تابعنا على

جلـ ... منار

وديعة هيكل

نشرت

في

أخيرا.. استقرت وديعته في مكتبة الإسكندرية، أوراقه ووثائقه، مراسلاته ومقتنياته.

كل شيء يحاكي مكتبه الشخصي، كأنه في موضعه المعتاد، لكن لم يكن ممكناً أن يطل هو نفسه على ما جرى إنجازه وحلم به طويلاً وكثيراً .

عبد الله السنّاوي

لسنوات طويلة ساورته مخاوف وشكوك من أن تصل يد التخريب المتعمد إلى وثائقه وأوراقه، حفظها مرتبة بصورة تسهل استدعاء ما يريد منها عند الحاجة إليها، فكل وثيقة مرقمة في مجموعتها، وكل قائمة محفوظات تشير إلى ما فيها.اتجه تفكيره مرة بعد أخرى، عقداً بعد آخر، أن يكون مستقرها في مؤسسة مصرية مثل “جامعة القاهرة”، أو “دار الكتب”، لكنه لم يكن مطمئناً إلى أنها سوف تكون بعيدة عن انتقام السلطات، أو محاولات تخريبها بصورة أو أخرى.

فكر فى الاستجابة لدعوة من مؤسسة “الأهرام” لاستضافة ذخائره من وثائق وأوراق، وجرت اتفاقات عصفت بها تغييرات في رئاسة المؤسسة العريقة، ولم يكن يريد أن يضع ما لديه في مهب التحولات.

مع أسبابه للقلق على سلامة الأوراق والوثائق مال إلى أن تظل في مأمنها، وكتب وصية سجل فيها بالتفاصيل ما يتعين فعله والضمانات الضرورية لحفظ أمانتها إلى أجيال جديدة.. غير أن ضغوطا تصاعدت عليه من مقربين وأصدقاء وداخل أسرته دعته أن يحسم موقع مؤسسته ومستقر أوراقه ووثائقه في حياته ولا يحيل عبء مسئوليتها لمن بعده.

في نوفمبر (2005) تصور أن هناك فرصة لإتاحة أوراقه ووثائقه ومكتبته التي تضم عشرات آلاف الكتب أمام الباحثين والصحفيين وكل من يطلب أن يطل على تاريخ بلاده موثقاً .

خفتت مخاوفه رغم انتقاداته المطردة للحكم، التي زادت درجة حدتها منذ محاضرة الجامعة الأمريكية الشهيرة في أكتوبر (2002)، التي تطرق فيها إلى سيناريو “التوريث” وضرورات التحول الديمقراطي، إذ بدت السلطة مشغولة بما بعد رئيسها وهاجسها مشروع التوريث والتاريخ بوثائقه لا يعنيها.

بصياغته : “لم أعد معتقداً أن ورقي مطارد”.

استقر تفكيره على إيداعها في مؤسسة تحمل اسمه وذهب إلى نقابة الصحفيين لاستئجار دور كامل يخصصه لوثائقه وأوراقه وظنه أنها سوف تكون متاحة أمام الأجيال الجديدة من الصحفيين عند ترددهم على نقابتهم، لكنه بعد أن قام بتسديد قيمة التعاقد تنازل عنها للنقابة التي ينتسب إليها وتراجع عن الفكرة، خشية أن يجد أوراقه ووثائقه وكتبه في مرمى الاشتباكات المتكررة بمحيط شارع “عبدالخالق ثروت”، الذي يضم إلى نقابة الصحفيين نقابة المحامين ونادي القضاة.

أخذت الفكرة تبحث عن مكان آخر أكثر أمناً لسلامة وديعته للأجيال القادمة.في ذلك الوقت كتب على ورق تصوراته لـ”مؤسسة محمد حسنين هيكل للصحافة العربية”، التي قرر أن تضم كل ما لديه من وثائق ومحاضر وأوراق وكتب.بعد ثورة “يناير 2011” طرحت عليه أسرته أن يكون بيته الريفي في “برقاش” مقرّا لمؤسسته،

استمع لما عرض عليه من “أصحاب الحق فى الإرث” مدركاً “أن المسألة أكبر من أن تكون تركة أو إرثاً “، لكن العرض دعاه أن يحسم موضع الوثائق والمؤسسة معها، متصوراً أن “المكتبة ينبغي أن تظل فى مكانها ببرقاش لا تنقل لمكان آخر”.

أعدت التصميمات لإحالة مزرعة “برقاش” كلها إلى الخدمة العامة ووضعت وقفية قيمتها (5) ملايين دولار تحت تصرف المؤسسة والقائمين عليها.

انتابه قلق من المكان عندما طلب أن ينظر في صور “غوغل إرث” للمنطقة المحيطة.”لم تكن الصور مطَمْئنة وحزام القلق الاجتماعي ظاهر عليها”.طمأن نفسه بأن “المنارات الفكرية في أحزمة القلق الاجتماعي تكسبها شيئاً من التنوير وإطلالاً مختلفاً على عوالم جديدة”.

ما إن بدأ يطمئنّ إلى اختياره الأخير الذي قطع فيه زمناً طويلاً حتى فاجأته جحافل الظلام يوم فض اعتصامي “رابعة” و”النهضة” تنقضّ بقسوة لم يتحسبها ولا خطرت على باله في أكثر الاحتمالات سوداوية وتشاؤما.

دمرت تماماً النسبة الأكبر من وديعته.تصدُق في قصة وثائقه وأوراقه الحكمة العربية المتوارثة “لا يغني حذر من قدر”.

بعد ست سنوات على رحيله استقرت أوراقه ووثائقه وكتبه، أو ما تبقى منها، في مكتبة الإسكندرية، التي كانت قد طرأت على تفكيره في رحلة البحث عن مستقر لوديعته. و مما هو لافت رمزية توقيت افتتاح معرضه الوثائقي مع مرور (80) سنة بالضبط على أول مهمة صحفية لشاب في التاسعة عشر ة من عمره عند حافة الحياة والموت في حرب العلمين.

بدت تجربته في تغطية الحرب، كنقش على حجر، وكان الدرس الأول الذي تلقاه من “هارولد إيريل” رئيس تحرير “الأجيبشيان غازيت”، التي التحق بها للتدرب: “لا ترسل أخباراً، حاول أن تستقصيها وتكتشف خباياها بقدر ما تستطيع، لا نتوقع منك أن تنافس مراسلي الصحف والوكالات الدولية، الظروف لن تمكنك من أن ترسل ما تحصل عليه في برقيات، والحل الوحيد أمامك، وهذا ما نطلبه منك أن تدون ملاحظاتك على ما ترى في ميادين الحرب وسير معاركها، وأن تسجل انطباعاتك على ورق أولا بأول على وقع ما يجري أمامك.. وعندما تعود حاول أن تضبط صياغاتها من دون أن تفقدها حيويتها وطزاجتها التي كانت عليها، فالمادة المكتوبة على صياغتها الأولى في وقتها أكثر حياة مما يكتب بعدها”.

وهو يراجع تجربته قال لي ذات حوار: “هذه قاعدة ثبت أنها سليمة، وسليمة تماماً”.

استقرت عنده مبكراً أهمية التدوين، أولاً بأول لما يشاهد ويتقصى من أخبار ومعلومات، أن يرتبها بطريقة منظمة تسهل أن يستدعيها في أي وقت.

وفي تغطياته لحروب وصراعات أخرى، فلسطين وكوريا والبلقان وإيران، تأكدت عنده أهمية الوثيقة كسند للرواية التاريخية والصحفية معاً .وديعته تعطي لمحة موثقة عن مصر ما بين عامي (1952) بجوار “جمال عبدالناصر” و (1974) حين افترقت الطرق والسياسات مع “أنور السادات” ولمحة عميقة أخرى عنه شخصياً، كيف عمل؟.. ولماذا نجح؟

كان يدرك أن الذاكرة الإنسانية، مهما بلغت من قدرة على استعادة الأحداث والوقائع، لها حدود، ثم إن الزمن يلعب دوره بما يؤثر على صدق الرواية، وكان تقديره أن أهم ما عنده هو مجموعة أوراقه الشخصية التي سجل فيها بخط يده ما رأى وما سمع ــ “شبه مفكرات وليست مذكرات”.

قرينة الكاتب الصحفي والمفكر الراحل، محمد حسنين هيكل، توقع اتفاق تسليم أرشيف “هيكل” لمكتبة الإسكندرية .

بصياغته: “لم أترك ما مر أمامي يضيع وإنما حاولت أن أسجله موثقاً “.

” لا أتصور أن ذلك يحمل مظنة أي نوع من أنواع الاحتكار للحقيقة، فما أتيح لي كان متاحاً لغيري، فى مثل ظروفي، وكان الفارق الوحيد أن الكتابة فى يوم من الأيام كانت ــ بحكم المهنة ــ فى خواطري ولم يكن الأمر كذلك لغيري، وإنما طرأ فيما بعد لسبب أو لآخر”.

طوال الوقت طاردته الأسئلة عن مصير ما لديه من وثائق، كتب وألح كثيرون على عودتها إلى مصر، وهو نفسه في مقدمات مجموعة كتبه عن حرب الثلاثين عاما في طبعاتها الجديدة أخذ يتحدث عن الوثائق بمداخلات مختلفة، قبل أن يعترف أخيراً بأنها باتت عبئاً على مشاعره.

كانت المفاجأة الكبرى بعد رحيله أن وثائقه وأوراقه لم تتحرك يوماً من “برقاش”، لا ذهبت إلى لندن ولا أي مكان آخر خارج مصر، كانت تحت البصر طوال الوقت فيما المثقفون يطرحون سؤالهم الملح: “متى تعود أوراق هيكل؟”. في ذلك الوقت عرضت جامعة “أوكسفورد” البريطانية شراء مجموعة أوراقه الخاصة، التي تضم وثائق مهمة للدولة المصرية، ومن تقاليدها السعي وراء مجموعات الوثائق والأوراق الخاصة لشخصيات دولية لعبت أدواراً بارزة في التاريخ الإنساني المعاصر، بما يضفي قيمة مضافة على مكتبتها.

جرت العادة في الجامعة العريقة أن تقدر القيمة المالية لمجموعات الوثائق والأوراق بما تحتويه من معلومات غير متوافرة وبما تغطيه من فترات تاريخية واسعة.وقد قدرت “أوكسفورد” قيمتها بـ(3) ملايين جنيه إسترلينى،

غير أنه اعتذر عن قبول هذا العرض شاكراً لأصحابه فضل الاهتمام والتقدير بما لديه من وثائق وأوراق شخصية، وكان اعتقاده أن مصر، وليس بلداً آخر غير مصر، المكان الطبيعي والمستقر النهائي لوثائقه وأوراقه، التي احتفظ بها لسنوات محفوظة ومصانة خشية أن تتدخل تعقيدات السياسة بما قد يَحرم أجيالا قادمة من حق الاطلاع على وثائق حقبة تاريخية مهمة ومفعمة بالتحولات والحروب والأحلام والكوابيس.

كانت صدمته هائلة، وهو يرى ويعاين حجم التدمير في المكان، وأن ما احتفظ به من ذخائر أمانة لأجيال قادمة كادت تتبدد تماماً .لم يحصر في حياته، ولا كان في طاقته الإنسانية أن ينظر بالتفاصيل فيما أحرق أو لم يحرق، وقد تكفلت بالمهمة الشاقة بعد رحيله حرمه السيدة “هدايت تيمور”.

أرادت بتفانٍ أن تحقق ما حلم به دوماً، أن تودع وثائقه وأوراقه تحت نظر الباحثين والصحفيين وكل من يطلب حقيقة ما جرى في مصر من تحولات وعواصف.

ـ عن “الشروق” المصرية ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جلـ ... منار

فلسطين والأمم المتحدة… أعراف نوادي العراة

نشرت

في

الجزائر تدعم ترشح فلسطين لتصبح الدولة العضو الـ 194 في الأمم المتحدة –  جريدة الجزائر

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً ينصّ على أنّ فلسطين مؤهلة لعضوية الأمم المتحدة، ويوصي مجلس الأمن الدولي بإعادة النظر في هذا الأمر بصفة إيجابية؛ أي على نقيض مشروع سابق في المجلس تقدمت به الجزائر، وصوتت لصالحه 12 دولة، وامتنعت بريطانيا وسويسرا عن التصويت، وأفشلته الولايات المتحدة عن طريق استخدام حقّ النقض (الفيتو) الشهير.

صبحي حديدي
صبحي حديدي

قرار الجمعية العامة حظي بأغلبية ساحقة بلغت 143 صوتاً، مقابل معارضة 9 دول، وامتناع 25 عن التصويت.ورغم أنّ القرار، على أهميته الرمزية العالية، ليست له “أسنان” تنفيذية في نهاية المطاف، ما دام الـ”فيتو” الأمريكي سيفا مسلطا على رؤوس أعضاء مجلس الأمن الدولي؛ فإنّ بعض التمعن في أصوات المعارضة والامتناع يمكن أن تمنح المرء فرصة إضافية لتأكيد ما هو مسلّم به، بصدد توازنات القوى داخل هيئات الأمم المتحدة المختلفة، وطبائع التصويت على مشاريع القرارات عموماً.

أمر مفهوم تماماً أن تكون الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي ضمن أصوات الرفض، فلا جديد هنا ولا مفاجأة ولا خبر أصلاً. مألوف، أيضاً، ومتكرر، أن تلتحق بالصفّ الأمريكي/ الإسرائيلي كيانات مثل ميكرونيزيا، ناورو، بالاو، وبابوا. مفاجئ، قليلاً فقط، أن تنضم إلى رهط الرافضين دول مثل تشيكيا وهنغاريا والأرجنتين، بالنظر إلى أنّ النهج العنصري أو الانعزالي أو الذَيْلية الأمريكية لدى بعض حكامها لا يبرر، على نحو كافٍ، هذا الخيار العدائي.

في صفّ الامتناع عن التصويت تُفهم، أيضاً توجهات دول مثل المملكة المتحدة وألبانيا والنمسا وبلغاريا وكندا وكرواتيا وألمانيا وجورجيا وإيطاليا ولاتفيا وموناكو وهولندا ومقدونيا الشمالية ومولدوفا ورومانيا والسويد وسويسرا وأوكرانيا؛ ولكن… ما الذي يجبر دولاً مثل جزر فيجي وجزر مارشال وباراغوي وفنزويلا على اللهاث خلف الممتنعين؟ وبمعنى التراكم الدبلوماسي، النوعي والكمّي والتاريخي، لدول ذات ماضٍ في الانتماء إلى “الجنوب” أو “العالم الثالث”؛ ما الفارق المقارَن مع المكسيك ومالاوي ومنغوليا والموزامبيق… التي صوتت لصالح القرار؟

ولعلّ خلاصة أولى خلف هذا المشهد الثلاثي، بين قابل ورافض وممتنع، يمكن أن تقتفي الخطّ المعهود حول انقسام المنظمة الدولية إلى نادييَنْ، وليس إلى ثلاثة نوادٍ في الواقع: 1) الأقوياء الخمسة، أمريكا وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا، دائمو العضوية في مجلس الأمن الدولي وحَمَلة ذراع الـ”فيتو”؛ و2) سائر دول العالم، من القويّة بدورها إلى الضعيفة مروراً بمقام المنزلة بين المنزلتين.

هذا التشخيص الكلاسيكي لا يجبّ، مع ذلك أو بسبب منه على وجه التحديد، تلك الخصوصية الاستثنائية الفائقة التي تتمتع بها دولة الاحتلال الإسرائيلي، ضمن مفارقة ناظمة صارخة: أنّ الكيان الصهيوني وليد هيئة الأمم المتحدة، وأنه الأكثر استهتاراً بميثاق وقرارات وسياسات ومعنى وجود المنظمة الدولية. وليس من شطط كبير في الافتراض بأنّ النادي الذي تسرح فيه دولة الاحتلال وتمرح، ليس مغلقاً وحصرياً ونخبوياً ومحظوراً على العوامّ، فحسب؛ بل هو أقرب إلى ناد للعراة، فيه تُنتهك الشرعة الدولية وتُعرّى، بافتراض أنها لا تتعرى إرادياً وتلقائياً.

ولا عجب أنّ مندوب الاحتلال اعتلى منبر الجمعية العامة، وأقذع في شتم قرار أهلية فلسطين لعضوية الأمم المتحدة، وانتهى إلى تمزيق الميثاق الأممي في وصلة مسرحية مبتذلة فاقعة، وقحة وسفيهة أيضاً؛ إذْ كيف لا يفعل إذا كان رئيس حكومته، بنيامين نتنياهو، هو السابق إلى تمريغ المنظمة الدولية بأوحال أشدّ وقاحة وسفاهة، من موقعه كمندوب للكيان الصهيوني سنوات 1984ـ1988؟

ذلك لأنّ نادي العراة الذي تديره دولة الاحتلال داخل أروقة المقر الأممي في نيويورك، ليس سوى فرع واحد من سلسلة نوادٍ لا تبدأ من البيت الأبيض وحده، ولا تنتهي في الكونغرس؛ حيث تتنوّع شروط الانتساب، من دون اختلاف الأعراف المؤسِّسة!

ـ عن “القدس العربي” ـ

أكمل القراءة

جلـ ... منار

اللؤلؤة الصافية… و”أبوحسين”!

نشرت

في

Peut être une image de étendue d’eau

بيني وبين تلك البحيرة قصة عشق عمره 13 سنة،كم من المرات ألقيت بها أكواما من ضغوطي فأعادتها إليّ بهجة وسرورا.

وفاء سلطان
وفاء سلطان

تقاجئت مؤخرا أنها تحولت إلى مستنقع موحل بعد أن كانت أصفى من دمعة العين… قررت أكثر من مرّة أن أتصل ببلدية المدينة لأسألها السبب، ومتى سيتم تنظيفها، ولسبب ما لم أفعل.

اليوم وخلال رياضتي الصباحية رأيت بعض عمال التنظيف، فاقتربت من أحدهم، وسألته عن سر هذا التلوث.

أشار بيده إلى مشروع سكني كبير يتمّ بناؤه على الهضبة الملاصقة للبحيرة، وقال: لم يكن الجدار الاستنادي الذي بنته شركة البناء حول المبنى كافيا لصد مياه المطر، فأثناء العاصفة المطرية التي ضربت المدينة جرفت المياه الهائجة الأتربة وأطنان من الرمال، وألقت بها في البحيرة،

ثم تابع:بلدية المدينة رفعت دعوى قضائية ضد شركة البناء،وأعتقد أنها ربحت القضية، لأنني سمعت أن عمليات استبدال ماء البحيرة وتنظيفها ستبدأ قريبا!

مدينتا مدينة سياحية فيها 53 مصنعا للخمور.عام 2019، أي قبيل وباء كوفيد، دخلها حوالي 3 ملايين سائح، علما بأن عدد سكانها لا يتجاوزون 120 الفا. العناية بها تفوق الخيال، ولذلك استغربت جدا وضع البحيرة حتى فهمت أن القضية وصلت إلى المحكمة، فتأخر مشروع تنظيفها.

أثناء دردشتي مع زوجي ونحن نمشي حولها، قلت له: صدقني أشعر بالأسف على شركة البناء، لقد أكلها المتعهد، وستكون المخالفة كبيرة جدا!

فردّ ببرودة أعصاب كعادته: لاااا تخافي ، هلأ بيطلع مالك الشركة لعند المساعد أبو حسين (وعا فكرة كل المسؤولين العرب عند زوجي اسمهم أبو حسين)، ويرمي له 1000 دولار على الطاولة، فيحل المشكلة.

لم أعد أذكر أي رئيس أمريكي قال:(عندما يفشل القائد هو المسؤول عن فشله،وعندما ينجح يكون الطاقم الذي يشتغل معه مسؤولا عن نجاحه)!

في بلادنا يفشل المسؤول لأن طاقمه يقتصر على اللصوص والحمير في عائلته وعشيرته، من منطلق “الأقربون أولى بالمعروف”.

نعم، إنها ثقافة الغزو وسرقة الغنائم،فكل مسؤول غازٍ، وكل منصب غنيمة.

إذ كان لهم به أسوة “حسنة”

Motif étoiles

أكمل القراءة

جلـ ... منار

من فيتنام إلى غزة.. الانتفاضات الطلابية مجددا

نشرت

في

مظاهرة أمام جامعة كولومبيا في نيويورك تضامنًا مع الطلاب المعتصمين داخلها  للمطالبة بوقف حرب غزة

بعد (56) عاما عادت جامعة كولومبيا العريقة في مدينة نيويورك إلى مركز اهتمامات الرأي العام بإلهام الاحتجاج السياسي وتأثيره على مجريات الحوادث. فى عام (1968) ولد جيل أمريكي جديد يعترض ويحتج على جرائم الحرب في فيتنام، ويرفض التجنيد في الجيش الذي يرتكبها على بعد آلاف الأميال.

عبد الله السنّاوي
عبد الله السنّاوي

كان ذلك داعيا إلى وقف تلك الحرب بعدما افتقدت ظهيرها الشعبي داخل الولايات المتحدة.

نفس الأجواء الغاضبة بنفس المكان تتكرر الآن تحت عناوين جديدة تستنكر التورط في حرب الإبادة الجماعية والتجويع المنهجي بغزة المحاصرة، تطلب وقفا مستداما لإطلاق النار ووقفا آخر لأية استثمارات في شركات تدعم إسرائيل بالتكنولوجيا العسكرية.

كان ذلك المطلب الأخير تطورا غير مسبوق في السياسة الداخلية الأمريكية يضع مستقبل العلاقات مع إسرائيل بين قوسين كبيرين.

“ليس من السهل تجاهل جثة طفل بين ذراعي أمه، ليس من السهل تجاهل الجياع وهم يتدافعون بحثا عن رغيف خبز والرصاص يطلق عليهم، وليس من السهل إزالة الحطام بعد تعرض شاحنات المساعدات لإطلاق النار ومقتل عمال إغاثة إنسانية”.

كان ذلك تلخيصا إنسانيا أوردته صحيفة “نيويورك تايمز” لدواعي الغضب السياسي، الذي اجتاح الأجيال الجديدة.

في المرتين على اختلاف الأزمان والعناوين، نصبت خيام في الحرم الجامعي، جرت صدامات واقتحامات واعتقالات دون أن توقف زخم الغضب. وفي المرتين امتدت التظاهرات والاحتجاجات من كولومبيا إلى كافة جامعات النخبة الأمريكية.

نحن أمام جيل جديد يصطدم مدفوعا بمثله العليا مع مؤسسات الحكم، البيت الأبيض ومجلسي الكونغرس والمدعين العامين وحكام الولايات مستندين إلى رؤساء الجامعات، الذين أخذوا يلوحون بالقبضة الأمنية. حسب قراءة “تشارلز بلو” في الـنيويورك تايمز، فإن الجيل الغاضب على حرب فيتنام أنضجته حركة الحقوق المدنية.. والجيل الغاضب على حرب غزة اكتسب وعيه من الحركات الاحتجاجية ك”احتلوا وول ستريت” و”حياة السود مهمة”. بأثر ذلك الصدام تبدو أمريكا عند مفترق طرق في إدارة صراعاتها بالشرق الأوسط.

سوف يأخذ الصدام مداه قمعا واعتقالا وإغلاقا إداريا وعقابا للأساتذة الذين يدافعون عن حق الطلاب في التعبير عن آرائهم بحرية.

أي صدام مع المستقبل خاسر مقدما. هذه حقيقة مؤكدة. لا يوجد غضب خارج سياق مجتمعه. وهذه حقيقة أخرى. وفق استطلاع أخير في صفوف الحزب الديمقراطي فإن (53%) يعارضون إرسال المزيد من المساعدات العسكرية لإسرائيل. التطور لافت بذاته رغم ما أبدته المؤسسة التشريعية بجناحيها الجمهورى والديمقراطى من استعداد للمضي بعيدا في دعم إسرائيل وغض البصر عما يحيق بأهالي غزة من عذاب فوق طاقة بشر على التحمل.

كان دخول رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” على خط المساجلات الأمريكية الداخلية باتهام الطلاب بـ”معاداة السامية” صبا للزيت على النيران المشتعلة في الصدور، فهو بشخصه وتصرفاته وجرائمه يلخص كل ما يكرهه الجيل الجديد، خاصة بأوساط اليهود الأمريكيين. بالتزامن نشأت حركة احتجاج في جامعة السوربون الفرنسية ضد تورط الرئيس “ايمانويل ماكرون” في الحرب على غزة وتعرضت للقمع.

القمع هو المحرك الأول للتصعيد. كلما أمعنت السلطات في القمع تزايدت مشاعر الغضب. الذين لا يقرأون التاريخ يرتكبون الخطأ نفسه مرة بعد أخرى. تلوح في الأفق مقدمات موجة جديدة من الحركات الطلابية بأنحاء مختلفة من العالم تكاد تقارب مستويات غضب شباب أواخر ستينات وأوائل سبعينات القرن الماضي. في عام (1968) نشأت حركات وانتفاضات طلابية، أهمها وأكثرها دويا الفرنسية والأمريكية والمصرية. اكتسبت انتفاضة مايو في فرنسا تأثيرها الواسع من الأفكار التي صاحبتها والرموز الثقافية والفكرية التي شاركت فيها، ومن الأثار الاجتماعية التي ترتبت عنها.

لكل حركة طبيعة وأسباب تختلف عن الأخرى، لكن يجمع بينها الغضب على ما هو حولها وأمامها وخلفها. انتشرت في تلك الأيام مسرحية الكاتب البريطاني جون أوسبورن:”انظر وراءك في غضب” رغم أنها كتبت في الخمسينات – كأنها بدلالات عنوانها ثورة جامحة على الماضي بكل إرثه. شاعت كتابات الفيلسوف الألماني “هربرت ماركوز” عن دور الطلاب في صناعة التاريخ، واحتلت صور الثائر الأممي “أرنستو تشي غيفارا” جدران المدن الجامعية رمزا للتمرد على سطوة النظم. بدأت تظهر مجلات الحائط على جدران الكليات الجامعية بأقلام “فلوماستر” وروح متمردة. وقد استوحيت من الثورة الثقافية في الصين.

كانت مجلات الحائط في وقتها وظروفها ثورة في حرية التعبير عما تختلج به النفوس دون رقابة، أو مصادرة. ثورة أتاحت أوسع فرص ممكنة للحوارات المفتوحة. في فبراير من ذلك العام الغاضب تبدت في مصر صدمة واسعة على خلفية أحكام مخففة بحق المتسببين في نكسة يونيو (1967) من سلاح الطيران. خرجت تظاهرات في جامعة الإسكندرية تحتج على الأحكام. تطورت مطالبها إلى تعبئة موارد البلاد لخوض حرب تحرير سيناء المحتلة وتوسيع المشاركة السياسية في صناعة القرار. وكانت التظاهرات الطلابية عام (1972)، التي انطلقت من جامعة القاهرة، بحجمها وأثرها، إعلانا مدويا عن ميلاد جيل جديد.

ارتبطت لحظة الميلاد مع نداء استعادة الأراضي المحتلة بقوة السلاح ورفض المماطلة في اتخاذ قرار الحرب. كما ارتبطت بصورة “الفدائي الفلسطينى”، الذي وجد هويته في بندقيته ـ على ما أنشدت أم كلثوم من كلمات نزار قباني. بدت الانتفاضة قوية ومباغتة كأن غضبا مكتوما قد انفجر.

بدأت الشرارة في كلية الهندسة وانتقلت بشرعية غضبها إلى كليات أخرى ومن جامعة القاهرة إلى جامعة الأزهر، ثم إلى جامعات ثالثة ورابعة وخامسة. السيناريو نفسه يكاد يتكرر الآن بحذافيره في جامعة كولومبيا، إنها الروح الجامعية الشابة في كل مكان.

في العام التالى (1973) تحركت في جامعة القاهرة انتفاضة طلابية جديدة، كما لو أنها استئناف لانتفاضة (1972). انتقلت الانتفاضة الجديدة بأجوائها إلى الجامعات المصرية الأخرى تحت نفس المطالب: تهيئة الجبهة الداخلية للحرب وتوسيع المشاركة في صنع القرار. جرت تظاهرات واعتصامات وتكرر سيناريو اقتحام قاعة الاحتفالات الكبرى بقوة الأمن المركزي واعتقال أعداد كبيرة من القيادات الطلابية، سرعان ما كان يجري الإفراج عنهم- كما جرت العادة في تلك الأيام.

أطلقت اتهامات عشوائية تصف جماعات الشباب بـ”القلة المندسة” كتلك التي تتهم الاحتجاجات الأمريكية الجديدة بأنها معادية للسامية، أو أن “حماس” تقف وراءها!! كان ذلك ادعاء لا دليل عليه، إذ تشارك جماعات يهودية عديدة فى الاحتجاجات.

بأثر التضامن الجيلي وقوة الضمير الإنساني تمددت التظاهرات واتسع نطاقها واضطر البيت الأبيض إلى استبعاد اقتراح رئيس مجلس النواب باستدعاء الحرس الوطني لقمعها. لا يمكن مصادرة المستقبل ولا الحجر على الغضب ولا الاستمرار في حرب إبادة غزة دون ردات فعل غاضبة وعواقب وخيمة.

ـ عن “الشروق” المصرية ـ

أكمل القراءة

صن نار