تابعنا على

جور نار

هل يصبح رأسي مطلوبا … من حلف الناتو؟!

نشرت

في

كنت في مقهى الحي حين فاجأني أحد الأصدقاء بالارتماء في حضني يقبّلني يمنة ويحاول يسرة…استغربت الأمر وسألته ما بك يا عمّار؟ قال ضاحكا: لا تريد أن تقول وتكشف ما ازدان به فراشك يا “مهف” أربعة فرد ضربة…أربعة يا فريد شوقي…أربعة يا شورّب…أنت حطّمت الرقم القياسي لهذه الأجيال؟

محمد الأطرش Mohamed Alatrash
محمد الأطرش

استغربت حديثه وضحكاته وسألته: “اش تحكي يا همّ اش تحكي؟” قال ضاحكا دائما: “باقي مطفي الضوء ما تحبّش تخلّص المبروك”…قلت مستغربا: ما الأمر وعن أي مبروك وأمر تتحدّث؟ قال: ألم تعلم …؟ “كلّم الدار تو يحكولك” كنت مارا من أمام بيتك حين رأيت الحشود تدخل للتهنئة فسألت فقيل لي ما تنكره أنت وتخفيه؟ تهنئة…؟؟… عن أية تهان يتحدّث هذا المعتوه قلت في خاطري…ما الحكاية؟ مسكت هاتفي وهاتفت زوجتي …لم تردّ…غيرت وجهتي إلى ابنتي فردّت صارخة دون أن تسمع السؤال: “بابا…بابا …أمي جابت أربعة…” شعرت بدوار وارتفاع في الضغط لم أعهده سابقا، انا الرياضي الذي لا شيء يؤلمه ولا شيء يهزّه…وشعرت بمغص لا أعرف أين…وانتفاخ في بعض الأعضاء والأطراف…أجبت: أربعة…”فرد مرّة…شنوة تحكي… وينهم توّة؟” أجابت” هنا في المنزل كل نساء الحي حولهم يغنون ويضحكون ويهتفون باسمك واسم أمي…واسم عمّ الكوني !

كدت أسقط أرضا مما ترويه ابنتي…تماسكت وقلت في خاطري أيمكن أن يكون هذا الأمر حقيقة…ومن يكون عمّ الكوني هل هو طبيب توليد؟ هل يعيد التاريخ نفسه فتلد زوجتي كما ولدت سارة زوجة سيدنا إبراهيم اسحاق وهي في سنّ لا تسمح لها بذلك؟ تمتمت ولعل الأمر وكل ما يقال حقيقة وواقعا…فالله قادر على كل شيء…فهو يقول للشيء “كن فيكون” لكن أربعة “كمكوش واحد”…”يا دين الزكش” وضحكت غصبا عنّي …وتمتمت “يا فحل انت” طبعا أخاطب نفسي… ونظرت إلى من حولي رافعا رأسي مفاخرا بالإنجاز التاريخي الذي حققته اليوم … فأنا حققت معجزة لم ينجح في تحقيقها الملايين من البشر قل المليارات من البشر…”أربعة فرد ضربة يا دين الربّ”… ونظرت إلى أسفل بطني ضاحكا متمتما متوعدا ومهدّدا بالويل والثبور وعظائم الأمور …فأنا أنجزت ما لم يقدر عليه 25 جويلية فجماعته فشلوا في كل مساعيهم، وأنا ودون أن أخطّط للأمر حققت رقما في نسبة النمو قد يصعب على أجيال وأجيال تحقيقه…

التفّ حولي الجماعة…وهم الفحّام…والجزار…والحلاق…وبائع السمك…والسمسار…والغبار…والطبال…و”الطهّار” و”مولى الباش” وهو الذي يوفّر لنا خيمة كبيرة للمناسبات بمعلوم يثير الدوار في جيوبنا… أخرج الفحّام ورقة بخمسين دينارا وقال “خوي العزيز ألف مبروك يتربّوا في عزّك…وهذي نحيلتهم”…والتفت لي الجزار واحتضنني وقال: سألغي كل ديونك (وكأني به انتحل صفة صندوق النقد الدولي) وهذه مائة دينار على الحساب عن كل ما ستعانيه من مصاريف…ولك منّي كيلو من الكبدة يوميا لمدّة أسبوع…ارتمى الحلاّق يقبّلني ويقول ضاحكا:” اعطيني الوصفة كيفاش عملت وكيفاش درت أربعة شنوة تاكل يا سخطة…يا همّ؟؟ ووعد نحجملك بلاش عامين كاملين…كالرضاع حولين كاملين”…

 ضحكت ملء شدقي وقلت رافعا راسي ماسكا بشنبي أفتله يمنة ويسرة رغم قصره: إنه القدر يا جماعة…إنه القدر…وقوّة الايمان…(خلت نفسي للحظات شيخا من شيوخ علوم الفقه والإنجاب والمعاشرة)… أنتم تعلمون أني أمارس رياضة المشي كثيرا …وفنون القتال منذ الصغر…وعليكم بـــ”الحلبة” يوميا صباحا مساء وقبل العشاء (قلتها نافخا صدري وانا ارمق كل من حولي بعين فوقية)…وستنجبون قطيعا كالقطط والأرانب…فضحكوا جميعا…وجاء دور بائع السمك ليحتضنني مهنئا وهو يقول: “حوتك على خوك شهر كامل يا ترميناتور” …نظر إلى “مولى الباش” وقال بعد أن هنأني بالولدان ” تحبّش نجيبلك “باش” للناس اللي باش تجيك تهنّي، الدنيا باردة البرّة وصرد؟” قلت: لا داعي فالأمر لا يستحق كل هذا الهرج؟؟ فمدّ يده إلى جيبه وأخرج ثلاث ورقات من فئة العشرين دينارا وقال هذا لأم الأربعة…ضحكت وقلت: “نرجعهملك في الأفراح”…وأنا أستعد للمغادرة التفت إلي “الطهّار” قائلا: ” ما تنسانيش راني طهّار محترف وعندك طهور بلاش اذا كانوا أربعة…”….وأخرج من جيبه قطعة حلوى قائلا “خلّي حتى يكبروا…” …

خرجت من المقهى قاصدا المنزل وأنا في حالة “ازبهلال” قصوى لا أعرف ماذا أقول ولا ماذا سأفعل…اعترضني العديد من الأصدقاء وجميعهم علموا بالخبر …فامتلأ جيبي بما جاد به كل من اعترضتهم وهم يتهامسون ويتساءلون كيف فعل ذلك في هذه السنّ …أحدهم قال “ترميناتور” والآخر قال ” سبارتاكوس” والآخر قال “يا فحل الفحولة”…هكذا غزت قصّتي مع الأربعة كل أرجاء المدينة…والأغرب من كل ذلك هو أني لم أترك الهاتف ولو لدقيقة واحدة…فهذا وزير سابق سعيد بما وقع معي…والآخر صديق مشاكس اسمعني ما لم اسمعه منذ عقود…والآخر شاب مخمور سمع بالخبر فاسمعني كل ألقاب الدنيا…وقال أنا أفاخر بأني عرفت “النمرود” بشحمه ولحمه وانجازاته…وأحد المشاكسين هاتفني من الرباط وقال “مبروك ياجوج وماجوج كنت متأكدا أنك “أنت اللي باش تجيبهم”…هكذا انقلبت حياتي في ظرف ساعة من الزمن…”الله يهلكك يا عمّار يا من جاب الخبر”…

قبل وصولي إلى المنزل قلت في خاطري وجب ألا أدخل المنزل دون بعض المشتريات التي قد نحتاجها لمن سيزوروننا هذا الاسبوع للتهنئة…أخرجت ما جاد به الأصدقاء فوجدت رقما يضاهي كل الديون المتخلّدة بذمتي من تجار الحي والاحياء المجاورة…صرفت كل ما جاد به الأصدقاء وعدت فرحا مسرورا و”مصرورا” إلى المنزل وأنا أتمتم “اشنوة باش نسميهم الفزاغل أنا توّه…يسموهم خوتهم…واحد ميسي والأخر رونالدو…والآخر قيس…لا لا قيس مستحيل…وزعمة أولاد الكلهم وإلا بنات…ومنين باش نجيبلهم الحليب وهو حتى نلقى الحليب لروحي…نوحي نوحي ما لقيتاش لروحي؟؟” امتطيت سيارة اجرة “تاكسي” فالحمل ثقيل لا أقوى على ايصاله إلى المنزل على القدمين…نظر إلي السائق “أيه مبروك عمّ النمرود أما انت هرقل… أربعة يا عمّ بربي كيفاش عملت…؟؟؟”…

قلت: ماذا؟ علمت أنت أيضا بالخبر…؟ قال نعم: حدثني العمدة قبل قليل عن الأمر وجميعهم يتساءلون “كيف فعلت ذلك وبأية طريقة؟؟” قلت في خاطري: العمدة أكيد اخبر المعتمد…والمعتمد أكيد أخبر المعتمد الأول…والمعتمد الأول أكيد اخبر الوالي والكاتب العام ورئيس البلدية للإعلام فقط…والوالي أكيد أخبر السيد الوزير هنا وجب إضافة “السيد” لأن الوزير أقرب إلى الربّ من الشعب…والأكيد أن الوزير أخبر نجلاء بودن …والأكيد أن هذه الأخيرة اخبرت الرئيس أمير المؤمنين…والأكيد أن أمير المؤمنين اخبر الاتحاد الأوروبي …والأكيد ان الاتحاد الأوروبي اخبر الناتو…والأكيد أن الناتو اخبر البنتاغون…والاكيد أن البنتاغون اخبر ساكن البيت الأبيض…والأكيد أن ساكن البيت الأبيض سيسألني “ماذا تأكل وكيف فعلت ذلك وهات الوصفة..” أنا في ورطة…”ياجوج وماجوج” سيكلفانني غاليا…

وصلت مشارف مضاربي ومضارب القبيلة والعشيرة…فاعترضني حشد كبير من النسوة وهنّ يضحكن ويتمتمن …قلت في خاطري “أكاهو وليت حديث الحومة ونساء الحومة…وسيتندّر الجميع بقدراتي الخارقة…وقد أصبح معبود نساء الحي…وستتغنى النسوة بأغنية “ولد الحي يا أوخياني يكوي كي…يا أوخياني يكوي كي”…قلت في خاطري برّوا يعطيكم كوْية”…

ركلت باب المنزل بقدمي اليمنى كما يفعل رونالدينهو فأنا أحمل أثقالا من المشروبات والبسكويت والمرطبات لمن سيزوروننا للتهنئة اعترضتني ابنتي سألتها اين هم الأربعة؟؟ أجابت: “في الكوجينة …” قلت في خاطري “في الكوجينة اش يعملوا غادي؟؟” فتحت باب “الكوجينة” لاجد قبالتي طاولة صغيرة وفوقها أربع علب حليب …نظرت حولي…وقلت ما الحكاية…؟ أجابت ابنتي: “ما هو أمي كلمت عمّ الكوني ولدو يعرف واحد في معمل الحليب كلمه لقاه في فرانسا يحوس قاله باهي كلم من فرانسا المدير متاع المعمل لقاه في هولاندة يشري في البقر…كلمه قاله توه نبعث فاكس للمعمل تو يبعثولكم ستيكة حليب مع كميون أحمد ولد على الحلايبي…عمّ الكوني تقابل هو وأمي في المرشي عطاها أربعة باكوات…جابتهم الأربعة وروحت…”…وإلى يومنا هذا وأنا في حالة إغماء…فأنا لست النمرود…ولا صلة لي بياجوج وماجوج …وقد يصبح رأسي مطلوبا من حلف الناتو…ولم لا بوتين…أو راسبوتين…لك الله يا وطني…

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

“زيدها شويّة”… أو كيف نُواجه سعير الأرقام في تونس

(من خلال أمثلة حيّة)

نشرت

في

ذكّرني التغيير الذي حصل مؤخّرا على رأس المعهد الوطني للإحصاء (احتمالا على خلفية دكتاتورية الأرقام التي لا تُجامل ولا تُعادي) بجملة من الأحداث والوقائع التي عشتُها شخصيا في أكثر من موقع والمُثبِّتة لعقليةٍ تشكّلت في بلادنا منذ العهود السابقة.

منصف الخميري Moncef Khemiri
منصف الخميري

 مفادُ هذه العقلية  كسْر المحرار إذا باح بنتائج لا تتطابق مع انتظارات المسؤول السياسي، والهروب بصناديق الاقتراع عندما كان يتوقع طلبة التجمع الحاكم عدم الفوز  في انتخابات المجالس العلمية كما كان يحصل في الجامعة التونسية… وعقلية “زيدها شوية” هذه نجد لها أثرا أيضا في نسيج العلاقات الأسرية وفي تعاطي عموم الناس مع الظواهر المختلفة وتفاصيل حياتهم اليومية، لأن الترقيع في ثقافتنا أعلى صوتا دائما من المعالجة الجذرية لمصادر أوجاعنا، وآليات والتسكين والتخفيف والتليين والتقليل والتمسكين منوالٌ قائم بذاته في رُبوعنا.

فعلى سبيل المثال عندما يُنتهك حقّ البنت في الميراث، لا يُجمِعُ أغلب الناس على إرجاع الحق إلى أصحابه بل يجنحون إلى المحافظة على الوضع القائم مع إضافة جملة ترقيعية  “زيدها شوية ووخيّان كيف آمس كيف اليوم” … وعندما تعوجّ حيطان البنّائين المُبتدئين تجد دائما من يحاول التنسيب بشكل ماكر “ثمة شوية عوَج صحيح آما توة باللّيقة تتسوى” … وعندما يعجز بعض الأطباء عن تشخيص مرض ما بدقّة، يسقطون في ما يُشبه تقليعات التنمية البشرية  “والله ما عندك شيْ، المشكل الكل في راسك، عندك برشة هلواس. آقف قدام المراية وصيح مانيش مريض توة ترتاح”…

المثال الأول : نسب النجاح في السنة الأولى بكلية العلوم

في بداية الألفية الجديدة، طلب المسؤول الأول عن مكتب الدراسات والتخطيط والبرمجة التابع للديوان بوزارة التعليم العالي، من رئيس مصلحة متابعة النتائج الجامعية (السيد ت.ع وهو من روى لي تفاصيل الحادثة) مدّه بنتائج آخر السنة الجامعية بالنسبة إلى كلية العلوم بتونس، فلمّا لاحظ أن نسبة النجاح العامة (في كل الاختصاصات مجتمعة) تراجعت خلال ذلك العام من 33 إلى 27 % أشعل سيجارة وسحب منها نفسا عميقا كمن يبحث عمّا يُساعده على ابتلاع نسبة التراجع التي سيُسأل عنها أمام وزيره آنذاك…ثم قال له في شبه توسّل “لا شويّة بالكل سامحني سي فلان، من رايي تزيدها شوية”.

المثال الثاني : في نفس الوزارة

في 2007، عندما انطلق تطبيق منظومة إمد على مراحل وكانت شهادة الأستاذية ماتزال قائمة جزئيا ريثما تحلّ محلّها شهادة الإجازة، طلب الوزير من المدير العام للشؤون الطالبية مدّه بإحصائيات حول مدى إقبال التلاميذ الناجحين الجدد في الباكالوريا على الإجازات الجديدة مقارنة بإقبالهم على الأستاذيات. ولمّا كانت النتائج الأوّلية مؤكدة لتوجّه الناجحين في الباكالوريا أغلبيّا نحو اختيار شهادة الأستاذية بدلا من الإجازة الجديدة، وبالتالي مُخيّبة لآمال من كان يتوقّع أن “إصلاح إمد” سيُعطي أُكله مباشرة بعد الشروع في إنفاذه بما يبرّر وجاهة الاختيار وسلامته، تمّ التشكيك في سلامة الأرقام فأعيد الاحتساب من جديد لتستقر نتائجه على نفس ما عبّر عنه المسح الأوّل، فلم تبق لديهم أية ذريعة سوى تسجيل ذلك على حساب ضعف الإعلام وجهل الأغلبية الساحقة من الأولياء بمزايا النظام الجديد… “وعلى أية حال توة نزيدوها شوية نسبة الإقبال على الإجازات في التدخلات الإعلامية دون تقديم أرقام دقيقة حول المسألة” … كانت هذه هي الفتوى التي أوجدوها للخروج من المأزق.

المثال الثالث : مشاركة التلاميذ التونسيين في تقييم “بيزا”  الدولي

كانت تونس من أولى الدول العربية التي تشارك في البرنامج الدولي لتقييم الطلاب “بيزا”، وذلك منذ سنة 2003، وهو تقييم دولي لقيس قدرة الطلاب في سن 15 عامًا (أي نهاية السنة التاسعة أساسي لدينا) على استخدام معارفهم ومهاراتهم في القراءة والرياضيات والعلوم لمواجهة تحديات الحياة الواقعية كل 3 سنوات. سنة 2015 احتلت تونس المرتبة 65 على 70 دولة مشاركة في الاختبارات (رتبة تقاسمتها تونس مع لبنان ضمن هذا التقييم الذي شمل عيّنة من 540 ألف تلميذ من مختلف أنحاء العالم).

وبدلا من مُواجهة الأسباب العميقة التي أدّت إلى تصنيف تلاميذنا التونسيين في ذيل الترتيب العالمي وهو مؤشر تُنكّس له الأعلام الوطنية لأنه يعكس وضع الوهن الموجع الذي باتت عليه منظومتنا التربوية، اختارت دولتنا أن تُقاطع هذه المحطة التقييمية الكونية مُفرغةً المحرار من زئبقه وضخّه ضمن خطابها الرسمي القائل بأن المؤشرات التي ينبني عليها التقييم صُنعت على مقاس التلميذ الأوروبي والسنغافوري والياباني وليس على مقاس التلميذ التونسي الذي يدرس ضمن بيئة خصوصية ووفق برامج ومناهج خصوصية !

المثال الرابع : 0.4 نسبة نموّ ليست من شِيمنا

دوّن المؤرّخ الجامعي نورالدين الدڨي على صفحته الرسمية يوم 23 مارس ما يلي :

“المعلوم أن المعهد الوطني للإحصاء لا يستنبط الأرقام؛ وليس مطلوبا منه تزويقها؛ فمهمته حسب نصوصه الـتأسيسية : “جمع المعلومات الإحصائية الخاصة بالبلاد و معالجتها و تحليلها و نشرها بالتنسيق مع الهياكل العمومية الأخرى”، وما نشره المعهد مؤخرا عن نسبة النمو الاقتصادي بتونس لسنة 2023 التي حددها ب 4 .0 بالمائة، وعن نسب البطالة : 4 .16 بالمائة، هو انعكاس أمين لقدرات الجهاز الإنتاجي الوطني…”

لكن وكما أسلفنا بالنسبة إلى الأمثلة السابقة، بدلا من مُعالجةٍ رصينة ومتأنية للأسباب الحقيقية والعميقة التي أدّت إلى هذه النتائج الموضوعية، تمّ اللجوء إلى إجراء تحوير على رأس هذه المؤسسة الوطنية ذات الطابع التقني والخِبري الصرف التي ظلّت علاقتها بصاحب القرار السياسي على مرّ السنوات منذ تأسيسها سنة 1969 مُتأرجحة بين نشر الأرقام كما هي أو في أسوإ الأحوال التعتيم عليها وعدم الإدلاء بها قصد التداول العام ولكن (وحسب شهادة عديد الكفاءات التي مرّت بنهج الشّام وتعمل اليوم بمؤسسات دولية وإقليمية مرموقة) لم يحدث أن تمّ تزوير الأرقام أو التلاعب بها.

أستعيد في النهاية ما قاله أحد المفكّرين “يمكنك أن تراوغ رجال الشرطة لكنه من الصعب جدا مراوغة بداهة الإحصائيات”.

.

أكمل القراءة

جور نار

إنت وما جاب العود… عن مسلسلات رمضان

نشرت

في

أخبار مسلسلات رمضان 2024: مواعيد عرض مسلسل فلوجة 2 بطولة ريم الرياحي في  رمضان 2024 والقنوات الناقلة - المشهد

عبد القادر المقري:

لي شبه يقين أن مسلسلاتنا التونسية (تماما كسينمائنا) محظوظة حظا يكسر الحجر كما يقال … فهي أقرب ما تكون إلى تلاميذ ذات فترة من عمر وزارة التربية، وهي تجربة المقاربة بالكفايات … لا أحد يأخذ صفرا، لا أحد يسقط في امتحان، لا أحد يعيد عامه، ولا أحد يتم طرده لضعف النتائج …

عبد القادر المقري Makri Abdelkader
عبد القادر المقري

بل لا قياس أساسا لأي جهد … الكل ناجح، والكل ممتاز، والكل متفوق، والكل نابغة بني ذبيان … والدليل أننا عند نهاية مهرجان من مهرجاناتنا أو عرض فيلم من أفلامنا، لا تسمع سوى الشكر، ولا تقرأ سوى المدح، و لا ترى سوى الحمد على نعمة السينما والذين أدخلوها إلى تونس … تماما كما يحصل عقب كل رمضان مع أعمالنا الدرامية، إن وُجدت … فدائما عندك جوائز لأحسن عمل، وأفضل مخرج، وأبرع ممثل، و أقوى سيناريو، وأكبر وأجمل وأبهى وأمتع وأروع … يا دين الزكش، كما يقول صديقي سلامة حجازي … يعني كل بلاد العالم (بما فيها هوليوود وبوليوود وقاهرة وود ودمشق وود) تنجح فيها أعمال وتفشل أعمال، إلا عندنا فيبدو أننا الفرقة الناجية …

… أو فرقة ناجي عطا الله !

هذه السنة، أتاح لي زميل مسؤول بإحدى الإذاعات أن أتفرج على قسم كبير من مسلسلين تونسيين مرة واحدة… قلت أتاح لي بعد أن رجاني مشكورا أن أدلي برأيي في هذا وذاك، وأنا اليائس منذ أعوام من مستوى مسلسلاتنا خاصة حين جنح معظمها إلى تقليد عمل أعتبره كارثة فنية بكل المقاييس، وهو مسلسل “مكتوب” … وصار الكل يستنسخ منه استنساخ أهل الغناء والمسرح لعرضي النوبة والحضرة طوال الثلاثين سنة الأخيرة … وكيف لا يفعلون وهم وجدوا الوصفة السهلة التي لا تكلّف تعبا ولا وجع رأس … فمثلما بإمكانك أنجاز “عرض” فني لا نص فيه ولا فكرة مبتكرة بل تكديس جملة من أغاني التراث وإلصاق بعضها ببعض، بإمكان الواحد أن “يبيض” مسلسلا لا قصة فيه ولا حوار ولا سيناريو… فقط عندك ركام من عارضي وعارضات الأزياء، يقولون في ما بينهم كلاما من الحزام فما أدنى منه، ويعيشون في بذخ لا تحلم به أميرة خليجية، ويستبيحون القوانين أصغرها وأكبرها، ولا قيم توقفهم ولا منطق ولا نواميس مجتمع … عكعك وهي حالّة معك، كما يردد شباب هذه الأيام …

إذن أخذا بخاطر صديقي، تفرجت صاغرا في اثنين من أعمالنا المعروضة لرمضان هذا العام، قائلا لعل الأمور تحسنت عمّا تركتها، وربما ظلمت مبدعينا الفتيان وهم يفتحون البلدان ويغزون الفضاء في غفلة مني … وبما أن ذلك فاتني على المباشر، فقد لجأت إلى التساجيل التي تبث على الإنترنت، وأطوي الأرض طيا حتى أرى أكثر ما يمكن ولا أتسرع في الحكم على أحد … رأيت إذن جزءا كبيرا من مسلسل “فلوجة 2” على الحوار التونسي، وجزءا مماثلا من “رقوج 1” (بما أنهم يبرمجون لجزء ثان على ما سمعت) … وأعطيت رأيي في حدود ما شاهدت، وواصلت بعد ذلك باقي الحلقات حتى تكتمل الفكرة وأكون بدوري من المحتفلين ختاما بأفضل عمل وممثلين ومخرجين إلى آخر الليستة … وعلى حق …

نبدأ بفلّوجة … هو أولا استمرار لقصة السنة الماضية التي أثارت أكثر من ضجة لدى رجال التعليم ونسائه … والسبب أن احداث المسلسل تدور في وحوالي معهد ثانوي فيه كل شيء إلا الدراسة … مخدرات في قارعة الطريق، علاقات جنسية بوها كلب بين الجميع والجميع، ولادات خارج إطار الزواج وغير ذلك … والعجيب أن احتجاج المربين قابلته عاصفة تبريرية كانت دائما السند الرئيسي لسامي الفهري ومسلسلاته … من نوع: أليس هذا واقعنا؟ ألا تحدث يوميا مثل هذه الفضائح؟ هل ما زال عندنا تعليم؟ ألم يهبط مستوى مؤسساتنا التربوية منذ زمن؟ هل نغطي عين الشمس بالغربال؟ أما كفاكم نفاقا؟؟ … ويصل التبرير إلى ذروته بالتهجم على الأساتذة أنفسهم … “ماهي جرايركم” … “ما هو من جرة” انغماسكم في الدروس الخصوصية وإهمالكم لعملكم الأصلي … “ماهي نقاباتكم” وإضراباتكم ومطالبكم وزياداتكم المتلاحقة، وبسببها أفلست المعاهد وصارت بؤرا فاسدة، فيما هرب الجميع إلى التعليم الخاص… وغير ذلك وغير ذلك …

ولم يقل أحد من هؤلاء لسامي الفهري: وأنت، ما غايتك من الترويج لهذه المظاهر؟

وبقطع النظر عن صحة كل هذا في المطلق، والإحصائيات التي ما زالت لصالح التعليم العمومي في الباكالوريا وغيرها مهما حصل … فإن هذا التعميم يظلم كثيرا من أهل التعليم الأوفياء وجهدهم في إنجاح تلاميذهم وتمكينهم من مستوى جيد دون مقابل عدا مرتب شهري بعرق الجبين … كما يحط هذا التقييم الشمولي من قدر أبنائنا وبناتنا المربين والمربيات الأشراف وأغلبهم يتمسك بفضائلنا وأخلاقنا … فهل كل أساتذتنا متحرشون بتلميذاتهم كما في المسلسل، وهل كل أستاذاتنا ومديرات معاهدنا شغلهن الشاغل إقامة علاقات جنسية مع هذا التلميذ أو ذاك الرجل العابر؟ …

وحتى إن حصلت بعض حالات فماذا تمثل نسبتها؟ 1 بالمائة؟ اثنان؟ ثلاثة بالمائة ولا أعتقد ذلك وسط مئات آلاف من منظوري وزارة التربية … ومن يقول أكثر عليه بإجبار الوزارة على التحقيق العاجل ويكون معها فيه، ثم أين منظمات الأولياء والتربية والأسرة؟ لو كانت معاهدنا على شاكلة معهد سامي الفهري، فمن الأحرى غلق مؤسساتنا التعليمية وإحالة ميزانية الوزارة نحو قطاعات أكثر احتياجا كالشؤون الاجتماعية أو الثقافة أوالفلاحة والصيد البحري … بل ربما نضع كل ما نملك بين يدي الأمن والقضاء حتى يقضيا القضاء المبرم على الداء الذي استفحل ويهدد بنسفنا من الجذور …

فلوجة في جرئه الثاني لم يشذ عنه في الجزء الأول … لا بل هو يستمر في شذوذه الآخر … عن كل ما هو مجتمع وأعراف وقيم ولنقُلْ أيضا، مسؤولية … فالعمل الدرامي ليس مجرد نقل للواقع (هذا إذا كان واقعا) بل فيه طرح ورسالة وتأثير مباشر خاصة مع طغيان الصورة ووسائل الاتصال الحديثة … الفهري ومرؤوسته سوسن الجمني، يتملّحان طولا وعرضا بما يمكن أن ينتج في مجتمعنا من تغيير سلوكات جراء ما يعرضانه في كل مسلسل …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

هل ستقع المواجهة بين إيران والكيان الصهيوني؟

نشرت

في

الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين - هل تملك اسرائيل ان توجه  ضربتها الى إيران؟

لم تكن التهديدات من هذا الطرف او ذاك توحي بخطر شن حرب بين إيران و اسرائيل، ذلك ان طهران كانت عمليا تتفادى مواجهة مباشرة مع اسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة وتعي بان الكيان اللقيط لا يعدو أن يكون إحدى ثكنات القوة الأعظم.

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari
محمد الزمزاري

و لم يتهور الايرانيون المعروف عنهم العمل بصمت و عقلانية و تقبل بعض الخسائر المفترضة و المنتظرة مقابل تنويع مواطىء اقدامهم و تركيز مواقع قد تخدمهم لاحقا دون أي تسرع عاطفي ممثل في رد فعل غير محسوب الهدف او النتائج … لقد دفعت إيران قرابين كثيرة منذ التسعينات ضحايا لاغتيالات الموساد و المخابرات الأمريكية المتعاونة من تفجير مراكز نووية إلى اغتيال علماء او قيادات عسكرية هامة و الظاهر ان الإيرانيين يرسمون أهدافهم الاستراتيجية على المدى الطويل والتي يعتبرونها اهم بكثير من صراعهم مع الكيان الصهيوني… وقد نجحت لحد الان السياسة الإيرانية في تركيز اذرع في عدد من البلدان العربية ذات مكانة استراتيجية هامة مثل سوريا و العراق ولبنان و اليمن، وهي ساعية اليوم لغرس امتداد لها بالأردن، كما عمدت خلال هذه الأسابيع إلى دعم حكومة السودان ومدها بالطائرات المسيرة التي قلبت موازين المعارك ضد قوى الدعم السريع.

لكن الحدث الذي جد اخيرا و الذي تمثل في ضرب الصهاينة للقنصلية الإيرانية بسوريا والقضاء على واحد من اكبر القيادات الحربية و التنسيقية قد يؤجج ما كان كامنا بين الكيان وطهران. فإسرائيل ترغب منذ سنوات في توريط حلفائها الأمريكان في حرب ضد إيران وقد تراءت لنتنياهو فرصة سانحة للدفع نحو هذه الحرب المرغوب فيها اولا و لتمديد بقائه في الحكم و إتمام خططه النازية من تهجير و مجازر و تدمير لغزة و لاحقا للضفة الغربية، وهنا لم يبق لإيران بد من رد فعل قوي لحفظ ماء الوجه و تأديب الكيان الذي تجاوز الخطوط الحمراء و ضرب القنصلية الإيرانية التي تمثل سيادتها و صورة قوتها أمام الجميع وخاصة لدى اذرعها وأنصارها في المنطقة.

ومنذ ساعات أعلنت المخابرات الروسية عن تحديد ضربات او حرب خاطفة ممكنة الوقوع قريبا جدا و دعت مواطنيها لملازمة الحذر بالشرق الأوسط وخاصة بالكيان الصهيوني و منذ اكثر من ساعة دعت الولايات المتحدة مواطنيها في الأرض المحتلة وتل أبيب خاصة الى نفس الحذر. اذن فالوضع قابل جدا لوقوع حدث هام مدمر ليس باسرائيل فقط لكن أيضا بايران اعتمادا على ان الكيان الصهيوني يرغب فعليا في خلق مواجهة مع ظهران ستقودها الولايات المتحدة دون شك.

هل ستصدر الضربة الإيرانية انطلاقا من قاعدة احد اذرعها؟ هل سيكون الهدف محطة ديمونة النووية او ايلات او تل ابيب؟ اظن ان ضرب تل أبيب مستبعد مما يبعث على الظن بان الهدف المحتمل هو: إما إحدى السفارات الاسرائيلية في بلد خليجي او قصف إحدى المدن او المطارات الكبرى بالكيان الصهيوني. فيما يبدو أن الولايات المتحدة لا ترغب حاليا في خلق بؤرة حرب جديدة مكلفة قبل انتخابات نوفمبر القادم و لن تصل اية ضربة مهما كانت صدمتها إلى دفع بايدن إلى رد فعل ضد إيران …

أكمل القراءة

صن نار