهر على أنغام “هل رأى الشعب سكارى مثلنا؟”…أم سيغني أتباعه “تكويت وما قلت أحيت هزيت الجمرة بايديَ”…؟؟

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

“زيدها شويّة”… أو كيف نُواجه سعير الأرقام في تونس

(من خلال أمثلة حيّة)

نشرت

في

ذكّرني التغيير الذي حصل مؤخّرا على رأس المعهد الوطني للإحصاء (احتمالا على خلفية دكتاتورية الأرقام التي لا تُجامل ولا تُعادي) بجملة من الأحداث والوقائع التي عشتُها شخصيا في أكثر من موقع والمُثبِّتة لعقليةٍ تشكّلت في بلادنا منذ العهود السابقة.

منصف الخميري Moncef Khemiri
منصف الخميري

 مفادُ هذه العقلية  كسْر المحرار إذا باح بنتائج لا تتطابق مع انتظارات المسؤول السياسي، والهروب بصناديق الاقتراع عندما كان يتوقع طلبة التجمع الحاكم عدم الفوز  في انتخابات المجالس العلمية كما كان يحصل في الجامعة التونسية… وعقلية “زيدها شوية” هذه نجد لها أثرا أيضا في نسيج العلاقات الأسرية وفي تعاطي عموم الناس مع الظواهر المختلفة وتفاصيل حياتهم اليومية، لأن الترقيع في ثقافتنا أعلى صوتا دائما من المعالجة الجذرية لمصادر أوجاعنا، وآليات والتسكين والتخفيف والتليين والتقليل والتمسكين منوالٌ قائم بذاته في رُبوعنا.

فعلى سبيل المثال عندما يُنتهك حقّ البنت في الميراث، لا يُجمِعُ أغلب الناس على إرجاع الحق إلى أصحابه بل يجنحون إلى المحافظة على الوضع القائم مع إضافة جملة ترقيعية  “زيدها شوية ووخيّان كيف آمس كيف اليوم” … وعندما تعوجّ حيطان البنّائين المُبتدئين تجد دائما من يحاول التنسيب بشكل ماكر “ثمة شوية عوَج صحيح آما توة باللّيقة تتسوى” … وعندما يعجز بعض الأطباء عن تشخيص مرض ما بدقّة، يسقطون في ما يُشبه تقليعات التنمية البشرية  “والله ما عندك شيْ، المشكل الكل في راسك، عندك برشة هلواس. آقف قدام المراية وصيح مانيش مريض توة ترتاح”…

المثال الأول : نسب النجاح في السنة الأولى بكلية العلوم

في بداية الألفية الجديدة، طلب المسؤول الأول عن مكتب الدراسات والتخطيط والبرمجة التابع للديوان بوزارة التعليم العالي، من رئيس مصلحة متابعة النتائج الجامعية (السيد ت.ع وهو من روى لي تفاصيل الحادثة) مدّه بنتائج آخر السنة الجامعية بالنسبة إلى كلية العلوم بتونس، فلمّا لاحظ أن نسبة النجاح العامة (في كل الاختصاصات مجتمعة) تراجعت خلال ذلك العام من 33 إلى 27 % أشعل سيجارة وسحب منها نفسا عميقا كمن يبحث عمّا يُساعده على ابتلاع نسبة التراجع التي سيُسأل عنها أمام وزيره آنذاك…ثم قال له في شبه توسّل “لا شويّة بالكل سامحني سي فلان، من رايي تزيدها شوية”.

المثال الثاني : في نفس الوزارة

في 2007، عندما انطلق تطبيق منظومة إمد على مراحل وكانت شهادة الأستاذية ماتزال قائمة جزئيا ريثما تحلّ محلّها شهادة الإجازة، طلب الوزير من المدير العام للشؤون الطالبية مدّه بإحصائيات حول مدى إقبال التلاميذ الناجحين الجدد في الباكالوريا على الإجازات الجديدة مقارنة بإقبالهم على الأستاذيات. ولمّا كانت النتائج الأوّلية مؤكدة لتوجّه الناجحين في الباكالوريا أغلبيّا نحو اختيار شهادة الأستاذية بدلا من الإجازة الجديدة، وبالتالي مُخيّبة لآمال من كان يتوقّع أن “إصلاح إمد” سيُعطي أُكله مباشرة بعد الشروع في إنفاذه بما يبرّر وجاهة الاختيار وسلامته، تمّ التشكيك في سلامة الأرقام فأعيد الاحتساب من جديد لتستقر نتائجه على نفس ما عبّر عنه المسح الأوّل، فلم تبق لديهم أية ذريعة سوى تسجيل ذلك على حساب ضعف الإعلام وجهل الأغلبية الساحقة من الأولياء بمزايا النظام الجديد… “وعلى أية حال توة نزيدوها شوية نسبة الإقبال على الإجازات في التدخلات الإعلامية دون تقديم أرقام دقيقة حول المسألة” … كانت هذه هي الفتوى التي أوجدوها للخروج من المأزق.

المثال الثالث : مشاركة التلاميذ التونسيين في تقييم “بيزا”  الدولي

كانت تونس من أولى الدول العربية التي تشارك في البرنامج الدولي لتقييم الطلاب “بيزا”، وذلك منذ سنة 2003، وهو تقييم دولي لقيس قدرة الطلاب في سن 15 عامًا (أي نهاية السنة التاسعة أساسي لدينا) على استخدام معارفهم ومهاراتهم في القراءة والرياضيات والعلوم لمواجهة تحديات الحياة الواقعية كل 3 سنوات. سنة 2015 احتلت تونس المرتبة 65 على 70 دولة مشاركة في الاختبارات (رتبة تقاسمتها تونس مع لبنان ضمن هذا التقييم الذي شمل عيّنة من 540 ألف تلميذ من مختلف أنحاء العالم).

وبدلا من مُواجهة الأسباب العميقة التي أدّت إلى تصنيف تلاميذنا التونسيين في ذيل الترتيب العالمي وهو مؤشر تُنكّس له الأعلام الوطنية لأنه يعكس وضع الوهن الموجع الذي باتت عليه منظومتنا التربوية، اختارت دولتنا أن تُقاطع هذه المحطة التقييمية الكونية مُفرغةً المحرار من زئبقه وضخّه ضمن خطابها الرسمي القائل بأن المؤشرات التي ينبني عليها التقييم صُنعت على مقاس التلميذ الأوروبي والسنغافوري والياباني وليس على مقاس التلميذ التونسي الذي يدرس ضمن بيئة خصوصية ووفق برامج ومناهج خصوصية !

المثال الرابع : 0.4 نسبة نموّ ليست من شِيمنا

دوّن المؤرّخ الجامعي نورالدين الدڨي على صفحته الرسمية يوم 23 مارس ما يلي :

“المعلوم أن المعهد الوطني للإحصاء لا يستنبط الأرقام؛ وليس مطلوبا منه تزويقها؛ فمهمته حسب نصوصه الـتأسيسية : “جمع المعلومات الإحصائية الخاصة بالبلاد و معالجتها و تحليلها و نشرها بالتنسيق مع الهياكل العمومية الأخرى”، وما نشره المعهد مؤخرا عن نسبة النمو الاقتصادي بتونس لسنة 2023 التي حددها ب 4 .0 بالمائة، وعن نسب البطالة : 4 .16 بالمائة، هو انعكاس أمين لقدرات الجهاز الإنتاجي الوطني…”

لكن وكما أسلفنا بالنسبة إلى الأمثلة السابقة، بدلا من مُعالجةٍ رصينة ومتأنية للأسباب الحقيقية والعميقة التي أدّت إلى هذه النتائج الموضوعية، تمّ اللجوء إلى إجراء تحوير على رأس هذه المؤسسة الوطنية ذات الطابع التقني والخِبري الصرف التي ظلّت علاقتها بصاحب القرار السياسي على مرّ السنوات منذ تأسيسها سنة 1969 مُتأرجحة بين نشر الأرقام كما هي أو في أسوإ الأحوال التعتيم عليها وعدم الإدلاء بها قصد التداول العام ولكن (وحسب شهادة عديد الكفاءات التي مرّت بنهج الشّام وتعمل اليوم بمؤسسات دولية وإقليمية مرموقة) لم يحدث أن تمّ تزوير الأرقام أو التلاعب بها.

أستعيد في النهاية ما قاله أحد المفكّرين “يمكنك أن تراوغ رجال الشرطة لكنه من الصعب جدا مراوغة بداهة الإحصائيات”.

.

أكمل القراءة

جور نار

إنت وما جاب العود… عن مسلسلات رمضان

نشرت

في

أخبار مسلسلات رمضان 2024: مواعيد عرض مسلسل فلوجة 2 بطولة ريم الرياحي في  رمضان 2024 والقنوات الناقلة - المشهد

عبد القادر المقري:

لي شبه يقين أن مسلسلاتنا التونسية (تماما كسينمائنا) محظوظة حظا يكسر الحجر كما يقال … فهي أقرب ما تكون إلى تلاميذ ذات فترة من عمر وزارة التربية، وهي تجربة المقاربة بالكفايات … لا أحد يأخذ صفرا، لا أحد يسقط في امتحان، لا أحد يعيد عامه، ولا أحد يتم طرده لضعف النتائج …

عبد القادر المقري Makri Abdelkader
عبد القادر المقري

بل لا قياس أساسا لأي جهد … الكل ناجح، والكل ممتاز، والكل متفوق، والكل نابغة بني ذبيان … والدليل أننا عند نهاية مهرجان من مهرجاناتنا أو عرض فيلم من أفلامنا، لا تسمع سوى الشكر، ولا تقرأ سوى المدح، و لا ترى سوى الحمد على نعمة السينما والذين أدخلوها إلى تونس … تماما كما يحصل عقب كل رمضان مع أعمالنا الدرامية، إن وُجدت … فدائما عندك جوائز لأحسن عمل، وأفضل مخرج، وأبرع ممثل، و أقوى سيناريو، وأكبر وأجمل وأبهى وأمتع وأروع … يا دين الزكش، كما يقول صديقي سلامة حجازي … يعني كل بلاد العالم (بما فيها هوليوود وبوليوود وقاهرة وود ودمشق وود) تنجح فيها أعمال وتفشل أعمال، إلا عندنا فيبدو أننا الفرقة الناجية …

… أو فرقة ناجي عطا الله !

هذه السنة، أتاح لي زميل مسؤول بإحدى الإذاعات أن أتفرج على قسم كبير من مسلسلين تونسيين مرة واحدة… قلت أتاح لي بعد أن رجاني مشكورا أن أدلي برأيي في هذا وذاك، وأنا اليائس منذ أعوام من مستوى مسلسلاتنا خاصة حين جنح معظمها إلى تقليد عمل أعتبره كارثة فنية بكل المقاييس، وهو مسلسل “مكتوب” … وصار الكل يستنسخ منه استنساخ أهل الغناء والمسرح لعرضي النوبة والحضرة طوال الثلاثين سنة الأخيرة … وكيف لا يفعلون وهم وجدوا الوصفة السهلة التي لا تكلّف تعبا ولا وجع رأس … فمثلما بإمكانك أنجاز “عرض” فني لا نص فيه ولا فكرة مبتكرة بل تكديس جملة من أغاني التراث وإلصاق بعضها ببعض، بإمكان الواحد أن “يبيض” مسلسلا لا قصة فيه ولا حوار ولا سيناريو… فقط عندك ركام من عارضي وعارضات الأزياء، يقولون في ما بينهم كلاما من الحزام فما أدنى منه، ويعيشون في بذخ لا تحلم به أميرة خليجية، ويستبيحون القوانين أصغرها وأكبرها، ولا قيم توقفهم ولا منطق ولا نواميس مجتمع … عكعك وهي حالّة معك، كما يردد شباب هذه الأيام …

إذن أخذا بخاطر صديقي، تفرجت صاغرا في اثنين من أعمالنا المعروضة لرمضان هذا العام، قائلا لعل الأمور تحسنت عمّا تركتها، وربما ظلمت مبدعينا الفتيان وهم يفتحون البلدان ويغزون الفضاء في غفلة مني … وبما أن ذلك فاتني على المباشر، فقد لجأت إلى التساجيل التي تبث على الإنترنت، وأطوي الأرض طيا حتى أرى أكثر ما يمكن ولا أتسرع في الحكم على أحد … رأيت إذن جزءا كبيرا من مسلسل “فلوجة 2” على الحوار التونسي، وجزءا مماثلا من “رقوج 1” (بما أنهم يبرمجون لجزء ثان على ما سمعت) … وأعطيت رأيي في حدود ما شاهدت، وواصلت بعد ذلك باقي الحلقات حتى تكتمل الفكرة وأكون بدوري من المحتفلين ختاما بأفضل عمل وممثلين ومخرجين إلى آخر الليستة … وعلى حق …

نبدأ بفلّوجة … هو أولا استمرار لقصة السنة الماضية التي أثارت أكثر من ضجة لدى رجال التعليم ونسائه … والسبب أن احداث المسلسل تدور في وحوالي معهد ثانوي فيه كل شيء إلا الدراسة … مخدرات في قارعة الطريق، علاقات جنسية بوها كلب بين الجميع والجميع، ولادات خارج إطار الزواج وغير ذلك … والعجيب أن احتجاج المربين قابلته عاصفة تبريرية كانت دائما السند الرئيسي لسامي الفهري ومسلسلاته … من نوع: أليس هذا واقعنا؟ ألا تحدث يوميا مثل هذه الفضائح؟ هل ما زال عندنا تعليم؟ ألم يهبط مستوى مؤسساتنا التربوية منذ زمن؟ هل نغطي عين الشمس بالغربال؟ أما كفاكم نفاقا؟؟ … ويصل التبرير إلى ذروته بالتهجم على الأساتذة أنفسهم … “ماهي جرايركم” … “ما هو من جرة” انغماسكم في الدروس الخصوصية وإهمالكم لعملكم الأصلي … “ماهي نقاباتكم” وإضراباتكم ومطالبكم وزياداتكم المتلاحقة، وبسببها أفلست المعاهد وصارت بؤرا فاسدة، فيما هرب الجميع إلى التعليم الخاص… وغير ذلك وغير ذلك …

ولم يقل أحد من هؤلاء لسامي الفهري: وأنت، ما غايتك من الترويج لهذه المظاهر؟

وبقطع النظر عن صحة كل هذا في المطلق، والإحصائيات التي ما زالت لصالح التعليم العمومي في الباكالوريا وغيرها مهما حصل … فإن هذا التعميم يظلم كثيرا من أهل التعليم الأوفياء وجهدهم في إنجاح تلاميذهم وتمكينهم من مستوى جيد دون مقابل عدا مرتب شهري بعرق الجبين … كما يحط هذا التقييم الشمولي من قدر أبنائنا وبناتنا المربين والمربيات الأشراف وأغلبهم يتمسك بفضائلنا وأخلاقنا … فهل كل أساتذتنا متحرشون بتلميذاتهم كما في المسلسل، وهل كل أستاذاتنا ومديرات معاهدنا شغلهن الشاغل إقامة علاقات جنسية مع هذا التلميذ أو ذاك الرجل العابر؟ …

وحتى إن حصلت بعض حالات فماذا تمثل نسبتها؟ 1 بالمائة؟ اثنان؟ ثلاثة بالمائة ولا أعتقد ذلك وسط مئات آلاف من منظوري وزارة التربية … ومن يقول أكثر عليه بإجبار الوزارة على التحقيق العاجل ويكون معها فيه، ثم أين منظمات الأولياء والتربية والأسرة؟ لو كانت معاهدنا على شاكلة معهد سامي الفهري، فمن الأحرى غلق مؤسساتنا التعليمية وإحالة ميزانية الوزارة نحو قطاعات أكثر احتياجا كالشؤون الاجتماعية أو الثقافة أوالفلاحة والصيد البحري … بل ربما نضع كل ما نملك بين يدي الأمن والقضاء حتى يقضيا القضاء المبرم على الداء الذي استفحل ويهدد بنسفنا من الجذور …

فلوجة في جرئه الثاني لم يشذ عنه في الجزء الأول … لا بل هو يستمر في شذوذه الآخر … عن كل ما هو مجتمع وأعراف وقيم ولنقُلْ أيضا، مسؤولية … فالعمل الدرامي ليس مجرد نقل للواقع (هذا إذا كان واقعا) بل فيه طرح ورسالة وتأثير مباشر خاصة مع طغيان الصورة ووسائل الاتصال الحديثة … الفهري ومرؤوسته سوسن الجمني، يتملّحان طولا وعرضا بما يمكن أن ينتج في مجتمعنا من تغيير سلوكات جراء ما يعرضانه في كل مسلسل …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

هل ستقع المواجهة بين إيران والكيان الصهيوني؟

نشرت

في

الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين - هل تملك اسرائيل ان توجه  ضربتها الى إيران؟

لم تكن التهديدات من هذا الطرف او ذاك توحي بخطر شن حرب بين إيران و اسرائيل، ذلك ان طهران كانت عمليا تتفادى مواجهة مباشرة مع اسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة وتعي بان الكيان اللقيط لا يعدو أن يكون إحدى ثكنات القوة الأعظم.

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari
محمد الزمزاري

و لم يتهور الايرانيون المعروف عنهم العمل بصمت و عقلانية و تقبل بعض الخسائر المفترضة و المنتظرة مقابل تنويع مواطىء اقدامهم و تركيز مواقع قد تخدمهم لاحقا دون أي تسرع عاطفي ممثل في رد فعل غير محسوب الهدف او النتائج … لقد دفعت إيران قرابين كثيرة منذ التسعينات ضحايا لاغتيالات الموساد و المخابرات الأمريكية المتعاونة من تفجير مراكز نووية إلى اغتيال علماء او قيادات عسكرية هامة و الظاهر ان الإيرانيين يرسمون أهدافهم الاستراتيجية على المدى الطويل والتي يعتبرونها اهم بكثير من صراعهم مع الكيان الصهيوني… وقد نجحت لحد الان السياسة الإيرانية في تركيز اذرع في عدد من البلدان العربية ذات مكانة استراتيجية هامة مثل سوريا و العراق ولبنان و اليمن، وهي ساعية اليوم لغرس امتداد لها بالأردن، كما عمدت خلال هذه الأسابيع إلى دعم حكومة السودان ومدها بالطائرات المسيرة التي قلبت موازين المعارك ضد قوى الدعم السريع.

لكن الحدث الذي جد اخيرا و الذي تمثل في ضرب الصهاينة للقنصلية الإيرانية بسوريا والقضاء على واحد من اكبر القيادات الحربية و التنسيقية قد يؤجج ما كان كامنا بين الكيان وطهران. فإسرائيل ترغب منذ سنوات في توريط حلفائها الأمريكان في حرب ضد إيران وقد تراءت لنتنياهو فرصة سانحة للدفع نحو هذه الحرب المرغوب فيها اولا و لتمديد بقائه في الحكم و إتمام خططه النازية من تهجير و مجازر و تدمير لغزة و لاحقا للضفة الغربية، وهنا لم يبق لإيران بد من رد فعل قوي لحفظ ماء الوجه و تأديب الكيان الذي تجاوز الخطوط الحمراء و ضرب القنصلية الإيرانية التي تمثل سيادتها و صورة قوتها أمام الجميع وخاصة لدى اذرعها وأنصارها في المنطقة.

ومنذ ساعات أعلنت المخابرات الروسية عن تحديد ضربات او حرب خاطفة ممكنة الوقوع قريبا جدا و دعت مواطنيها لملازمة الحذر بالشرق الأوسط وخاصة بالكيان الصهيوني و منذ اكثر من ساعة دعت الولايات المتحدة مواطنيها في الأرض المحتلة وتل أبيب خاصة الى نفس الحذر. اذن فالوضع قابل جدا لوقوع حدث هام مدمر ليس باسرائيل فقط لكن أيضا بايران اعتمادا على ان الكيان الصهيوني يرغب فعليا في خلق مواجهة مع ظهران ستقودها الولايات المتحدة دون شك.

هل ستصدر الضربة الإيرانية انطلاقا من قاعدة احد اذرعها؟ هل سيكون الهدف محطة ديمونة النووية او ايلات او تل ابيب؟ اظن ان ضرب تل أبيب مستبعد مما يبعث على الظن بان الهدف المحتمل هو: إما إحدى السفارات الاسرائيلية في بلد خليجي او قصف إحدى المدن او المطارات الكبرى بالكيان الصهيوني. فيما يبدو أن الولايات المتحدة لا ترغب حاليا في خلق بؤرة حرب جديدة مكلفة قبل انتخابات نوفمبر القادم و لن تصل اية ضربة مهما كانت صدمتها إلى دفع بايدن إلى رد فعل ضد إيران …

أكمل القراءة

صن نار