تابعنا على

جور نار

وهل الهالووين غريبُُ علينا ؟؟…

نشرت

في

عاشت وسائل التواصل الاجتماعي يوم 31 اكتوبر على اخبار وتعاليق مهرجان الهالويين في عديد البلدان الغربية وبعض البلدان العربية ..وجاءت جلّ التعاليق مكشّرة عن انياب التنديد دون نسيان موضة التكفير …

عبد الكريم قطاطة

دعوني في البداية اسأل وبعيدا عن تثمين ظاهرة الهالوين او قبولها هل هذه هي المرّة الاولى التي نقلّد فيها الغرب في اشيائه ؟؟ …الم نقلده مثلا في شبابنا ولا اتصوّر انّ شباب اليوم قطع مع ما عشناه نحن في السبعينات وخاصة في امسياتنا المرتبطة باعياد الميلاد التي ننظّمها بمناسبة عيد ميلاد احدنا ..حتى ولوكان عيد ميلاده بعد اشهر المهم عيد ميلاد ولو وهمي …الم نكن نعيش ما يسمّى انذاك البومات (جمع بوم) حيث الموسيقى الغربية الراقصة من دجيرك وتويست دون نسيان الطبق الرئيسي المنشود والاهم السلُو ؟؟؟ هل هذا الرقص استقيناه من نوبات الفلكلور التونسي الصميم او من لوحات زينة وعزيزة وحمادي اللغبابي ؟؟

تقليدنا لكلّ ما يأتي من الغرب دأبنا عليه منذ عقود ومازلنا …رغم اننا قلدناه في اغلب الحالات في قشوره في حين انّه في زمن ما كان هذا الغرب الكافر اللعين كما يصفه البعض ..ينهل من علمائنا وفي كلّ الميادين ليبني من كنوزهم صروح حضارته …

آتي الان الى ظاهرة الهالوين محاولا تشريح خباياها عبر التاريخ ولكن وفي نفس الوقت ساحاول طرح اسئلة هي في جلّها انكارية حول الهالوين عندنا …أبدأ بتشريح كلمة الهالوين من حيث معناها وتاريخها ..وساقف عند العديد من مفاصلها لاضع بين معقّفين ما يناسبها عندنا واحيانا صورا مماثلة منها لظواهر في مجتمعنا العربي عامة والتونسي خاصّة ….

الهالوين هي كلمة انكليزية الاصل HALLOWEEN اي عشيّة القدّيسين {{ ونحن الا نقيم اياما وليالي في زردات من نسميهم بالاولياء الصالحين في كامل ربوع البلاد ؟؟ و آشي ذبايح و آشي بخورات و آشي فلوس تحت السناجق …والله وحده اعلم ان كانوا صالحين او طالحين }} … كانت الهالوين في البداية طبقا لمفهومها الاصلي في الكنائس الغربية، تقام وتكرّس لاستذكار الموتى ..الا انّ الصدر الحنون للبعض (ومن غيرها، الولايات المتحدة الامريكية؟) استأثرت بالظاهرة وطوعتها لمفاهيمها ودائما في اطار فرض كل شيء على العالم بما في ذلك ثقافتها وطقوسها … وتحيى ديموقراطية بلاد العم سام ..

{{ اذن لماذا الاندهاش من هيمنة امريكا على مثل هذه الظواهر ؟ اليس بعض السياسيين يذهبون لعقر دارها راجين متوسّلين ان تتدخّل عمّتهم امريكا في شؤوننا لعودتهم الى الحكم ؟ ثم يلومون مثيلهم في بوسه للاكتاف ..دون الدفاع عنه في تقديري بوس الاكتاف في الاخير افضل آلاف المرات من لعق احذية جماعة العم سام …رغم انو بكلّو زفت }}

من تفاصيل الاحتفال بالهالوين الاعتماد على الخدع وعلى الالعاب المرعبة والملابس الشيطانية {{ ايه واحنا يخخي حياتنا في اغلب ازمنتها موش خدع ورعب وسلوك شياطين ؟؟ }} … من عاداتهم في الهالوين ايضا الامتناع عشية الاحتفال عن اكل اللحوم ..{{ هذه اصبحت عاداتنا ايضا وليس ليوم او عشية فقط بل لاسابيع واشهر }} هم يعوّضون اللحوم باكل التفاح وفطائر البطاطس والكعك المحلّى {{ هذه اصبحت للبعض عندنا اسماء نكرة لا نجهل فقط طعمها بل نجهل حتى معناها تي اكثرشي من الهندي اصبح ثمنه اغلى من كعبة بيفتاك }} !

تطوّر الهالوين عندهم ليدخل عالم السينما ..اصبحت الاستوديوهات المختصة بالهالوين تنتج افلاما محتواها مشاهد غريبة ملابس غريبة ورعب رهيب {{احنا لا حاجة لنا بالافلام لنرى مثل هذه اللوحات، هي تتكاثر عندنا يوما بعد يوم ومهرجانا بعد مهرجان ولعلّ آخر ما ظهر تلك الكسوة التي خرج بها بعضهم _تقولشي تمساح بحر واش قلك اش قلتلك يدافع على قضايا انسانية ومن العيب ان نتنمّر عليه …حسب هاكي الكرونيكارة اللي عاملة فيها حداثية ومتحررة … انا وقت سمعتها اوّل حاجة تذكرتها قولة عادل امام لابلتو في مدرسة المشاغبين وهو يردّ على جملتها _والله دنتو لطاف قوي بقوله _ والله دنتي هي اللي مسخرة }}

اختم بمفصل آخر من مفاصل الهالوين عندهم وهو المتمثل في خروج الاشباح ليلا للشوارع وبث الرعب في من يعترضهم {{ يخخي احنا الاشباح موش منتشرين في شوارعنا ليلا نهارا وكل شبح وغنايتو ؟؟ }}في الاخير واما ما يحدث في حياتنا اليومية ومن الراس لاخمص القدمين وفي كل القطاعات موش هالوينهم اهون من هالوينا ؟؟؟…

3 نوفمبر 2022

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

عن مسلسلات رمضان… المدينة الخالية (2)

نشرت

في

الحوار التونسي تحذف مشاهد من مسلسل أولاد مفيدة، والهايكا تتراجع عن قرارها -  أنباء تونس

منذ أيام حصلت حادثة التلميذ الذي طعن أستاذه بأحد المعاهد وهو مستدير إلى السبورة يكتب له ولأقرانه الدرس… وقد صاح أكثر من معلق: “هاهو أحد نجاحات سامي الفهري في تحويل تلامذتنا إلى منحرفين” …

عبد القادر المقري Makri Abdelkader
عبد القادر المقري

وهل عندنا شك في هذا؟ صح النوم … كذا كلام قلناه وقاله غيرنا منذ عشرين سنة وأكثر … وعن هذا الفهري، فقد نبه المنبّهون منذ الحلقة الأولى من أول مسلسل افتتح به صاحب “كاكتوس” أعماله الدرامية معنا … مكتوب يا مكتوب … ورغم تبرير الجوقة السوداء التي كما قلنا رافقت نكبات الإنتاج السينمائي والدرامي التونسي من سحيق الزمن، وبخّرت للسوء وطوّبت الرداءة وجمّلت القبح وكانت جلد تدهورنا السميك وحاميته من كل مسؤولية وتصحيح، بل من كل نقد … رغم عجاج هؤلاء، فإن الحقيقة ما لبثت أن انكشفت ساطعة قاطعة صافعة في وجوهنا … وما علينا سوى أن نشرب المرّ حتى الثمالة، بعد أن أضعنا وقتا رهيبا في التساهل مع ما لا يمكن التساهل معه …

من اللائق سياسيّا وديمقراطيّا وإعلاميّا، أن ننتصر للحرية وأن نقول لا لهذا المقص أو ذاك الرقيب … عال … ولكن مع من؟ مع الموهوبين الذين يذهبون بنا إلى الأفضل والأعلى والأرقى … الحرية يستحقها الشابي وبودلير ومحمود بيرم وعاصي الرحباني وسيد درويش … الحرية تخدم كثيرا رسوم ناجي العلي ومسرح سعد الله ونّوس ولافتات أحمد مطر … الحرية كان يمكن أن تصعد بنا إلى السماء لو أعطيناها لـ”بشائرنا” الثلاثة: العالم بشير التركي، ورجل الأعمال الوطني بشير سالم بالخيرية، والصحفي الفذّ بشير بن يحمد … الحرية أشعة شمس حُرم منها منور صمادح ونبيل البركاتي وجيلبير نقاش وعبد الجليل الباهي… الحرية كان بإمكانها تحويلنا إلى باريس عربية أيام زخم الثمانينات وتوهّج مبدعينا وانجذاب العرب والعالم إلى عاصمتنا في تلك العشرية المدهشة …

ولكن كما قال لي صديقي الراحل صالح جغام، هل معقول توهب الحرية لعلي شورّب؟ … وهذا للأسف ما حصل … فقد أوصدنا الباب أمام كل أصيل وجميل، وخاف مزالي وبعده “بن علي” من نسمات قلم وطيران نغم وحُقة ألوان… وفي المقابل وبحسابات سياسية غبية أو متواطئة، اطلقا العنان لكل من خدش الذوق ورعى الظلام وقاطع العصر … أحدهم سخر منّي حين قلت إن التغلغل السلفي بدأ مع ترويج ثقافة النوبة والحضرة، وسألني مستنكرا: وهل المزود دعوة إلى السلفية؟ فأجبته نعم نعم نعم … خاصة حين يخرج هذا الجنس الفني من حيّزه العائلي المحدود إلى الفضاء الواسع، ويصبح أنمــــوذج فكر ومنهج تربيــة وسيــــــاسة دولة …

في هذا السياق التدميري جاءت مسلسلات الفهري وما تبعها، وما نُسج على منوالها … ورافق هذا الانحطاط الفني انحطاط إعلامي مع ظهور الإذاعات والتلفزات الخاصة … ويزول العجب عندما يتلازم الانحطاطان ويتزامنان، من نفس اللوبيات المحصّنة والمتروك حبلها على غاربها، بل والمتحكّمة في أعمّ مفاصل الدولة … وإذا كان بعضنا اليوم يتفجّع ـ وهو على حق ـ من انهيار أمن البلاد بعد تفكيك جهاز أمن الدولة، فإن امننا الثقافي والاجتماعي استبيح منذ تفكيكنا كافة آليات الرقابة على المسرح والسينما والتلفزيون إلى آخره … والتعلاّت كثيرة، ولعل أخبثها وأنجعها ضغط الوقت قبيل كل رمضان … فيمطّط الكل عمله إلى ماقبل الشهر بأيام، وأحيانا يبثّون حلقات مسلسل لم يتم تصوير باقي حلقاته … فإذا العمليات تتلاحق، والكل يرجو أن ينهي برمجته دون تأخير، ولا يهمّ مستوى المسلسل ولا محتواه ولا أيّ همّ يصدر فيه … وإذا تحركت الهايكا (بعد فوات الأوان) فهي بالكاد تحاول منع إعادة بث ـ كأضعف الإيمان ـ ونقف هناك …

قال مخرج مسلسل “رقوج” إن الرقابة حذفت له مشهد قبلة، متحسرا على ذلك ومضيفا بأن السينما المصرية كانت تجيز لقطة مماثلة بين عبد الحليم وشادية منذ أفلام الأبيض والأسود، عكسنا نحن في 2024 … ورغم أن السينما تقارن بالسينما، والدراما بالدراما، فهو يعرف قبلي أن لقطة كهذه لا تمر في مسلسل مصري لا سابقا ولا لاحقا ولا بعد عشرين سنة … ما علينا … على كل حال لو صح كلامه واشتغلت فعلا لدينا الرقابة، فيا ليتها تركت له لقطة البوس وفي المقابل، قامت بحذف لقطات أخرى لا يقبلها متحضّر … كتدخين الأطباء والممرضين (وفي محيط مستوصف أيضا!)، أو تعذيب الأطفال وتشغيلهم، أو ضرب المرأة، أو إهانة رجل الأمن أكثر من مرة … وهذا ما تمنعه كافة أجهزة الرقابة في دول تحلمون بالهجرة إليها وإلى ديمقراطيتها…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم … الورقة رقم 27

نشرت

في

Enfant Triste Png, Vecteurs, PSD et Icônes Pour Téléchargement Gratuit |  Pngtree

كانت خربشات لا تتجاوز بضعة اسطر ..وكم من سطر او مجرّد كلمة تهزّ كل ما فينا …فتحوّلنا الى اطفال …نعم الى اطفال … نردّد في داخلنا (يا وردتي ما احسنك ..سبحان من قد انبتك) …

عبد الكريم قطاطة
عبد الكريم قطاطة

خربشاتها يوما كانت عريشة ورود ورياحين ..وكنت كطفل صغير يهديه والده يوم نجاحه وهو يتم حفظ سورة الفجر وروعة نهايتها (يا ايها النفس المطمئنة ارجعي الى ربّك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنّتي) …يعطيه 5 مليمات (اي دورو) ليشتري بها ما يشاء …انذاك “دورو” يعني اصرف وفضّل…فيرقص فرحا على نغمات الدّورو ويتباهى به امام اترابه المعوزين… يختار فقط من هو الاقرب الى قلبه منهم لتقاسم الغنيمة معه، والتي كانت اما قطعا من الحلوى او قطعا من البسكويت “سيّدة” … والتي كانت تساوي القطعة الواحدة منه ملّيما واحدا …

عندما قرأت خربشات صاحبة اللكمة الشهيرة (ما ابلدك) لم اكن اعرف وقتها انها هي صاحبتها .. اسرعت الى الاطلاع على الامضاء فوجدت اسمها ..كنت بجانب الحافلة وكما تعرفون اتلهّى بلحس كورنو الكريمة والتي كانت يومها “جيلاط” وهو ما يعرف الان بـ”سيترون” نصف مثلّج .. عدت الى الاسطر الاولى لاجدها تقول ..اهلا اخي عبدالكريم ..تابعت سلوكياتك منذ مدة فعرفت انك شهم وذو اخلاق عالية وها انا اقبل بحبّك وانا كذلك احبّك …وقتها لم اتفطّن الى كلمة اخي و ما محلّها من الاعراب في رسالة حبّ بين فتاة وفتى !! وقتها لم اتفطّن الى كورنو الجيلاط الذي سقط من يدي دون ان اشعر بذلك ..وقتها كنت صدقا اكثر كفاءة من عبّاس ابن فرناس في الطّيران ….

ما حزّ في نفسي.وقتها انّي لم اجد بجانبي من اقول له بصوت عال “حبّينا واتحبّينا”… وقتها لم اجد من اعرفه حتى اتماهى مع عبدالحليم في معبودة الجماهير وهو يمرّ على كل سكان حيّه ويغنّي بحبّك ..و”يا عنيّ جرى ايه الدنيا احلوّت كده ليه ..يا صحابي يا اهلي يا جيراني ..انا عايز اخذكو في احضاني” … واذا كان العندليب محظوظا وهو يجري بين ازقّة حارته بكل سعادة الدنيا ليعبّر للاخرين عن نغم الحب في كل شرايينه، بعد ان غمرته شادية بالموجة الرائعة وهي تعلن لها عن وقوعها في شباكه ..فانا كنت ذلك السجين بين جدران الحافلة … فوجدتموني عاجزا عن التحليق خارج فضائها وعاجزا عن البكاء داخل فضائها…بكاء؟ … نعم بكاء ..الا تبكون من شلّالات من السعادة ..شلاّلات غامرة جامحة تضيق بها الانفاس ..تتجمّر منها الشرايين (من الجمر الحارق اللذيذ)…

ولكن كيف لي انذاك ان ابكي وانا وسط حشد هائل من الركّاب ..الم يعلّمونا بكل حماقة وجهل “الراجل ما يبكيش” .. وليتهم فهموا ان الانسان ذكرا كان ام انثى ليس فقط من حقّه ان يبكي بل انّ البكاء احيانا هو قمّة المتعة ..وانّه نعمة كبرى ..وانّه كلمات ليست كالكلمات بل هو اروع من الكلمات …ثم حتى لو تحدّيت وقتها تلك المقولات المتخلّفة وكسرت جدار كهوفهم وتمرّدت على قوالبهم البالية (وهو ما فعلته في قادم عمري او على الاقلّ بعضه وما لم يفعله الكثير لحدّ يومنا هذا) ..لو تحدّيت وبكيت …آش ماشي يقولو الركّاب .؟؟؟ اشبيه هذا هبل …؟؟…

صدقا يومها طالت الرحلة رغم انّها لم تختلف عن زمنها المعهود ..ولكن كنت كذلك الفريق الذي يتقدّم على خصمه في النتيجة ويعيش الدقيقتين او الثلاث من الوقت بدل الضّائع وكانّها ساعات ..وعندما يصفّر الحكم النهاية تنطلق صيحات الخلاص ..عندما فتح السائق باب الحافلة لانزل بمحطتنا ..انطلق جنون الخلاص ..وجدت امامي صديقي (لطفي) وهو الملقّب انذا ك بـ”لوريمار” (لاعب فريق ليدز يونايتد الانكليزي ايّام عزّه) ..لطفي هذا كان لاعبا متميّزا في كرة القدم وكان ينتمي لصنف الاصاغر في السي اس اس وهو من الاصدقاء المقرّبين اليّ ويعرف قصّة معاناتي مع (ما ابلدك) .. وجدته امامي عند النزول من الحافلة فانهلت عليه ضربا (ببونية خفيفة) على صدره … كما تفعل جل الفتيات على صدر حبيبهن عندما يشاكسهن … لم يفهم لطفي شيئا … ودزّ عليها: “يا ولدي اشبيك اش ثمّة اش صار؟” … واصلت الضرب ثم قلت له ..هي ..هي ..واعطيته الرسالة …قرأها وعانقني وهو يقول مبروك مبروك ..واخيرا …كان سعيدا وهو يرى فرحي.. نشوتي ..انتصاري .. وحتى يشيّئ الامور ويخرجني من هوسي اضاف: ايّا ان شا الله الي بلّك يرشّنا … وتوجّهنا الى سي المبروك الحمّاص الطيّب واشترينا سجائرنا … يومها كان للسيجارة عندي طعم خاص ..كنت ادخّن مزهوّا كملك ..كسلطان ..ومن مثلي؟ ..عبدالكريم احبّها وبادلته الحب ..

يومها احسست ربما لأوّل مرة اني اصبحت ” راجل ..وعليه الكلام”… يومها انطلقت في رسم ملامح مستقبلي ..كيف يمكن لي ان احقّق حلمي لاتواصل مع من احب اولا ثم كيف يمكن لي ان ابني احلامي مع من احبّتني (هو الحب لعبة ؟؟)… لابد من التفكير في مقوّمات الزواج من الان .المسكن ..المهنة .. تكاليف الزواج …وبداخلي هاجسان اولهما الدراسة…وانا مازلت تلميذ “الرابعة ثانوي” …ثانيهما كيف لي ان اوفّر لوازم العرس وانا المنتمي الى عائلة معوزة ..في تلك السن العقل يكاد يكون مغيّبا عندما نحبّ …في تلك السن يصبح الواحد منّا قارون في ثرائه ..عبدالحليم في رومانسيّته ..وشمشون الجبّار وهو يهدّ الدنيا في قوته ….ذلك هو واقعنا انذاك …مراهقة فكرية وعاطفية …كانت تلك الرسالة الوحيدة التي وصلتني منها انذاك وحتى في الايام القليلة التي كنّا نتقاطع فيها في الحافلة، لم تتجاوز علاقتنا نظرة خاطفة نسرقها بكل حذر خوفا من الاخرين …

وجاءت العطلة وجاء الحرمان الكامل من تلك اللقاءات الحافلية ..وزاد اهتمامي بكل ما هو فن او سينما لاعوّض به عن ذلك الحرمان فكانت ام كلثوم و “عودت عيني على رؤياك”… وكان حليّم حاضرا كعادته بـ “بكرة وبعده”… وحضر محمد رشدي في بداياته بـ”ميتى اشوفك يا غايب عن عيني”… في السينما تطورت علاقتي بنوعيّة اخرى من الافلام …”مورير ديميه” (الموت حبّ لـ”آني جيراردو” كبطلة ..فتاة ريان ..”دكتور جيفاغو” وعمر الشريف…باب الحديد ليوسف شاهين … “ذهب مع الريح” وهو واحد من اروع انتاجات السينما عبر التاريخ …المهم ان ينطلق الفيلم من قصة غرام …مع البعد عن تلك القصص الشرقية التافهة …

في علاقتي بمحيطي العائلي والاصدقاء …زادت نرجسيّتي وتعاظم غروري .._اشكون كيفي … كُريّم لم يعد كُريّم …اصبح في نظر كل من تسرّب له خبر علاقتي بفتاتي “سي عبدالكريم” بالنسبة لمن لي معهم علاقت ودّ وصفاء ..وعلاقات بغض للقليل من الذين هم من فصيلة (اش يحسب روحو ؟؟)… ولم استغرب وقتها او حتى في ما تقدّم من عمري من فصيلة اش يحسب روحو واشكونو هو .؟؟ هذه تفوّه بها حتى من تعلّم ابجدية المهنة عندي ..انّها فصيلة ناكري الجميل في كل عهد وفي كل قطاع الم يغتظ قابيل من هابيل عندما تقبّل الله القربان من هابيل ..؟؟؟ اليست فعلته الشنيعة هي من نوع اش يحسب روحو هابيل ؟؟ … ورغم نكران بعض تلاميذي للجميل فها انا اعيدها لهم وللمرّة الالف ..ما قمت به ليس جميلا بل هو واجب ..وانا لن احقد يوما على احد منكم ولن اصل الى ذلك الحثالة الذي كان ضيفا على بلدنا ..و تشدّق يوما وهو يخطب في انصاره ..موتوا بغيظكم .. ويعني بها من لا يشاركه في الرأي ..بل واذهب ابعد من ذلك، مسامحكم دنيا وآخرة …

انتهت العطلة الصيفية وعدنا الى الدراسة ..انها السنة الخامسة من التعليم الثانوي سنة الجزء الاول من الباكالوريا… .في تلك الحقبة كانت شهادة الباكالوريا نجتاز امتحانها على جزأين ..الجزء الاول في السنة الخامسة والجزء الثاني في السادسة ..وانا تلميذ شعبة الاداب الكلاسيكية اجتاز الباكالوريا في جزأيها بالمواد التالية اجباريا .. العربية ضارب 4 …الانكليزية ضارب 2 … التاريخ والجغرافيا ضارب 2 … العلوم الطبيعية ضارب 2 … الفيزياء والكيمياء ضارب 2 والرياضيالت ضارب 2 مع اضافة الفلسفة في السنة السادسة ضارب 6 والفرنسية والتفكير الاسلامي والعربية شفويا ….نعم نحن تلامذة شعبة الاداب الكلاسيكية نجتاز الامتحانات في كل تلك المواد ولم تكن لدينا مواد اختيارية …

ومنذ اليوم الاول ومع كل دعوات الوالدين بالنجاح كنت اهمس لعبدالكريم : “اليوم اصبحت مسؤولا على مستقبلك وعلى مستقبل تلك التي احببتها ._اعمل الملح في عينيك واقرا على روحك ..تعرف اش يستنى فيك” …هكذا كانت وصيّتي لي ..الا اني ورغم كل ذلك لم استطع يوما واحدا في دراستي ان اصبح “محراث قراية”… بقيت على عهدي ..ادرس فقط وقتما ارغب وكيفما ارغب كمّا ونوعا …وابدا ان “فلّتّ” مباراة في كرة القدم او فيلما سينمائيا او موعدا حافليا (من حافلة) مع فتاة احلامي… وانقضت السنة دون ادنى جديد في علاقتي بها… نظرات ..بعض الابتسامات …”وهزّ ايدك من المرق لا تتحرق”… وفي احيان نادرة جدا ارسل لها سلامي مع اختي او ترسل هي سلاما في كلمات من نوع ما قلّ ودلّ مع نفس ساعية البريد فكرية اطال الله عمرها ومتّعها بالصحّة …

كنت اكره عطلتي الشتاء والربيع رغم كل مغرياتهما الكروية والبولاتية ….انهما تمرّان بتؤدة بالغة ..فكيف لي ان اتحمّل بعاد الحبيبة ..؟؟ وجاءت ساعة الحقيقة في اخر السنة ..امتحان الجزء الاول من الباكالوريا …وعلى عكس ما كان يصوّره لنا الاخرون من هول ذلك اليوم كغول يدمّر الاعصاب ويبعثر التلاميذ، اجتزت كل المواد بروح معنوية عالية تصل حدّ الاستهزاء بمن يهوّل ذلك اليوم ..كنت اتعامل مع اي امتحان وفي كل المواد بمنطق بسيط ..اعطي ما اعرفه دون ان يبعثرني ما لا اعرفه …”متملّح” لكن بايجابية وبعيدا عن العبث …

وجاء يوم الاعلان عن النتائج وانتقلنا جميعا الى الحي للاستماع الى اسمائنا عبر مكبّر الصّوت ..كان بجانبنا اساتذتنا في المواد الرئيسية يترقبون هم ايضا نتائج جهدهم وكدّهم ..وبكل فخر ..وكانت النتائج في معهدنا من افضل النتائج مقارنة بالمعاهد الاخرى (الحي وما ادراك)… وبدأ مكبّر الصّوت يزلزل الارض تحت اقدامنا وحان وقت الاقتراب الى رقمي في شعبة الاداب ..ياه هاهو التلميذ الذي قبلي “نڨّزها” و… ماذا يحدث؟ لم يذكر رقمي ولا اسمي … ذكر اسم من بعدي …هل يعني انه نسي اسمي ..؟؟ هل “مرڨت فيّ” الباك ..؟؟؟ هل انهزم مرسي الزناتي ..؟؟؟ احسست وقتها بدوران رهيب ..حضرت صورة عيادة وهي تنتظر فلذة كبدها ..روحها ..عبدالكريمها … يسعدها ويرفع راسها (امام الحبيب والعدوّ كما تقول هي)..حضرت امامي صورة والدي الذي يبكي لابسط الاشياء في حلوها ومرّها ..حضرت امامي صورة اصدقائي الذين يحبّونني جدا واولئك الذين من فصيلة (اش يحسب روحو)… وحضرت امامي صورة حبيبتي وهي تنتظر فارسها يزف لها خبر حصوله على الجزء الاول من الباكالوريا ..حضرت كل هذه الصور وغابت الباكالوريا …عبدالكريم لم ينجح وسبب خسارته مادة العربية …نعم نلت 6 من عشرين في العربية .نعم تلك الستة ..العاهرة …وكان يكفيني ان اتحصل على 7 من عشرين حتى انجح باعتبار ضاربها المرتفع: 4…

يومها كان بامكاني لو كنت من عشاق بنت العنبة ان اسكر حتّى الثمالة … يومها اشعلت السيجارة من اختها …يومها لم اعرف كيف استطاعت قدماي ان تصلا بي الى منزلي ..كنت مطأطأ الرأس كنت حزينا جدا وكنت صامتا جدّا .. لم يسألني احد عن النتيجة فالاجابة مرسومة على وجهي …وكم كانت نظرات الحزن والالم والصدمة مرسومة علي محيّا عيّادة … والدموع في عيني ابي …والوجوم والاصفرار على اوجه اخوتي ..سيدهم خاب في الباك …هنالك ليلتان في حياتي لم انبس فيهما ببنت شفة . كنت اخرس تماما …ليلة الباكالوريا وليلة خسرنا النهائي ضد الاهلي برادس . وهي ليلة الجلطة الكروية الرهيبة …والتي كان وراءها وعلى عكس ما يعتقد البعض اطراف من داخل تونس هي من اشترت الحكم كوفي ومساعديه حتى لا يكون السي اس اس اول فريق تونسي يشارك في كأس العالم للاندية …_.هاكة اللي مازال علينا …يمشي السي اس اس لاول بطولة عالمية في الكرة الطائرة ببارما ويزيد يمشي هو زادة في كرة القدم … شفتو قدّاش يحبّونا ..؟؟

يومها قضّيت كامل ليلي وفكري يكاد يُختزل في: “ما مصيري كتلميذ فاشل مع تلك الفتاة ؟؟ كيف يمكن ان اقنعها بانتظاري ..؟؟ ثم كيف لي القدرة حتى على النظر اليها في السنة المقبلة وانا “واحد مدوبل وفاشل” ؟؟؟ يا فضيحتك يا عبدالكريم” ….ولم يطلع صبح ذلك اليوم حتى كان قراري جاهزا ..انتهت الدراسة بالنسبة لي ولابد من البحث عن شغل … “ما يلزمنيش نظلم” لا عائلتي التي تكبدت مصاريف دراستي لسنوات ..ولا الفتاة التي احبّها لعلّي اقدر ان اوفّر لها كل ما يلزم لتكوين عش الزوجية يوما ما …اذن يوفى االحديث ….عبدالكريم انس الدراسة وابحث لك عن شغل …يوفى الحديث …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 26

نشرت

في

Dessins Gratuits à Colorier - Coloriage Autobus à imprimer

{ما ابلدك} في حياة كل فرد منا محطات ابدا ان تُلغى من الذّاكرة …ليست بالضرورة مجلّدا في بداياتها .. قد تكون كلمة ..آهة … كلمة .. نبزة .. نظرة .. ولكن قد “تشقلب” التاريخ كلّه …وتبعثر حتى الجغرافيا ..

عبد الكريم قطاطة
عبد الكريم قطاطة

دعوني اقدّم لكم وكتوطئة لـ “ما ابلدك” انموذجا من نماذج شقلبة التاريخ والجغرافيا …. مازلت اذكر في اسابيعي الاولى بباريس اثناء دراستي فيلما بورنوغرافيا شاهدته باحدى القاعات المختصّة لتلك النوعية …كنا ـ نحن البلهاء في عالم العلاقات الحميمة بين المرأة والرجل ـ ننتظر بكل لهفة اكتشاف تلك النوعية ..وبقدر ما كانت مثيرة جدا لغرائزنا بقدر ما كانت مهمّة جدا في تطوير مفهومنا لتلك الحميمية … لاّننا تعلمنا ثم تعوّدنا نحن البلهاء بعد تجربتنا خارج منظومة الداعشيين، ان المراة كائن حيّ له رغباته ومن حقّه علينا الا نكون معه داعشيين …اي نذبحه من الوريد الى الوريد عاطفيا ..فكريا.. اجتماعيا .. وجنسيا ..كنا في جلّنا فصيلة حيوانية همّها الوحيد الركوب متى نشاء ..كيفما نشاء.. دون ايّ اعتبار لـ “متى شاءت وكيفما شاءت”… المرأة عندنا جارية لا يحقّ لها ان تكون لها رغباتها .. لا يحقّ لها ان تكون انسانة ..الانسان هو لقب للذّكر دون الانثى … واذا تجرأت يوما احداهن على المطالبة بحقها الشرعي في حياتها كانسانة نُعتت بـ “هاكي ما تصلحش وماهياش بنت اصل”…ق لت تجرأت لان معظمهن “يبلعو السكينة بدمها” ويدخلن كهف الشقاء المأساوي ..كهف الموت البطيء .. كهف حياة لا حياة فيها …

ذات يوم دخلت القاعة بعد ان انطفأت الانوار وحان وقت الفيلم ..في تلك الفترة لم اكن لاجرؤ على ولوج القاعة حتى اتفادى وجوه الحاضرين ..وهذه بلاهة اخرى لان الحضور لا يمكن ان يكونوا الا من نفس فصيلتي فكيف اخجل منهم ؟؟؟ وعندما فهمت ذلك اصبحت “رقعة” و على حد قول عيّادة رحمها الله “لا تحشم لا تجعر”وتختمها بـ ” يقشّر بهتك”… وها انا ابحث لحدّ الان عن معنى يقشّر بهتك …دخلت القاعة وكان عنوان الفيلم “إيمانويل 2″… لا يهمني انذاك لماذا 2 وماهو إيمانويل 1 .. كل ما همّني يومها الصور البالغة الاثارة للنجمة “سيلفيا كريستيل” المعلّقة على اللوحة الاشهارية لقاعة السينما بالحيّ اللاتيني بباريس … الفيلم يمكن حوصلته في جمل قليلة ..بائعة هوى “تفتّق” جمالا وانوثة، اصبحت ثريّة جدّا باعتبار علاقاتها المتعددة مع الاثرياء طالبي اللذّة …ولأن الثراء في المجتمعات منذ قارون الى حد اثرياء ما قبل وبعد 14 جانفي يصبحون “محترمين جدا” حتى ولو كانوا بائعي لذّة او بائعي كلمات ..فانّ إيمانويل لم تشذّ عن القاعدة … بل اصبحت سيدة مجتمع وفاعلة جدّا في الاعمال الخيرية … وهي خاسرة حاجة ..؟؟؟ تدلل على بدنها، راس مالها ..

الا انها كانت تعيسة جدا في علاقاتها الجنسية مع حرفائها …لم تعرف يوما رغم حرفيّتها المبهرة في مهنتها ..لم تعرف يوما الشيق (قمة المتعة الجنسية لدى المرأة) … الجميع يعتبرها بركان جنس… فقط هي من تّوقن بانها قالب ثلج ….ولا شيء غير قالب ثلج …وان ما تقوم به مع حرفائها قمّة في التمثيل لا غير …إيمانويل هذه كرهت حياتها ..فلا المال ولا الجاه ولا الاسم المجتمعي ما يصنع السعادة ..استفاقت على حقيقة هامة في وجود الواحد منّا … لا سعادة دون توازن بين الروح والجسد … وكم منّا من هم تعساء رغم كل مظاهر البهرج والفرح والسعادة الموهومة ..انه ماكياج ولا شيء غيره … قررت إيمانويل مغادرة البلاد نهائيا بحثا عن توازنها ..وكان الحدث مهمّا بالنسبة لوسائل الاعلام … احدى سيّدات المجتمع ستغادر ..وتحوّلت فيالق الصحفيين لتغطية الحدث ..وصلت السيدة إيمانويل الى المطار وتوجّهت الى مدرج طائرتها الخاصة لتصعد السلّم واضواء فلاشات المصوّرين تلاحقها …وصلت الى اخر السلّم واستدارت وكما يفعل السياسيون لتشير بيدها الى اشباه الصحفيين الذي جاؤوا لتغطية رحيل بائعة هوى … زعمة زعمة سيدة مجتمع… رفعت يدها باشارة الوداع ثم توقفت لحظة و “اُغمن عليّ اُغمن عليّ”… ايمانويل هبطت “ما في عينها بلّة” …

احاط بها حرسها الخاص …والذين لحد الان لم افهم ما معنى ان يقبل الانسان ان يكون كلب حراسة على انسان آخر …و افاقت ايمانويل … وابعدت ايدي الحراس عنها ثم نظرت الى معشر المصورين… نزعت معطفها الحريري… رمت به في الهواء .نزعت حذاءها العالي ..والحقته بالمعطف … واسرعت في نزولها باتجاه احد المصورين التلفزيين ..وصلت اليه وارتمت في احضانه تقبّله بنهم وروح وعشق لم تعشه يوما …وحكت لكل الصحفيين “غريبتها” … قالت: ايمانويل سيّدة المجتمع هذه كما تعتقدون …كانت اتعس امرأة في المجتمع ..اليوم وانا على بعد بعض الثواني من مغادرة بلدي ومغادرة تاريخي وجغرافيتي التقت عيني بعين زميلكم هذا فحدث امر سحري …لقد عشت لاول مرة في حياتي شبقي دون ان يلمسني هذا الرجل … لذلك هو رجل عمري …سابيع كل ما املكه واتبرع به الى الجمعيات الخيرية وساقبل ـ ان قبل هو ـ بالعيش معه في اي كوخ ..وينتهي الفيلم بطرح “اتشقليب” لم تعشه يوما ايمانويل مع اي رجل عرفته… انا ما نقللكم وانتم ما يخفاكم …

في السنة الرابعة آداب حدثتكم عن حدثين كانا هامّين في حياتي ..نكسة جوان …والتي اتينا عليها في الورقة السابقة .. وهاكم الحدث الثاني …كنت كعادتي كل يوم امتطي الحافلة التي تقلّني من ساقيتي الى باب الجبلي كتلميذ من جملة اترابي ..كنا نعرف بعضنا البعض ان لم يكن بالاسم فباللقب ..وكنا حريصين خاصّة على تتبّع آثار زميلاتنا التلميذات اعزّهن الله ومتّعنا حتى بابتسامة عابرة منهن … اما النّافع ربّي … حتى الابتسامة في زمننا مهرها غال جدا ..وان حدثت فهي لابد ان تكون في مأمن من كل العيون …عيون ابناء العم والجيران من جهة وعيون المنافسين الذين يطمعون مثلي تماما حتى في ابتسامة …فاذا حدثت مع احدنا امام مرأى الآخرين ..يتساءل الواحد منّا (علاش معاه هو ؟؟… انا مولود في تاكسي ؟؟ مطهّر في شعبة ؟؟ اش زايد هو عليّ ..؟؟ بايي والا نحرّم) … ونقول كل هذا ولا نفعل شيئا ..يعني “تبهبير”… كنا نحن التلاميذ نعشق جدا الركوب مع السائق “الغروبي”… كان يتمتّع بشهيّة غريبة في استعمال الفرامل بشكل مفاجئ وبقوة حتى يرانا اكواما جسديّة نسقط على بعضنا البعض _وما احلى ليس فقط الركوب معه بل الاهم ما احلى الرجوع اليه والسقوط عليه … اشكون ؟؟؟ نائب للمجهول (والاكيد انه معروف عندكم)…

ذات يوم وفي منتصف السنة ركبنا الحافلة كعادتنا و كنّا في كل محطة نعرف بالتدقيق من هم والاصح من هنّ الصاعدات الى الحافلة ..تلك بنت فلان وتلك ابوها التاجر الفلاني او العمدة وثالثة ابنة قابض البريد …

(اليوم ازور الساقية فاجد نفسي غريبا فيها ..ليس فقط لان العديد هاجرها او هجرها ..بل لان سكانها اصبحوا على كل لون يا كريمة… ساقيتي فقدت عذريّتها .. واصبحت مرتعا غريبا لغرباء غريبين …)

.على بعد محطتين من محطّتي كانت هنالك فتاة على نسبة من الجمال ..رصينة جدا ..لم نرها يوما مبتسمة ..متعالية في نظراتها الى حد السخرية من الآخرين… رشيقة في مشيتها وانيقة في اختيار “طابليتها” وابدا ان تجد في تلك الحقبة فتاة دون ميدعة …ابدا ..(موش كيف توة كل شيء واضح ..واضح ..سيّبوني عاد اكيد فهمتو اش معناها واضح) …كنا على ممسافة قصيرة من وصول الحافلة الى باب الجبلي وجاءت فرامل سي الغروبي لتهزّ الجميع هزّا وبكل سعادتنا بالهز…حاولت ان امسك بواحد من الاعمدة الداخلية في الحافلة حتى اتفادى السقوط .. ومسكت يدها التي كانت على العمود .. يد تلك الرصينة الرشيقة المتعالية ..واقسم لكم اني لم اكن انوي مطلقا ذلك … استدارت بكل غضب وقرف وصفعتني بـ (ما ابلدك)… استدرت الى الوراء وعدت اليها سائلا في دهشة: “انا ما ابلدني ؟؟” فماكان منها الا ان قالت وباصرار ولهجة حادّة: اي انتي ما ابلدك ..

تصبّب جبين كُريم عرقا وهو يّهان امام الشلّة .. بعضهم كان مشفقا نظرا إلى الود الذي بيننا ..البعض الاخر كان شامتا في عبدالكريم (اش يحسايب روحو هالفرخ ..؟؟)… وانا كنت مرادفا لسعيد صالح وهو يقول بألم (مرسي الزناتي اتهزم يا رجّالة) ..لم استفق من غفوتي الا والحافلة تصل الى باب الجبلي لتعلن وجوب مغادرتنا لساحة المعركة التي لم تكن معركة … ولكنّها كانت معركة شديدة الهيحان بداخلي انا الذي عشت كامل مراحل عمري مدلّلا من الجميع ..تجي طفلة ما تسوى شيء وتقللي “ما ابلدك”؟ … لست ادري كيف قضّيت ذلك اليوم ولكن كلّ ما ادريه اني قررت الانتقام لكرامتي التي ديست امام الصديق والعدو ..هكذا خُيّل اليّ في مثل سني انذاك ..”تخربيشة متاع كرامة” وفعلا قررت ان الاحقها كل يوم كظلّها في انتظار فرصة ان “امسح بها القاعة” وامام الجميع …

استعدت لذلك ايّما استعداد … صرت اعرف مواقيت خروجها ودخولها للمعهد .. صرت اعرف كل شيء عنها ..عائلتها …جيرانها لكن الغريب انه لم يكن لديها صديقات … كانت دائما وحيدة ..واحترت في ماهيّة وكيفيّة الانتقام منها …ووجدتني بعد شهرين من المتابعة والترصّد … حبيسها …ابن حزم يقول في الحب “اوّله هزل وآخره جد” وانا اقول نعم يا ابن حزم ..والحب ايضا وفي مرحلة من عمرنا هو اشبه بلحظة شروق الشمس ..هل شاهدتم يوما شروق الشمس في لحظاتها الاولى ..هو شبه ضوء مبهر ثم تبرز الشمس فجأة للوجود من اسفل الافق الى سطحه ….وهي لا تنتظرك حتى تتأمل في اشعتها هي تتدفّق بسرعة رهيبة ..عجيبة ..ممتعة ..لكي تغمر الدنيا نورا ..كذلك هو الحب ..الحب لا يستاذنك ..لا يطرق الباب … لا يعلن عن مجيئه كما يعلن الناس المحترمون عن موعد زيارتهم لكم قبل اسبوعين او شهرين او سنتين ..ويحرمونك لذّة الزيارة الفجئية ..اليس افضل ما في حياتنا تلك الزيارة الفجئية ..؟؟؟ ان تستعدّ لامر ما ..فذلك فيه نوع من ميكانيكية المشاعر وترتيبها ..اما ان يفاجئك احدهم بقدومه دون سابق انذار فهذا هو نغم المفاجأة …..هل تذوقتم نغم المفاجأة .. عزف المفاجأة …رقص المشاعر عند المفاجأة …البعض يتعلل بنظام حياته وبعدم استعداده…وبتبريرات فيها كثير من البريستيج الزائف والتمظهر الركيك… وانا افضّل عدم الاستعداد، على تلك الزيارات الرتيبة التي لا حرارة طبيعيّة فيها مهما بلغت درجة حذقنا لتلك الابتسامات البلاستيكية التي لا عبير فيها ..وعيادة تقول في هذا الباب “اذا صفات النيّة لقمة تشبّع ميّة” …

نعم تحوّلت رغبة الانتقام من تلك البنية التي تصغرني بسنتين الى شرارة حب ..اصبحت انتقم من نفسي اكره واكفر باللحظة التي اعتدت فيها يدي على يدها …انتي هو الغفاّص يا سي الشباب ..ماهو ردّ بالك واعرف وين وعلى شكون اتحط ايدك …انتقم حتى من كرامتي المزيّفة خاصّة وانا اكلّف اختي الصغرى بتبليغها مشاعري نحوها ..وهي تجيبها: “قللو يمشي يقرا على روحو خيرلو” …واشي عبدالحليم ..نار يا حبيبي نار … حبّك نار موش عايز اطفيها … وفي يوم من الايام… قسوة حبايبي مغلباني …وبتلوموني ليه … لو شفتم عينيه حلوين قد ايه حتقولو انشغالي وسهد الليالي موش كثير عليه ..وبحلم بيك… و قد ما عمري يطول يا حبيبي حستناك على طول يا حبيبي حستناك على طول …. واشي فريد الاطرش وحكاية غرامي و كتبها زماني عليّ بدمي وبدموع عينيّ….وعدت يا يوم مولدي …. وانا عمر بلا شباب ..وحياة بلا ربيع… اشتري الحب بالعذاب، أشتريه فمن يبيع .. واشي ام كلثوم وحيّرت قلبي معاك وانا بداري واخبي …قل لي اعمل ايه وياك والا اعمل ايه ويّا قلبي ..و للصبر حدود … ما تصبرنيش ماخلاص انا فاض بيّ وملّيت …

كأن تلك الكلمات كُتبت خصّيصا لي انا … وكأن حليم والست والاخرون يعبّرون عما يعيشه كُريّم ..هي كلمات ذلك المراهق الذي يعيش قصّة رهيبة من المشاعر المتدفّقة والصادقة …والتي لا عقل فيها …واندفع قلمي لاول مرة يكتب ما بداخلي بكل عفوية ..انذاك اشتريت كراسا من الحجم الكبير وكتبت فيه اولى مذكراتي وسميتها مذكرات غرام ..كانت خواطري اليومية محلاّة بكل اغاني العشق والوجدان والتي يتطبّع اغلبها بالحزن والهجر والعذاب …ولكن بالصدق ايضا …

وجاء شهر جوان الفضيل …كنا قد اتممنا امتحانات آخر السنة وعلى ابواب عطلة الصيف ..وكانت اختي في بداية عهدها بالتعليم الثانوي (السنة الاولى)…لا تعرف انذاك شيئا عن المشاعر والحب والغرام ..هي فقط تأتمر بأوامر “سيدها” هكذا كانت تدعوني ..وكنت دائم السؤال عن فتاتي هل قابلتها هل تحادثت معها ..وكانت كثيرا ما _(تاكل على راسها) اذا لم تفرحني حتى بخبر من نوع: “اليوم شفتها و لقيتها موش جابدة روحها كيف العادة”… ياااااااااااااااااااااااااااه هل هي بداية الغيث …؟؟؟؟ وتنزل اختي ذات يوم من الحافلة لتذهب الى معهدها على الساعة الرابعة بعد الظهر ويصادف يومها وقت خروجي من معهدي …تمد لي اختي ظرفا مغلقا ..وتقول لي هاذا ليلك ..كنت اتلهى بكورنو كريمة من بائعه في محطة الحافلات بباب الجبلي ..فتحت الظرف فاذا به رسالة من صاحبة (ما ابلدك)… ….طبعا يتبع …باهيشي ؟؟؟

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

صن نار